مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تريد العمل في سويسرا بمجالك؟ هذه السيدة تعرف كيف!

امرأتان تجلسان حول مكتب وبينهما حاسوب
أدارت سوزان تايسمان (على اليسار) لمدة 22 عاماً شركة استشارية لدعم الأشخاص الأجانب المفصولين من العمل في مساعيهم لإإيجاد وظيفة جديدة. وهي الآن مديرة برنامج في مركز "موزاييك" المتخصص في تقديم المشورة والدعم للمهاجرين والمهاجرات من ذوي التأهيل الجيد. Heks/sabine Buri 2018

رغم أن سوق العمل السويسري يعتمد في قطاعات عدة على الأيدي العاملة الأجنبية، إلا أن البعض يفشل في الحصول على الوظيفة المناسبة، لأن الفرص المتاحة لا تناسب مؤهلاته وتحكم عليه بالنفي من مجاله المهني. لكن خبيرة برنامج موزاييك تؤكد أن هناك عدة طرق تؤدي إلى العمل في المكان المناسب،  فمهمة سوزان تايسمان هي اصطحاب المهاجرين والمهاجرات في رحلة البحث عن الوظيفة الأمثل في سويسرا وقصص النجاح في تحقيق هدفها وهدف الآخرين كثيرة. 

منذ قدومه في عام 2015 كلاجئ في إطار برنامج إعادة التوطين وسلام، الفنان ومدرس الفن السوري البالغ من العمر 43 عاماً، عاطل عن العمل. في البداية شرع سلام بالبحث عن عمل في مجاله المهني كمعلم أو في مجال الديكور، لكن محاولاته باءت بالفشل لافتقاده لشهادة معترف بها في سويسرا في علم التربية. مع الوقت وصل سلام إلى قناعة بضرورة المرونة والبحث عن عمل في مجالات أخرى كالفنادق والمطاعم، لكن الحظ لم يحالفه. من جهة أخرى، يؤكد سلام عدم قدرته على العمل في مجالات لا تتطلب شهادات علمية مثل التنظيف أو في مجال البناء، لأنه لا يتناسب مع تصوراته وخبراته المهنية ولا يلائم قدراته الجسدية والصحية.

وضع سلام ليس حالة فردية، ففي سؤال لمتابعينا: لماذا يرفض بعض اللاجئين واللاجئات العمل في سويسرا؟. اشتكى البعض من تجاربهم السلبية في سوق العمل السويسري. فكتب 4MAHMOUD “كثير من الشركات تطلب شروط تعجيزية بالنسبة للاجئ مثل إتقان لغتين أو أكثر والعمر وشهادات الخبرة غير الموجود في عالمنا الشرق أوسطي ناهيك عن شهادات مثل CFC (شهادة الكفاءة المهنية الفدرالية)”.

يواجه بالفعل عدد من المهاجرين والمهاجرات من الدول الثالثة (أي غير العضوة في الاتحاد الأوروبي أو في الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر – التحرير) عقبات في سوق العمل، رغم شهاداتهم وخبراتهم. لكن بالنسبة لسوزان تايسمان لا يوجد مستحيل، وإن كانت المهمة صعبة أحياناً، كما تقول مديرة مركز موزاييك رابط خارجيفي مدينة زيورخ.

سألتُ استشارية التوظيف عن فرص الفنان السوري سلام كواحد من أمثلة كثيرة، فأكدت وجود  إمكانيات عدة متاحة أمام سلام  “إما الحصول على شهادة في مجال التربية أو البحث عن مراكز تعليم غير حكومية يمكنه التدريس فيها أو بدء تدريب كمساعد تدريس أو التحقق من نوع الفن الذي تخصص فيه وإمكانية تدريسه في مدرسة”.

أدارت سوزان تايسمان،  لمدة 22 عاماً  شركة استشارية لدعم الأشخاص الأجانب المفصولين من العمل في إيجاد وظيفة جديدة. وهي الآن مديرة برنامج في مركز موزاييك “HEKS MosaiQ Zurich”رابط خارجي المنتشرة مقراته في العديد من الكانتونات والمتخصص في تقديم المشورة والدعم للمهاجرين والمهاجرات ذات التأهيل الجيّد (أيضاً من قدم إلى سويسرا كلاجئ ء أو لاجئة)، حيث يقوم المركز بالمساعدة في الاعتراف بالشهادات العلمية والخبرات المهنية من أجل استثمار هذه الموارد البشرية في سويسرا .

وتنوه تايسمان إلى أن الطرق في سويسرا متشعبة وأن الفرص والقوانين تختلف من كانتون أو من بلدية أخرى:  “رفضت بلدية تمويل دراسة سيدة لاجئة، فقامت بتغيير محل السكن، وهناك رحبت الجهات المسؤولة برغبتها في الدراسة ودعمتها بمنحة دراسية”. 

وتشير إلى وجود قصص نجاح كثيرة “قدمنا المشورة لصيدلي من سوريا مكناه من العمل في صيدلية في سويسرا وشابة فلسطينية استطاعت الالتحاق بالجامعة في سانت غالن”رابط خارجي.

عمل مركز موزاييك لا  يقتصر في البحث عن الوظيفة المناسبة، بل يمتد إلى تحسين الفرص ، عبر الاعتراف بالشهادات أو البحث عن منحة دراسية أو محل للتدريب المهني أو تدريب عملي ” لأنه قد يكون وسيلة أسرع وأسهل وقد تقرب الشخص إلى ممارسة مهنة قريبة لقلبه”، وفق تايسمان.

في المقابل تلفت تايسمان إلى أهمية أن “يكون الشخص مرناً ومنفتحاً للبدائل”، وهذا بدوره يطرح التساؤل حول فرص النجاح  ومدى واقعية إيجاد فرصة عمل في مجالات بعينها.

ما هو الممكن وما هو المستحيل؟

في سويسرا يوجد  نوعان من الوظائف: وظائف ذات لوائح تنظيمية وأخرى دون لوائح تنظيمية. الوظائف ذات اللوائح التنظيمية مثل الطب والطب النفسي والعلاج الطبيعي والمحاماة. وهذه الوظائف تتطلب شهادات علمية معترف بها في سويسرا. وهذه مشكلة تواجه القادمين من الدول الثالثة.

وتلخص تايسمان كيفية التغلب على العقبات التي تواجه الباحثين والباحثات الأجانب وكيفية تذليلها بالقول: “نساعد في البحث عن أفضل وسيلة ليجد الشخص وظيفة تناسب مؤهلاته العلمية، قد يكون ذلك عبر الاعتراف بمؤهلاته وهذا ليس ممكناً دائما. فهذا يتعلق بالبلد والمجال نفسه وعدد سنوات الخبرة والمعرفة باللغة وتحديداً مستوى (B2) للحصول على تدريب مهني و(C1) للحصول على وظيفة”. 

و هناك وظائف يصعب ممارستها في سويسرا ،مثل المحاماة ولا سيما في حال كان الشخص متقدم في العمر “فالدراسة تحتاج في المتوسط ست سنوات. قد يكون من الواقعي أن يبدأ شخص لم يتجاوز الـ35 من العمر دراسة المحاماة مرة أخرى. وعموماً فإن الشباب لديهم فرص أفضل في سوق العمل من كبار السن وهذا الأمر ليس حكراً على الأجانب، وينطبق أيضاً على أهل البلد”، وفق تايسمان. 

رجل وامرأة يتحاوران في مكان العمل
وفق المكتب الفدرالي للإحصاء، شكل الأجانب والأجنبيات حوالي ثلث القوى الناشطة في سوق العمل السويسري. WESTEND61 / Keystone

“يجب النظر لكل حالة على حدة”

لكن رغم وجود هذه اللوائح التنظيمية لوظائف محددة إلا أنه يبقى هناك أبواباً مواربة يمكن الدخول عبرها  إلى مجالات معينة، كما تشير تايسمان” الأمر يعتمد أيضاً على مجال التخصص والكانتون. لا يمكننا التعميم. يجب النظر لكل حالة على حدة. نتحقق ببساطة من مؤهلات الشخص وما ينقصه وما يمكن البناء عليه وإكماله” .


الطب مثلا هو واحد من أكثر التخصصات تعقيداً وتنظمه لوائح صارمة، لكن في هذا المثال بالتحديد استطاع برنامج موزاييك تمكين طبيب من العمل ” لدينا شخص استطاع إيجاد فرصة عمل كطبيب متخصص في إحدى المستشفيات، رغم أن عمره يتجاوز الخمسين”، كما تؤكد إستشارية التوظيف.

من جهة أخرى يمنح النظام السياسي الكنفدرالي في سويسرا الكانتونات العديد من السلطات وهذا ينعكس بدروه على سوق العمل وتذكر تايسمان مثالا ً ” الأمر يختلف من كانتون لآخر، يصعب على الأطباء مثلاً إيجاد وظيفة في زيورخ لأن كثيرين يودون العمل في زيورخ، بينما قد يكون الأمر أسهل في كانتون فاليه، الذي يعاني من نقص الأطباء”. 

وتضيف :من السهل نسبياً أن يسجل شخص نفسه كطبيب في المكتب الفدرالي للصحة العامة، لكن الأطباء القادمين من الدول الثالثة، لا يحصلون على تصريح لفتح عيادة خاصة دون الحصول على شهادة سويسرية”. 

هل يجب أن أقبل بوظيفة أقل من مؤهلاتي وإمكانياتي؟

تبقى هذه الأمثلة نموذجية للعديد من الأجانب والأجنبيات في سويسرا، فالطريق إلى الحصول على الوظيفة المناسبة تعوقه عقبات البيروقراطية وصعوبات مالية ويحتاج إلى نفس طويل ووقـت. وفي كثير من الأحيان يضطر البعض إلى القيام بأعمال لا تناسبه أو يركن إلى البطالة. عدد من متابعينا انتقد  الجهات المسؤولة عن التوظيف في سويسرا، التي سرعان ما تقترح عليهم القيام بوظائف بسيطة بسبب العوائق التي تحول دون العمل في مجال التخصص.  فكتب Awaz Ali “يريدون فقط أن يعمل اللاجئ أعمال خدمية وأن يقوي البنية التحتية عندهم.” 

“يريدون فقط أن يعمل اللاجئ أعمال خدمية وأن يقوي البنية التحتية عندهم.”  Awaz Ali

وكتبت Huda Abdullahرابط خارجي “أنا حاصلة على دكتوراه في الإدارة وطلب مني ان أعمل كمنظفة تواليت في احد الاماكن..مع احترامي لأي مهنة لكن أن توجه مورد بشري ماهر متدرب وأتى إليكم جاهزا لم تخسروا عليه لا تعليم ولا معيشة والخ وتحطموه بأن تضعوه في سلم الوظائف التي لا تطلب مهارة ولا شهادة هذا إجحاف وخرق لحقوق الإنسان…”.

وترى Afkar Althmbchiرابط خارجي “بالتأكيد العمل حياة وكل وظيفة تحقق هدف للعامل ورب العمل .لكن من الواضح ان هناك استراتيجية للاجئين بسوق العمل يتم توجيهها لهم بالجانب الخدماتي وإن كانوا من أصحاب المؤهلات العليا..”.


“ممارسة المهن البسيطة ليست بالأمر السيئ، لكن في المقابل يجب أن يبحث الشخص بالتوازي عن فرص لممارسة مهن ترضي ميوله وتتوافق مع مؤهلاته”. سوزان تايسمان

بالنسبة للسيدة تايسمان فإنها تنصح بالعمل حتى لو كان لا يناسب المؤهلات في البداية: “ممارسة المهن البسيطة ليس بالأمر السيء. في مجالات الرعاية والنظافة والبناء هناك دائما حاجة لأيدي عاملة وهذه وسيلة للدخول والبقاء في سوق العمل وجمع الخبرات وكسب المال والحفاظ على وتيرة الحياة العملية وإظهار الرغبة في العمل والمرونة وتقدير قيمة العمل، لكن في المقابل يجب أن يحرص المرء على عدم البقاء في هذا المكان كثيراً وأن يبحث الشخص بالتوازي عن فرص لممارسة مهن ترضي ميوله وتتوافق مع مؤهلاته”.  

رأي توافقه Karin Hess، التي دعت على موقعنا إلى التحلي بالصبر حتى يجمع المرء الخبرات المطلوبة “كبداية ممكن أن أعمل في مجال لا يقلل من قيمتي وقريب لمستواي العلمي والعملي حتى أتعلم لغة البلاد وافهمها وكيفية التعاطي مع طبيعة الاشخاص هنا وبعدها ابحث عن الافضل والانسب لي ..لأنني مهما كنت احمل من شهادات لا تنفعني اذا لم اتقن لغة البلد ..صبرا جميلا وستصل إلى ما تصبو إليه باجتهادك ومثابرتك”.

شكراً لك على إثرائك هذا المقال بمساهماتك في باب التعليقات، والتي أصبحت بدورها عماد هذه القصة, حاولت طرح أكبر قدر من النقاط المطروحة من جهتك على مديرة برنامج موزاييك. وعذراً لو لم أتمكن من نشر الكثير، لضيق المساحة المتاحة. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية