مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تعوّض شبكة الإنترنت تقصير الإعلام السويسري تجاه بلدان الجنوب؟

بيتر نيغلي (الأول على اليسار)، إلى جانب عدد من رؤساء تحرير أكبر المؤسسات الإعلامية السويسرية. swissinfo.ch

عبّر "التحالف من أجل الجنوب" الذي يضم أبرز المنظمات السويسرية غير الحكومية المختصة في دعم جهود التنمية، عن أسفه لتراجع اهتمام وسائل الإعلام السويسرية بقضايا بلدان الجنوب، لكنه يأمل أن يعوّض الإعلام الرقمي هذه الخسارة في المستقبل.

هذا الموضوع الذي اختاره التحالف لإحياء الذكرى الأربعين لتأسيسه، كان محور ندوة موسعة استضافتها القاعة الكبرى بكازينو برن يوم الثلاثاء 21 يونيو2011، وحضرها حشد كبير من المشتغلين بالعمل الإنساني في سويسرا، فضلا عن ممثلين عن عدة وكالات حكومية، وسفارات أجنبية، ومنظمات دولية.

ولاحظ المشاركون في الندوة، أن وسائل الإعلام السويسرية اتّجهت خلال العشرين سنة الأخيرة، إلى تقليص اهتمامها بالقضايا الدولية، كما أهملت الموضوعات المرتبطة بجهود وسياسات دعم التنمية في بلدان الجنوب.

تراجع جودة الإعلام

في مداخلته، أشار كورت أومهوف، الخبير في علوم الصحافة وعلم الاجتماع بجامعة زيورخ، إلى مفارقة ملفتة تتمثل في أنه “مع حلول زمن العولمة، أصبحت نظرتنا إلى العالم أضيق، وباتت الصورة التي تقدمها وسائل إعلامنا على هذا العالم أكثر تبسيط وتسطيح”، على حد تعبيره.

ويُرجع أومهوف هذه الظاهرة إلى “نقص الجانب التوثيقي، وضمور البعد البحثي في العمل الإعلامي المعاصر، الذي بات يسعى إلى إثارة الغرائز، وتجييش العواطف، وتحقيق أكثر ما يمكن من الربح عبر الإشهار والتسويق التجاري”، ما أدى إلى ظهور الصحف المجانية، وتراجع الجودة والنوعية.

وفي إشارة تمزج بين المزح والسخرية، أضاف الخبير الإجتماعي: “لاحظنا اهتماما استثنائيا من وسائل إعلامنا ببلدان الجنوب خلال عام 2010، لكنه اهتمام اقتصر على جنوب إفريقيا، بوصفها الدولة المنظمة لمنافسات كأس العالم لكرة القدم”.

مقابل هذا التراجع في جودة التغطية الإعلامية، سجّل أومهوف انكفاء الإعلام في بلاده على تناول القضايا المحلية والوطنية، وانخراطه في حملات تشيع الخوف والقلق، في لحظة شهد فيها المجتمع السويسري تحوّلات مهمة، كان من مظاهرها، تزايد عدد المهاجرين، وانتشار انماط ثقافية جديدة، وتوسّع الاتحاد الاوروبي، وصعود احزاب يمينية وشعبوية ركبت موجات التخويف من “أسلمة المجتمع”، ومعاداة الأجانب.

استياء السياسيين

لم تكن النخبة السياسية متسامحة  بدورها مع أداء وسائل الإعلام، حيث أشار مارتين داهيندن، مدير الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، في كلمة قصيرة توجه بها إلى الحضور إلى أن المشكلة “لا تكمن فقط في أن وسائل الإعلام تصرف أغلب الوقت في بث برامج ترفيهية، بل إنها حتى عند نقلها لأخبار الكوارث والمآسي الإنسانية تصيغها بطريقة سلبية، ولا تتوقف عندها بالتعمّق والتحليل”. فهي لا تشير مثلا إلى “ما يمكن أن يقوم به المجتمع السويسري لتغيير ذلك الواقع، أو في دعم ومساندة الضحايا”.

وتكمن خطورة هذا الأسلوب في معالجة قضايا جوهرية وذات أبعاد خطيرة مثل الهجرة، والفقر، والمرض، ونقص المياه وغيرها في أنه “يؤثّر بشكل سلبي على نظرة الشباب، والفئات الاجتماعية محدودة التكوين، إلى قضايا العالم الثالث، ويجعلهم ينظرون إلى الأزمات والحروب والكوارث، على أنها فظائع تثبت تفوّق الذات، ودونية الآخر”، على حد قول داهيندن.

وبعد تعداده للجهود التي تبذلها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في مجال التوعية بقضايا الجنوب، خاصة في صفوف النخب السياسية، ما أدى إلى إقرار البرلمان السويسري في الفترة القليلة الماضية لخطة تهدف إلى ترفيع نسبة إسهام برن في جهود التنمية الدولية من 0.4% من إجمالي انتاجها المحلي إلى 0.5% بحلول موفي 2014، دعا داهيندن وسائل الإعلام السويسرية إلى “الإضطلاع بمسؤولياتها الاجتماعية والإنسانية”.

بدورها، أعربت تيريزا فروخ، النائبة البرلمانية عن حزب الخضر بكانتون برن، عن أسفها “لشغل وسائل الإعلام لأغلب اوقاتها في برامج ترفيهية، ومعالجة موضوعات القصد الوحيد منها مضاعفة المبيعات، وتحقيق الأرباح، وزيادة عدد المشاهدين”.

ولاحظت هذه البرلمانية أنها حينما تتأمّل وسائل الإعلام السويسرية تكتشف أن “ما تنشره يفتقد إلى العمق والتحليل، وهذا يجعل موادها بعيدة عن الواقع، وتعكس الأفكار المسبقة التي كان أولى بالإعلام أن يحاربها”.

في المقابل، اتهمت تيريزا فروخ المؤسسات الإعلامية بتجنّب التطرّق إلى القضايا الحقيقية التي تهم الرأي العام مثل قضايا التجارة غير العادلة على الساحة الدولية، والنشاط المريب والمشبوه الذي تقوم به بعض الشركات المتعددة الجنسيات في الكونغو مثلا، وختمت كلمتها قائلة: “أحيي إعلان برن والتحالف من أجل الجنوب على الدور الكبير الذي يقومان به في هذا الجانب”.

من جهتها، لفتت السيدة آن ماري هولنشتاين، التي مثلت المجتمع المدني، والتي سبق أن عملت كصحفية، ومديرة لمنظمة “حركة الصوم” الخيرية، ، الأنظار إلى أن قضايا بلدان الجنوب بطبعها معقّدة، وتتطلب إعلاميين متخصصين، وهي فئة يندر وجودها اليوم في سويسرا. ولذلك ترى أنه من المفيد بالنسبة لمن يريد التعرّف بدقة على واقع تلك البلدان “الإشتراك في الدوريات التي تصدرها المنظمات المحلية والدولية المعنية بدعم جهود التنمية، أو الإلتجاء إلى الإعلام الرقمي”، الذي تزداد أهميته مع الوقت.

ولم تغفل هذه الناشطة في صفوف المجتمع المدني السويسري، التأكيد على أهمية شبكات التواصل الإجتماعي، مؤكدة أن الإستفادة منها لا تتحقق إلا عندما يسبق فعل ونشاط المنظمات التنموية على الميدان جهودها المبذولة في مجال الإعلام والتوعية.

الكلمة لممثلي الإعلام

حاول ممثلو أربع مؤسسات إعلامية سويسرية كبرى الرد على هذه الإنتقادات، وكان من بين هؤلاء ماركوس موغلين، من الإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية (DRS)، وطوماس شوابي، رئيس تحرير البرنامج الإخباري Tageschauبالتلفزيون السويسري الناطق بالألمانية، وبيار فييا، رئيس تحرير صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية بجنيف، وروس شتيهل، رئيس التحرير المشارك بصحيفة تاغس أنسايغر الصادرة بزيورخ.

وخلال الحوار، أكد فييا، المسؤول عن صحيفة “لوتون” أن الكثير من المؤاخذات السابقة ليست دقيقة وقال: “لدينا شبكة واسعة من المراسلين في بلدان الجنوب يفوق عددهم الأربعين صحفيا”. وأضاف: “نحن بصدد إنشاء شبكة واسعة من المراسلين في البلدان العربية، ونعتقد أن مصر سوف تصبح مركزا مهما للإعلام الدولي، وانطلاقا منها سوف تستطيع أي وسيلة إعلام تغطية الشأن الإفريقي عامة”.

في المقابل، اعترف روس شتيهل، من صحيفة تاغس أنسايغر، بوجود تقصير في تغطية مستجدات بلدان الجنوب، ويرجع ذلك بحسب قوله إلى قلة الخبراء في المجال، وإلى خطط التقشّف المعتمدة بعد تراجع الموارد المالية نتيجة الأزمة الإقتصادية الأخيرة وقال: “في السنتيْن الماضيتيْن تراجعت مواردنا بنسبة 50%، ولم يكن أمامنا من حل سوى الحد من عدد المراسلين”.

ولتجاوز هذا النقص، يقول شتيهل: “هناك وسائل إعلام سويسرية أخرى تقوم بعمل جيّد في هذا المجال مثل صحيفة “در بوند” الصادرة في برن، وسوف نتعاون معها ومع غيرها لسد هذا الفراغ”.

طوماس شوابي، من إذاعة سويسرا الناطقة بالألمانية دعا في تدخله إلى “الموضوعية” في تقييم عمل وسائل الإعلام، وقال: “إنه من الصعب التطرق إلى مستجدات العالم الثالث، لان الحديث عنه يرجعنا دوما إلى الحروب، والنزاعات، والكوارث، والفقر، ونأمل أن يتجلى وجه آخر لهذا العالم”.

ولعل ما يحدث اليوم في العالم العربي من ثورات ديمقراطية، وسعي إلى الإصلاح سوف يحفّز الإعلام السويسري إلى مزيد من الإنفتاح على بلدان الجنوب، وإن ظل محكوما بحسابات الربح المالي، ودعم اللوبيات، وإرضاء القارئ والمستمع والمشاهد المحلي. ويصبح هذا الأمر مفهوما إذا علمنا أن التطرّق إلى الفضيحة الجنسية لرئيس البنك الدولي السابق، زادت في مبيعات إحدى الصحف السويسرية بنسبة 40%، في حين أن ملحقا ثريا حول تطورات الربيع العربي، أو مميزات النموذج التنموي في الهند، لم يحقق أي مداخيل إضافية لها.

هو مجموعة مشكلة من ستّ مؤسسات سويسرية غير حكومية مختصة في تقديم المساعدات والإعانات من أجل التنمية: سويس آد، وحركة الصوم، والخبز للجميع، وهيلفيتاس، وكاريتاس، وإيبار.

تأسس هذا التحالف سنة 1971. ويتمثل هدفه الأساسي في التأثير على السياسة السويسرية وتوجيهها لخدمة الشعوب الفقيرة عبر العالم.

ينشط هذا التحالف خاصة من خلال تنظيم الندوات العامة، وحشد الرأي العام عبر العرائض والمبادرات، والحملات الدعائية، وعبر تنظيم حملات توعية واسعة.

لا يوجد أي بلد عربي ضمن قائمة البلدان والمناطق الـ 15 ذات الأولوية بالنسبة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. إذ تشمل القائمة (حسب أرقام يناير 2011) غالبية من دول القارة السمراء .

  

في المقابل، تتوفر الوكالة على مكتب في الأراضي الفلسطينية المحتلة يدير “برامج خاصة” في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار التعاون الثنائي التنموي. (11,5 مليون فرنك من القرض المخصص لدعم بلدان الجنوب).

  

وللوكالة مكتب في العاصمة الأردنية عمان يدير نشاطاتها التنموية أيضا في كل من الأردن ولبنان وسوريا والعراق.

   

أكدت وزارة الخارجية السويسرية يوم 22 مايو 2011 افتتاح فرع للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في تونس في سياق وضع الإستراتيجية التي حددتها الحكومة الفدرالية تجاه شمال افريقيا موضع التنفيذ.

  

وفي إطار المساعدات الإنسانية ومن خلال أدوات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف،  تنشط الوكالة في كل من السودان واليمن ومؤخرا في ليبيا (على إثر الانتفاضة التي اندلعت في منتصف فبراير 2011)، كما تواصل مساندتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.

  

تقر الوكالة بـ “الأهمية التي تكتسيها ترجمة صحفاتها على الإنترنت المرتبطة بالبرامج الخاصة وبالوثائق الأساسية للتعريف بنشاطاتها بصورة شفافة وشاملة في البلدان الشريكة.

ذكرت السيدة بورغي روس، رئيسة قسم أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط في الوكالة، أنها وفرت بالفعل موقعا باللغة العربية عن برنامجها الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أن الموقع الإلكتروني لمكتب الوكالة في العاصمة الأردنية عمان وبعض الوثائق الاستراتيجية هي في طور الترجمة. أما توفير ترجمة بالعربية لموقع الوكالة الرئيسي فليست واردة بعد، حسب السيدة روس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية