مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تقتصر صناعة الحروب على الرجال؟

في عام 2022، شهد كوكب الأرض 27 صراعًا مسلحًا، وكما هو الحال دائمًا في تاريخ البشرية، فإن الرجال هم صانعو قرار الحرب ووقودها. فهل يعني ذلك أن الحرب صناعة "الجنس الأقوى"؟ وهل تستطيع المرأة تغيير السياسات الأمنية؟ المتخصصة في العلوم السياسية لياندرا بياس، خبيرة في مسائل الاستبداد ومعاداة النسوية ولديها إجابات واضحة على هذه الأسئلة.

swissinfo.ch: السيدة بياس، هل الرجال هم من يشنون الحرب بشكل أساسي؟

ليندرا بياس: يهيمن الرجال على الحروب بمعنى أن الرجال ممثلون بشكل غير متناسب في السياسة وبالتالي يتخذون عادة قرار شن الحرب. علاوة على ذلك، يهيمن الذكور بشكل ساحق على الجيش في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن يقول إن الحرب شيء ذكوري لأسباب بيولوجية. بل إن السبب يكمن في أنه يتم تربية الأولاد ليكونوا أكثر عدوانية ويتم تربية الفتيات على رفض العنف، حتى في سويسرا.

بمجرد وصول النساء إلى السلطة، نكتشف أنهن يتبعن ذات السياسة الأمنية مثل نظرائهم الذكور ويخضن الحرب بنفس الطريقة. والأمثلة كثيرة: رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في جزر فوكلاند ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في العراق وهيلاري كلينتون في ليبيا والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في أفغانستان. ألا تدحض هذه الأمثلة نظرية النسوية؟

لا، لأن أيا من النساء المذكورات لم تنتهج سياسة خارجية نسوية. القضية ليست فقط تحقيق المساواة العددية بين الرجل والمرأة، بل التغلب على هياكل السلطة. السياسة الخارجية النسوية ستأخذ ذلك في الحسبان وستلغي الهيئات التي يجلس فيها الرجال فقط ولا سيما نوعاً معيناً من الرجال. بدلاً من ذلك، سيتم إنشاء قنوات وعمليات لتضمين تمثيل الأقليات، التي تم تجاهلها لقرون. وسيتم أخذ قضايا أخرى في السياسة الأمنية بعين الاعتبار، منها على سبيل المثال، قتل النساءرابط خارجي.

الحقيقة هي أن جميع المؤسسات منظمة بطريقة سلطوية أبوية بحكم الأمر الواقع. هذه هي نتيجة نظامنا الأبوي (البطريركي) وهذه الهياكل يمكن تغييرها بضمان تمثيل لا يقل عن 30 في المائة من النساء في السياسة الخارجية العالمية – بدءًا من الدبلوماسية وانتهاء بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بهذه الزيادة ستتغير السياسة الأمنية أيضاً.

محتويات خارجية

إلى أي مدى يُمكن للمرأة التي تنتهج سياسة خارجية نسوية اتخاذ قرارات مختلفة؟

يهيمن الرجال على السياسة الأمنية، ليس فقط لأن الرجال يسيطرون على السلطة، ولكن لأن العقلية الذكورية هي المهيمنة. أي أن هناك افتراضًا بأن المرء يشعر بأمان أكبر عندما يكون لديه سلطة على الآخرين. يؤدي تفكير الهيمنة الذكورية هذا أيضًا إلى اضطهاد المرأة في المجتمع.

نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في السياسة الأمنية بشكل عام وإدخال طرق تفكير نسوية وترسيخ قيم التصالح والتعاطف، فعندما نتحدث عن الأسلحة، فإننا لا نتحدث عن أرقام مجردة، بل نتحدث عن ملايين الوفيات.

على مدى السنوات العشرين الماضية، بلغت نسبة تمثيل النساء في قيادة المفاوضات في عمليات السلام الرئيسية 13 %، ووصلت إلى 6 % في عمليات الوساطة وتوقيع الاتفاقيات. ولم تشارك أي امرأة بشكل كبير في حوالي ثلاثة أرباع عمليات إحلال السلامرابط خارجي. هل هناك أي دليل على أن مشاركة المرأة في عمليات السلام لها تأثير إيجابي على حل النزاع؟

كشفت دراسة رابط خارجيأنه عندما تشارك النساء في مفاوضات السلام كوسيطة أو كطرف مُوقّع، فإن خطر الانتكاس والعودة إلى الصراع ينخفض ​​بشكل كبير ويستمر السلام في المتوسط ​​لمدة 15 عامًا. يبدو لي أن هذا دليل قوي على أهمية مشاركة المرأة. وتمكنت دراسة رابط خارجيأخرى من إثبات أنه عندما تشارك النساء بشكل كبير في مفاوضات السلام، يتم أيضًا تضمين الفئات المهمشة الأخرى. السلام الذي تم التوصل إليه في كولومبيا هو مثال جيّد على ذلك: فقد أصرت النساء على أن يتم السماح لهن بالمشاركة في مفاوضات السلام، بما في ذلك النساء في القوات المسلحة الثورية الكولومبية. بفضل جهودهن، تم التفاوض على اتفاقية سلام تعتبر الأكثر شمولاً لجميع فئات المجتمع على الإطلاق. أدركت الحكومة بهذا أهمية تحقيق المساواة بين الجنسين لضمان السلام على المدى الطويل. كما نصت الاتفاقية على وجوب ضمان حقوق المرأة في المناطق الريفية وضرورة تحسين المشاركة السياسية العامة للمرأة وحماية حقوق ضحايا العنف الجنسي.

تقولين إن حرب روسيا على أوكرانيا لها علاقة أيضًا بالديمقراطية والمساواة بين الجنسين. هل يُمكنك توضيح ذلك؟

منذ عام 2009 والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث بانتظام في خطبه عن القيم التقليدية لروسيا. وفق مفهومه، فإن هذه القيم الخاصة، التي تروج لها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لا تتوافق تمامًا مع “القيم الغربية” ويجب حمايتها، كما يقول. وهكذا ظهر نوع من عقيدة الدولة الجديدة. أعلن بوتين أن النسوية تشكل خطرًا وأن النسوية والعدالة بين الجنسين شيء غريب ومهدد للقيم المجتمعية الروسية. عقيدة الدولة هذه أتاحت لبوتين لاحقًا بتصوير الصراع مع أوكرانيا على أنه مسرح لصراعه الثقافي مع الغرب. في نظره، فإن أوكرانيا محتلة عملياً من قبل الغرب المنهار أخلاقياً. وإذا استمر هذا التطور، فلن يستغرق الأمر سوى بضع سنوات أخرى حتى يصل الهوس بالمساواة إلى روسيا أيضًا. وهكذا أصبح الغزو فجأة ليس حربًا عدوانية، بل ضربة استباقية، وتم التقليل من شأن العدوان العسكري الفعلي تمامًا. وهذا جنون.

في “حرب القيم” المزعومة، يتلقى بوتين أيضًا دعمًا من دول عديدة حول العالم، وكذلك من بعض الأحزاب المحافظة في أوروبا. هل تعتقدين أن أوروبا يمكن أن تكسب هذه الحرب الفكرية؟

هذا سؤال صعب وهو محور الحرب في الوقت الحالي. كما قلت هناك أحزاب وحركات معينة من أقصى اليمين في أوروبا تدعم هذه التوجهات الروسية. هناك أيضًا بعض الأحزاب المحافظة التي تصور هذه الأيديولوجية الجندرية التي شيطنها بوتين باعتبارها تهديدًا كبيرًا. لكن في الواقع، سيكون من المهم أن يُدرك الساسة من النساء والرجال، الذين يلعبون دوراً محورياً تمامًا في ديمقراطياتنا، أنهم قد يتحولون إلى بوق لبوتين وأن الخطر الحقيقي، الذي يهدد مجتمعاتنا، ليس عدالة النوع الاجتماعي وحركة مناهضة العنصرية، بل إضعاف الديمقراطية. إن تعزيز حقوق الإنسان يصب في صالح الديمقراطية.                                            

ما هي العلاقة بين الديمقراطية والمساواة والسلام، ما هو السبب وما هي النتيجة؟

في الماضي، كان هناك افتراض بأن الديمقراطية يجب أن تأتي أولاً، وبعد ذلك ستتحقق المساواة في مرحلة ما. لذا تم استبعاد النساء في كثير من الثورات. لكن من الثابت علمياً اليوم، أن الثورات، أي الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، تصبح أكثر فاعلية عندما تشارك النساء فيها. وتُظهر دراسة ستُنشر قريبًا أنه كلما كانت حركات الإصلاح أكثر شمولية، كلما زاد احتمال التطور الديمقراطي. وهذا يكشف بوضوح سبب خوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المعارضة النسوية.

محتويات خارجية

هل يمكن دعم الديمقراطية والمساواة بين الجنسين في البلدان الأخرى دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودون التورط في نشر الإمبريالية الثقافية؟

أولاً، علينا الابتعاد عن فكرة أن النسوية وحقوق الإنسان مبادئ غربية. العدالة والنسوية قيمتان عالميتان. يجب ألا نقع في فخ النسبية الثقافية، فهذا أمر خطير للغاية. ومع ذلك، فإن الحساسية للتاريخ الاستعماري أمر مهم. فهده الاتهامات تأتي من المجتمعات، التي تم احتلالها وقمعها. لكن يجب ألا نسمح للحكام المستبدين تحت أي ظرف من الظروف بتسويق هذه القيم على أنها قيم غربية، فهي قيم إنسانية.

لذلك من المهم تعزيز دور المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان في بلدانهم. النشطاء والناشطات هم على دراية أكثر بكيفية تحقيق العدالة في مجتمعهم. يجب أن يأخذوا هم زمام المبادرة ويتعيّن علينا دعمهم فقط. يمكن لشركاء الوساطة الدوليين أيضًا التأكيد مرارًا وتكرارًا على أهمية مشاركة المرأة في المفاوضات ودعم المجالس المواطنية في المجتمع المدني النسوي الموازية لمجالس الدولة الحكومية وإرسال مطالبهم إلى النخبة المشاركة في المفاوضات.

تعزيز المساواة بين الجنسين هو أحد الأركان الأساسية للسياسة الخارجية السويسرية. ما الذي يُمكن لسويسرا وما الذي ينبغي أن تفعله عندما تشغل مقعدها في مجلس الأمن الدولي اعتبارًا من عام 2023 لدعم المساواة؟

سيكون من المهم أن تدعو سويسرا ناشطات من أوكرانيا للتحدث في مجلس الأمن ووضع قضية المساواة بين الجنسين على جدول أعمال المجلس. كما يجب على وزارة الخارجية ضمان زيادة عدد النساء في السلك الدبلوماسي. لكن هذا ليس كل شيء. قالت الناشطة النسوية كريستينا لونتس ذات مرة: المساواة لا تعني مجرد جعل النساء يشاركن في الطاولة المستديرة، بل يجب إعادة بناء الطاولة. وهذا بالطبع تحدِّ صعب.

مجال آخر هو القانون الدولي: حيث يجب ترسيخ النهج النسوي في المحكمة الجنائية الدولية أو في مكاتب الادعاء العام، على سبيل المثال، في تعريف العنف أو في كيفية تقديم الأدلة في حالات الاغتصاب أو تحقيق العدالة بعد النزاعات. يُمكن مثلا عبر إنشاء محاكم النساء، حيث يمكن لضحايا العنف الجنسي الإبلاغ عما مررن به وإسماع أصواتهن وبالتالي الشعور بأدنى قدر من العدالة. من الصعب إثبات جرائم الاغتصاب، لكن هذه المحاكم العرفية وعلى الرغم من عدم وجود عقوبة، تتيح نوعاً من العدالة الرمزية أو العلاجية والتي تساهم بشكل كبير في التئام الجراح. سيكون هذا تحولًا جذريًا في السياسة الأمنية – على الأقل عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الحروب وآثارها.

تحرير: مارك لويتنيغر

تعرف على المزيد حول هذا الموضوع:

المزيد
من داخل جنيف

المزيد

من داخل جنيف: اسهام النساء في مجال الأمن والسلام

تم نشر هذا المحتوى على من الحرب إلى انعدام الأمن الغذائي وتغير المناخ ؛ هل سيكون العالم مكانًا أفضل وأكثر أمانًا إذا تعززت مشاركة المرأة في صناعة القرار ؟

طالع المزيدمن داخل جنيف: اسهام النساء في مجال الأمن والسلام

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية