مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تمهّد الإنتخابات البرلمانية لربيع جزائري “على المقاس”؟

في 18 مارس 2012، عقد قادة 3 أحزاب ذات توجهات إسلامية وهي حركة النهضة (فاتح الرباعي، على اليسار) وحركة مجتمع السلم (أبوجة سلطاني، في الوسط) وحركة الإصلاح الوطني (حملاوي عكوشي على اليمين) ندوة صحفية في الجزائر العاصمة للإعلان عن تشكيل تحالف سياسي مشترك استعدادا لخوض الإنتخابات البرلمانية. swissinfo.ch

تتبارز سبع وثلاثون قائمة انتخابية، يوم العاشر من مايو المقبل، على دخول البرلمان الجزائري، تحمل كلها وعودا بالتغيير وما هو أحسن للجزائريين، لكن يبدو على غالبيتها، ظاهرة المغلوب على أمره، فهي تعرف جيدا ما لا تريد، فيما هي تجهل ما تريد و بشكل يثير الدهشة.

تعتبر “القائمة الخضراء” التي تضم أحزابا إسلامية متحالفة مع الحكومة بصيغ وأشغال مختلفة، أول تكتل انتخابي يضم أحزاب حركة مجتمع السلم العضو السابق في الإئتلاف الحكومي، وحركتي النهضة والإصلاح اللتين انشقتا عن الشيخ عبد الله جاب الله في أوائل الألفية الثانية “بإيعاز من مصالح الأمن”، حسب أقرب الترجيحات الصحافية.

وقد عمدت هذه القائمة الخضراء، إلى تقديم نفسها في الملصقات الإنتخابية، عبر وجه واحد في كل ملصقة، في حين أن القائمة قد تضم أربعة وعشرين مرشحا لا ترى صورهم البتة، وهو ما اعتبره كثيرون محاولة للفرار من تقديم وجوه قديمة أو جديدة، لا يرضى عنها الناخبون.

مثال ذلك تقديم السيد عمر غول وزير الأشغال العمومية، في الملصقة الخاصة بالقائمة الخضراء للعاصمة، في حين أن المكان يتسع لأكثر من أربعة وعشرين مرشحا، وقد منح إستطلاع نشرته يومية “الوطن” الناطقة بالفرنسية هذه القائمة اثنين في المائة من أصوات الناخبين الجزائريين.

في المقابل، يذهب الصحافي غمراسة عبد الحميد من يومية “الخبر”، إلى أبعد من هذا الإحصاء الذي يحمل أخطر المعاني للقائمة الخضراء، ويقول في تصريح لـ swissinfo.ch: “أعتقد أن إحصاء يومية الوطن، ولو فرضنا صحته في حق القائمة الخضراء المغضوب عليها شعبيا، إلا أن الإحصاء في حد ذاته قادم من يومية ناطقة بالفرنسية، وهي علمانية معارضة للإسلاميين”.

ويضيف غمراسة عبد الحميد: “هناك إسلاميون غير القائمة الخضراء، ممن ستوجه لهم أصوات نسب لا بأس بها من الناخبين، مثل حزبي عبد الله جاب الله، وجبهة التغيير التي يرأسها عبد المجيد مناصرة، وكلا الحزبين، ينالان رضى الأنصار السابقين للجبهة الإسلامية للإنقاذ بدعم من قادتها أنفسهم، وكل هؤلاء سينالون أكثر من اثنين في المائة التي ادعاها إحصاء يومية الوطن”، على حد قوله.

انشقاقات في جبهة التحرير

من ناحية أخرى، التهبت الساحة السياسية بأحزاب جديدة انشقت عن جبهة التحرير الوطني ورئيسها عبد العزيز بلخادم، وآخرين منشقين عن عبد المجيد تواتي زعيم الجبهة الجزائرية، وآخرون عن رئيس الحكومة أحمد أويحي، وأسس الجميع أحزابا أو دخل في قوائم حرة، فيما فضل آخرون تمثيل أنفسهم في قوائم حرة، طمعا في دعم بني حيهم أو مدينتهم أو قريتهم.

وفي هذا السياق، يُعلّق أحد المحامين في ولاية البليدة، رفض الكشف عن هويته لـ swissinfo.ch قائلا: “لقد رأت الدولة ومخابراتها أن الأمر يستلزم تلغيم البرلمان وتحويله إلى فسيفساء ملونة، عوض الإتكال على رأي الناس الذين قد يميلون إلى الإسلاميين، لذا أفسحت وزارة الداخلية المجال أمام أحزاب جديدة كثيرة يجهلها الناخبون، لكنها تُعرف في الأوساط الضيقة، ما يعني أن استقطابا حادا سيميز هذه الإنتخابات ولن تكون الغالبية فيها لأيّ حزب”.

“لماذا لا نغير الرئيس؟”

هذا الرأي يُشاطره الكثير من الجزائريين الذين سألتهم swisinfo.ch في الشارع، منهم عز الدين من حي الحراش، شرق العاصمة، الذي يقول: “عمري ثلاث وعشرون عاما، ولا أعرف أيا من المرشحين، لكني مع ذلك لن أصوّت، لأن عدد من تطلب منا الدولة التصويت عليهم كثير، وأنا لا أثق فيهم جميعا”.

ولدى سؤال بعض الشبان في حي حسين داي، شرق العاصمة عن الإنتخابات البرلمانية، أجاب أولهم عبد الرحمان: “هل سيترشح بوتفليقة في الانتخابات؟ ثم لماذا يريدون تغييره، إنه رئيس جيد؟”، فيجيب صديقه سمير ضاحكا: “لقد غيّرنا المدرب الوطني لكرة القدم رابح سعدان، وجلبنا وحيد خليلوزيتش من البوسنة والهرسك، فلماذا لا نغيّر الرئيس؟”

وعند تذكيره بأن البلد الآن “في انتخابات برلمانية، وليس في انتخابات رئاسية، يعني أن بوتفليقة لن يترشح”، يجيب عبد الرحمان: “لقد قلت لنفسي، لو أعطوني ثلاثة آلاف دينار، لصوّتّ لصالح بوتفليقة، لكني لا أعرف أنها انتخابات للبرلمان، لم يخبرني أحد”، فيعلق صديقه سمير: “هذا صحيح، هذه أول مرة نسمع فيها بالإنتخابات البرلمانية، يعني تقصد أنهم سيذهبون إلى البرلمان، وبوتفليقة لا علاقة له بها، ولكن لماذا؟”

بمثل هذا الصنف من الإجابات والردود، احتارت وسائل الإعلام الحكومية فيما تفعل، لذلك خرجت أصوات عديدة من التلفزيون الوطني الجزائري، تندد بما يحدث داخل جدرانه، من قصّ متعمد للصور التي تظهر جهل قطاعات واسعة من المواطنين الجزائريين بماهية الإنتخابات المقبلة، وهل هي برلمانية أم رئاسية. 

في مقابل ذلك، تُظهر قنوات تلفزيونية أخرى تابعة للقطاع الخاص تبث من الإمارات أو الأردن، مثل تلك الصور التي يقصّها التلفزيون الحكومي، ومنها قناتي “النهار الجديد” و “الشروق تي في”، إلا أنها تتفق – مع التلفزيون الحكومي – في مدح الرئيس الجزائري كلما سنحت لها الفرصة بذلك.

التغيير مُـؤجّــل

بالعودة إلى البرامج التي تعرضها الأحزاب السياسية في حملتها الإنتخابية على الجزائريين، يتضح أنها تنقسم إلى صنفين: الأول مساند لبرنامج الرئيس ومؤيد للإستمرار فيه، مثل أحزاب الإئتلاف الحاكم (جبهة التحرير والتجمع الوطني وحركة حمس)، والأحرار المقربين منه، فيما يقف ما تبقى من أحزاب إسلامية غير حكومية على طرف النقيض، رافضة البرنامج واصفة إياه بـ “الكارثة” على البلد.

وأول من يناله النقد من قبل تيارات مثل “جبهة التغيير” التي يترأسها عبد المجيد مناصرة، هو رئيس الحكومة أحمد أويحي، الذي “شجع على إهدار أموال الجزائر، فما نستورده قيمته أربعون مليار دولار أمريكي، وما نصدره لا يزيد عن ثلاث مائة مليون، والرجل يقف حجر عثرة تجاه أي إصلاح اقتصادي”، على حد قول مناصرة.

في المقابل، لا تبدو علامات تغيير شامل في الأفق، فالكل يتحدث عن التغيير الاقتصادي وإيجاد فرص عمل للشباب، لكن ليس هناك توجه عملي لتغيير قوانين الإستثمار التي وضعها أويحي أو التخلص منها بشكل نهائي، وهو ما أثار تعجّب غرف التجارة الغربية في الجزائر وخاصة منها الإيطالية والفرنسية.

في الوقت نفسه، يرى المحلل السياسي، ناصر الدين سعدي، أن التغيير غير مُمكن هذه المرة في الجزائر ويضيف في تصريح لـ swissinfo.ch: “علينا أن ننتظر انتخابات الرئاسة عام 2014 أو رحيل بوتفليقة وانتظار برنامج أبرز مرشح، لأن الغالبية تريد التخلص من سلطة بوتفليقة على البرلمان أولا ثم الحديث على الإصلاحات الشاملة”. من جهتها، لم تخرج برامج الأحزاب قاطبة عن أحاديث إصلاح الإدارة، دون إعطاء أمثلة ملموسة باستثناء المطالبة بالتقليل من ضغط البيروقراطية، أو الوعد بغرس مائة ألف شجرة حمضيات أو مائتي ألف شجرة نخيل في الجنوب الكبير.

ربيع جزائري؟

أخيرا تشير أحدث التوقعات، رغم تقليلها من نسب المشاركة في التصويت، إلى أن الإسلاميين سيكونون الأوائل في الإنتخابات من دون إحراز غالبية حقيقية، ثم يليهم الأحرار، فيما ينتظر أن تُصاب أحزاب الإئتلاف الحاكم بهزيمة منكرة، غير أن البعض لا يُخفي خشيته (إذا ما صحّت هذه النتائج واقترنت بعدم حصول الإسلاميين على غالبية مطلقة) من تحرك المال الخاص، لشراء ذمم بعض من النواب الأحرار من قبل الأحزاب الخاسرة في السباق.

هذا السيناريو حذر من حدوثه عبد المجيد مناصرة، الذي أكد أيضا أن من شأن سلطة بوتفليقة على البرلمان (من خلال ما جرّده منه من صلاحيات خلال السنوات الماضية)، أن تُوتّـر الوضع في البلد، وهو أمر حذر منه أيضا، علي بلحاج، زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة.

في الأثناء يؤكد بعض المقربين جدا من دوائر صنع القرار في العاصمة الجزائرية، أن “هذا لن يحدث” وأن “الإسلاميين يُبالغون”. كما يشددون على أن الوضع “تحت السيطرة”، وستمر الإنتخابات “من دون أية مشاكل”، ما يعني أن الجميع يحبس أنفاسه في انتظار معرفة النتائج وما قد يحدث بعدها من تفاعلات.

فهل ستشهد البلاد ربيعا عربيا آخر، أم أنها بصدد “ربيع جزائري”، حسب عمارة بن يونس، الزعيم القبائلي الذي انشق عن الدكتور سعيد سعدي (مؤسس التجمع من أجل الثقافة والتقدم الذي قرر مقاطعة التشريعيات)، وهو يُشارك الآن في الإنتخابات، وشعاره الأساس: “حرية الإقتصاد وقطع الطريق على الإسلاميين”.

انطلقت يوم الاحد 15 أبريل 2012 الحملة الانتخابية استعدادا للانتخابات التشريعية التي ستجري في الجزائر في العاشر من مايو، بمشاركة 44 حزبا للتنافس على 462 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني، بعد سنة تماما على خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي اعلن فيه اصلاحات سياسية لتفادي تداعيات “الربيع العربي”.

وأعلنت وزارة الداخلية وهي المشرف الاداري على الانتخابات انه تم تسجيل 2035 قائمة مرشحين منها 1842 تحت رعاية 44 حزبا سياسيا، و211 قائمة لمرشحين مستقلين.

وتم رفع عدد النواب من 389 في المجلس الشعبي الوطني الحالي الى 462 استنادا الى زيادة عدد السكان الذي تجاوز ال 36 مليون نسمة منهم 21 مليون ناخب.

وكان الرئيس الجزائري اعلن في الخامس عشر من أبريل 2011 اي قبل سنة تماما اصلاحات سياسية تجاوبا مع موجة احتجاجات اجتماعية وسياسية هزت الجزائر في اطار الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلدان عربية مختلفة عرفت ب”الربيع العربي”.

وفي 21 مايو 2011 بدأ رئيس مجلس الامة عبد القادر بن صالح بمساعدة اثنين من مستشاري رئيس الجمهورية مشاورات مع الاحزاب السياسية والشخصيات من اجل اعداد مشروع لتعديل الدستور كما وعد بوتفليقة في خطابه.

وبدات الاصلاحات باصدار حزمة قوانين جديدة للاعلام والانتخابات والاحزاب السياسية والجمعيات المدنية وتمثيل النساء في المجالس المنتخبة في نهاية 2011.

وسيكون تعديل دستور 2008 الذي سمح لبوتفليقة بتمديد حكمه ولاية ثالثة تنتهي في 2014، من مهام البرلمان الجديد. ما جعل رئيسة حزب العمال لويزة حنون تصفه بـ “المجلس التأسيسي” بما انه سيضع الدستور الجديد للبلاد.

ويشارك في الانتخابات حزب جبهة القوى الاشتراكية لزعيمه حسين ايت احمد الذي قاطع انتخابات 2002 و2007، بينما يقاطعها التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية (علماني 19 نائبا في البرلمان الحالي).

كما دعت “الجبهة الاسلامية للانقاذ” المحظورة الى مقاطعة الانتخابات، معتبرة ان المشاركة فيها “تزكية للباطل وتعاون على الاثم والعدوان”. وكادت الجبهة الاسلامية للانقاذ ان تفوز باول انتخابات تشريعية تعددية في 1991 قبل ان يتم الغاؤها ما ادى الى اندلاع حرب اهلية اسفرت عن 200 الف قتيل بحسب ارقام رسمية.

ويشارك الاسلاميون الآخرون بقوة في الانتخابات من خلال التكتل الاسلامي الذي يضم في قائمة موحدة تحت اسم “الجزائر الخضراء” حركات النهضة والاصلاح ومجتمع السلم، وكذلك جبهة العدالة والتنمية وجبهة التغيير وحزب الحرية والعدالة وجبهة الجزائر الجديدة.

وتجري الانتخابات لأول مرة تحت اشراف لجنتين انتخابيتين، احداهما تتشكل من قضاة يعينهم رئيس الجمهورية وهي سابقة في الجزائر، والثانية تتشكل من ممثلي الاحزاب السياسية والمستقلين المشاركين في الانتخابات.

كما يراقب الانتخابات 500 مراقب دولي من بينهم 120 مراقبا من الاتحاد الأوروبي و200 مراقب من الاتحاد الإفريقي و 100 مراقب من الجامعة العربية و 10 مراقبين من الأمم المتحدة و20 مراقبا من منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى مراقبين من المنظمتين الاميركيتين غير الحكوميتين “كارتر” و”ان.دي.اي”.

وتخشى السلطة وعلى راسها بوتفليقة من نسبة مشاركة ضعيفة في الانتخابات ما يمس بمصداقيتها. ووجه الرئيس الجزائري عدة نداءات للمشاركة الكثيفة للناخبين داعيا اياهم الى “تحمل مسؤولياتهم وأداء واجبهم الوطني وممارسة حقهم الدستوري بالمشاركة المكثفة في مختلف المواعيد الانتخابية المقبلة”.

ويتشكل البرلمان الجزائري من غرفتين، المجلس الشعبي الوطني ويضم 462 مقعدا يتم انتخابهم بالاقتراع العام كل خمس سنوات، ومجلس الامة الذي يضم 144 عضوا، يتم انتخاب ثلثي أعضائه من قبل أعضاء المجالس الشعبية المحلية على اساس عضوين عن كل ولاية (محافظة) من الولايات الـ 48 أي بمجموع 96 عضوا. ويعين رئيس الجمهورية الثلث الآخر أي 48 عضوا “من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية والثقافية والمهنية والاقتصادية والإجتماعية” كما ينص الدستور.

وتدوم ولاية اعضاء مجلس الامة ست (6) سنوات، الا انه يتم تجديد نصف عدد أعضائه من المنتخبين والمعينين الذين أتموا ولايتهم كل ثلاث سنوات.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية فرانس برس بتاريخ 15 أبريل 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية