مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سياسة “الدمار الشامل”.. آخـرُ طلقة لبشار الأسد؟

سوريون يتجمعون أمام ركام بيت دمر جراء قصف القوات النظامية السورية في مدينة أعزاز في ضواحي حلب يوم 3 سبتمبر 2012 Keystone

حين ظهر الرئيس السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي على شاشة تلفزيون "الدنيا" الموالي له، توقّع الكثيرون أن يتحدث، ولو باقتضاب، عن الدمار والضحايا والكوارث، التي تحيق بوطنه سوريا هذه الأيام، وإن من باب الدعاية الإعلامية.

لكنه لم يفعل. كل ما فعله هو التحوُّل إلى جنرال عسكري، يدلي بشهادة عسكرية عن سير المعارك وتكتيكات الحرب والفترة الزمنية المطلوبة لـ “تحقيق النصر المؤزر”، وهذا بالطبع جنباً إلى جنب مع إغلاق الأبواب والنوافذ أمام أي فرصة للوصول إلى أي تسوية سياسية، من شأنها إخراج البلاد من الهاوية السحيقة، التي سقطت فيها بفعل الخيار الأمني – العسكري القاتل.

مضاعفات هذه النزعة “العسكرتارية” المتفاقمة، لم تتأخر في الظهور. فبعد أيام قليلة من هذه المقابلة التلفزيونية المُـلتهبة، كانت جرّافات جيش النظام تنضم إلى سلاحيْ الطيران والدبّـابات في تطبيق سياسة الأرض المحروقة والمباني المُدمَّرة في دمشق وحمص وحلب ودرعا الزور.

ففي غرب دمشق، دمَّرت الجرّافات في يوم واحد (الأحد 2 سبتمبر 2012) عشرين مبنىً سكنياً في حيَّـي الزيات والفاروق، وأحرق الجنود العديد من المباني الأخرى، التي يقطنها سوريون سُـنَّة، بعد حرقها. وتَـكرّر الأمر نفسه في مناطق شرق دمشق.

هذا في حين كانت مدينتا درعا ودير الزور تنضمّـان إلى حمص وحلب وريفهما، في التعرُّض إلى حالة دمار شامل، جواً وبرا. (في درعا وحدها تم إحراق 200 منزل خلال يومين).

نموذج حماه

هذه النقلة من حرب الشوارع إلى تدمير الشوارع، عنت أن القيادة السورية الرّاهنة، اتخذت قراراً فِـعلياً بتحويل كل مدن سوريا إلى حماه أخرى، التي عمد الرئيس السابق حافظ الأسد، كما هو معروف، إلى تسوية العديد من أحيائها بالأرض عام 1982 وقتل فيها ما يتراوح بين 20 إلى 30 ألف شخص.

“الفلسفة الاستراتيجية”، إذا جاز التعبير، وراء حرب الدمار الشامل هذه، كان قد شرحها العقيد المُـنشق في الحرس الجمهوري مناف طلاس. فهو نقل، في مقابلة مؤخراً مع “واشنطن بوست”، عن مسؤول سوري كبير قوله، في معرض دفاعه عن الخيار الأمني: “أضرب المعارضين بقوة كي يخافوا. وحين يخافوا سيتراجعون”.

بالطبع، هذا المسؤول لم يأتٍ بجديد، إذ أن هذه “الفلسفة” هي الوحيدة التي طبّقها النظام منذ أربعة عقود حتى الآن، والتي أسفرت عن ولادة “الدولة الأمنية” و”الثقافة الأمنية” السوريتيْـن بقيادة 15 جهاز مخابرات من كل الأنواع، تتقاسم الأدوار في ما بينها للسيطرة على كلٍّ من المجتمع المدني وعلى القوات المسلحة نفسها.

وقد حقق هذا التوجُّه، إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية مساعدة (على رأسها التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات السورية والأجهزة الأمنية الأمريكية والإسرائيلية)، نجاحات واضحة، حيث تمَّ تصحير المجتمع بالكامل وفُرِضت رقابة استخبارية صارمة على كل الضباط والجنود، لمنع حدوث أي انشقاق تحت طائلة القتل (وهذا ما يفسِّر إلى الآن عدم قدرة فِـرق عسكرية سورية كاملة عن إعلان التمرّد على النظام)، وساد استقرار الرُّعب والخوف طيلة ثلاثة عقود.

ولأن نجاح سياسة التخويف والقمع كانت باهرة إلى حدٍّ مُـدهش (كما مع كل الديكتاتوريات الأخرى في التاريخ)، كان من الصعب، سايكولوجياً، على الرئيس بشار الأسد وبقية قادة أجهزة الأمن، أن يُصدِّقوا بأن مثل هذه السياسة لن تنجح في قمع الانتفاضة الرّاهنة. وها هُـم يراهنون الآن على أن استخدام كل تِـرسانة الأسلحة الثقيلة والتدمير المَـنهجي للمدن، وِفق نموذج مأساة حماه، سيُـعيد زرع الخوف في القلوب وسيدفع الثوار إلى قفص الرّضوخ والاستسلام مجددا.

الأمر نفسه حدث مع تجربة العقيد معمر القذافي في ليبيا، الذي مارس هو الآخر سياسة الخوف والتخويف، للحفاظ على سلطة جماهيريته. وشهير تحذير القذافي للتونسيين (وعبرهم لليبيين) في الأيام الأولى للثورة التونسية، من أن مخابرات النظام “ستلحقكم إلى غرف نومكم لتقتلكم هناك” وأيضاً تهديده للثوار الليبيين بالهجوم عليهم “بيتاً بيتا، وزنقة زنقة”.

بيد أن الأسد ونظامه، لم يدركا بعدُ، وعلى رغم مرور 18 شهراً على حلولهم الأمنية، أن أول ضحية من ضحايا الثورة السورية، كانت سياسة الخوف نفسها. وهذا لم يتأكّـد وحسب من خلال المعارِك العسكرية الأخيرة، حيث كان الثوار يندفِعون إلى القتال، وكأنهم في نزهة أو فيلم سينمائي، بل أولاً وأساساً، من المظاهرات السلمية في بداية الثورة، حين كان المتظاهرون ينزلون إلى الشوارع، على رغم تغلغل عسس المخابرات بينهم وعلى رغم إطلاق النار الكثيف عليهم من قبل القنّـاصة وعناصر الشبيحة والجيش.

عامل الخوف سقط وانقضى الأمر. وأول وأبرز دليل على ذلك، هو أن عناصر الأمن والمخابرات التي تُـعدّ بعشرات الآلاف، فقَـدت السيطرة على الشارع، فاضطر النظام إلى الإستنجاد بالجيش، الذي يستطيع أن يقتل، لكنه لا يُخيف. لكن، إلى أين من هنا؟

إلى “روسيا البيضاء”..؟

إن قرار النظام بزجِّ كل أسلحته الثقيلة في المعركة وبتدمير المدن، وِفق نموذج حماه، لا يعني في الواقع، سوى أمر واحد: النظام أو على الأقل بشار الأسد وعائلته، يُطلقون عبْـر سياسة الدمار الشامل في 2012، آخر طلقة لديهم لمحاولة استعادة “أمجاد” حافظ الأسد و”إنجازاته” في حماه 1982.

لكن هنا أيضاً، ثمة خطأ فادح في قراءة التاريخ: فتدمير حماه في الثمانينيات، ضمن في الواقع استقراراً زائفاً للنظام، وكان هو التمهيد الحقيقي لسرعة تحوُّل الانتفاضة السِّلمية السورية، إلى ثورة مسلحة. فالعنف يستسقي العنف، ولو بعد حين.

لقد دخل الأسد بالفعل ربع الساعة الأخير من عمره السياسي. ولأن الأمر كذلك، ستكون الدقائق الأخيرة من هذا العمر، هي الأكثر عنفاً ودمارا. إنها أشبَـه بوداع نيرون لروما عبْـر حرقها.

النظام لم يعُـد يعيش الآن سوى على التنفس الإصطناعي، الذي توفِّره له روسيا وإيران. بيد أن هذا قد لا يستمر طويلاً، خاصة بالنسبة إلى روسيا التي تحوَّلت بالنسبة إليها الورقة السورية، التي تضغط بها على الغرب، إلى ورقة ضغط اقتصادي ودبلوماسي عليها هي نفسها.

وحين تسحب روسيا أجهزة التنفس عن الأسد وعائلته (وهذا بات متوقّـعاً ربما في وقت قريب)، سيتبين حينها أن مقابلة الأسد المُـلتهبة في فضائية “الدنيا”، كانت أشبه بمسدّس مُتهالك، سيُحال على “التقاعد”، بعد أن يُطلِـق رصاصته الأخيرة. وهذا التقاعد، سيكون على الأرجـح في “روسيا البيضاء” وليس في موسكو، كما توقّعت مؤخرا صحيفة “روسيا وراء العناوين” Russia beyond the headlines

دمشق (رويترز) – تستدعي سوريا أعدادا متزايدة من الجنود السابقين من الاحتياطي للخدمة في الجيش في مؤشر على حشد الجهود لاخماد الانتفاضة التي اندلعت قبل 17 شهرا ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد.

وقال بعض جنود الاحتياط الفارين وضابط في الجيش لرويترز إن آلاف الجنود استدعوا خلال الشهرين المنصرمين لتعزيز الجيش السوري الذي يصل قوامه إلى 300 ألف جندي وإن كثيرا منهم لا يلبون نداء الخدمة العسكرية.

وقال مساعد قانوني استدعي للخدمة في دمشق “لدينا خياران: البقاء وقتل سوريين أو الانشقاق والفرار من المحاكم العسكرية”. وطلب المساعد عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية.

وقال ضابط في الجيش في حمص إنه يعتقد أن نصف من تم استدعاؤهم في الشهور القليلة الماضية لبوا نداء الخدمة العسكرية لكن لم يتسن التحقق من هذا الرقم أو التأكد من أن وحدات أخرى بالجيش شهدت مستويات مماثلة من جنود الاحتياط الذين لم يمتثلوا لامر الاستدعاء.

وذكر الضابط أن خسائر ثقيلة لحقت بوحدات كثيرة بالجيش تقاتل المعارضين. وأضاف عبر الهاتف “هناك نقص في الجنود. قتل الكثير من المقاتلين ولدينا حالات انشقاق”.

ومعظم السوريين ملزمون بالخدمة في الجيش عندما يبلغون من العمر 18 عاما أو بعدما يستكملون دراستهم الجامعية. وبعد استكمال خدمته العسكرية يبقى السوريون في الاحتياط ويمكن استدعاء الجندي في وقت القتال.

وأسفر الصراع في سوريا عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص. وقال جنود احتياط فارون إنه وبغض النظر عن موقفهم السياسي فإنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من الحرب الأهلية في بلادهم.

واستعر القتال خلال الشهرين المنصرمين وحقق المعارضون الذين كثيرا ما يقودهم جنود منشقون عن الجيش تقدما في العاصمة دمشق وفي مدينة حلب رغم تفوق جيش الأسد في الأسلحة.

ولم تعلن السلطات السورية التي تقول إنها تحارب “إرهابيين” مدعومين من الخارج تفاصيل كاملة لعدد القتلى في صفوف الجيش.

ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان وهو جماعة مراقبة معارضة للأسد إن قرابة ستة آلاف جندي وفرد من أفراد قوات الأمن السورية قتلوا.

وقال الضابط في حمص إن جنود الاحتياط استدعوا منذ عدة أشهر لكن الطلب زاد خلال الشهرين المنصرمين خاصة منذ أن اشتد القتال في دمشق وحلب.

وأضاف “لسنا في حاجة بعد لتعبئة كاملة للجيش لكن إذا تدهور الوضع في الشهور المقبلة فقد نحتاج إليها. إن البلاد في حالة حرب ونحتاج إلى مساعدة الجميع”.

ويقول سكان في دمشق إن نقاط التفتيش في المدينة تفحص بطاقات هوية الرجال لتتأكد من أنهم لم يفروا من الخدمة العسكرية ولم يستدعوا من الاحتياط. ويخشى بعض المتهربين ترك منازلهم خوفا من أن يبلغ عنهم الجيران.

وقال المساعد القانوني الذي أصبح من جنود الاحتياط بعدما أتم فترة خدمته العسكرية في القوات الخاصة السورية قبل عامين إنه تعرض للايقاف في نقطة تفتيش بالعاصمة ونقل إلى مركز لجيش الاحتياط خارج دمشق من أجل جلسة تدريب تستمر أسبوعين. وأضاف أنه فر من معسكر التدريب ليلا وهو الآن مختبئ.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 سبتمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية