مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“زلـــزال” إعلان نائب رئيس الحكومة السورية

أحدث صورة التقطت للرئيس السوري بشار الأسد لدى حضوره صلاة عيد الفطر في دمشق صباح الأحد 19 أغسطس 2012 Keystone

ماذا يعني إعلان نائب رئيس الحكومة السورية قدري جميل من موسكو عن استعداد النظام السوري للتفاوض حول مسألة تنحي الرئيس بشار الأسد؟ القليل بالنسبة إلى دمشق، والكثير بالنسبة إلى موسكو. لماذا؟

لأن جميل ومعه علي حيدر وزير المصالحة الوطنية، اللذين يعتبران من “الحمائم” في تركيبة النظام السوري، ربطا أي بحث حول تنحّي الأسد بشروط مستحيلة، إذ قال حيدر إن المفاوضات بين النظام والمعارضة، “التي يمكن أن تتطرق إلى كل شيء”، (على حد تعبير جميل) بما في ذلك تنحّي الأسد، يجب أن يسبقها تسليم المعارضين – المفاوضين أسلحتهم إلى النظام السوري، وهذا يعني بكلمات أخرى، إنهاء الثورة السورية واستسلام المعارضين – المفاوضين بلا شروط، كما يعني أن النظام السوري لا يزال يراوح مكانه.

أما بالنسبة إلى موسكو، فهذا الإعلان يمكن أن يعني الكثير، إذ أنه يعطيها ورقة ثمينة لتحقيق أمرين إثنين في آن: الأول، فك العزلة الدبلوماسية الخانقة، التي تتعرّض إليها على الصعيد الدولي، بسبب تقويض النظام السوري لكل الحلول الدولية – الإقليمية التي طُرِحت لحل الأزمة، والتي كانت ستصبح كاملة ومطلقة، لولا الفيتو الصيني التكتيكي والمصلحي الداعم لها في مجلس الأمن. والثاني، تخويلها رسمياً وعلناً بطرح ورقة تنحي الأسد على طاولة الصفقات مع بعض الأطراف العربية والدولية (وليس كلها)، وأيضاً مع بعض أطراف المعارضة السورية.

ويبدو من رد فعل الحكومة الأمريكية القوي الرافض لاعتبار هذه الخطوة بمثابة تقدّم نحو الحل، أن موسكو لم تتصل بها بعد للتحضير لصفقة ما، وأنها تشك بأن هذه الأخيرة ربما تحاول أن تبرم صفقات ثنائية أخرى من وراء ظهرها، ربما مع السعودية وتركيا أو هي على الأقل تحاول إرباك الطوق الدبلوماسي (والأخلاقي) المضروب بإحكام على عنق كل من موسكو ودمشق، من دون تقديم أي تنازلات لواشنطن.

لكن، بما أن أي حل أو صفقات للأزمة التي باتت مُـدوَّلة إلى حد بعيد، لا يمكن أن يتم إلا عبر بوابة واشنطن، فإن المناورة الدبلوماسية الروسية في شكلها الحالي، تعني أن هذا الحل لم ينضج بعدُ (إلا بالطبع إذا ما حمل وزير الخارجية الروسي عتاده الدبلوماسي الجديد إلى واشنطن وبدأ لعبة المقايضات معها).

الدليل على هذه المحصلة، هو التراشق الكلامي التي حدث بين موسكو وواشنطن خلال وبعد إعلان قدري جميل عن طرح ورقة التنحي في بورصة التداول. فبعد أن أطلق الرئيس الأمريكي أوباما تهديده القوي بالتدخل العسكري في سوريا، إذا ما تجاوز النظام السوري “الخطوط الحمراء الأمريكية باستخدام أو نقل الأسلحة الكيماوية، رد لافروف بتحذير واشنطن من التدخل المنفرد في سوريا قائلاً إن هذا “سيشكل خرقاً للقانون الدولي، وموسكو وبكين لن تسمحا بذلك”.

الولايات المتحدة ليست جادة..

لقد كان هذا الرد الروسي قوياً بالفعل وأوحى بأنه ربما تضمّن تلويحاً برفع وتيرة الخلافات بين روسيا وأمريكا حول سوريا، إلى مرتبة المجابهة  المباشرة، في وقت كانت تنضم روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، درّة تاج العولمة الأمريكية، بعد مفاوضات شاقة دامت نيفاً و18 عاما.

فما تفسير هذا الموقف الروسي؟ التفسيرات عديدة، لكن أهمها هو أن موسكو تعرف أن تهديد أوباما لا يصب في مصلحة الثورة السورية، بل ينزلق مباشرة إلى جيب إسرائيل. فأوباما في بيانه، لم يقل إنه سيتدخل لإنقاذ أرواح عشرات السوريين التي تزهق كل يوم ولا لمساعدة الشعب السوري على نيل حرياته الديقراطية، بل ركزّ فقط على نقطة يتيمة: “منع الأسلحة الكيماوية من الوقوع في أيدي قوى أخرى”، (يقصد الأصوليين الإسلاميين). وبالطبع، أمن إسرائيل سيكون مهدداً إذا ما حدث ذلك.

أكثر من هذا، كان العديد من المحللين يؤيدون تحليل موسكو القائل بأن الولايات المتحدة ليست حازمة وجادة في دعواتها إلى تغيير النظام السوري، لأن الدولة العبرية لا تزال حتى الآن تعارض هذه الخطوة.

فهذه الأخيرة كانت طيلة نيف و40 سنة “مرتاحة” لخدمات هذا النظام في الجولان، وضد الفلسطينيين واليساريين في لبنان وخارجه وغيرها من الخدمات الإستراتيجية والأمنية التي وفّرها النظام لها.

أما الدليل على هذه الحقيقة فقد ورد في تقرير هام لمعهد الشرق الأوسط ( Middle east institute)

الأمريكي للأبحاث الدولية والإستراتيجية، جاء فيه أن “روسيا لا تعتقد أن إدارة أوباما ولاحتى أي إدارة جمهورية قد تصل إلى البيت الأبيض، مهتمة حقاً بإسقاط النظام في سوريا. ولا يعود السبب فقط إلى اعتبارات محلية أمريكية (الإنتخابات الرئاسية والتعب من الحرب)، بل أولاً وأساساً، بسبب المضاعفات السلبية التي قد تلقي بظلالها على إسرائيل في حال سقط النظام. ولو أن واشنطن كانت جادة حقاً في إسقاط هذا النظام، لكانت شكّلت تحالف مريدين لضرب الأسد، سواء بموافقة مجلس الأمن الدولي أم لا”.

أمن إسرائيل..

في تحليل لنيويورك تايمز، تمت الإشارة إلى أن الولايات المتحدة، وعلى عكس كل البيانات الرسمية الأمريكية، لم تزوِّد المعارضة المسلحة السورية بأي مُـعدّات “غير قاتلة”، ولا حتى الـ 900 هاتف فضائي، الذي ادّعت وزيرة الخارجية كلينتون أن واشنطن نقلتها إلى الثوار. لماذا؟

مرة أخرى، ليس هناك سوى تفسير واحد: إسرائيل لا تزال تعارض المعارضة السورية وتدعم نظرية “أمن إسرائيل من أمن سوريا”، التي أطلقها الملياردير رامي مخلوف، القريب من الرئيس السوري بشار.

كل هذه المعطيات تؤكد ما ليس في حاجة إلى التأكيد منذ عقود: ليس هناك سياسية خارجية أمريكية في الشرق الأوسط. فقط هناك سياسية خارجية أمريكية تقررها إسرائيل في المنطقة، خاصة في المجال الحيوي لـ “الإمبراطورية الإسرائيلية”، الذي يضم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وشمال العراق.

وإذا ما حدث وقررت الولايات المتحدة في “مرحلة ما” التدخل العسكري في سوريا، فهذا سيعني أن إسرائيل فقدت الأمل من انتصار نظام الأسد ونفضت يدها منه وبدأت تبحث عن بدائل.

في انتظار “الصفقة الكبرى”

ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ إنها تعني، ببساطة، أن الأزمة السورية لم تخرج بعدُ من عنق زجاجة التنافس الدولي – الإقليمي على النفوذ والهيمنة في بلاد الشام، وأن المناورات والمناورات المضادة التي تجري في “الوقت الضائع” الراهن، ليست أكثر من ذلك: أي مجرد مناورات.

بوادر الحل الحقيقي لن تظهر، إلا حين ترفع موسكو الغطاء الدولي الحالي عن النظام السوري عبر صفقة كبرى مع واشنطن وصفقات أصغر مع السعودية (مقابل ضمانات من الرياض بعدم دعم الأصوليين السُـنّة في القوقاز وآسيا الوسطى) ومع تركيا (تقاسم النفوذ في سوريا والتفاهم حول مكافحة التطرف الإسلامي في القوقاز وآسيا الوسطى).

وحتى ذلك الحين، ستبرز الكثير من المناورات الدبلوماسية في الخارج السوري، المترافقة مع الكثير من العنف الدموي في الداخل السوري.

حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الامريكي باراك اوباما الاربعاء 22 أغسطس 2012 من انهما سيضطران للنظر في مسار جديد للتحرك في حال هددت سوريا باستخدام اسلحة كيميائية ضد مسلحي المعارضة.

واتفق كاميرون واوباما في اتصال هاتفي على ان “استخدام – او حتى التهديد – باستخدام اسلحة كيميائية غير مقبول تماما وسيرغمهما على اعادة النظر في مقاربتهما المعتمدة حتى الان”، كما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني.

وكان اوباما اعلن يوم الاثنين 20 أغسطس، ان موضوع استخدام هذه الاسلحة يشكل “خطا احمر” بالنسبة الى الادارة الامريكية. واضاف البيان ان اوباما وكاميرون اكدا “الحاجة الى وجود معارضة ذات صدقية واملا في ان يكون اجتماع القاهرة المقبل فرصة لها لاظهار وحدة حقيقة حول الاهداف التي تسعى اليها وتجانس في عملها بهدف (انجاز) مرحلة انتقالية”.

وتمت ايضا مناقشة “معاناة” اللاجئين السوريين، مع الامل في ان يبذل المجتمع الدولي مزيدا من الجهد لايصال المساعدة الانسانية اليهم.

وشدد كاميرون على ان التعاون الاقليمي والدولي “حيوي” في هذه القضية، مشددا على ضرورة العمل “بتعاون وثيق” مع “تركيا وقطر والسعودية ودول اخرى” في هذا الاطار.

من جهته، قال البيت الابيض ان اوباما عبر لكاميرون عن قلقه حيال الوضع الانساني الذي يتزايد صعوبة في سوريا وطالبا ان تساهم دول اضافية في الدعوات الانسانية الصادرة عن الامم المتحدة. واضاف ان اوباما وكاميرون “تبادلا وجهات النظر حول السبل التي يمكن ان تساعد فيها المجموعة الدولية النازحين من جراء النزاع”، وان “تمارس ضغطا” على نظام الرئيس السوري بشار الاسد.

وفي قضايا اخرى، عبر اوباما عن “دعمه الكبير للتحرك الحاسم” في ملف الازمة الاقتصادية التي تشهدها اوروبا.

وكاميرون الذي انهى لتوه عطلته الصيفية في ويستمينستر، اتصل ايضا بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في محاولة للتاكد من ان سوريا تبقى في طليعة الاهتمامات الدولية.

ولفتت رئاسة الوزراء البريطانية الى ان هولاند وكاميرون كانا “متفقين تماما” حول مجمل القضايا السياسية والانسانية والعسكرية المرتبطة بالازمة في سوريا.

واعتبر الجانبان ان على البلدين “تعزيز” تعاونهما بهدف “تحديد كيفية دعم المعارضة ومساعدة الحكومة السورية التي قد تتشكل بعد سقوط (بشار) الاسد الحتمي”.

وشددا على “ضرورة تشجيع القادة الدوليين الاخرين على مواصلة الضغط الدولي” على النظام السوري” وتطرقا الى وضع اللاجئين الذي يثير “قلقا كبيرا”.

واكد كاميرون واوباما وهولاند ان الوضع الانساني الناتج من الازمة السورية سيكون في صلب الاجتماع الوزاري لمجلس الامن الدولي الذي سيعقد في 30 اغسطس في نيويورك.

وتتواصل اعمال العنف في سوريا، حيث تشهد احياء في مدينة حلب وداريا في ريف دمشق خصوصا الخميس قصفا عشوائيا من قبل القوات النظامية بحسب ناشطين، وذلك غداة يوم شهد اشتباكات عنيفة في العاصمة وبلغت حصيلته 162 قتيلا، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 23 أغسطس 2012).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية