مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل هي العودة إلى المربّـع الأول؟

هل سيغيّـر الإفراج عن مدني وبن حاج المعادلة السياسية في الجزائر؟ Keystone

يعتبر كثيرون في الجزائر أن خروج الشيخ علي بن حاج من السجن يمثل حدثا سياسيا قبل 8 أشهر على الانتخابات الرئاسية.

وتسود الجزائر حالة من الترقّـب تحسبا لأول تصريح يُدلي به بن حاج بعد الإفراج عنه، حيث قضى عقوبة مدتها 12 عاما.

يعتبر علي بن حاج، من الناحية السياسية، أصعب خصم يمكن توقعه، لأنه الوحيد من بين الزعامات السياسية الجزائرية، إسلامية وغير إسلامية، ممن يذهب في الدفاع عن أفكاره إلى حد إعلان حمل السلاح.

وتتمثل المُسلّـمة الثانية بالنسبة للتعامل مع بن حاج، في خوف المؤسسات الرسمية الجزائرية منه، لأنه قال قبل سجنه، “إن مشكل الجزائر، يكمن في جيشها، لذلك يجب أن يرحل قادته”.

كما أن علي بن حاج، يملك موهبة خطابية هائلة وأفكاره في مجملها سلفية تتوافق مع نفسية الإسلاميين الجزائريين بشكل عام. وهذه الصفة بالذات تثير قلق الكثيرين، لأن الإحصاءات التي أجرتها مصالح الأمن الجزائرية أكدت أن بن حاج لم يفقد الكثير من ثقة أنصاره وأن العديد منهم مستعد لتطبيق أوامره حرفيا.

والملفت للانتباه في حالة الزعيم الثاني للجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد عباسي مدني، هو أنه اليوم خارج السجن بعد انتهاء فترة حبسه ليقابل نفس العسكريين الذين أراد إسقاطهم قبل 12 عاما، وليواجه العسكريون نفس الرجل الذي أرادوا أن ينتهي سياسيا باستعمال كل الطرق والوسائل.

تغيُّـر المعطيات

هناك من يرى أن واقع الجزائر تغير عما كان عليه الحال قبل سجن بن حاج عام 1991، وهذا صحيح إلى حد بعيد، لأن الجزائر عاشت أثناء فترة سجنه أحداثا هائلة قُتل خلالها أكثر من 150 ألف شخص وتغيرت منظوماتها السياسية والاقتصادية والتربوية.

في نفس الوقت، لا يعتبر هذا التغير في الأوضاع عائقا أمام تحرك بن حاج في الساحة السياسية، إذ أنه وقبل خروجه بأيام راسل زعيم حركة الإصلاح الإسلامية، الشيخ عبد الله جاب الله، وعبر له عن تأييده لأفكاره. وفهم المراقبون أن بن حاج يُناصر الشيخ جاب الله في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويعيد هذا الموقف إلى الذاكرة كل فترة المفاوضات التي قامت بها الحكومة مع بن حاج في السجن ما بين 1994 و1996 بشأن كتابته رسالة للجماعات المسلحة حتى تُـوقِـف قتالها لقوات الأمن.

في هذه الفترة، كانت وسائل الإعلام الرسمية، تتحدث عن “رفض بن حاج لكتابة هذه الرسالة”، في حين سرب محاموه معلومات تقول إن بن حاج طالب السلطات بإطلاق سراحه قبل كتابة أية رسالة علما أن الزعيم الأول للجبهة الإسلامية للإنقاذ، عباسي مدني، كان معه في السجن خلال فترة المفاوضات هذه.

كما لم تتوقف عملية التفاوض مع بن حاج داخل السجن حول مسائل كثيرة أخرى تدل على أن أصحاب القرار يعتبرونه أهم قيادي في التيار الإسلامي الجزائري. كما تدل عملية “إقحامه” في الكثير من الأزمات السياسية والأمنية بين السلطات وإسلاميي جبهة الإنقاذ والجماعات المسلحة، أن بن حاج لم يفقد الكثير من مذاق الحياة خارج القضبان.

غير أن بن حاج لن يواجه هذه المرة خصوما سياسيين أو قيادات الجيش “كما يسميهم”، بل أعدادا هائلة من عائلات ضحايا الإرهاب التي قُـتل أحد أفرادها خلال سنوات الأزمة الجزائرية عن طريق الجماعات المسلحة.

وبن حاج متّـهم من قبل هذه العائلات أنه كان المنظر لأفكار قتل أبنائها، وذهب البعض إلى حد توعده بالقتل، وهذه الجماعات تملك وزنا لا بأس به داخل الأوساط الحكومية وأصبحت في مجملها إحدى الدعامات التي لا يستغني عنها رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحي، زعيم التجمع الوطني الديموقراطي.

هل غيّـر السجن بن حاج؟

كما أن هناك تخوفا من خروج بن حاج، لأنه سيحرك الكثير من التيارات السياسية العلمانية، قبائلية وغير قبائلية، لأنها تعتبره مهددا لوجود الدولة “الجمهورية”، كما أنها ترفض رفضا قاطعا لإقامة دولة إسلامية جزائرية تحكم بالشريعة الإسلامية.

والتخوف من تحرك هذه التيارات نابع من كون أن الحكومة عاجزة عن التحكم فيها بعد خروج بن حاج من السجن، لأنه خلال فترة سجنه لم يكن لهذه التيارات مبرر قوي لمواجهة التيار الإسلامي بكل ما أوتيت من قوة عبر حرية حركة لا تعجب مصالح الأمن بالضرورة.

ومن الناحية السياسية والحزبية، لا يمكن لبن حاج أن يقود الجبهة الإسلامية للإنقاذ لأنها محظورة، كما أن تركيبة حزبه دمرت بشكل كبير خلال سنوات الأزمة الجزائرية وقُـتل العشرات من قيادات وإطارات الجبهة المحظورة، خاصة منهم زعماء تيار “الجزأرة” وأغلبهم من أساتذة الجامعات والأكاديميين.

وقد تصدر وزارة الداخلية أمرا يَـمنع بن حاج من الحديث إلى الصحافة أو مزاولة أي نشاط سياسي تماما كما هو متبع مع الزعيم الأول للجبهة الإسلامية عباسي مدني.

العامل المختلف، رغم كل هذه المعطيات، هو أن بن حاج الآن خارج السجن ووزنه داخل التيار الإسلامي قد يخلط أوراقا كثيرة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

السبب الأول، هو أن أكثر الإسلاميين الجزائريين يفضلون أسلوب المواجهة السياسية على أسلوب المشاركة، ولهذا تكون كلمة بن حاج مسموعة، إذا أكد أن دعم الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح في الانتخابات الرئاسية أمر واجب.

ويُصبح هذا الوضع مربكا لقيادات كثيرة في التيار الإسلامي أو القريبة منه، مثل حركة مجتمع السلم الإسلامية، التي توفي زعيمها الشيخ محفوظ نحناح قبل أسبوع، أو الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، الذي سيفقد الكثير من أصوات التيار الإسلامي في حالة ترشحه بسبب وجود بن حاج خارج القضبان.

أما موقف المؤسسة العسكرية، فهو واضح من الناحية “العلنية”، خاصة بعد التصريح الأخير لقائد هيئة أركان الجيش الجزائري، الفريق محمد العماري، الذي أكد فيه أن الجيش لا يُعارض وصول إسلامي إلى الرئاسة، ولو كان الشيخ عبد الله جاب الله.

الانتخابات الرئاسية المقبلة

هذا الموقف العلني للمؤسسة العسكرية الجزائرية لا ينفي إطلاقا قاعدتين أساسيتين لدى الكثير من العسكريين الجزائريين، وهي أنهم يفضلون التعامل مع رئيس يتفق وآرائهم، وكانوا قد جربوه من قبل.

والقاعدة الثانية تتمثل في حساسيتهم الشديدة من رئيس إسلامي معتدل أو متطرف بسبب إمكانية تغيير النظام العلماني الجزائري من قبل رئيس إسلامي.

قبل سجنه، كان بن حاج الناطق الرسمي لما يُعرف بالتيار السلفي السياسي الجزائري، وكانت توجهاته الفكرية تستند على الدعوة السلفية الوهابية وعلى محاولة التوفيق بين التيارات الإسلامية الحديثة مثل الإخوان المسلمين والسلفية السياسية.

ولا يفضل بن حاج هذه التسمية لأنه لا يعتقد بوجود سلفية سياسية، بل حسب رأيه، هناك سلفية واحدة قد تدخل العمل السياسي لأنه يندرج ضمن إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتكمن المشكلة في هذه النقطة بالذات، لأن هناك تيارات قوية تعارض أن ينشر بن حاج مثل هذه الأفكار لأنها تؤدي إلى التطرف وقد تؤدي إلى حمل السلاح بدعوى تغيير المنكر.

ومن الناحية العملية، يعتبر مهما جدا معرفة الطرق التي سيواجه بها بن حاج خصوما من هذا النوع وهو ممنوع من دخول المساجد أو إلقاء خطبه على أعضاء حزبه. كما أن رفضه لأي تقييد لحرياته، يدفع للاعتقاد بأن الجزائر ستعرف مواجهات سياسية ساخنة هذا الصيف بسبب التغيرات المنتظرة التي ستحصل داخل التيار الإسلامي وفي كيفية تعامل غير الإسلاميين مع هذا التيار.

وبعيدا عن الحسابات السياسية، هناك واقع لا يمكن نفيه، وهو ما أصبح يوصف بهاجس الشيخ علي بن حاج، تخوف هائل من هذا الرجل الذي لا يزن أكثر من 50 كيلو غراما، يجعل المرء في حيرة من أمره، وهل هو يعيش ضمن حالة صراع سياسي طبيعي؟

هيثم رباني – الجزائر

حُـكم على علي بن حاج بـ 12 عاما من السجن يوم 1 يوليو 1991
يبلغ علي بن حاج من العمر 47 عاما
يبلغ عباسي مدني من العمر 72 عاما
تأسست الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مارس 1989
قررت السلطات الجزائرية حلّ الجبهة الإسلامية في مارس 1992
فازت الجبهة بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية لعام 1991

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية