مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل هي حروب 1975 تـلـوح مُجددا في أفُــق لبنان؟

تخفي المواجهة بين سعد الحريري ونجيب ميقاتي حرب نفوذ مستعرة بين عدة قوى إقليمية حول لبنان Keystone

ماذا بعد "يوم الغضب" الذي تلا تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة؟ ميقاتي نفسه، ومعه حزب الله وسوريا اللّـتان ضمَـنتا له 68 صوتاً في الاستشارات النيابية (في مقابل 60 صوتاً لسعد الحريري)، يأملون أن يتمكّـنوا من تشكيل حكومة جديدة تحقِّـق مطلب وقْـف التعاون مع المحكمة الدولية، من دون إغضاب الرياض وواشنطن، حتى ولو واصل تيار المستقبل و14 آذار رفض المشاركة فيها أو السّـكوت عنها لمدة سنة، كما دعا زعيم حزب الله حسن نصر الله. لكن، هل هذا ممكن؟

ميقاتي يعتقد ذلك، لأنه (كما قالت مصادره) يتمتّـع بدعم إقليمي وربما دولي أيضاً، ولأنه (بكونه رجل أعمال مليارديرا) يقيم علاقات وثيقة مع كل من دمشق والرياض وواشنطن. كما أنه قد يخدم أيضاً كمرحلة انتقالية لتجنيب لبنان مضاعفات تسونامي المحكمة الدولية.

بيْـد أن دوائر مطَّـلعة ترى أن الرئيس المُكلّـف لا يحوز في الواقع سوى على دعم من سوريا ومن بعض الأطراف السعودية، وأنه في اللحظة التي سيرضخ فيها إلى مطالب حزب الله، وسوريا، بوقف تعاون لبنان الرسمي مع المحكمة الدولية، ستُعلن واشنطن “الحرب” عليه وعلى حكومته.

وإذا ما حدث ذلك، سيكون وضع ميقاتي حرِجاً للغاية، لأنه يفتقد أساساً إلى الدّعم الشعبي من جانب طائفته السُـنّية، كما دلّـت على ذلك بوضوح الاضطرابات الأمنية العنيفة التي رافقت تكليفه في طرابلس (مدينته) والبقاع الغربي وصَـيدا والطريق الجديدة في بيروت.

حروب 1975

هذا على المستوى الداخلي والمحلي، أما على المستوى الإقليمي والدولي، نجد فرنسا، “الراعي الأول” دولياً للكيان اللبناني منذ أن “صنّـع” الرئيسان شيراك وبوش  عام 2004 القرار رقم 1559 ، كانت واضحة وجلية حين حدّدت على لسان رئيسها ساركوزي قبل يومين ثلاثة أسباب لاندلاع الأزمة اللبنانية الجديدة: تحويل الأنظار عن ملف التسلح  النووي الإيراني، وجمود محادثات التسوية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، ومسؤولية سوريا عن انهيار حكومة الوحدة الوطنية في لبنان.

فإدانة طهران كانت متوقّـعة، بسبب الموقف التصادمي الذي تتخذه فرنسا الساركوزية ضدّ سياسات النظام الإيراني، النووية والإقليمية، لكن الاتهامات لدمشق كانت مفاجِـئة بسبب حِـرص ساركوزي على مواصلة سياسة مدّ الجسور معها بصفتها معبَـر دخوله إلى المشرق العربي. فهل يعني ذلك أن العاصفة الكاملة ستلفح قريباً وجه العلاقات السورية – الفرنسية؟ إذا ما كان الأمر كذلك، فهذا سيكون نذير سوء بالنسبة إلى لبنان، حيث ستشعر سوريا أنها في حلّ من أي التِـزامات نحو فرنسا حِـيال التوازنات السياسية اللبنانية.

الأمر نفسه ينطبق على العلاقات السورية – الأمريكية، خاصة بعد أن أكدت الولايات المتحدة أنها ستقطع المساعدات على لبنان وتعزله دولياً (كما فعلت مع غزة)، في حال تمَّ تشكيل حكومة لبنانية يُـسيْـطر عليها حزب الله، ولا تُمثّل بالتالي، كل لبنان.

الآن، إذا ما أضفنا هذه المواقف الأمريكية والفرنسية الخطيرة إلى انهيار التنسيق السوري – السعودي حيال لبنان، ومزجْـنا هذا الكوكتيل بإعلان ولي الفقيه الإيراني خامنئي، الحرب الشاملة على المحكمة الدولية وبتشديد “إسرائيل” على أنها “لن تقبل وجود حكومة في بيروت يُسيطر عليها حزب الله”، فعلى ما سنحصل؟

على الظروف نفسها تقريباً، التي كانت موجودة عام 1975، حين تحوّل لبنان إلى ساحة الصراع الدموي الرئيسي بين أنصار التسوية مع إسرائيل بقيادة الرئيس أنور السادات ومن ورائه الولايات المتحدة، وبين جبهة الممانعة بقيادة الرؤساء حافظ الأسد وصدّام حسين ومعمر القذافي ومن ورائهما الاتحاد السوفييتي.

الفارق الآن بين مرحلة 1975 و2011، هو أن جوهر الصِّـراع ليس القضية الفلسطينية (التي أصبحت تأثيراتها “جانبية” كما قال ساركوزي)، بل المواجهة الشاملة بين ثلاثة مشاريع إمبراطورية في الشرق الأوسط: الأمريكي والإسرائيلي، والإيراني، مع وجود مشروع إمبراطوري رابع ينتظر وراء الكواليس: العثمانية الجديدة.

العنوان المباشر الذي تجري تحته هذه المجابهة الآن، هو المحكمة الدولية، التي تريدها الولايات المتحدة أداة لتجريد إيران وحزب الله من أي شرعية دولية ووضعهما في قفص مُحكَـم الإغلاق، ولتسليط سيف ديموقليطس دائما على رأس سوريا. ولأن طهران ودمشق تعرفان ذلك، فهما ستبذلان المستحيل لتطويق مفاعيل هذه المحكمة. كيف؟ أساساً عبْـر قطع دابِـر الصلة بينها وبين الطرف الذي ناشد الأمم المتحدة تشكيلها: الحكومة اللبنانية.

بيْـد أن المحكمة الدولية ليست كل الحرب، بل هي مجرّد عنصر من عناصرها. صحيح أنها عنصر بالغ الأهمية في عصر بات فيه القانون الدولي سلاحاً من أسلحة السياسات الدولية، كما أثبتت ذلك محاكم يوغوسلافيا والسودان، إلا أنها ليس الورقة الوحيدة، إذ إلى جانبها أوراق عدّة أخرى، أمنية وعسكرية واقتصادية وإستراتيجية.

فهل يكون لبنان أيضاً ساحة صراع بين هذه الأوراق أيضا؟ الأرجح للأسف أن الأمر سيكون على هذا النحو.

الرِّحلة الصعبة

بكلمات أوضح، ستكون رحلة ميقاتي في محاولة تشكيل الحكومة الجديدة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، لأن لبنان يمُـر بما يُـطلَـق عليه في عِـلم السياسية، تعبير “العاصفة الكاملة  (Perfect storm). وكما هو معروف، تعبير العاصفة الكاملة يعني التالي: “الحدث الذي تتقاطع فيه مجموعة نادِرة من الظروف، لمفاقمة وضعٍ ما بشكْـل عنيف وقاسٍ”، وهذه الظروف متوافرة الآن، داخلياً وخارجيا، في لبنان.

فعلى الصعيد المحلِّـي، الاستقطاب الطائفي بلغ أوْجَـه، بعد أن رفض تيار 14 آذار قبول الانقلاب السياسي الذي نفَّـذته قوى 8 آذار بدعم من دمشق، ودفع مناصريه إلى الشارع لتثبيت قول هذا الرفض بالفعل الشعبي. ويبقى الانتظار لمعرفة ما إذا كان الرئيس المُكلَّـف الجديد نجيب ميقاتي سيكون قادراً على الصُّـمود في وجه هذا التصعيد الشعبي في وجهه، خاصة في مدينته طرابلس.

لكن، حتى لو صمد ميقاتي، فإن لُـعبة تأليف حكومة وِفاق وطني أو حتى “مشاركة وطنية” (وِفق تعبير السيد حسن نصر الله)، سيكون بالغ الصعوبة، بعد أن رفض المستقبل المشاركة فيها، حتى ولو حصل على الثلث الضامن.

قد يستطيع ميقاتي (مجدّداً في حال صموده)، العمل على تشكيل حكومة تكنوقراط لا تتضمن الرموز “الشرسة” من تيار 8 آذار، كوئام وهاب أو ناصر قنديل، وترفع شعار إنقاذ البلاد من الانهيار، لكنه حينذاك، سيكون مضطَـراً هذه المرة إلى مواجهة حزب الله وحلفائه الذين سيطالبونه باتخاذ الموقف المطلوب حيال فكّ ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية. فهل يستطيع ميقاتي القيام بهذه الخطوة الكبرى وهو يخوض معركة إثبات وُجود مع “طائفته”، التي أعلن هو تمسُّـكه بها؟

قد يستطيع ميقاتي أيضاً أن يحصل على دعم من دمشق ومن بعض الأطراف في دولة عربية أخرى نافذة، لكن هذا سيثير عليه غضب الأطراف الأخرى التي تدعم الموقِـف المُتصلّـب الراهن لقوى 14 آذار، وهذا سيضعه في مأزق آخر. كما هو واضح، ميقاتي يواجه صعوبات جمّـة قبل التأليف، فكيف سيكون الحال بعده؟

وكما الأمر مع الرئيس المكلف، كذلك مع قوى 8 آذار، التي ستجد نفسها في مأزق مُماثِـل في حال فشل “الحل الميقاتي” في الإقلاع، إذ أن أي شخصية سُـنّية أخرى من بين صفوفها أو قريبة منها، لن تتمكّـن من توفير الأغلبية التي حقّـقها ترشيح ميقاتي، وقد لا تتمكن أيضاً من الحصول على كل الأصوات السّـبعة، التي قدّمها وليد جنبلاط.

أيضاً، العجز عن تشكيل حكومة لن يكون في صالح قوى 8 آذار، لأنها تحتاج إليها لإعلان رفض لبنان الرسمي إضفاء الشرعية على عمل المحكمة الدولية. فهل يكون هذا التيار حينذاك، في وارد تطبيق السيناريوهات الأمنية العديدة التي تمّ الحديث عنها باستفاضة خلال الشهور القليلة الماضية، والتي تتضمّـن تغيير التركيبة السياسية برمَّـتها بالقوة؟ وهل دمشق قادِرة على دعم مثل هذا الخيار العنفي، من دون أن تخسر علاقاتها الثمينة الجديدة مع فرنسا وتركيا وحتى مع الولايات المتحدة؟

أسئلة صعبة بالطبع، وهي تزداد صعوبة حين نضع في الاعتِـبار أن الوضع السياسي في لبنان دخل في مرحلة السيُـولة التي تكون مفتوحة دوْماً على احتمال هبوب “العاصفة الكاملة”.

واشنطن (رويترز) – قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون يوم الثلاثاء 25 يناير، إن وجود حكومة يهيمن عليها حزب الله في لبنان، سيؤثر على علاقات هذا البلد مع الولايات المتحدة التي تصنف الحزب على أنه جماعة إرهابية.

ومنذ انهيار الحكومة اللبنانية، التي كان يرأسها رئيس الوزراء السابق سعد الحريري المؤيد للغرب هذا الشهر، ثارت تكهنات بأن الولايات المتحدة قد تقطع المعونات عن القوات المسلحة اللبنانية خوْفا من أن تقع أسلحة أمريكية في أيدي حزب الله وأن تستخدم في مهاجمة إسرائيل. وحزب الله مدرج على القائمة السوداء الأمريكية الرسمية للجماعات الإرهابية، وهو إجراء يقتضي فرض قيود متنوّعة على السفر والتعاملات المالية.

وكان الجمهوريون الذين سيْـطروا على مجلس النواب الأمريكي تعهّـدوا بفحص المعونات الأمريكية للبنان على نحو أكثر تدقيقا، وحث ديمقراطي رفيع يوم الثلاثاء الرئيس باراك اوباما على الكفّ عن إرسال أسلحة ومراجعة كل المساعدات.

وقالت كلينتون للصحفيين في مؤتمر صحفي مع وزيرة الخارجية الإسبانية الزائرة ترينيداد خيمينيز: “سيكون لوجود حكومة يهيمن عليها حزب الله أثر واضح على علاقاتنا الثنائية مع لبنان”. وأضافت كلينتون “مواقفنا الأساسية ما زالت كما كانت دائما… نعتقد بضرورة متابعة سيْـر العدالة وإنهاء الحصانة من العقاب. نؤمن بسيادة لبنان وإنهاء التدخل الخارجي”.

واتهم البيت الأبيض يوم الثلاثاء جماعة حزب الله باستخدام “القسر والترهيب والتهديد بالعنف”، لتحقيق مآربه السياسية ودعا الحكومة القادمة للالتزام بالدستور اللبناني ونبذ العنف.

وقالت كلينتون إن واشنطن تتابع التحركات لتشكيل حكومة جديدة في لبنان بعد تكليف نجيب ميقاتي، المدعوم من حزب الله، بتشكيلها في خطوة أدت إلى تحويل ميزان القوى في البلاد مجددا نحو سوريا وإيران. وقالت كلينتون “ونحن نراقب ما تفعله هذه الحكومة الجديدة، فإننا سنحكم عليها تبعا لذلك”.

ويثير تزايد القوة السياسية لحزب الله فيما يبدو قلق إسرائيل، التي دارت حرب بينها وبينه في عام 2006 استمرت خمسة أسابيع في محاولة فاشلة لتدمير القدرة العسكرية للحزب الذي تدعمه إيران.

وقال مسؤولون أمريكيون في وقت سابق هذا الشهر، إن الاضطراب السياسي في لبنان لن يؤدي إلى قطع فوري للمساعدات الأمريكية للجيش اللبناني، لكنهم قالوا إن العلاقات ستخضع لمراجعة سريعة.

واتهمت كلينتون حزب الله – الذي أدى قراره بالانسحاب من الائتلاف الحاكم إلى الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري – بمحاولة تخريب العدالة قبل الإعلان المتوقع لاتهامات ضد الحزب بشأن اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005. واتهم مسؤولون أمريكيون أيضا حزب الله بالسعي لتعزيز مصالح إيران.

وقال تومي فيتور، المتحدث باسم البيت الأبيض في بيان “من الصعب تصور أن تتخلى أي حكومة تمثل كل اللبنانيين حقا عن جهود إنهاء عهد الحصانة من العقاب على الاغتيالات بهذا البلد. في نفس الوقت، ندعو جميع الأطراف للحفاظ على الهدوء”.

وزادت الولايات المتحدة مساعداتها بشدة للجيش اللبناني بعد حرب عام 2006 مع إسرائيل ومنحته 650 مليون دولار للإنفاق على أمور، مثل صيانة طائرات الهليكوبتر والأسلحة والذخيرة وأجهزة الرؤية الليلية والصواريخ المضادة للدبابات.

وقال هوارد بيرمان، النائب الديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في بيان مكتوب “إن ظهور حزب الله الإرهابي كصانع للملوك في الساحة السياسية بلبنان، فضلا عن هيمنته العسكرية الراسخة، لهو يوم حزين للبنان”. وأضاف قوله “إني أدعو الرئيس أوباما أن يعطل فورا كل عمليات إرسال أسلحة إلى لبنان وأن يجري مراجعة دقيقة لكل برامج المساعدات الاقتصادية، لضمان أن لا تؤدي عن غير قصد إلى تقوية حزب الله”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 يناير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية