مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هموم أمنية متقاطعة.. وأجندات متباعدة

غادر وزير الداخلية السعودي الجلسة الإفتتاحية لتفادي سماع خطاب وزير الأمن العام الليبي swissinfo.ch

طغت العبارات الفضفاضة على البيان الختامي للدورة الثانية والعشرين لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي عقد في تونس.

ورغم أن فعاليات المؤتمر كان مقررا لها الاستمرار لمدة ثلاثة أيام (من الرابع إلى السادس من يناير)، إلا أن المشاركين فيها اختزلوها إلى يوم ونصف اليوم!

انطلق غالبية الوزراء في نهاية الاجتماعات إلى المطار، ليستقلوا طائراتهم الخاصة إلى وجهات مختلفة، بعدما مثلوا الدور المطلوب في اجتماع صارت دورية مواعيده مثل دقة الساعة السويسرية، وهو ما جعله مختلفا عن كل الاجتماعات العربية الفاشلة عادة.

وعلى غرار دورية موعده، أثمر الاجتماع عن تصريحات أصبحت معتادة، تعبر عن هواجس مشتركة تخص ضمان أمن الحكومات، وتأمين التفاهم بينها، لأن صراعها يفتح هوامش أمام أعداء مشتركين لم يتردد الوزراء في تسميتهم.

وفاق للاستهلاك المحلي

من هذه الزاوية، لم تخرج الدورة الأخيرة عن الصورة المألوفة المقترنة بالتوافق التام بين وزراء الداخلية العرب، أيا كان الظرف ومهما بلغت درجة الخلافات.

ويكفي أن نذكر أنه في الدورة التي التأمت قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان وزير الداخلية العراقي آنذاك زمام عبد الرزاق يجتمع مع الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي في جناحه، ويمازح نظراءه الخليجيين الآخرين أثناء الجلسات.

ظاهريا، تكرر المشهد نفسه هذه السنة، وإن طرح مشكل بروتوكولي شائك ومحرج في شأن استعداد الوزير السعودي لمصافحة وزير الأمن العام (الداخلية) الليبي، بعد تفجير قضية محاولة اغتيال شقيقه ولي العهد الأمير عبد الله على يد عبد الرحمن العمودي، المقرب من الزعيم الليبي معمر القدافي. وتم تجاوز الإشكال بأن اكتفى نايف بتحية جماعية من دون أن يصافح الوزراء فردا فردا.

والملاحظ أن هذا الوفاق الموجه للاستهلاك الإعلامي استمر طيلة الاجتماعات، وانعكس في البيان الختامي الذي شدد على تكثيف التنسيق الأمني، لكن الأجندات لاحت متباعدة بشكل كبير.

الهاجس الأمني أصبح هاجساً للجميع..

كان الهاجس الأمني في السابق لا يشغل سوى جزء من الدول العربية، وبخاصة الجزائر وتونس ومصر، التي حاولت في دورات سابقة الحصول على إدانة جماعية للحركات الأصولية المتشددة بوصفها ظاهرة إرهابية، غير أنها كانت تصطدم بتحفظ من بلدان مؤثرة، مثل السعودية والمنظومة الخليجية عموما والمغرب، مما حال دون اعتماد رؤيتها.

غير أن هذا الوضع تغير اليوم، وصارت السعودية والكويت والمغرب والعراق واليمن والبحرين، إضافة للأردن وليبيا، تتكلم بدافع الصراع المحتدم داخل ساحاتها مع الجماعات، وتتحمس لتصنيفها في البيانات الرسمية للمجلس في خانة “الإرهاب”.

وأصبحت عقيرة وزير الداخلية السعودي ترتفع داخل قاعة المجلس، محملاً جميع الأطراف “أفرادا وجماعات ومؤسسات وهيئات، رسمية وغير رسمية، مسؤولية مكافحة الإرهاب”.

ويمكن القول أن هذا الانعطاف بدأ مع إعطاء المنظومة الخليجية الضوء الأخضر لعقد اجتماع مشترك بين مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب، الذي عقد في القاهرة في أواخر التسعينات، وصادقوا فيه على “الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب”.

لكن التباعد ظل مهيمناً

مع ذلك، كان الاجتماع الأخير مسرحا لجدل غير مباشر،عكس استمرار التباعد في تعريف الإرهاب، والتعاطي معه من دولة إلى أخرى. ففي مقابل الرؤية التونسية – الجزائرية – السعودية – العراقية، التي اعتبرت الجماعات الأصولية أهم خطر فكري وسياسي يهدد استقرار المجتمعات العربية، دافع الثنائي السوري – اللبناني على فكرة التمييز بين الأصولية التي تستهدف زعزعة الأنظمة، وبين التنظيمات الفدائية التي تقاتل الاحتلال، وإن من منطلقات دينية متشددة.

ولوحظ أن وزير الداخلية السوري غازي كنعان حرص على التذكير في الكلمة التي ألقاها في الجلسة المقفلة، بأن سوريا كانت “أول بلد عربي قاوم الإرهاب، ومازال يواجهه حتى اليوم”، في إشارة غير مباشرة إلى أحداث حماه في مطلع الثمانينات. لكنه حذر في الوقت نفسه من “الاختلاط في المفاهيم، لأن شبكة الإرهاب تتشابك مع شبكة المقاومة عند البعض، ومن المهم أن نحدد ونفصل بين مفهومي الإرهاب والمقاومة”.

وكذلك، كان موقف نظيره اللبناني سليمان فرنجية، الذي لم يكتف بذلك، بل حمّـل وزراء الداخلية العرب “مسؤوليتهم في دعم المقاومة في لبنان حتى استرجاع آخر شبر من أراضيه المحتلة في شبعا، وهي المسؤولية المترتبة علينا جميعا تجاه إخواننا في فلسطين”، مثلما قال.

والملاحظ، أن السودان فقط هو الذي ساند هذا الطرح إلى حد ما، أما الوفد الفلسطيني فركز مداخلاته على طلب المساعدة للشرطة الفلسطينية.

وخلاف على مصادر التمويل

أكثر من ذلك، ظهرت التباعدات في المواقف حتى داخل جبهة المحذرين من خطر الإرهاب، عندما تعلق الأمر بأجندات المكافحة وعناوينها وأولوياتها، والتي اختلفت من بلد إلى آخر.

فالمنظومة الخليجية الواقعة تحت ضغط أمريكي وغربي عموما في شأن تمويل الجماعات، تحاشت موضوع مراقبة جمعيات البر والإحسان وهيئات الزكاة، فيما أظهرت بلدان أخرى اندفاعا واضحا لفرض رقابة على التحويلات المالية.

ومن هذا المنطلق طلب الوزير المصري حبيب العادلي من نظرائه، وضع آلية للتنسيق بين مجلس وزراء الداخلية واتحاد المصارف العربية، “لإحكام تجفيف مصادر تمويل الإرهاب” .

وكذلك فعل وزير الداخلية اليمني رشاد العليمي، الذي وضع “تجفيف الينابيع المالية للإرهاب، سواء من المصادر الفردية أم من الجمعيات والمؤسسات”، في صدارة المهام الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب.

اهتمامات أمنية متباينة

إلى جانب هذا الموضوع المركزي، الذي كشف عن اختلافات في الطرح وسبل المواجهة، على رغم الإجماع الظاهري، بدا التباعد بين الأجندات العربية أيضا في طرح المسائل الأخرى المتصلة باهتمامات الأجهزة الأمنية.

فالسودان، كانت له أجندته الخاصة، التي طلب وزير داخليته وقتا خاصا لعرضها على نظرائه، طالبا الدعم للتسوية المكرسة أخيرا بين حركة التمرد والسلطة المركزية.

والوفد العراقي أتى بأجندة خاصة، أحدُ عناوينها طلب السيطرة على الفضائيات العربية، بوصفها “تحرض على العنف والبغضاء والاثارة”، على حد تعبير وزير الداخلية فلاح النقيب، إضافة إلى السعي لإحكام السيطرة على الحدود، وهي المسألة التي بحثها النقيب مع نظرائه السوري والسعودي والأردني في لقاءات منفصلة.

وأسوة بهؤلاء، عكست الرؤى التي عبر عنها الوزراء الآخرون هموما ومشاغل خاصة، يصعب إيجاد تقاطعات بينها، مما أثبت غياب مفهوم مشترك للأمن العربي في بعديه المحلي والإقليمي.

وقد اختارت وفود أخرى، ربما بسبب غياب وحدة الرؤى هذه، أن تغيب جسديا ،وتترك مقاعدها شاغرة، وهي الصومال وجيبوتي وجزر القمر، وان كان مسؤولون في الأمانة العامة للمجلس عزوا غيابها إلى ارتفاع كلفة السفر والإقامة، التي تتحملها كل دولة عضو في المجلس على حسابها.

رشيد خشانة – تونس

يعمل مجلس وزراء الداخلية العرب في نطاق جامعة الدول العربية
– تضم الأمانة العامة للمجلس 5 مكاتب تعنى بالمجالات التالية:
– مكافحة الجريمة – شؤون المخدرات – الشرطة الجنائية – الحماية المدنية والانقاذ – الاعلام الأمني

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية