مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هواجس مثلثة الرؤوس في الخليج

الجغرافيا و الإستراتيجيا في منطقة الخليج مثيرة هذه الأيام لتساؤلات لا حصر لها swissinfo.ch

تعيش منطقة الخليج العربي هذه الايام ثلاثة هواجس كبيرة دفعة واحدة: هاجس الامن الجيو- سياسي، هاجس الامن الامني، وهاجس الامن المالي اذا ما جاز التعبير.

وتوضح مصادر خليجية مطلعة في دبي ل “سويس أنفو” ان هذه الهواجس تتقاطع مع ضغوط امريكية قوية لحمل دول المنطقة على الانضمام بالكامل الى “الحرب العالمية ضد الارهاب”، وهذا ما يزيد من حالة التوتر والارتباك الشديدين في المنطقة.

وتشير المصادر، على سبيل المثال، الى قيام السلطات في بعض دول الخليج بحملة توقيفات كانت واسعة النطاق في بعض الاحيان، ضد من يشتبه بان لهم نشاطات اصولية متطرفة . وبرغم ان هذه التوقيفات لم تربط مباشرة بالتحقيقات الجارية الان لمعرفة منفذي الهجمات الانتحارية على واشنطن ونيويورك، الا ان الزيارات العديدة التي يقوم بها مسؤولون أمنيون أمريكيون الى المنطقة، تشي بوجود خيوط ما بين هذه التوقيفات وبين التحقيقات.

هذا اضافة الى ان سلطات دولة الامارات العربية المتحدة قامت مؤخرا، على سبيل المثال، بتوقيف العديد من المواطنين الافغان الذين دخلوا البلاد بشكل غير شرعي، لكنها اضطرت الى ابقائهم داخل الامارات بسبب رفض باكستان ودول اخرى استقبالهم.

اولوية مالية

لكن، ورغم حرارة هذا الهاجس الامني الذي تفاقمه حقيقة وجود ملايين عدة من آسيويي شبه القارة الهندية في شبه الجزيرة العربية، الا ان الاولوية القصوى تبقى لهاجس “الامن المالي”، لماذا؟

ببساطة لان التحقيقات الامريكية والغربية الاخرى حول خطوط الامدادات اللوجيستية المالية لمنظمة “القاعدة” التي يتزعمها اسامة بن لادن، تشير بأصابع الاتهام الى بعض المؤسسات المالية الاسلامية في منطقة الخليج .
ومن بين هذه المؤسسات: بنك الشمال الاسلامي وبيت التمويل الكويتي وبنك البحرين الدولي وبنك دبي الاسلامي .. الخ. كما ان هناك هيئات مالية اخرى تخضع الان للتحقيق لمعرفة ما اذا كانت على علاقة مع بن لادن ، مثل بنك “امرو” الهولندي العريق والبنك السعودي الهولندي، الذي يمتلك البنك الاول اربعين في المائة في المائة من أسهمه. وتدور شكوك حول وجود علاقة قوية بين هذا الاخير وبين أسامة بن لادن مباشرة.

كما ثمة روايات عن ان بن لادن ساهم مباشرة في تأسيس احد البنوك الخليجية من خلال استثماره فيه بنحو 50 مليون دولار. ولا تستبعد المصادر الخليجية هنا حدوث تطورات درامية قريبا على جبهة “الامن المالي”، خاصة وان دول المنطقة تعهدت بالتعاون الكامل لملاحقة الاقنية اللوجستية المالية لمنظمة بن لادن ولغيرها من المنظمات الاصولية.

قلق جيو لوجيستي

ماذا الان على الصعيد الجيو – سياسي؟ الصورة هنا لا تبدو أقل تشوشا فالمعلومات متضاربة حول ما اذا كانت المملكة السعودية ستسمح ام لا باستخدام القواعد الامريكية الموجودة على اراضيها، في العمليات العسكرية الوشيكة ضد حركة “طالبان” في أفغانستان .

وهكذا وفيما يؤكد الامير سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع السعودي، على سبيل المثال، بان بلاده لن تسمح بأستخدام هذه القواعد، تعلن الدوائر الامريكية انها “مرتاحة” للتعاون الذي تبديه المملكة في هذا المجال.

وفي الوقت ذاته، تحرص دول الخليج على خلق مسافة سياسية بينها وبين التوجهات الامريكية العامة في الحرب ضد الارهاب. وهذا بدا واضحا من خلال التصريحات الاخيرة لوزير الدفاع الاماراتي، محمد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد سلطان القاسمي حاكم الشارقة، اللذين دعيا الولايات المتحدة الى التروي قبل الاقدام على اي عمل عسكري، وشددا على الدور البارز الذي لعبته الحضارة الاسلامية في بلورة الحضارة الغربية. ( وهذا كان ردا مباشرا على الحملات التي تتعرض لها الحضارة الاسلامية في الغرب).

وأخشى ما تخشاه دول الخليج الان، هو امكانية انهيار باكستان بفعل حرب اهلية محتملة، وبالتالي اشتعال حريق كبير في الهضبة الاسيوية يمتد لهيبه سريعا عبر بحر العرب الى المنطقة. كما تخشى ايضا ان يؤدي تفاقم الاستقطاب بين الحضارتين الغربية والاسلامية الى تعريض تحالفها المتين مع الولايات المتحدة للخطر. وكما هو معروف، فالضمانات الامريكية هي المظلة الامنية الوحيدة لدول الخليج في مواجهة القوتين الاقليميتين الكبيرتين العراق وايران.

والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه الان في منطقة الخليج هو: هل ما زال بالامكان مواصلة الاعتماد على الترتيبات الداخلية والخارجية التي كانت موجودة قبل الهجمات الانتحارية على اميركا، والتي كفلت في السابق استقرار المنطقة؟

لا احد في وسعه تقديم اجابة شافية الان على هذا السؤال، لا في منطقة الخليج ولا خارجها. فالعالم دخل مرحلة سيولة غامضة، يفاقم منها غموض طبيعة الحرب العالمية التي ستخوضها الولايات المتحدة.

وفي مثل هذه الظروف، ستكون اليد العليا للهواجس مثلثة الرؤوس في الخليج، وهي هواجس بدأت تنعكس اقتصاديا في صورة ركود اقتصادي نسبي في المنطقة.


سعد محيو – دبي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية