مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مُقترحات من أجل وضع أزمة الهجرة في أوروبا “تحت السيطرة”

تحرير سويس إنفو

أصبحت سياسة اللجوء التي أسفرت عنها مفاوضات الإتحاد الأوروبي في شهر مارس الماضي مع تركيا نافذة المفعول في الرابع من أبريل 2016 عندما تم ترحيل 202 من طالبي اللجوء من اليونان. والواقع أن هذه السياسة تنطوي على أربعة عيوب جوهرية.

· فقد تم التفاوض عليها مع تركيا، وفَرَضَتها على الإتحاد الأوروبي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

· وهي تعاني من عجز شديد في التمويل.

· وهي ليست سياسة طوعية، لأنها تؤسس لحصص لا تحظى بقبول العديد من البلدان الأعضاء، وتُلزِم اللاجئين بقبول الإقامة في بلدان لا يُريدون العيش فيها.

· وهي تُحوّل اليونان بحكم الأمر الواقع إلى حظيرة تجميع تفتقر إلى المرافق الكافية لاستيعاب عدد طالبي اللجوء الموجودين هناك بالفعل.

“من غير المسؤول أن نسمح بتفكك الإتحاد الأوروبي بسبب الإفتقار إلى التمويل اللازم لوضع أزمة اللاجئين تحت السيطرة”

كل هذه العيوب يُمكن تصحيحها. وقد اعترفت المفوضية الأوروبية ضمنا ببعضها في السادس من أبريل 2016 في إطار سلسلة من المقترحات لإصلاح نظام اللجوء في أوروبا. لكن مقترحات المفوضية لا تزال تعتمد على حصص إجبارية. ولن ينجح هذا أبدا. ويدعو نائب رئيس المفوضية الأول فرانس تميرمانز إلى عقد مناقشة مفتوحة.

في اعتقادي أن سياسة اللجوء الشاملة الصالحة لأوروبا لابد أن تحدد هدفا سنويا ثابتا ويمكن الإعتماد عليه يتراوح بين 300 ألف إلى 500 ألف لاجئ. وهو عدد كبير بالقدر الكافي لطمأنة اللاجئين إلى قدرتهم على الوصول إلى مقاصدهم في نهاية المطاف، ولكنه مع ذلك صغير بالقدر الذي يجعل استيعابه أمرا ممكنا، حتى في ظل المناخ السياسي غير المواتي اليوم.

ولا تخلو مجالات أخرى من أساليب راسخة للتوفيق الطوعي بين العرض والطلب، مثل التوفيق بين الطلاب والمدارس وبين المتدربين الطبيين والمستشفيات. وفي حالة اللاجئين، يتعيّن على أولئك العازمين على الذهاب إلى مقصد بعينه أن ينتظروا لفترة أطول من تلك التي ينتظرها أولئك الذين يقبلون الوجهة المخصصة لهم. وربما يُطلَب من طالبي اللجوء المسجلين آنذاك أن ينتظروا دورهم حيث يتواجدون حاليا. وسوف يكون هذا أرخص كثيرا وأقل إيلاما من الفوضى الحالية التي يقع المهاجرون أول ضحية لها. أما أولئك الذين يتخطون دورهم فسوف يفقدون مكانهم ــ وهو ما ينبغي أن يكون حافزا كافيا لاحترام القواعد.

سوف تتطلب هذه الخطة ما لا يقل عن 30 مليار يورو سنويا. ويشمل هذا تزويد تركيا وغيرها من دول “خط المواجهة” بالدعم المالي الكافي للسماح للاجئين الذين يعيشون هناك بالعمل وإرسال أبنائهم إلى المدرسة؛ وإنشاء وكالة مشتركة للاجئين في الإتحاد الأوروبي وقوة لمراقبة الحدود؛ ومعالجة الفوضى الإنسانية في اليونان؛ ووضع معايير مشتركة في مختلف أنحاء الإتحاد الأوروبي لاستقبال ودمج اللاجئين.

لا شك أن الإتحاد الأوروبي لديه القدرة على جمع 30 مليار يورو سنويا على الأقل، وهو ما يعادل أقل من 0.25% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء الثماني والعشرين والذي يتجاوز 16 تريليون يورو، وأقل من 0.5% من مجموع إنفاق حكوماته الوطنية. ويتمثل العنصر المفقود هنا في الإرادة السياسية. تمنع القواعد المالية في الإتحاد الأوروبي أغلب الدول الأعضاء من إدارة عجز أكبر وتمويله بإصدار ديون جديدة. ولهذا السبب، لم يُطرَح هذا الأمر حتى، ناهيك عن النظر فيه بجدية.

استخدام ميزانية الإتحاد الأوروبي

عاجلا أو آجلا، سوف يستلزم الأمر فرض ضرائب جديدة للتعامل مع أزمة اللاجئين. ولن يكون تجميع صناديق تفتقر إلى الكفاءة معا عاما تلو الآخر كافيا لإنجاز المهمة. وعلى النقيض من هذا، سوف يساعد “التمويل الدافق” في تمكين الاتحاد الأوروبي من الاستجابة بقدر أكبر من الفعالية لبعض العواقب الأشد خطورة، من خلال المساعدة في تحويل الديناميكيات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بعيدا عن كراهية الأجانب والسخط ونحو نتائج إيجابية تعود بالفائدة على اللاجئين والدول على حد سواء. وهذا من شأنه أن يخفض في الأمد البعيد مجمل ما تنفقه أوروبا لاحتواء أزمة اللاجئين والتعافي منها.

والحجة قوية لصالح استخدام ميزانية الإتحاد الأوروبي لتوفير مثل هذا التمويل. فمع انخفاض أسعار الفائدة العالمية إلى مستوى الصِفر أو بالقرب منه، يُصبِح الوقت الحالي مناسبا بشكل خاص لاستغلال التصنيف الإئتماني الممتاز الذي يتمتع به الإتحاد الأوروبي. وينطوي هذا على ميزة إضافية تتمثل في توفير الحافز الإقتصادي الذي تشتد الحاجة إليه. كما تنطوي المبالغ المستغلة هنا على أهمية واضحة للإقتصاد الكلي، خاصة وأنها سوف تُنفَق بشكل مباشر تقريبا وتخلف تأثيراً مضاعفا. فالإقتصاد المتزايد النمو من شأنه أن يزيد كثيرا من سهولة استيعاب المهاجرين، سواء اللاجئين أو المهاجرين لأسباب اقتصادية.

والسؤال هو كيف يُمكن استخدام ائتمان الاتحاد الأوروبي الممتاز من دون إثارة المعارضة، وخاصة في ألمانيا؟ 

أولا، يتعيّن علينا أن ندرك أن الاتحاد الأوروبي مُقترض ممتاز بالفعل. فأثناء أزمة منطقة اليورو، أنشأ الإتحاد الأوروبي أدوات مالية مثل آلية الإستقرار المالي الأوروبي، وآلية الإستقرار الأوروبي، وهي الأدوات التي كانت قادرة على تحقيق الإستفادة السريعة من عشرات المليارات من اليورو بشروط جذّابة ميسرة.

ولابد من إعادة توجيه هذه الكيانات، التي تحتفظ بقدرة كبيرة على الإقراض، لتأمين التمويل الدافق اللازم لمعالجة أزمة اللاجئين. ومن المؤكد أن استخدام آلية قائمة، وإن كان ذلك لغرض جديد، أكثر فاعلية إلى حد كبير من إنشاء آلية جديدة. ولن يتطلب الأمر سوى القرار السياسي، الذي يمكن اتخاذه في فترة بسيطة من دون تحضير طويل.

ولابد من تكريس مصدرين للمال ــ آلية الإستقرار المالي الأوروبي (لأعضاء منطقة اليورو) ومرفق مساعدة ميزان المدفوعات (لأعضاء الاتحاد الأوروبي خارج منطقة اليورو). وكل من المصدرين تدعمه ميزانية الاتحاد الأوروبي بشكل كامل ــ ولا يحتاج الأمر بالتالي إلى ضمانات وطنية أو موافقة برلمانية وطنية. ويبلغ مجموع قدرة اقتراض المصدرين 110 مليار يورو، وهو رقم يعادل العائد السنوي لميزانية الاتحاد الأوروبي.

الواقع أن قدرة إقراض مرفق مساعدة ميزان المدفوعات التي تبلغ 50 مليار يورو تكاد تكون غير مستخدمة على الإطلاق. وقد قدمت آلية الاستقرار المالي الأوروبي نحو 46.8 مليار يورو في شكل قروض للبرتغال وأيرلندا ولكنها لا تزال تتمتع بقدرة فائضة كبيرة. وتتجاوز قدرة المصدَرين 60 مليار يورو، وتنمو هذه القدرة كل سنة مع سداد البرتغال وأيرلندا للقروض المستحقة عليهما.

أزمة تتطلب استجابة سريعة

كما كانت الحال مع أزمة اليورو، تتطلب أزمة اللاجئين استجابة سريعة. ولكنها تختلف عن أزمة اليورو في أن الدول المستفيدة ــ الأردن، وتركيا، واليونان ــ تقع على الخط الأمامي لما يُعَدّ مهمة أوروبية جماعية. وتستحق هذه الدول المنح، ولا ينبغي إلزامها بسداد الأموال التي تتلقاها. بل يتعيّن على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بدلا من ذلك إيجاد مصادر جديدة للدخل الضريبي لسداد تكاليف هذا التمويل.

ومن الممكن أن يأتي العائد الضريبي الجديد من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة على مستوى الاتحاد الأوروبي بالكامل؛ أو ضريبة خاصة على البترول، كما اقترح وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله؛ أو ضريبة جديدة على السفر داخل الإتحاد الأوروبي أو على طلبات الحصول على التأشيرة، والتي من شأنها أن تحول بعض العبء إلى مواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي.

وفي حين أن استكمال عملية فرض ضرائب جديدة سوف يستغرق بعض الوقت، فسوف يكون حاملو السندات راغبين في التأكد من خدمة وسداد سنداتهم. ولهذا السبب يتعيّن على الإتحاد الأوروبي أن يضمن قدرته على توليد العائدات الضريبية الجديدة وقتما تنشأ الحاجة إليها، حتى وإن كان المصدر المضبوط لم يحدد بعد.

ويظل التساؤل حول كيفية توليد الإرادة السياسية اللازمة قائما. لقد بُني الإتحاد الأوروبي على المبادئ الديمقراطية. وأعتقد أن أغلبية صامتة تريد الحفاظ على الإتحاد، حتى ولو لم يكن مؤسسة تعمل كما ينبغي لها تماما في الوقت الحالي. وسوف يُنصت إليهم قادتهم السياسيون إذا رفعوا أصواتهم.

إن أزمة اللاجئين تشكل تهديدا وجوديا لأوروبا. ومن غير المسؤول أن نسمح بتفكك الإتحاد الأوروبي بسبب الإفتقار إلى التمويل اللازم لوضع الأزمة تحت السيطرة؛ بيد أن الإفتقار إلى التمويل الكافي يُعَدّ العقبة الرئيسية التي تحول دون تنفيذ برامج ناجحة في البلدان الواقعة على الخط الأمامي. وقد استخدمت الحكومات على مر التاريخ السندات في الإستجابة للطوارئ الوطنية. فمتى ينبغي للإتحاد الأوروبي أن يستغل تصنيفه الإئتماني الممتاز إن لم يكن في لحظة حيث يتعرض لخطر مهلك؟

(سبق أن نُشر هذا المقال في موقع بروجيكت سينديكيترابط خارجي).

الأفكار الواردة في هذا المقال لا تعبّر سوى عن آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر swissinfo.ch. أما العنوان الرئيسي والعناوين الفرعية فقد تمت إضافتها أو تحويرها من طرف swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية