مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا لتكميم الأفـواه باسـم الحُـريـّـة”

ربما تنجح الأعمال الإرهابية في إحداث أضرار رهيبة، ولكنها لا تستطيع أن تدمّـر مجتمعاً مفتوحا، بل إن أولئك الذين يحكمون ديمقراطياتنا، هم فقط القادرون على تدمير مجتمعاتنا من خلال تقليص حرياتنا باسم الحرية.

محتويات خارجية

بقلم: برونو كوفمان

الواقع أن شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني القومي اليميني، لا يحتاج إلى قدر كبير من التشجيع لتشديد قوانين السرية أو منح المزيد من الصلاحيات للشرطة أو تسهيل استخدام القوة العسكرية. وكان تنفيذ الإعدام المروِّع الذميم في مواطنين يابانيين أسَـرهم تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، كافياً لتزويد آبي بالقدر المطلوب على وجه التحديد لتنفيذ مثل هذه التدابير.

ولكن اليابان لم تكن قَط مَعقلاً لحرية التعبير، ولم يسبق لها أن زعمت ذلك صراحة. ولكن فرنسا تستطيع أن تزعم ذلك. ومن المؤكّد أن هذا كان المقصود بالضبط من مظاهرة التضامن في مواجهة الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس في شهر يناير الماضي. وفرنسا من بين كل البلدان، قادرة على تجنّب الفخ الذي انزلقت إليه الجمهورية الغربية الكبرى الأخرى، التي تدَّعي أنها منارة للحرية في العالم.

الواقع، أن الخوف من العُنف الإرهابي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ألحق بالحرية في الولايات المتحدة أضراراً لم تتمكّن الهجمات الإنتحارية التي قتلت الآلاف من مواطنيها من إحداث مثيل له. فبسبب ذلك الخوف، يسمح الأمريكيون لحكومتهم بالتجسّس عليهم بشكل عشوائي، ويُجيزون تعذيب المتّهمين بالإرهاب وحبسهم إلى أجَل غيْر مسمّى، من دون محاكمة.

إن فرنسا، مثلها في ذلك كمثل أغلب بلدان الإتحاد الأوروبي، لديها بالفعل قوانين تحظر خطاب الكراهية. فلا يجوز لك قانوناً، إهانة الناس على أساسي عِرقهم أو معتقداتهم أو ميولهم الجنسية. وفي فرنسا، كما هو الحال في بعض البلدان الأخرى، من الممكن أن يُحاكَم المرء إذا أنكر المحرقة وغيرها من عمليات الإبادة الجماعية التاريخية.

والآن، يريد الرئيس فرانسوا هولاند، وهو ليس قومياً يمينيا مثل شينزو آبي، تعزيز ذلك الحظر. فقد اقترح قوانين جديدة، من شأنها أن تجعل كيانات على الإنترنت مثل غوغل وفيسبوك، مسؤولة عن أي “خطاب كراهية” ينشر على شبكة الإنترنت من قِبَل مستخدميها.

يُدرّس إيان بوروما الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في “بارد كولاج”رابط خارجي بالولايات المتحدة. ألف العديد من الكتب من بينها “اغتيال في أمستردام: مقتل تايو فان خوخ”، و”حدود التسامح”، ونشر في الآونة الأخيرة: “العام الصفر: تاريخ لعام 1945”.

كما أيّد رؤساء سابقون لبلدان في الإتحاد الأوروبي مقترحاً تقدّم به زعماء يهود أوروبيون لتجريم ليس فقط مُعاداة السامية وإنكار الإبادة الجماعية، بل وأيضاً “كراهية الأجانب” عموماً في كل بلدان الاتحاد الأوروبي. والحق، أن قِلة من الناس قد يرغبون في الدفاع عن التعبير عن كراهية الأجانب أو معاداة السامية. ولكن هل من الحِكمة حقاً أن نستخدم القانون لحظر الآراء؟

أولاً وقبل كل شيء، من غير المرجّح أن تتمكن مثل هذه القوانين، في حال سنّها، من الحد من تهديد الأفعال الإرهابية. وحظر التعبير عن الآراء، لن يجعلها تتلاشى، بل إن التعبير عنها سوف يستمر، ولكن ربما بقدر أكبر من السرية، وقد تصبح نتيجة لهذا أكثر سُمّية. ولن يختفي الأساس الإجتماعي والسياسي للإرهاب في الشرق الأوسط وأماكن أخرى بمجرد فرض الحظر العام على خطاب كراهية الأجانب.

ولكن هناك خطر أكبر في استخدام القانون لمراقبة أفكار ومعتقدات الناس. فالقانون قد يخنق المناقشة العامة. وهذا الخطر يؤسّس لوجهة النظر التي لا تزال سارية في الولايات المتحدة والتي تزعم أن الآراء، حتى ولو كانت بغيضة، لابد أن يكون التعبير عنها بحرية حتى يصبح من الممكن معارضتها بحجج مضادة.

من السذاجة بطبيعة الحال أن نصدّق أن المتطرفين الدينيين أو السياسيين مهتمّون بتبادل وجهات النظر. ولكن التحريض على العنف محظور في الولايات المتحدة أيضا. فالتعديل الأول للدستور لا يحمي حرية التعبير حيثما يثبت أنها تخلق تهديداً وشيكاً بالعنف.

والواقع، أن وجهات النظر المعادية للأجانب أو التي تُنكر الإبادة الجماعية، بغيضة ومنفرة، ولكنها لا تفضي بالضرورة إلى مثل هذا التهديد. ففي أغلب المجتمعات، بما في ذلك الولايات المتحدة، يكون التعبير العلني عن مثل هذه الآراء مقيَّداً بإجماع غير مُنظم على قد يكون مقبولاً ومحترماً اجتماعيا. ويتغير هذا الإجماع بمرور الوقت. وترجع مهمة تشكيل هذا الإجماع إلى المحررين والكتّاب والساسة وغيرهم ممّن يحدثون عامة الناس.

وفي بعض الأحيان، يميل رسامو الكاريكاتير والفنانون والمدوِّنون والناشطون والممثلون الهزليون، إلى تحدّي الإجماع على ما هو جدير بالاحترام. وقد تتسبّب بعض هذه التحديات في إثارة موجة من الغضب (وهو المقصود غالباً في نهاية المطاف). ولكن ما دامت لا تروّج للعنف أو تهدد باستخدامه، فإن حظرها بالقانون قد يؤدّي إلى أضرار أعظم من أي منفعة قد يجلبها. فالسماح للحكومات بتقرير أي من الآراء مسموح به، أمر بالغ الخطورة، ليس فقط لأنه يخنق الحوار، بل وأيضاً لأن الحكومات من الممكن أن تستخدِمه بشكل تعسّفي أو على النحو الذي يخدم مصالحها.

تستضيف swissinfo.ch من حين لآخر بعض المُساهمات الخارجية المختارة. وسوف ننشر بانتظام نصوصا مختارة لخبراء، وصانعي قرار، ومراقبين متميّزين، لتقديم وجهات نظر تتسم بالعمق والجدّة والطرافة حول سويسرا أو بعض القضايا المثيرة ذات العلاقة بهذا البلد. ويبقى الهدف في نهاية المطاف تفعيل الحوار ومزيد إثراء النقاش العام.

ومن المفيد في المناخ الحالي الذي يغلب عليه الخوف، أن نتذكر قضية شهيرة من قضايا خطاب الكراهية في الولايات المتحدة. ففي عام 1977، خطّط الحزب النازي الأمريكي لتنظيم مظاهرة في سكوكي، وهي ضاحية في شيكاغو يقطنها عدد كبير من السكّان اليهود. فسارعت محكمة محلية بدافع الصّدمة والخوف من الرأي العام، إلى إصدار قرار يقضي بحظر استعراض الصّلبان المعقوفة وتوزيع المنشورات النازية وارتداء الزي النازي. وكان الإدِّعاء المعقول إلى حدٍّ كبير آنذاك، هو أن مثل هذه المظاهرة تشكّل إهانة لمجتمع يشمَل ناجين من المحرقة.

إن السماح للحكومة بحظر الآراء التي نكرهُها أو نحتقِرها من شأنه أن يُضعف حقّنا في الطعن في حظر مماثل على آراء قد نتفق معها محامو الإتحاد الأمريكي للحريات المدنية

لكن الحظر كان موضِع طعْن من قِبَل الإتحاد الأمريكي للحريات المدنية، بوصفه انتهاكاً للتعديل الأول من الدستور. ولم تكن الحجّة التي ساقها مُحامو الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وكان أغلبهم من اليهود الليبراليين، قائمة على أي تعاطُف مع رموز النازية أو آرائها، بل كانت حجّتهم ببساطة، أن السماح للحكومة بحظر الآراء التي نكرهُها أو نحتقِرها، من شأنه أن يضعف حقّنا في الطعن في حظر مماثل على آراء قد نتفق معها.

بعبارة أخرى، ينبغي لحرية التعبير أن تعني حرية الخطاب البغيض المكروه أيضا، ما دام لا يهدّد بتشجيع العنف. إن أغلب الحكومات الأوروبية تتبنى بالفعل نظرة أكثر صرامة للإهانات العلنية، مقارنة بدستور الولايات المتحدة. ومن الخطإ الشديد أن نضيف المزيد من القيود. فالهجمات الإرهابية تُحدث القدر الكافي من الضرَر بالأرواح والممتلكات، ولا يوجد أي سبب قد يدفع الحكومات إلى زيادة الأمور سوءاً على سوء بالعبث بحريات مواطنيها.

(سبق أن نُشر هذا المقال في موقع بروجيكت سينديكيترابط خارجي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية