مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مرشح سويسرا لرئاسة الهيئة الدولية للمناخ في جولة عربية لحشد الدعم

يُشدد الخبير السويسري على أنه "لا بد من الوعْي بأن هذا المشكِل يمسّ الجميع، وخاصة الدول النامية التي هي مُعرَّضة بحُكم هشاشتها للتلوّث وأعراض تغير المناخ والسّيول والجفاف وارتفاع مستوى البحار..". Keystone

قبل حوالي أربعة أشهر من المؤتمر الدولي للمناخ، الذي تستضيفه باريس في بداية شهر ديسمبر المقبل، تشتد المنافسة بين المرشّحين للهيئة الحكومية الدولية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ رابط خارجي"IPCC"، وسط تجاذب حاد بين أوروبا وأمريكا، اللّتين تُعتبران أكبر مُلوثتيْن للكوْن إلى جانب الصين.

وقد اختارت الحكومة الفدرالية السويسرية الدكتور توماس شتوكررابط خارجي مُرشّحا لرئاسة هذه الهيئة الدولية، في الانتخابات التي ستجري خلال اجتماع الدورة 42 للهيئة في دوبروفنيك بكرواتيا في الفترة من 5 إلى 8 أكتوبر المقبل. وجال المُرشّح السويسري على عدّة بلدان في إطار حملته “الانتخابية”، التي خصّص قِسما مُهِمّا منها للعالم العربي والبلدان النامية عموما. التقَـته swissinfo.ch بين زيارتيْن، عندما حط رحاله في الدوحة، فكان هذا الحوار عن كِبار المُلوِّثين، أي الولايات المتحدة والصين وأوروبا، والتغييرات المناخية العالمية وانعكاساتها على البيئة وآفاق التحكم فيها.

swissinfo.ch: ما الهدَف من هذه الجولة، وإلى أيْن ستقودك؟

توماس شتوكر: سأزور خلالها كلا من السعودية وقطر والأردن ومصر وتركيا وأثيوبيا. أما الغاية منها، فهي الاتصال المباشر مع الحكومات والمسؤولين والنُّخب، لشرح رُؤيتي لمستقبل الهيئة الحكومية الدولية المعنِية بتغير المناخ. وقد انتقيتُ بلدانا مُعيَّنة من هذه المنطقة (البلدان النامية)، انطلاقا من قدرتها على التطوّر والإمكانات التي تملكها للانخراط في النمُو التكنولوجي في المجال البيئي تحديدا. كما أنها فرصة للاستماع إلى حاجات هذه البلدان.

فمثلا في لقائي اليوم مع وزير البيئة القطري، تطرق لقضايا هامة، منها دور العلماء والأكاديميين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، مع العِلم أن الهيئة أعدت ثلاثة تقارير في دورتها الأخيرة ولم تشارك قطر في أيٍّ منها. كما ناقشنا في الإطار نفسه، كيف يمكن تطوير البنية العلمية في بلد مثل قطر وتسهيل وتسريع نقل التكنولوجيا. غير أن هذا التطوير لا يتأتّى بجلب العلوم والتكنولوجيا فحسب، وإنما أيضا بتكوين الخبراء الذين يعرفون المشاكل الخصوصية للمنطقة، مثل الجفاف والتصحّر. من هذا المنطلق، يغدو من المهِم تشكيل لجنة علمية محلية تتكلّم بنفس لغة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومرجعياتها.

الدكتور توماس شتوكر ، مرشح سويسرا لمنصب رئيس الهيئة الحكومية الدولية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ “IPCC”. Keystone

swissinfo.ch: ما هي المقاييس التي جعلتك تختار زيارة هذه البلدان دون غيرها في حملتك؟

توماس شتوكر: بصراحة هي ليست مقاييس علمية، وإنما أخذتُ في الاعتبار نوعِية العلاقة مع سويسرا والالتزامات السابقة لكل بلد في إطار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. فالسعودية مثلا دولة أساسية، كما أن قطر استضافت في 2012 ندوة دولية حول الخطوات الحاسمة للحدّ من التغييرات المناخية، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعمل في أفُق مؤتمر باريس المُقرّر لشهر ديسمبر المقبل، من أجل إعداد اتفاقية إلزامية حول التغيرات المناخية.

وقبل هذه الجولة، قُمتُ بجولة أخرى في القارة الأمريكية، شملت دُولا مختلفة من أصغر بلد في أمريكا الوسطى كوستاريكا، إلى الأكبر البرازيل، وكانت مُفيدة.

swissinfo.ch: ما هي مسؤولية الدول الصناعية عن الكارثة التي يتّجه إليها العالم، لاسيما بعد إعلان الرئيس الأمريكي أوباما الذي اعتبر فيه المسألة المناخية أهَم تهديد لمستقبل البشرية؟

توماس شتوكر: هناك مصدران رئيسيان لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، هما الولايات المتحدة والصين، وكِلاهما قامت بتصريح تاريخي في نوفمبر الماضي، تعهّدت فيه بتقليل الإنبعاثات أو على الأقل جعلها مُستقِرة في المستوى الحالي.

فالولايات المتحدة، التزمت بالتنقيص التدريجي، وأما الصين فتعهّدت بأن تكون سنة 2030 هي السّقف الأعلى للانبعاثات، ولم تنبسا ببنت شفة عمّا بعد ذلك التاريخ. لكن علينا أن نُدرِك أن مستوى التلويث الحالي غيْر مسبوق في تاريخ الإنسانية.

طبْعا، يُعتبر إلتزام الرئيس أوباما بتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 32% حتى 2030، خطوة مهِمة، غير أنها لا تحل المشكلة لأنها تخصّ بلدا واحدا ولمدة قصيرة وبكميات محدودة. ومع ذلك أقول، إن علينا أن نتعامل معها مثل الولد الذي بدأ يمشي فنشجِّعه، أملا بالانتقال إلى السّير بخطوات أكثر ثباتا.

اهتمام متزايد بالمباني الخضراء

أفادت تقارير حديثة أن ثلاثة من بلدان مجلس التعاون الخليجي،رابط خارجي وهي السعودية وقطر والإمارات، تسير بخُطىً حثيثة نحو تطبيق المعايير الدولية في إنشاء المباني الخضراء.

وأظهرت التقارير أن الدول الثلاث تُنفِق 35 مليار دولار على مشروعات عقارية صديقة للبيئة سيجري إنشاؤها في السنوات القليلة المقبلة، وهي تعتمد على ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه. كما أعدّت البلدان الثلاثة خُططا لإعادة تأهيل المباني القائمة، لكي تُصبح متوائِمة مع معايير المباني الخضراء.

swissinfo.ch: لو قيض لك أن تنجح في ترؤُّس الهيئة الدولية، بماذا تعِد العالم العربي ودول الجنوب عموما، التي تعاني من انعكاسات سياسات أنانية أساءت استغلال الموارد الطبيعية ولوَّثت البيئة وألحقت أضرارا بالغة بالمناخ وبالتّوازنات التي كانت قائمة في الكوكب الأزرق منذ ملايين السنين؟

توماس شتوكر: أولا، لابد من الوعْي بأن هذا المشكِل يمسّ الجميع، وخاصة الدول النامية التي هي مُعرَّضة بحُكم هشاشتها للتلوّث وأعراض تغير المناخ والسّيول والجفاف وارتفاع مستوى البحار… وهذا يعني ضرورة التعلّم من تجارب البلدان المُصنّعة/ المُلوِّثة.

على الدول النامية أن لا تُكرر الأخطاء التي ارتُكبت في العالم المصنّع، والمُتمثلة بتوطين تكنولوجيا سرعان ما تفقد قيمتها بعد 20 أو 30 سنة، فتُصبح مُلوِّثة للمناخ. لذا، فأمام هذه البلدان اليوم فُرصة للحصول على تكنولوجيا نظيفة لا تكون مُضِرّة بالبيئة، لذا فالنقاش مُنصب اليوم على نجاعة الاستثمار.

swissinfo.ch: كَم مِن مُرشّح سينافِسك على قيادة الهيئة الحكومية الدولية للأمم المتحدة المعنِية بتغير المناخ؟ وما نِقاط قوّتك كمرشّح سويسري؟

توماس شتوكر: هناك خمسة مرشّحين سيتبارَوْن للفوْز بالمنصب. أما ميزاتي، فهي أني لا أنتمي لأية كُتلة وأني أكاديمي جامعي وأني عمِلت في الهيئة الحكومية الدولية للأمم المتحدة المعنِية بتغير المناخ وساهمتُ بأدوار مهمّة طيلة 17 عاما.

ومنذ 2008 إلى اليوم ،أثبتتُ جَدارتي من موقِعي كرئيس مشارك للفريق العامل الأول في الهيئة، واتّضح ذلك من خلال التقريريْن الثالث والرابع المؤلّفين من 1500 صفحة، وكُنت مُحرِّرهما الرئيسي، لجعل أصحاب القرار على دراية بالتحديات البيئية، وقد وافقوا عليهما ودعوا إلى اجتماع تولَّيْتُ رئاسته مع زميلي تشين دا خه من الصين، وطوّرنا خلاله إستراتيجِيَا اتّصال مُبتكرة للتقرير التأليفي، من خلال وضع بيانات المحاور الرئيسية. وقد غدت تلك الطريقة منهَج عمل لنا لاحقا، مثلا في قياس تأثير الإنسان في التغيير المناخي من خلال رُؤية علمية أكاديمية.

أعتقد أن سيرتي تبين أنه لدي ما أقدِّمُه للهيئة الدولية، بالإضافة لقُدرتي على التواصُل التي أظهرها مُلخّص التقرير الذي وضعتُه. تُضاف إلى ذلك مِيزة أني سويسري. فنحن في سويسرا لدينا القُدرة على الوصول إلى توافقات وحلول للمشاكل، باعتبارنا بلدا يتكوّن من أربع لغات، فترانا نبحث دوْما عن قاسِم مُشترك يُوَحِّد ولا يُفرِّق. أما رُؤيتي، فتقوم على ثلاثة أولويات هي:

أولا، ضمان فهْم أعمَق للتحديات البيئية، وخاصة التي يتسبّب فيها الإنسان، والعمل على إيجاد مُلخّصات يُمكن إيصالها إلى الجمهور الواسع.

ثانيا، المحافظة على الدقّة والصّرامة العلمية في كل ما نتعاطاه من نشاط وما نُعده من تقارير. وما ألاحظه، هو أن موضوع حماية البيئة بات اليوم موضوعا مُسيسا، ولاشك أن من المعقول أن يكون هناك مسار سياسي، لكن لابد أيضا من إعطاء المعلومات العلمية لأصحاب القرار، من دون أن نذوب نحن في جمهرة السياسيين. فأمنيتي أن يُصبح كلّ قرار مُعلّلا علميا بكامل الدقّة.

ثالثا، إكساب المعلومة بُعدا جهويا. فالبلدان النامية مُعرّضة للمشاكل البيئية ويجب أن يكون فهْمها مُتمثلا للخصائص الجِهوية والإقليمية، وقد بدأنا تجربة خصبة في هذا المجال، في إطار الفريق الأول، بوضع أطلس جديد للتوقّعات المناخية على الصعيدين الدولي والإقليمي مُكوّن من 37 منطقة، ويمكن برأيي أن نذهب إلى مدى أبعَد لتعميق فهْمنا لمشاكل البيئة في العالم. وهُنا، لابد من إدماج الأكاديميين من جميع المناطق والبلدان، لأن هؤلاء يعيشون في تلك الأوضاع المناخية الخاصة ويفهمون مساراتها ويُدْركون خصوصياتها الاجتماعية، التي يمكن أن تكون مُفيدة للهيئة الدولية، وبالتالي، تُساهم في إنجاح مهمّتي على رأس الهيئة.

مَن هو توماس شتوكر؟

أستاذ فيزياء في جامعة برن منذ 1993

حاصل على دكتوراه في العلوم الطبيعية من المعهد الفدرالي للتكنولوجيا بزورخ عام 1987

حائز على دكتوراه فخرية من جامعة فرساي الفرنسية وعضو زميل في الاتحاد الجيوفزيائي الأمريكي

عالم مناخ مختص في عمليات نظام الأرض وتغير المناخ

تبوّأ عدة مناصب في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا

ألّف أو شارك في تأليف أكثر من مائتي بحث في مجال ديناميات المناخ

ألقى أكثر من 100 محاضرة عن المناخ في جميع أنحاء العالم منذ عام 2013

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية