مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ويكيليكس نجم 2010- 2011.. ولكن لمصلحة من؟

لا زالت البرقيات الدبلوماسية المسربة إلى موقع ويكيليكس تثير الجدل في ظل اهتمام عالمي واسع بما تتضمنه من معلومات Keystone

موقع ويكيليكس الإلكتروني كان من دون منازع نجْـم السنة المُـنصرمة 2010، وسيكون على الأرجُـح كوكب 2011 السّـاطع، ما لم ينفجِـر الوضع العسكري في الشرق الأوسط أو شِـبه الجزيرة الكورية.. وهذا أمر منطقي، إذ أنّ حدث ويكيليكس تسبّـب في زلازل في الطريقة التي تُـدار بها آلة الدبلوماسية الدولية في القرن الحادي والعشرين، وعلى مستويات عدّة.

فعلى المستوى التِّـقني، كانت شبكة ويكيلكس ثورة على كلٍ من المفاهيم الدبلوماسية التقليدية وتتويجاً  للعصر الإلكتروني المعرفي، الذي يعتمد على تبادل المعلومات وشفافيتها، وهي بذلك تنضمّ إلى أرباب هذا العصر الآخرين، على غررا موقع غوغل الذي يختزِن ملايين السجِـلات الخاصة والعامة، وكذلك موقع فيس بوك، ناهيك عن موسوعة ويكيبيديا، التي تحوّلت بين ليلة وضُـحاها إلى ثورة أنوار جديدة قائمة بذاتها، وموقع “يوشاهيدي”، الذي يستخدِم الشبكات الاجتماعية لخلْـق خرائط، يستطيع فيها سكان أيّ بلد إرسال تقارير حول حوادث العُـنف والاعتداءات التي لا تُـبلِّـغ عنها السلطات الرسمية.

لقد درجت العادة أن يُسيْـطر القائد على مُـواطنيه عبْـر السيطرة على المعلومات. الآن، بات من الصعب على القوي، أكثر من أيّ وقت مضى، السيطرة على ما يقرأه ويسمعه ويراه الناس. فالتكنولوجيا تمنح المواطنين العادِيين الفُـرصة لتحدّي السلطة، وبدلاً من أن يتجسّـس القوي على الضعفاء، أصبح بإمكان هؤلاء الأخِـيرين مُـراقبة الأوَّلين”.

أضرار ومنافِـع

هذا على صعيد التكنولوجيا وعلاقتها بالعصر المعرفي الجديد. أما على الصعيد السياسي، خاصة ما يتعلق منه بالسياسة الخارجية الأمريكية، فقد تبايَـنت الآراء، إذ ثمّـة مَـن يرى أن نشْـر وثائق ويكيلكيس ألْـحَـق بهذه السياسة أضراراً، يبدو أنها عميقة وستكون بعيدة المدى. فكما قال نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن في الهزيع الأخير من عام 2010، لم يعُـد أحد من المسؤولين الأجانب يقبل أن يجلس معه (أي مع بادين) بحضور أي من أعضاء السفارات الأمريكية في كل العالم.

والواقع، أن أحداً في كل دول العالم، لن يثِـق بعدَ الآن، لا بسرّية العمل الدبلوماسي الأمريكي ولا بـ “المجالس بالأمانات” الأمريكية ولا أيضاًَ بوجود مؤسسة واحدة تُـدير كل السياسة الخارجية الأمريكية وتكون قادِرة على الاحتفاظ علَـناً بكل ما يقال سِـرّا.

لقد وصف البعض وثائق ويكيليكس بأنها هجوم 11 سبتمبر جديد ضدّ الولايات المتحدة، سيؤدّي إلى “ذوَبان سياسي” (Meltdown)، أي انهيار شامِـل في السياسة الخارجية الأمريكية، فيما ذكر ديفيد روثكومب، رئيس هيئة الاستشارات الدولية، أن نشر الوثائق أكّـد أن الولايات المتحدة فقَـدت السيطرة على نظام أو ثقافة السرّية الدبلوماسية.

بيْـد أن ثمة طرف آخر، وعلى رغم اعترافه بأن ويكيليكس أضرّت بالدبلوماسية الأمريكية، إلا أنها أفادت الولايات المتحدة ككُـل، سمعة وصورة، إذ أن مراسلات السفارات الأمريكية، أظهرت وجهاً لأمريكا، يبدو حريصاً على الحريات والحَـوْكمة الرشيدة، وحكيماً في تعاطيه مع قضايا كل الدول في العالم.

ويضيف أنصار هذا الرأي، أنه لو نشر ويكيليكس وثائق السياسة الخارجية للدول الأخرى، بمَـن فيها حتى حلفاء الولايات المتحدة، لأظْـهر وجهاً آخر لهذه الأخيرة. وجه تَـطغى عليه حروب أمريكا الدائمة العسكرية كما الاستخبارية وخروقاتها لحقوق الإنسان في العراق وأفغانستان وانتهازيتها المصلحية في التعاطي مع قضايا الشعوب.

أين إسرائيل؟

الآن، وبعد قول كل شيء عن مضاعفات وثائق ويكيليكس، نأتي إلى السؤال الذي بقِـي مُعلَّـقاً من دون إجابة خلال الشهر الأخير من عام 2010: مَـن الأطراف التي تقِـف وراء تسريبات ويكيليكس؟

هناك طرفان رئيسيان تحُـوم حولهما الشكوك: الأطراف المتصارِعة على السلطة داخل المؤسسة الأمريكية، وإسرائيل.

الأدلّـة على الافتراض الأول، ليست متوافرة. لكن، يبدو من نشر وثائق حروب البنتاغون في العراق وأفغانسان، والتي تلاها مباشَـرة نشر وثائق وزراة الخارجية الأمريكية، أن مصدر التسريبات قد تكون هاتان الوزارتان اللّـتان تتنافسْـن بحدّة على توجّهات السياسة الخارجية الأمريكية: “الأولى، عبر مواصلة اللجوء إلى القوة وسباقات التسلّـح، التي تفيد منها لفرض الأجندة الأمريكية في العالم. والثانية، التي تعتمد مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل النزاعات”. بيْـد أن الأدلّـة على الفرَضِـية الثانية، أكثر من متوافِـرة، وهاكم ثلاثة مؤشِّـرات منها:

الأول، الإعلان الصريح لنائب رئيس العدالة والتنمية التركي الحاكم حسين جيليك، بأن “إسرائيل”، هي التي هنْـدست تسريب مئات آلاف الوثائق السرية الأمريكية، “كجُـزء من مؤامَـرة للضَّـغط على الحكومة التركية”.

دليل جيليك؟ إنه بسيط: “ليس على المرء (كما قال) سوى التدقيق بمَـن يشعُـر بالسعادة مع هذه التسريبات. “إسرائيل سعيدة للغاية، وهي سارعت إلى الإعلان فور بدْءِ نشر الوثائق، أنها لن تتأثر بها. كيف عرفوا ذلك؟”

المؤشر الثاني، ورد في المقابلة التي أجراها رئيس الوزراء الروسي بوتين مع قناة “سي. أن. ان”، والتي أعرب فيها عن اعتقاده بأن “طرفاً ما تعمَّـد نفخ ويكيليكس وتضخميها وتعزيز صِـدقيتها، بهدف لاستخدامها لتحقيق أهدافه السياسية”. وعلى رغم أن بوتين لم يُحدِّد “إسرائيل” بالاسم، إلا أن أجهزة الإعلام الروسية كانت تعُـجّ طيلة هذا الأسبوع بالتقارير والروايات التي تُـشير بأصابِـع الاتهام إلى تل أبيب.

المؤشر الثالث، جاء على لسان جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس نفسه. فهو في مقابلة مع مجلة “تايم” الأمريكية، لم يشد بأي مسؤول عالمي سِـوى ببنيامين نتانياهو “كمنوذج (كما قال) للزعيم العالمي الذي يؤمِـن بأن نشر الوثائق سيُـساعد الدبلوماسية العالمية”. كما كان جوليان أكثر سعادة وفرح وهو يُفاخِـر بأن إيران، ربَّـما قررت العودة إلى طاولة المفاوضات “بفضل نشاطات ويكيليكس”.

البصمات إذن، بدأت تظهر، وهي يجِـب أن تُـضاف إلى السؤال الأول الذي يطرحه أي محقّـق قضائي يُـلاحق جريمةً ما مهما كبر حجمها أو صغر: مَـن المُـستفيد منها؟ وهنا، أي نظرة طائرة على ما نُـشر حتى الآن من وثائق (وكل ما نُشر تمّ وِفق اختيارات أسانج وبقرار منه)، تؤكّـد أن كل الطُّـرق تقود بالفعل إلى تل أبيب.

فهي المستفيد الأول والأكبر من نشْـر تقارير يُفترَض أن تؤدّي إلى تعميق الهُـوّة بين الأمتين، العربية والإيرانية، في وقت تبذُل فيه العديد من القِـوى فيهما جهوداً متَّـصلة، لتقليص المخاوف والشكوك المتبادَلة وزيادة فُـرص الحوار والتفاهمات، لا بل أكثر: يعتقِـد الكاتب البريطاني ألان ديرشوفيتس، أن نشْـر الوثائق على هذا النحْـو، قد جعل الحرب الغربية، وليس فقط الأمريكية، ضد إيران، أكثر احتمالاً.

بيْـد أن الإنجاز “الإسرائيلي” الرئيسي قد يتحقّـق على الأرض الأمريكية، إذ فوْر نشْـر التقارير حول الشرق الأوسط، تحرّكت المحدلة اليهودية الأمريكية الضخمة، لتُـعلِـن أن واشنطن ارتكبَـت أخطاء كُـبرى في تعاطيها مع إيران والمنطقة، حين أصدرت الاستخبارات الأمريكية تقريرها لعام 2007، الذي تحدّث عن وقْـف البرنامج النووي الإيراني، وحين أتبع وزير الدفاع روبرت غيتس ذلك هذا العام بالإعلان، أن الخيار العسكري غيْـر وارد. ثم أخيراً، حين اعتقَـدت واشنطن أن في وُسعِـها تسوِية المشكلة العربية – “الإسرائيلية”، قبل نزع السلاح النووي الإيراني.

هذه الحملة لا تزال في بداياتها الأولى، لكنها توضِّـح حجم الانقلاب الضّخم الذي تسعى تل أبيب إلى تحقيقه عبْـر زلزال ويكيليكس، والذي لا يقِـل عن كونه جُـهداً لتغيير كل خرائط الطريق الخاصة بالعمل العسكري والإستراتيجي وحتى الدبلوماسي في الشرق الأوسط.

في كل أنحاء الكُـرة الأرضية، ستكون ويكيليكس هي النّجم الأول ومحَـطّ الأنظار في العام الجديد 2011. الأمر نفسه سيحدُث في الشرق الأوسط، ولكن مع جُـرعات قوية من الشكوك حولها، وهذا أمر بديهي. إذ يتساءل الرأي العام في المنطقة: ما فائدة التّـبشير بالشفافية الدبلوماسية وحرية المعلومات وحقوق الإنسان، إذا ما كان الطَّـرف الأكثر خرقاً لمعايير القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة (أي إسرائيل)، خطا أحمر، لا يجب تجاوزه – حتى الآن على الأقل – في ويكيليكس؟

دبي (ا ف ب) – وعد مؤسس موقع ويكيليكس جوليان اسانج عبر قناة الجزيرة القطرية بنشر مئات الوثائق “الحساسة” المتعلقة باسرائيل، مؤكدا انه لم يعقد اي اتفاق مع الدولة العبرية للاحجام عن كشف معلومات سرية بشأنها.

واكد اسانج في مقابلة مع قناة الجزيرة نشرها الخميس 23 ديسمبر الموقع الالكتروني للفضائية القطرية ان ويكيليكس يملك وثائق “حساسة ومصنفة سرية” حول الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006 واغتيال القيادي في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) محمود المبحوح في كانون الثاني/يناير في دبي والذي نسب الى الموساد.

ونفى اسانج وجود اي اتفاق مع اسرائيل للامتناع عن نشر وثائق بشأنها، مؤكدا انه يملك 3700 وثيقة عن هذا البلد.

وقال “ليست لدينا أية اتفاقات سرية مع أي بلد أو مع أي مؤسسة أو شركة”. واضاف “لم تكن لدينا أية اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بحسب علمنا مع إسرائيل”، موضحا ان ما نشر حول اسرائيل لا يشكل الا 2% من الوثائق التي يملكها ويكيليكس عن الدولة العبرية.

وافادت مذكرة دبلوماسية اميركية كشفها الموقع مؤخرا ان عناصر من حركة فتح التي يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلبوا من اسرائيل مهاجمة حماس عام 2007.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 23 ديسمبر 2010)

اعلن مؤسس موقع ويكيليكس جوليان اسانج، في مقابلة نشرتها يوم الجمعة 24 ديسمبر 2010 صحيفة الغارديان البريطانية، ان احتمالات قتله في سجن اميركي “كبيرة جدا” اذا ما سُلم الى الولايات المتحدة بتهمة التجسس.

وقال اسانج انه اذا ما توصلت الولايات المتحدة الى فرض تسليمه وراء المحيط الاطلسي لسجنه، فثمة “احتمالات كبيرة” بان يتم اغتياله “على غرار ما حصل لجاك روبي” في 1967.

وقتل روبي لي في 24 نوفمبر 1963 من طرف هارفي اوزوالد بعد يومين من اعتقال اوزوالد بتهمة اغتيال الرئيس كينيدي.

وقد يسلم هذا الاسترالي الذي يستفيد في الوقت الراهن من حرية مشروطة في بريطانيا، الى السويد بتهمة “اعتداءات جنسية”. وتنوي واشنطن من جانبها ملاحقته بتهمة التجسس بعدما نشر موقع ويكيليكس آلاف البرقيات الدبلوماسية الاميركية.

واعتقل اسانج في السابع من ديسمبر في لندن بموجب مذكرة توقيف اوروبية اصدرتها السلطات السويدية، وقد امضى بالاجمال تسعة ايام في السجن.

وستبدأ جلسة النظر في طلب تسليمه الى السويد في السابع من فبراير 2011. لكنها قد تستغرق بضعة اشهر، بسبب دعاوى الاستئناف العديدة الممكنة. 

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 24 ديسمبر 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية