مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

يومان في مَلجأ نووي مع 27 شخصاً من الجيران وكلب ينبح باستمرار

باب خرساني سميك
على الأقل لن يتعيّن إغلاق الباب الخرساني السميك خلفي وخلف جيراني في حال وقوع حادث نووي. swissinfo.ch

بدأ تفكيك محطة موهليبَرغ للطاقة النووية الواقعة غرب مدينة برن في شهر يناير المُنصرم. لكن وقوع حادث نووي لَنْ يكون مُستبعداً تماماً حتى الإنتهاء من نَقل وحدات الوقود إلى مِرفق التخزين المؤقت. ورغم أن كارثة كهذه سوف تكون الأولى من نوعها في سويسرا، لكن السؤال يظل قائماً: ماذا لو أصبح الإحتماء في ملجا نووي أمراً لا مَفَر منه؟

حيث أنني أُقيم في منزلٍ قديم صغير في ضواحي بَرن الغربية، أنتمي إلى الفِئة السكانية التي ستتأثر مباشرة في حال وقوع حادث نووي في محطة موهليبرغ للطاقة النووية. السلطات من جانبها تتحدث عما تسميه المناطق 1 و2، وهي المناطق الواقعة داخل دائرة نصف قطرها 20 كيلومتراً من محطة طاقة نووية. وكما هو الحال مع جميع سكان سويسرا، فقد خُصِّص لي مكانٌ في ملجأ مُحصّن يحميني أيضاً. 

هذا الملجأ يبعُد خمسين متراً من المَبنى الذي أقيم فيه. وفي حال حدوث تَسَرُّب إشعاعي كبير، فسوف أُشارك هذا الملجأ مع سبعة وعشرين شخصًا آخرين. لقد أبْعَدنا هذا السيناريو عن تفكيرنا خلال الأعوام الأخيرة، كما قام مُعظم السكان بتحويل الملاجئ الخاصة بهم إلى أقبية عادية لتخزين أغراضهم. 

سوف يستغرق تفكيك محطة موهليبَرغرابط خارجي خمسة عشر عاماً، ومن المُتَوقع أن يصل إجمالي تكاليف عمليات التفكيك إلى 3 مليارات فرنك سويسري. ووفقاً لشركة إنتاج وتوزيع الطاقة السويسرية (BKW) المسؤولة عن وقف تشغيل المحطة النووية، لا يمكن استبعاد خطر الإنصهار النووي تماماً خلال السنوات القليلة الأولى، لكنه سوف يتضاءَل بسرعة بعد ذلك. وحسب مؤسسة إنتاج الطاقة، سوف تُنقل وحدات الوقود النووي (المكونة من عدد من قضبان اليورانيوم) من المفاعل إلى حوض تخزين مجاور في بداية الأمر. وهناك يستمر تبريد هذه الوحدات وتحييدها قبل البدء بنقلها تدريجياً إلى مرفق التخزين المركزي المؤقت للنفايات المشعة عالية المستوى في بلدة “فورينلينغن” (Würenlingen) بكانتون آرغاو في عام 2021. وبحلول نهاية عام 2024، يكون قد تم القضاء على 98% من النشاط الإشعاعي لمفاعل موهليبَرغ.

هذا قانوني ومفهوم. فلا أحد يريد إضافة المَزيد من الهموم على حياتِه من خلال التفكير المُستمر بكوارث لا يُرَجَّح وقوعها. والآن وقد أصبح الخطر على وشك الزوال، بات من الأسهل التساؤل عن الكيفية التي سَتَحدث بها الأشياء في حالة حدوث مثل هذه الحالة الطارئة. 

السلطات من جانبها مُستعدة لتوفير المعلومات المُفَصَّلة على الفَور، كما أن خطط الطوارئ التي وضعتها جاهزة ولم يعلوها الغبار، على عَكس بعض الأقبية الخاصة، التي سَيَتَعين تحويلها من مساحة تخزين خاصة إلى ملجأ مُزَود بأسِرّة موضوعة على ألواح ومراحيض جافة في غضون ساعات قليلة من وقوع حادث نووي خطير.

هنا إذن “السيناريو النووي” الخاص بي بناءً على خُطط الحماية القائمة حالياً

ماذا أسمع؟ ما الذي يَعنيه هذا الصوت الصادر من صافرة الإنذار؟ إنه ليس اختبارٌ بالتأكيد لأن هذا لا يحدث في مُنتصف الليل. الشيء الأول الذي يتعيّن فعله الآن هو الاستماع إلى الراديو، أو فتح تطبيق Alertswissرابط خارجي للطواريء على الهاتف الخلوي. كل طفل في البلاد يعرف ذلك

المكتب الفدرالي للحماية المدنيةرابط خارجييقوم المركز الوطني لعمليات الطوارئرابط خارجي بقياس النشاط الإشعاعي في 76 موقعاً في البلاد كل عشر دقائق. عند سَماع صوت صفارات الإنذار خارج أوقات الاختبارات المُعلن عنها، فإن ذلك يعني أن السُكّان قد يكونون عُرضة للخطر. في هذه الحالة، يُطلب منهم الاستماع إلى الراديو، واتباع تعليمات السلطات وإبلاغ الجيران.

في جميع المحطات الإذاعية، تَطلُب السلطات من سكنة المناطق 1 و2 الاستعداد للبقاء في أقرب قبوٍ أو ملجأ. ومع عدم توفر قبو في المبنى الذي أقيم فيه، فقد تم تخصيص مكان لي ولجيراني المُباشرين في ملجأ المَبنى السَكَني المُجاور.

مكتب الحماية المدنية في كانتون برنرابط خارجي: من المهم أن يبقى السُكّان في مثل هذه الحالة داخل المباني ويبحثون عن الحماية في قبوٍ في عين المكان.

عبر جهاز الراديو، يحث المتحدث باسم الحكومة على إعداد إمدادات الطوارئ، ولا سيما 9 لترات من مياه الشرب، والمواد الغذائية، والأدوية، وجهاز راديو يعمل بالبطاريات، ومُستزمات النظافة، ومصابيح يدوية مع بطاريات احتياطية، بالإضافة إلى أقراص اليود.

المكتب الفدرالي للحماية المدنية: يتم توزيع أقراص اليود (يوديد البوتاسيوم 65 AApot) على السُكّان المُقيمين بالقُرب من محطات الطاقة النووية الخَمس في سويسرا كل عشر سنوات، كإجراء وقائي في حال وقوع حادث نووي.

Mehrfamilienhaus
في الطابق السفلي من هذا المبنى السكني تم توفير مأوى لي ولـ27 شخصاً من جيراني. swissinfo.ch

السلطات تدعو إلى التزام الهدوء، وتنفيذ التعليمات الأولية وانتظار المزيد من المعلومات. 

إلى جانب مخزون الطوارئ الخاص بي، تُذَكّرني قائمة مرجعية بضرورة أخذ وصيتي معي. هذه نصيحة واقعية في اعتقادي، سيما مع تصاعد عويل صفارات الإنذار مرة أخرى بعد ثلاث ساعات.هذا  الحادث يهدد سلامة السكان الآن في محيط محطة موهليبرغ بالفعل. وعَبر المذياع يُخاطبنا المركز الوطني لعمليات الطواريء قائلاً: “لا تخرج إلى العَراء بعد الآن. إذا كنت لا تزال في الخارج، أطلب الحماية فوراً في أقرب منزل. أغلق النوافذ والأبواب. أغلق جميع أجهزة التهوية وتكييف الهواء. تناول أقراص يوديد البوتاسيوم وفقاً للتعليمات المذكورةعلى العبوة”. 

المكتب الفدرالي للحماية المدنية: عند انبعاث مواد مُشعّة، يتم التمييز بين عدة مراحل. المرحلة الإبتدائية هي الوقت الذي يستغرقه اكتشاف الحَدَث حتى إطلاق المواد المُشعة بِنِسب خطيرة. وقد تستغرق هذه المرحلة ساعات أو أيام.

حان الوقت الآن لارتداء سترة بقلنسوة وقفازات، كما أحاول حماية وجهي بقطعة قماش شفافة. وحتى لو لم ينفع ذلك كثيراً، لكنه لا يضر على الأقل. من ثمَّ أغادر شقتي وأتوجه حاملاً حقيبتي الممتلئة عن آخرها إلى مدخل المبنى السكني المُكَوَّن من ثلاثة طوابق الذي يبعد عن شقتي مسافة 50 متراً حيث يوجد الملجأ المُعَيَّن لي في الطابق السفلي.

عند وصولي، أرى حوالي عشرة نساء ورجال وأطفال سبقوني في الوصول إلى هنا وهم يقفون مع أمتعتهم والحيرة تعلو وجوههم. غرف القبو لا تزال مشغولة بالحاجات الخاصة للمُستأجرين، كما لَمْ تُزال الحَواجز الخشبية الموجودة على يسار ويمين المَمَر الضيق بَعْد. 

على ما يبدو، فإن أحداً لا يعرف مكان المسؤول عن المَبنى الذي يَتَعَيَّن عليه إخلاء هذه المساحة وتجهيزها. أحد المُستأجرين استطاع الوصول إليه عبر الهاتف، لكنه كان في بلدية بولّ (Boll) التي تبعد عشرة كيلومترات عن هنا. وعند سؤاله، لَمْ يكن بوسعه تحديد مكان الأسِرّة ذات الطابقين والمرحاض الجاف وراديو حالات الطواريء من مكان تواجده.

مكتب الحماية الوطنية في كانتون برن: أصحاب العقارات هم المسؤولون عن حالة الملاجئ الخاصة والمُعدات والأثاث الخاصة بها.

قيادة الحماية المدنية برن بلوسرابط خارجي (مدينة برن وعدد من البلديات المحيطة بها): يجب أن تكون هذه الفضاءات مُجَهَّزة بأسِرَة ومرافق للطوارئ [مراحيض جافة].

يعُمّ المكان الكثير من الارتباك والانفعال. البعض يُجري مُكالمات هاتفية مع الأقارب أو يحاول الإتصال بهم. امرأة مُسِنّة لم تشأ التخلي عن حيواناتها الأليفة – كلب وقِطَّتان وطائرا كناري وجُرذ. كلبٌ من فصيلة “داشهاند” يَنبح دون انقطاع، حتى أن صوته يطغى على بكاءِ رضيع في عربة أطفال أيقظته هذا الحوادث من النوم. 

أحاول ألا أفكر في قضاء ما يَصِل إلى يومين في هذا الحَيّز الضيّق مع سبعة وعشرين شخصاً آخرين – من بينهم طفل حديث الولادة وثلاثة أطفال آخرين وعدد من الحيوانات الأليفة المُختلفة الأصناف.

قيادة الحماية المدنية برن بلوس: يوصي الدفاع المدني بإيواء الحيوانات الأليفة في الغرفة المجاورة للملجأ.

المزيد من الأشخاص يتوافدون على الملجأ باستمرار، بعضهم يحمل أكياساً وحقائب كبيرة، كما لو كانوا مسافرين في إجازة. لكن القليلين فقط أحضروا معهم ألتار مياه الشُرب التسعة الموصى بها في هذه الحالات. البعض ملأ بعض الزجاجات بماء الصنبور بعد إنطلاق صافرات الإنذار، على أمل أن لا تكون ملوثة.

مكتب الحماية المدنية في كانتون برن: من حيث المبدأ، لا يزال بالإمكان شُرب ماء الصنبور.

بعض الموجودين يحاولون تنظيم أنفسهم مع جيرانهم المُفَضَّلين وإبعاد أنفُسَهُم عن البقية بعض الشيء. “من المسؤول هنا؟” يسأل رجل أربعيني طويل. 

حيث لم يَلقَ سؤاله إجابة من أحد، فإنه يبدأ الآن بإعطاء التعليمات لجيرانه بنفسه: ” الرجاء إلتزام الهدوء حتى نتمكن من فَهم التعليمات الصادرة عن السلطات في الراديو”. لكن الـ “داشهاند” والطفل الصغير يرفضان الإنصياع لإوامره. 

“أقترح أن يجلس الرجال في المُقَدِّمة، والعائلات في الوسط والنساء في الخَلف”، يقول الرجل الذي عيَّن نفسه رئيساً للملجأ، بينما يطلب أربعة شبان لا يعيشون هنا قبولهم في الملجأ. الأمر لا يستغرق طويلاً حتى ينشب نقاش عنيف حول ما إذا كان ينبغي قبولهم أم لا.

مكتب الحماية المدنية في كانتون برن: لا يوجد أي شرط قانوني أو توصيات بهذا الخصوص.

لحسن الحظ ، فإن “الرئيس المؤقت للملجأ” يُعطي تعليمات معقولة يَتَّبعُها الموجودون دون تردُّد على العموم. كما يَضع معظم الذين طلبوا الحماية الصالح العام قبل احتياجاتهم الفردية. نأمل أن يستمر هذا الوضع حتى يُسمح لنا بالخروج من هنا.

يأمر المركز الوطني لعمليات الطوارئرابط خارجي باتخاذ تدابير فورية بمجرد تَعرض الأشخاص والحيوانات والبيئة إلى خطر مباشر نتيجة زيادة النشاط الإشعاعيرابط خارجي. ويقدم هذا المركز خدمة للحالات الطارئة على مدار الساعة. 

باستثناء عدد قليل نسبيا من المباني – لا سيما القديمة منها، تتوفر معظم المباني السكنية في سويسرا على ملجأ خاص بها. 

بالإضافة إلى 360,000 ملجأ شخصيرابط خارجي، توجد هناك ملاجيء عامة في البلديات والمناطق الحضرية، تقوم السلطات بوضعها تحت خدمة المواطنين وتخصيصها لهذه الحالات إذا لزم الأمر. وقد تم بناء هذه الملاجئ لاستيعاب الأشخاص “الذين تقطعت بهم السُبُل” في حالات الطوارئ ولم يتمكنوا من الوصول إلى مأوى خاص بهم في الوقت المُناسب، أو الذين لم يُخَصَّص لهم أي مكان للحماية، مثل المسافرين من رجال الأعمال أو السياح. 

(المصدر: المكتب الفدرالي للحماية المدنية)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية