مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إهمال جرحى الثورة في اليمن يُثير التساؤلات

في زيارته إلى صنعاء يوم 19 نوفمبر 2012، حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور على "توسيع الحوار السياسي" في البلاد. Keystone

بعد معاناة طويلة لجرحى الثورة اليمنية ومناشدات متعددة لحكومة الوفاق من أجل تدارك تدهور الأوضاع الصحية للعشرات منهم، أصدرت المحكمة الإدارية حكماً قضائياً قضى بإلزام الحكومة بعلاج الضحايا الذين جرحوا خلال الإحتجاجات الشعبية جراء العنف الذي تعرضوا له من قبل قوات الأمن والجيش.

شكّل الحكم الذي صدر عن المحكمة الإدارية في منتصف شهر نوفمبر 2012 في العاصمة صنعاء بارقة أمل لجرحى الإحتجاجات خاصة ولليمنيين عامة بولوج مرحلة جديدة لدولة القانون يكون فيه الحاكم مقيّدا بممارسة سلطاته بالقوانين ومسؤولا عن تحقيق العدالة والإنصاف لمحكوميه، إلا أنه في الوقت ذاته سلط الضوء على مدى تردد الجهاز الحاكم في التكيّف مع متطلبات مرحلة ما بعد الربيع اليمني ومدى تخليه عن تضخيم الذات السلطوية وفق ما يدور في الشارع اليمني على خلفية قضية جرحى الثورة .

وفي الواقع، ما كان جـرّ حكومة الوفاق إلى أروقة القضاء ليحصل لو أنها تعاطت مع قضية الجرحى بمسؤولية وإيجابية. فالحالات الحرجة لعشرات من الجرحى قوبلت بإهمال الجهات الحكومية المعنية وبتجاهل القوى السياسية رغم القرار الرئاسي الذي أصدره عبدربه منصورهادي، ورغم محاولاتهم المتكررة لفت الأنظار إلى محنتهم الإنسانية الأمر الذي جعلهم يحتمون بالقضاء كملاذ أخير.

فبعيد انتخابه مباشرة أصدر الرئيس اليمني القرار رقم (8) لسنة 2012 م بشأن ضحايا الاحتجاجات السلمية ونصت مادته الأولى الفقرة (ج) بأنه “على الحكومة توفير الرعاية الصحية للمصابين ومعالجتهم في الداخل والخارج بحسب طبيعة الإصابة”، غير أنه منذ ذلك الحين ظل العشرات من الجرحى وعلى مدار ثمانية أشهر يترددون على بوابة مجلس الوزراء مطالبين بتدارك جراحاتهم قبل أن تستفحل لكن الحكومة  قابلتهم بالتسويف وبالوعود من وقت إلى آخر فيما كانت معاناة ومضاعفات إصاباتهم تتزايد وحالاتهم الصحية تتدهور حتى أن بعضهم قضى متأثراً بجراحه بسبب ضعف أحوالهم المادية وفقرهم الشديد وجرّاء التمييز السياسي الذي زاد من عذابات وأوجاع الضحايا.

دعوى مستعجلة أمام القضاء

وفي حين استفاد الجرحى المنتمون للأحزاب السياسية (خاصة حزب الإصلاح) الذي يبدو أن أتباعه استحوذوا على المنح العلاجية في الخارج المقدمة من تركيا وقطر، وفق ما صرح به عدد من المصابين، تعرض بقية الجرحى لاسيما منهم المستقلون للإهمال ولم يحظوا بالرعاية الطبية على الرغم من خطورة الإصابات التي يعانون منها.

على سبيل المثال، أصيب بسام ياسين الأكحلي بطلقة نارية أدت إلى تهشيم الزوائد الشوكية والجذرية مع شرخ في فقرته الظهرية الثالثة مما أدى إلى إصابته بشلل سفلي ولم يستطع الحضور إلى المحكمة جراء تدهور حالته الصحية.. أما عبدالله فازع العبسي فقد أصيب مرتين ويعاني من تهشيم عظام رجله اليسرى.. أحمد اليريمي أصيب بشظايا في الجمجمة ويعاني من شلل نصفي.. عادل على العماري أصيب بطلق ناري من عيار 12/7 أدت إلى إصابة ذراعه اليسرى بشلل.. عيسى الصوفي أصيب بثلاث طلقات نارية في ساقه اليمنى نتج عنها كسور وتفتت العظم وتمزق الأعصاب.. محمد القباطي أصيب بطلقتين في أسفل الظهر.. بسام رسام بعاني من شلل نصفي… والقائمة تطول.

كل هؤلاء وغيرهم من عشرات الجرحى يحتاجون إلى تدخلات علاجية وجراحية وأوصت التقارير الطبية بنقلهم إلى الخارج، لكنهم ظلوا على مدار ثمانية أشهر يحملون جراحاتهم إلى أمام مقر الحكومة بحثاً عمّن يداويهم ويعيد لهم عافيتهم المتهالكة، ولم يحصدوا سوى المرارة والحسرة جراء صدّهم من قبل المعنيين حتى جاؤوا مضطرين إلى القضاء كي “ينصفهم ويضع حداً لمعاناتهم”، كما قال لـ “swissinfo.ch “عبدالله فازع العبسي الذي قدم إلى مقر المحكمة الإدارية محمُولاً على على عكازين.

زملاؤه الآخرون الذين جاء بعضهم محمولاً على كراسي متحركة، يرون أن كل الوسائل الإحتجاجية من وقفات واعتصامات وإضراب عن الطعام وموت رفاق لهم لم تثمر في شيء ولم تدفع الحكومة إلى التعاطي مع مطالبهم بمسؤولية حتى وجدوا من يساندهم في قضيتهم هذه، وهم يقصدون بذلك القاضي أحمد سيف حاشد، الناشط الحقوقي والعضو في مجلس النواب اليمني الذي حمل قضيتهم ومطالبهم إلى القضاء، والذي قال لـ swissinfo.ch: “إن اختيار طريق القضاء جاء بعد أن استنفذ المتضررون طرق وسبل المتابعات والملاحقات المختلفة من أجل النظر إلى محنتهم الإنسانية”.

ومع أنهم قاموا، كما يوضح حاشد، بتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر الحكومة واعتصموا في منصة ساحة التغيير وتحدثوا لوسائل إعلام وصحف متعددة، وتقدموا بعرائض وطلبات إلى السلطات الإدارية المعنية “لكن كل ذلك لم يهزّ ضمائر المعنيين، ولم يحرك مشاعرهم تجاه الحالات الإنسانية للجرحى التي تتفاقم مخاطرها يوما بعد يوم، فالتجأنا إلى رفع دعوى مستعجلة حتى نتمكن من تدارك تدهور حالاتهم الصحية والنفسية”، وأشار أحمد سيف حاشد أيضا إلى أن بعض الجرحى “كانوا على وشك السفر إلى الخارج لكنهم استُبعدوا أو استُبدلوا بآخرين، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم النفسية والجسدية مع أنهم جرحى الثورة”.

ابتزازات حزبية وسياسية

الدكتور عبدالله الصوفي الذي يعمل طبيبا متطوعاً في المستشفى الميداني لساحة الحرية في مدينة تعز والذي مرت عليه كثير من تلك الحالات قال في تصريحات لـ swissinfo.ch: “إن العشرات من جرحى الثورة تعرضوا لإهمال مُزدوج من قبل الجهات الحكومية ومن قبل الأحزاب السياسية” نظرا لأنهم “من المستقلين الذين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية، وليست لهم أطر تنظيمية تتبنى قضاياهم وتضغط من أجل علاجهم”، على حد تعبيره.

وبدلاً من أن يتعامل السياسيون مع هؤلاء الجرحى بوصفهم حالات إنسانية، تعرضوا لابتزازات حزبية وسياسية وصلت إلى حد “مساومتهم على الدواء مقابل الإنخراط في الحزب”، وتحولوا في نهاية المطاف إلى “حالات منسيّة ومُهملة بسبب استقلاليتهم، بل ربّما يُعاقبون لتصدّرهم واجهة الإحتجاجات الشعبية للثورة”، حسب رأي الدكتور الصوفي.  

ثمة من يذهب إلى أبعد من ذلك ليرى أن التسويف والمماطلة تجاه علاج هؤلاء الضحايا هو سلوك حكومي مقصود ترمي السلطات والقوى السياسية المشاركة في الحكم من ورائه إلى تحويل مُعاناتهم وآلامهم إلى عبرة للآخرين الذين لا زالوا على حماسهم الثوري حتى تحقيق كامل أهداف الثورة، لكن الدكتور الصوفي يرى أن “تعمّد الحكومة إهمال الجرحى لجعلهم عبرة لغيرهم أو لمساومتهم السياسية على جراحهم لم تؤد إلا إلى تزايد إصرارهم على مواصلة النضال السلمي”.

في الأثناء، يتساءل مراقبون: هل سيكون الحكم القضائي كافياً لدفع حكومة الوفاق لتحمل مسؤوليتها تجاه الضحايا؟ فمن المعلوم أن رئاسة الحكومة تعاملت مع القضية وكأنها فوق القانون، حيث رفضت في بداية الأمر مجرد استلام الإعلان القضائي بالدعوى مما اضطر المحكمة إلى إبلاغ وزارة الشؤون القانونية، ومع ذلك لم يحضر أي دفاع عن الحكومة وهو ما أجبر رئيس المحكمة على تنصيب محام حتى صدر الحكم بإلزام الحكومة بعلاج الضحايا.

يبقى أن مدى إذعان الحكومة اليمنية للقرار الصادر عن المحكمة بعد أن تبين إهمالها للجرحى سيُعيد طرح إشكالية دولة القانون (خاصة في الأوساط الحقوقية والمدنية) في ظل تجدد المخاوف من الذات المتضخمة للحاكم لدى الشارع اليمني الذي خرج في احتجاجاته حالماً بواقع جديد يكون فيه الحكام والمحكومين سواسية أمام القانون وتحترم فيه رابطة المواطنة لا رابطة الإنتماء السياسي والحزبي.

صنعاء (رويترز) – تعهد الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون يوم الاثنين 19 نوفمبر 2012 بالمساعدة في إنقاذ الجهود المتعثرة لتنفيذ اتفاق نقل السلطة الذي أبعد اليمن عن شفا حرب أهلية العام الماضي.

وتمثل استعادة الاستقرار في اليمن – حليف الولايات المتحدة والذي يخوض صراعا مع مقاتلي تنظيم القاعدة والانفصاليين الجنوبيين – أولوية دولية بسبب المخاوف من ان تؤدي الإضطرابات الى تمزيق دولة تشترك في الحدود مع السعودية أكبر دولة منتجة للنفط في العالم وتطل على ممرات ملاحية رئيسية.

وقال بان في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس عبد ربه منصور هادي في صنعاء إن “الأمم المتحدة تقف هنا لتعيد تأكيد التزامها القوي بالوقوف جنبا إلى جنب مع الحكومة والشعب اليمني في (مسعاكم)… للمضي نحو مستقبل أفضل مزدهر يتسم بالمصالحة والمشاركة الديمقراطية”.

ويقوم بان بزيارته الأولي لليمن لإحياء الذكرى السنوية الأولى لاتفاق نقل السلطة الذي أبرم برعاية خليجية وأمريكية وأنهى احتجاجات عارمة ضد الرئيس المخضرم السابق علي عبد الله صالح.

ويعطي الاتفاق هادي صلاحية الإشراف على إصلاحات كبرى خلال فترة انتقالية لمدة عامين لضمان التحول إلى الديمقراطية بما في ذلك تعديل الدستور وإعادة هيكلة القوات المسلحة لكسر قبضة عائلة صالح عليها.

ومن المتوقع أن تقود العملية لانتخابات رئاسية وبرلمانية في عام 2014 لكن الجهود الرامية لعقد حوار للمصالحة الوطنية تواجه مقاومة من الزعماء الانفصاليين في جنوب اليمن. واستغل كثيرون ضعف سلطة الدولة المركزية في الجنوب للعودة من المنفى والضغط من أجل إحياء الدولة التي اندمجت مع شمال اليمن في عام 1990.

ويشكو كثير من الجنوبيين من ان الشماليين المتمركزين في العاصمة صنعاء يمارسون التمييز ضدهم ويغتصبون مواردهم. ومعظم احتياطيات النفط المتناقصة بسرعة في اليمن موجودة في الجنوب. لكن الحكومة المركزية تنفي أتباع سياسة تمييزية.

ويُجري مبعوث الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر اجتماعات مع القادة الانفصاليين الجنوبيين لمحاولة إقناعهم بالمشاركة في مؤتمر المصالحة الوطنية الذي كان مقررا أن يبدأ هذا الشهر.

وتعهد المانحون الدوليون بما في ذلك السعودية بتقديم حوالي ثمانية مليارات دولار من المساعدات إلى اليمن الذي دفع إلى حافة الإفلاس والفوضى بسبب الانتفاضة التي استمرت لمدة عام ضد صالح. وقال بان إن الأمم المتحدة ستعمل بشكل وثيق مع الجهات المانحة للتأكد من وفائها بالتزاماتها “في أقرب وقت ممكن لتمكين الرئيس هادي من إحلال الاستقرار السياسي والأمني والمالي” في اليمن.

وقال بان في كلمة “تبدأون الآن عملية حوار وطني وينبغي أن تكون هذه العملية مفتوحة للجميع بما في ذلك (أولئك) الذين يُطالبون بالتغيير في الشوارع وممثلو جميع المناطق في البلاد”.

وتشتبه الدول الغربية في أن بعض القادة الجنوبيين أقل اهتماما بالحوار وأكثر اهتماما بالإنفصال ربما بدعم من إيران العدو اللدود للسعوديين والأمريكيين الذين تتنافس معهم على النفوذ الإقليمي. واستفاد الانفصاليون في الجنوب والمتمردون الحوثيون في الشمال ومتشددو القاعدة من الاضطرابات الشعبية التي أطاحت بصالح في شهر فبراير 2012.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 نوفمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية