مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن: بدائل الإصلاح.. عندما لا تخدم لا الدولة ولا المعارضة

يوم الجمعة 1 أبريل 2011، تجمع حوالي 400 من النشطاء الأردنيين أمام مقر بلدية عمّان للمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والحريات Keystone

لم يستمر المناخ السياسي الأردني، الذي تميّز خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بمسيرات واعتصامات سِـلمية كبرى مُطالِـبة بالإصلاح، مع الحفاظ على علاقة وديّة وسِـلمية بين المتظاهرين ورجال الأمن، فقد بدأت الأمور تنقلِـب رأساً على عقِـب خلال الأسابيع الأخيرة وبدت ملامِـح توتُّـر وشحْـن سياسي واجتماعي، دفعت بالجميع إلى القلق من المرحلة المقبلة.

الإنقلاب على المناخ السابق، بدأ باعتداءات مارستها مجموعة من البلطجِـية، الذين لهم علاقة ببعض الأشخاص المقرّبين من الدولة، في منتصف شهر فبراير الماضي، عندما اعتدَوا على متظاهرين معارضين قُـرب الجامع الحُـسيني وسط العاصمة عمان، ثم بدأت تتّـسع ظاهرة البلطجة والتّـهديدات للدّاعين للإصلاح.

نقطة التحوّل الرئيسية، التي أزّمت العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين تحديداً، حدثت عندما تشكّـلت لجنة للحوار الوطني وتآلفت من أغلب ألوان المشهد السياسي والإجتماعي، بما فيها مجموعات المعارضة أاليسارية والوطنية الجديدة، إلاّ أنّ الإسلاميين رفضوا المشاركة في اللّـجنة ووضعوا شُـروطاً متعدِّدة للإنضمام إليها وسحبوا أعضاءهم منها.

وبالرغم من المحاولات المُـتتالية والحِـوارات المتوالية، فقد فشلت الدولة بإقناع الإسلاميين بالمشاركة في لجنة الحوار، إذ شكّـك الإسلاميون بجديّة اللجنة وضمانة مُخرجاتها واختلفوا مع “السقوف السياسية” و”الزمنية” المطروحة لإنهاء عمل اللجنة، معتبِـرين أنّ الحكومة تُـمارس “لعبة شِـراء الوقت”، بانتظار ما ستُـسفِـر عنه التطوّرات الإقليمية العربية وموجة التغيير الحالية.

“فجْـوة الثقة” بين الحكومة والإسلاميين، انتقلت إلى مرحلة أكثر خطورة لاحقاً، عندما أعلنت مجموعات شبابية على مواقع التّـواصل الاجتماعي (الفيسبوك) عن تأسيس حركة أطلقوا عليها اسم 24 آذار، أعلنت نيَّـتها إقامة اعتِـصام مفتوح في يوم 24 مارس، حتى تتحقق المطالِـب الإصلاحية، في ميدان جمال عبد الناصر وسط العاصمة عمّـان، وهو ميدان حيوي وشَـريان رئيسي للحياة، يربِـط المناطق المهمّـة من العاصمة مع بعضها.

هذا الإعلان استنفَـر السلطات الرسمية وأقلقها، لأنه – بنظر المسؤولين – يستنسِـخ التجارب العربية الأخرى ويفتح الباب واسعاً أمام امتِـداد حركة الاعتصام وتعطيل الحياة ويخلق اختناقات مُـرورية كُـبرى، في حال زاد عدد المعتصمين وأغلقوا الشوارع الرئيسية، ما يجعل الحكومة والدولة تحت رحْـمة هذه الحركة.

الوصفة الرسمية الوحيدة للإعتصام، تمثّلت في أنّه “صناعة إخوانية” وأنّ قيادات جماعة الإخوان تُـشرف عليه من خلال تحريك الجيل الشاب الجديد في الجماعة، في محاولة لـ “لَـيِّ ذِراع الدولة في الشارع”، فكان القرار فضّ الاعتصام، مهْـما كان الثمن وبسُـرعة قياسية!

يوم الجمعة الدّامي.. الدخول على خط “المأزق”

بالفعل، لم تنجَـح المفاوضات مع المُـعتصمين وانتهت إلى فضّ الاعتِـصام بالقوّة، من خلال رجال الأمن ومجموعات من المُـناوئين للمعتصمين تواجدوا في جوار موقع الاعتصام وكانوا ينْـهالون بالشتائم والحِـجارة على المتجمعين في الموقع.

انتهت الحفلة الأمنية القاسِـية بسقوط مواطن ومئات الإصابات، وبجملة كبيرة من الإهانات التي نالها الحاضرون من الذكور والإناث، الكبار والصغار، ومن ثم احتفلت قوّات الأمن مع المُـناوئين المعتصمين بإنجاز المهمة في الميدان نفسه، وهي سابقة خطِـرة في تاريخ الأردن.

تداعيات يوم الجمعة الأكثر خطورة، تمثّلت بموجة هِـستيرية من التّـحريض والهجوم السياسي والإعلامي على المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين وحركة 24 آذار، من قِـبل تيار رسمي في الدولة والبرلمان والإعلام، وصبغ الأحداث بقالب عِـرقي، وكأنّ الإصلاحيين يمثِّـلون الوجه الأردني – الفلسطيني ويريدون الإنقِـضاض على الحقوق السياسية للشرق أردنيين، مما أثار قلق الشارع العشائري ودفع إلى حالة من الإستنفار الكبير في داخله.

النتائج الأولية لهذا التجييش، تمثّلت بولادة مناخ من الاحتقان الإجتماعي والسياسي وأجواء من ترهيب المعارضة والقِـوى السياسية، المطالبة بالإصلاح، وتخوينها وشيْـطنتها، بل والإعتداء عليها، كما حدث في الهجوم الذي شنّـته مجموعة من “البلطجية” على مقَـر تابع لجماعة الإخوان المسلمين وسرقة الوثائق فيه والاعتداء على محتوياته، في سابقة خطِـرة لم تحدُث حتى في أيام الأحكام العُـرفية.

وتعرّض الشيخ حمزه منصور، أمين عام جبهة العمل الإسلامي، إلى تهديدات ومحاولات للإعتداء عليه وتم توفير حراسة أمنية له، لم تنفع عندما اقتحم رجل “خمسيني”، أي في الخمسين من عمره، مقر جبهة العمل الإسلامي وهو ثمل، مدّعياً أنه يحمل سلاحاً ناسفاً، فكال الشتائم والوعيد للحاضرين، قبل أن يتدخّـل الأمن ويتبيّـن فيما بعد أنّ الحِـزام لم يكن متفجِّـراً ولا ناسفاً، بقدر ما كانت “المسرحية” رسالة أخرى في التهديد والإنذار.

الحصيلة النهائية، أنّ الدولة باتت في مأزق بعد أن تجاوزت ردود الفعل الصادِرة عن المعارضين للإصلاح والمقرّبين من المؤسسة الرسمية حدود الرّدع للمعارضة إلى تهديد السِّـلم الاجتماعي والأهلي وتشكيل خط دفاع شرِس ضدّ أي إصلاحات سياسية حقيقية، وهو ما يُـحرِج الدولة نفسها والتِـزاماتها الداخلية والدولية – التي تنال وِفقاً لها – حصّـةً جيدة من المعونات الغربية.

والمعارضة ليست خارج المأزق، إذ أنّ الحكومة استطاعت تقسيم الشارع بينها وبين المعارضة، من خلال استثارة هواجِـس “الشارع العشائري” وتحريضه على الحركة الإسلامية والقِـوى الإصلاحية الأخرى، ما يعني أنّ أي تصعيد في الشارع من قِـبل المعارضة، قد تكون نتائجه كارثية على الإستقرار الداخلي والسِّـلم الأهلي.

في إعادة جدولة الأولويات والإستراتيجيات

يوصّف فهد الخيطان، المحلِّـل السياسي الأبرز في الصحافة الأردنية، اللحظة الراهنة بمأزق مُـشترك لكل من الدولة والمعارضة على السَّـواء، ويقول في تصريح خاص بـ swissinfo.ch “إن عنوان المأزق السياسي، هو أنّ الدولة متردِّدة ومتباطِـئة في إجراء الإصلاحات اللاّزمة للتحوّل الديمقراطي الحقيقي، والمعارضة في المقابل، قادِرة على التأزيم، لكنها غير قادرة على تحريك الشارع بصورة كبيرة”.

ويحيل الخيطان إلى غِـياب التواصل وفجْـوة الثقة، تأزم الوضع الحالي، ما يجعل عملية الإصلاح في خطر وربما ينقل الأولوية من الإصلاح إلى انقِـسام اجتماعي وإرهاصات أزمة اجتماعية – سياسية خطِـرة. فيما يرى أنّ “الكُـرة في ملعب الدولة” وأنّ الحلّ يكمُـن في قيام الدولة بعملية إصلاحية جِـذرية واسعة وسريعة، تقطع الطريق على التكهُّـنات والتجاذبات والرِّهانات على “سوء النوايا”.

أمام هذا المأزق، يرى د. فاخر دعاس، منسِّـق حركة “ذبحتونا” وأحد القيادات اليسارية الشبابية الفاعلة في الأردن خلال السنوات الأخيرة، أنّ الحِـراك السياسي المطالِـب بالإصلاح، ما يزال في إطارٍ نخْـبوي، فيما تتَّـسع ظاهرة الإعتصامات والإحتجاجات المطلبية، القائمة على المظلوميات الإقتصادية، وهي التي من المتوقّـع أن تكون أشدّ تأثيراً وأكثر تماساً مع الهموم اليومية للمواطنين.

ويضيف دعاس، في تصريح خاص بـ swissinfo.ch، أنّ الدولة لن تستطيع تلبية الاحتجاجات المطلبية، لأنّ كُـلفتها الاقتصادية عالية، لكن تأثيرها مباشِـر على المواطنين. وهو يتوقّـع أن يكون هذا العامل حاسماً في الأيام القادمة في العلاقة مع الدولة، مع ارتفاع كُـلفة المحروقات وعدم قدرة خزينة الدولة في الاستِـمرار بتحمُّـل الفارق بين السوق المحلية والعالمية، ومع الأزمة الاقتصادية الحالية في العجْـز الكبير في المُـوازنة والمديونية والظروف الاقتصادية المختلفة. وعلى هذه الفرضيات، يبني دعّاس رؤيته بـ “ضرورة اندماج الحركة السياسية الإصلاحية بالحركة المطلبية”، حتى تكون قادِرة على توجيهها لتحقيق أكبَـر قدْر من المصالح الاقتصادية والسياسية.

على كلّ، فإنّ ما يذهب إليه كل من الخيطان وفاخر دعاس، هو أنّ هنالك أزمة لدى الدولة، سواء تمثلت في غِـياب الإرادة السياسية أو ضُـعف القُـدرة على الاستجابة، وأنّ البدائل المطروحة للإصلاحات الجِـذرية، التي تمُـرّ عبْـر التوافق مع الدولة، هي أكثر كُـلفة على الدولة والمجتمع، في حال استمرت المُـماطلة الرسمية الحالية.

عمان – أ ف ب – يلتقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني اليوم الثلاثاء 29 مارس لجنة الحوار الوطني حول الإصلاح في الأردن، التي شهدت انسحاب العديد من أعضائها، على خلفية المواجهات التي وقعت في عمان الجمعة 25 مارس وأسفرت عن وفاة شخص وإصابة 160 آخرين.

وقال طاهر المصري، رئيس اللجنة ورئيس مجلس الأعيان: “سنلتقي بجلالة الملك لتقييم أعمال اللجنة بعد أحداث الجمعة، وأتوقع أن ينضم إلينا الأعضاء المستقيلون الذين طلبوا أصلا لقاء الملك”. مضيفا: أن “كلام جلالة الملك هو المرجعية الأهم، لأنه يصب في مصلحة الوحدة الوطنية”. وأوضح المصري أن الإسلاميين الذين رفضوا الانضمام إلى اللجنة منذ تشكيلها في 14 مارس الحالي “لن يكونوا حاضرين في اللقاء”.

وكان رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت دعا الاثنين الأعضاء المنسحبين إلى “العودة عن قرارهم من أجل إتمام المهمة الوطنية الكبيرة”. موضحا أن “الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لتحقيق الإصلاح والسير بخطوات سريعة تنقل الدولة ومؤسساتها الدستورية إلى مرحلة جديدة على طريق الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير بما يخدم أمن واستقرار الأردن ومستقبل أجياله”.

وكان 21 عضوا من لجنة الحوار الوطني، بينهم أربعة قياديون إسلاميون، انسحبوا من اللجنة التي أصبحت تضم 31 عضوا بدلا من 52 بعد أسبوعين على تشكيلها.

وشكلت الحكومة الأردنية في 14 مارس لجنة الحوار الوطني حول الإصلاح، التي كلفها العاهل الأردني بتعديل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر. لكن الحركة الإسلامية المعارضة تطالب بتعديلات دستورية تسمح للغالبية النيابية بتشكيل الحكومة، بدلا من أن يعيِّـن الملك رئيس الوزراء، كما ينص الدستور.

(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء أ.ف.ب بتاريخ 29 مارس 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية