مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الانسحاب الأمريكي.. إلى العراق!

Keystone

تتراوح مشاعر العراقيين ما بين "فرح" لأنهم لن يرَوْا مشهدَ الجُـندي الأمريكي القلق دائما وإصبعه على الزناد وهو ينتظر أي توتّـر نفسي ليُـطلق النار عليهم عشوائيا، وما بين "خوف وقلق" من عودة التفجيرات وأعمال العنف، وهم لا يثقون كثيرا بقوات الأمن العراقية، رغم إخلاصها وتفانيها في عملها، بسبب ما يُـقال عن تسلّل البعثيين وعناصر القاعدة وغيرهم إلى صفوفها، وما يلحظونه من غزل أمريكي - إيراني، يرى فيه بعضهم أنه يُضعف من دور عراقهم الذين يريدونه ديمقراطيا.

ومع ذلك، فإن الوقت يبدو مبكّـرا للحُـكم نهائيا على خطوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمصادقة على موعد مغادرة القوات الأمريكية من المدن، في ظل الأوضاع غير المستقرّة التي تمُـر بها المنطقة، وما يُـقال عن تأثير ما جرى في إيران من وقائع (في أعقاب انتخابات 12 يونيو الرئاسية) على الساحة العراقية.

غير أن مجرّد مصادقة أوباما على اتِّـفاق التفاوض الذي جرى في عهد الرئيس السابق جورج بوش بشأن الانسحاب من المدن والجدول الزمني لتخفيض عدد القوات، تمهيدا لانسحابٍ شِـبه كامل مع حلول عام 2012، يعكس أن العراق يسير على السكّـة ويتقدم نحو الإستقرار بمواعيد شِـبه ثابتة لا تعكِّـر صفْـوها إلا عملياتٍ هنا وهناك، تنفذها جماعات تكفيرية وأخرى تتّـصل بشكل أو بآخر بالبعثيين، ليقولوا إنهم “لا زالوا موجودين”..

القوات الأمريكية لم تغادر العراق..

وإذا كان بوش أراد تحقيق نصرِ ما لسياساته المتعثِّـرة في العراق، من خلال المُـصادقة على الإتفاقية الأمنية وبنودها التي أقرّت مواعيد الإنسحاب، حتى وإن كانت شكلية، فإن سلفه أوباما الذي لا يستطيع أن يخرج عمّـا رسمه له سلفه بالنسبة لعموم الإستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة، أراد من تنفيذ فقرة الانسحاب من المُـدن، إرسال إشارة واضحة عن جِـديَّـته في تحقيق وُعوده الانتخابية بالانسحاب، وليس بتحقيق النّـصر، مثلما أراد بوش..

لكن يجب القول أن تنفيذ اتِّـفاق الانسحاب من المُـدن، لا يعني أبدا أن القوات الأمريكية ما عادت موجودة في العراق، لأنها بالتأكيد لم تذهب إلى خارج البلاد ولم تنتقل إلى أفغانستان أو إلى داخل الأراضي الإيرانية، ولا حتى إلى جوارها، لأنها ببساطة موجودة في المُـدن العراقية في العدد الكبير من القواعِـد العسكرية، التي شَـيَّـد معظمها الرئيس السابق صدّام حسين..

إذن.. القوات الأمريكية لم تُـغادر العراق وهي موجودة فوق أراضيها لتنفيذ مهامّ مختلفة، منها بالطبع حماية النظام “الديمقراطي” في مُـواجهة أي تهديد خارجي وداخلي، وهو بند فضْـفاف يُـمكن تفسيره بأي شكل يخدِم الرّغبة الأمريكية في البقاء داخل العراق، كما يخدم أيضا الفعاليات العراقية، التي تخشى أن يؤدّي الانسحاب الأمريكي من العراق إلى أمر كارثي، إذا ازداد نفوذ إيران أو قَـويَـت شوكة القاعدة، بما يجعل مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في غير مسار تريدُه واشنطن، وإذا غرق العراق في الفوضى، بما يُـزعزع إلى درجة أكبر مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

والأهم من ذلك، فإن التزام واشنطن، كما جاء في الاتفاقية الأمنية بمساعدة العراق على إقامة ديمقراطية مستقرّة، من شأنه أن يعزِّز إلى حدٍّ كبيرٍ المصالح الأمريكية على المدى الطويل ويُحسِّـن صورة الولايات المتحدة أمام الشعوب، على أنها أقامت مِـثالا بارزا لديمقراطية ناجِـحة وحديثة في العراق يمكنها من الاحتفاظ بنفوذ إستراتيجي قوي في أحد المراكز التاريخية للسياسة والدِّين والقوّة الثقافية في العالم الإسلامي.

ولن يختلف أوباما عن بوش في تعزيز التّـواجد الأمريكي في عراق ديمقراطي أصبح حليفا استراتيجيا مع الولايات المتحدة ويتمتّـع باحتياطات نفطية كبيرة وموارد مائية وبشرية هائلة وحضارة قديمة، تدفع بالمنطقة إلى الاقتداء به لمقاومة المتطرِّفين والتكفيريين.

لقد استفاد أوباما كثيرا من فَـشل بوش في العراق، وها هو اليوم يحقِّـق لنفسه أول انتصاراته على صعيد الالتزام بالوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه، ولكن بطريقة، ظاهرها الانسحاب وباطنها البقاء مستفيدا من غلطة بوش التاريخية في احتلال العراق، واستعدى بذلك العالم برمّـته، خصوصا الرأي العالم العالمي، ومستمرا (أوباما) عليها، لكن بشكل آخر سمّـاه: “الانسحاب”، وهو يجني المزيد من الإعجاب في العالم.

فأوباما ثبّت مقولة أن الحرب كانت خطأً إستراتيجياً، وكلما أسرعت الولايات المتحدة في غسل يديها منها والتركيز مجدداً على أولوياتها «الحقيقية» في الشرق الأوسط، كان ذلك أفضل. وعليه، فإن التركيز الأمريكي في هذه المرحلة، سيكون على إيران وسُـبل الاتصال بها لإقامة علاقات أفضل معها بكل دورها المتعاظم في العراق وإيجاد نوع من العلاقة معها، حتى وإن كان ذلك على حساب عراق ديمقراطي .

وحتى إذا اعتبر أوباما أن العراق بات عِـبئا كبيرا على الولايات المتحدة وأن العنف الذي لم يتوقّـف يوما حتى في أوْج انحساره، سيبقى يضُـر المصالح الحيوية لواشنطن، ما دام العراقيون أنفسهم لم يتمكّـنوا من عبور أزمة المحاصصة والتشبّـث بالسلطة، وعدم ما تمرس بعدُ على فنون العملية السياسية الديمقراطية حول الحكم.

فالأحزاب الرئيسية التي تحكُـم العراق، لها زعامات تاريخية يجري فيها تدوير القيادة بشكل شِـبه وراثي، إن لم يكُـن وراثيا بالفعل. كما أن سياسة الإقصاء التي يمارسها العراقيون فيما بينهم، تُـعاون الكثير من المُـنخرطين في العملية السياسية مع منظمات الإرهاب وعصابات القتل والسَّـرقة، تدفع أوباما إلى تبني الجدول الزمني الذي حدّده بوش لسحب القوات الأمريكية من المُـدن، لجعل العراقيين وجها لوجه مع اختبار حقيقي مع أنفسهم، لإثبات ما إذا كانوا بالفعل يستطيعون حُـكم أنفسهم، دون وصاية أمريكية، وهم ينادون باستمرار بالخروج من خَـيمة البند السابع من ميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يتدخّـل بكل شاردة وواردة في مسألة الشأن العراقي .

انسحاب أم فراغ؟

لم يكُـن خافيا على أحد أن الولايات المتحدة، ومنذ مجيء باراك أوباما إلى الرئاسة يوم 20 يناير الماضي، أولت اهتماما منقطع النّـظير للمسألة الأفغانية وتطوّرات تنامي قوّة حركة طالبان في الباكستان، وسط مخاوف جدية من وقوع السلاح النووي في باكستان بأيْـدي طالبان وأنصارهم التقليدين من تنظيم القاعدة..

كذلك، فإن أوباما بدا مهتمّـا جدا بإيجاد حل للعلاقات الإيرانية – الأمريكية المُـزمنة، واضعا المسألة العراقية في سلّـم مُـتدنٍّ من أولويات سياسته الخارجية، الأمر الذي أغضب الكثير من العراقيين الذين يريدون أن يتظاهروا أمام العالم بأنهم حصلوا على استقلال جُـزئي وسيادة شِـبه كاملة على أراضيهم فيما يتعلق بالعمليات العسكرية ضدّ القاعدة وفلول البعثيين المتسلِّـلين إلى التنظيمات المُـحاربة للدولة العراقية على أسُـس غير وطنية.

على العكس من ذلك، كان أوباما يجازف بتغذية الديناميكية المقابلة تماما. فالعراقيون يستمعون إلى خطاباته ويفهمون منها أن “الإنسحاب وليس النصر”، هو أبرز أولوياته. في المقابل، يرون أن الولايات المتحدة تبدو مهتمّـة بالتحاور مع “إيران مُـهيمنة”، أكثر مما هي معنية بالحديث مع “عراق ديمقراطي”.

وفي زيارات المسؤولين العراقيين إلى واشنطن، عرفوا – بكثير من الدهشة – أنه لم يكلّـف أي مسؤول بارز مقرّب من الرئيس بالإشراف على ملف السياسة العراقية، إلى أن احتلّ أحدهم هذا المنصب في الفترة الأخيرة.

وقبل الإنتخابات الرئاسية في إيران وما جرّته من اضطرابات أحرجت الولايات المتحدة، التي ظنت أن نظام الجمهورية الإسلامية يكاد ينهار، لم تُظهر واشنطن المزيد من الاهتمام بالملف العراقي في أوْج تصاعد أعمال العنف منذ أبريل الماضي وحتى الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

وليس غريبا القول أن أي فراغ يحدث في العراق، حتى لو كان متعلقا بالإهتمام السياسي، ستملؤه إيران من خلال ما تملك من قدرات جبّـارة وعناصر كثيرة، قادرة على خلط الأوراق، حتى على الأمريكيين أنفسهم.

وليس خافيا أن حجم الزيارات التي قام بها مسؤولون إيرانيون إلى العراق قبل الإنتخابات، وما يقال عن مساع يقوم بها مسؤولون عراقيون للحصول على دعم من إيران، في حال حصول فراغ أمريكي، يُنتج أزمة أمنية كبيرة بسبب فقدان الثقة بين الساسة العراقيين، وهم ربما سيشعرون بالأمان أكثر في الحُـضن الإيراني، بدلا من واشنطن التي تحسِـب حسابا لمصالحها، أكثر من العراقيين.

وما دام العراقيون الحاكمون أو الذين يفكِّـرون في الحُـكم مستقبلا عن طريق الانتخابات المُـقبلة، يشعرون من خلال ما حلّ بالعراق من تفجير أمني في كل مرة يقترب فيها الحديث عن “اكتمال السيادة”، أن عليهم التكيف مع إيران الباقية إلى جوارهم وفي داخل كل مفاصل حياتهم، بدلا من الأمريكيين الذين “حرّروهم” من صدّام، ولا يتورعون عن إعادة حزبه الدّموي أو استخدامه “فزّاعة”، وهم راحلون في النهاية.

خلايا نائمة!

ما يُـخيف العراقيين، أن عصابات القتل التي تظهر بين الفينة والأخرى، خصوصا ما يُسمى بـ “القاعدة” وعناصر البعث المندسّـة هنا وهناك والتي تحظى بدعم من دول معيّـنة، وربما من أطراف أو أجهزة دولية، تنتظر الفرصة لتشُـن عملياتها الواسعة لزعزعة الأمن في العراق، ولتقول إن الأمن مفقود وأن القادة العراقيين الجدد غير قادرين على توفيره للشعب.

ولا يتردد مراقبون مطلعون على خفايا الأوضاع في العراق في القول بأن بعض القادة العراقيين متورِّط مع هذه العصابات ويستغلها لتعزيز مكانته وحزبه وطائفته، وهم يتحينون الفرصة للإنقضاض على “الأمن”، بينما تعاني مختلف الأجهزة الأمنية من ضعف العمل الإستخباري ومع ضياع معادلة واضحة لطبيعة التحالفات وعدم الاتفاق حتى الآن على تقديم تعريف دقيق للمصالحة الوطنية.

ويجب الآن على العراق أن يمر بسنة “حرجة”، وهو ما “يتوقّـعه” الأمريكيون أنفسهم، الذين أكّـدوا أن انسحاب القوات الأمريكية من المُـدن، لا يعني أن هذه القوات ستختفي تماماً، كما أن “الخطوة المهمّـة المتمثلة في الانسحاب من المدن، هي خطوة أخرى نحو علاقة إستراتيجية بين العراق وأمريكا”. هذا في الوقت الذي قال فيه السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل، إن علاقة العراق مع الولايات المتحدة بعد انسحاب قواتها من المدن والقصبات… “تعتمد على أحداث المستقبل”. والعاقل يفهم!

نجاح محمد علي – دبي – swissinfo.ch

بغداد (رويترز) – قال سياسيون يوم الخميس 2 يوليو، إن الاستفتاء على اتفاق أمني، وهو الخطوة الرئيسية التالية في الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من العراق، سيتأجل على الأرجح. وكان الاستفتاء مقررا قبل نهاية يوليو وفق اتفاق تم التوصل اليه في البرلمان العراقي العام الماضي، هدأ الجماعات السُـنية العربية المعارضة للاتفاق الأمني الامريكي العراقي وضمن تأييدها. وسيكون الاستفتاء الخطوة التالية نحو الانسحاب الامريكي الكامل من العراق بنهاية عام 2011 بعد انسحاب جزئي تم يوم الثلاثاء 30 يونيو بمغادرة القوات الامريكية المقاتلة للمدن العراقية.

وفي حالة رفض العراقيين للاتفاق في الاستفتاء الشعبي، سيحصل 130 ألف جندي أمريكي لا يزالوا في العراق بعد أكثر من ست سنوات على الغزو الذي وقع عام 2003، على مهلة مدتها سنة واحدة لمغادرة العراق. وتدفع الحكومة باتجاه تأجيل الاستفتاء حتى يناير 2010 عندما يجري العراق انتخاباته البرلمانية. وتقول حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، ان اجراء العمليتين معا سيكون من شأنه أن يوفر المال. وتقول السلطات الانتخابية والنواب في الوقت الحالي، انه لا يمكن تنظيم استفتاء في شهر واحد.

وقال جلال الدين الصغير، رئيس الكتلة البرلمانية للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي، أكبر الاحزاب السياسية الشيعية ان المشكلة مشكلة وقت أولا، حيث لم تصل مسودة مشروع القانون من الحكومة الى البرلمان بعد. وأضاف أنه حتى اذا كانت المسودة في طريقها الان الى البرلمان، فان الاخير يحتاج الى شهر لاقرارها وانه يعتقد ان الامر سينتهي بتزامن الاستفتاء مع الانتخابات البرلمانية. وقدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق تكلفة اجراء الاستفتاء بمائة مليون دولار، وقالت للبرلمان انها تحتاج الى شهرين لتنظيم الاستفتاء.

وقال عمر المشهداني المتحدث باسم رئيس البرلمان العراقي اياد السامرائي، ان بعض السياسيين يخشون أن تكون نسبة الاقبال على التصويت منخفضة جدا اذا أجري الاستفتاء منفصلا، لذلك كان من المنطقي اجراؤه مع الانتخابات العامة. واضاف ان ما ذكرته الحكومة واقعي ومنطقي، لكن القرار النهائي يبقى في يد البرلمان. ويسلم حتى أقوى مؤيدي الاستفتاء بانه من غير المرجح ان يجرى بحلول نهاية يوليو. وقالت أسماء الموسوي، التي تنتمي الى حركة موالية لرجل الدين الشيعي المعادي للولايات المتحدة مقتدى الصدر، ان جماعتها ستصر على اجراء الاستفتاء منفصلا. وقالت انه في حالة عمل البرلمان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بجد وقدمت الحكومة كافة المتطلبات، فمن الممكن أن يجرى الاستفتاء في سبتمبر.

ويكمن أحد الاسباب التي يقول بعض السياسيين انهم من أجله يرغبون في المزيد من الوقت، هو أنهم يريدون أن يروا اذا ما كانت القوات الامريكية ستلتزم بالشروط المقررة في الاتفاق الامني. ويضمر العديد من العراقيين شكوكا في نوايا الولايات المتحدة بعد ست سنوات من الاحتلال. وقال الصغير، ان هذا الامر حساس وان الاقبال على الانتخابات قد يتفاوت لعدة أسباب، وقال ان العديد من السياسيين بما في ذلك هو نفسه، يفضلون منح الاستفتاء مزيدا من الوقت حتى تتبين حقيقة النوايا الامريكية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 يوليو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية