مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التأمين ضد البطالة يـقـسِـم الناخبين السويسريين إلى شطرين

أوضحت نتائج الاستفتاء أن مصير العاطلين عن العمل، كان مدعاة لانشغال أكبر من طرف الناخبين في الكانتونات المتحدثة بالفرنسية والإيطالية. Keystone

نجحت مراجعة قانون التأمين على البطالة في تجاوز عقبة صناديق الاقتراع، في ما يُـعتبر هزيمة موجعة لليسار السويسري. أما الملفت في نتيجة التصويت، فهو مدى الانقسام الذي كشفت عنه بين المجموعات اللغوية في البلاد بخصوص المسائل الاجتماعية.

منذ عدة أعوام، يُـسجل صندوق التأمين على البطالة في سويسرا عجزا متراكِـما، يقدَّر حاليا بـ 7 مليار فرنك. ولإعادة الأمور إلى نصابها، قررت الحكومة والأغلبية اليمينية في البرلمان الفدرالي، القيام بمراجعة لقانون التأمين على البطالة.

بعد أن نجح اليسار في فرض إجراء استفتاء ضد المراجعة، اضطُـر الناخبون للإدلاء برأيهم حول الموضوع في الاستفتاء، الذي نظم يوم 26 سبتمبر 2010. وتتضمن المراجعة التي صادق عليها الناخبون يوم الأحد 26 سبتمبر 2010، توفير موارد جديدة لصندوق التأمين على البطالة، لكن ذلك يقترن بتشديد على مستوى الخدمات المقدَّمة للعاطلين عن العمل.

على مستوى المداخيل، سيتم الترفيع في نسبة الاشتراك المدفوعة من طرف الأجراء من 2 إلى 2،2% ابتداء من 1 يناير 2011. إضافة إلى ذلك، سيتم اقتطاع اشتراك تضامني على الأجور التي تزيد قيمتها السنوية عن 126000 فرنك. أما على مستوى الخدمات المقدمة، سيحتاج المؤمَّـنون الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و55 عاما، إلى دفع اشتراكات في الصندوق لفترة لا تقل عن عام ونصف (عام واحد في الوقت الحاضر)، للحصول على الحد الأقصى من الخدمات (أي 400 منحة يومية). أما بالنسبة للمؤمّنين الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاما، فإن العلاوات القصوى (520 منحة يومية)، لن تُـدفع إلا للذين اشتركوا لفترة لا تقل عن عامين (عام ونصف في الوقت الحاضر).

أخيرا، وبالنسبة للمشتركين الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، فإن دفعهم لاشتراكات لسنة على الأقل، يمنحهم الحق في الحصول على 200 منحة يومية عوضا عن 260 منحة في الوقت الحاضر. أما الشبان الذين لم يشتركوا بعد في صندوق التأمين على البطالة، فلن يحصلوا إلا على 90 منحة يومية فحسب.

نصف مفاجأة

لا يحتاج الأمر إلى دراسة العلوم السياسية لسنوات طويلة، لاستخلاص الدرس الأساسي من تصويت الأحد 26 سبتمبر. وتكفي نظرة واحدة لخارطة النتائج، لكي يلاحظ المرء أن المراجعة قُـبِـلت من طرف جميع الكانتونات المتحدثة بالألمانية، لكنها رُفِـضت في المقابل من جانب الأقليتيْـن، المتحدِّثتين بالفرنسية والإيطالية.

الاستثناء الوحيد جاء من نصف كانتون بازل المدينة، حيث انتصر الرفض بفضل عدد من الأصوات، يقلّ عن… 500! لكن الأمر لا يزيد عن نصف مفاجأة، إذ أنها ليست المرة الأولى التي تُـصوِّت فيها مدينة بازل بشكل مختلف عن بقية الأنحاء المتحدثة بالألمانية في سويسرا. وبشكل عام، يحدُث مثل هذا الأمر في الاقتراعات المتعلِّـقة بالمسائل الأوروبية.

الظرف الاقتصادي والتقاليد

ليس من العسير التوصل إلى استنتاج بوجود خلاف بين اللاتينيين (أي المتحدثين بالفرنسية والإيطالية) والناطقين بالألمانية، لكن الأهم، هو القدرة على تفسيره. وفي هذه الحالة، يبدو أن المسألة ترتبط بعنصرين رئيسيين.

فمن جهة، كانت الكانتونات اللاتينية على الدوام، الأكثر تضررا من البطالة، مقارنة بالكانتونات المتحدثة بالألمانية. وفي ظل هذه الأوضاع، لم يكن مستغربا أن تتعامل بحساسية أكبر مع مصير العاطلين عن العمل، لذلك، يمكن تفسير ما حدث بعلاقة مع الظرف الاقتصادي.

بشكل عام، تُـظهر نتيجة هذا التصويت مرة أخرى، أن الرومانديين (المتواجدين أساسا في غرب وجنوب غرب الكنفدرالية) والناطقين بالألمانية، لا يتقاسمون نفس الرؤية تجاه القضايا الاجتماعية. ومن المحتمل أن تأثير فرنسا المجاورة، أدى إلى انفتاح تقليدي أكبر من طرف سويسرا الروماندية تجاه مفهوم “الدولة الاجتماعية” وفي بعض الأحيان تجاه “مركزية الدولة”، مثلما هو ممارس في فرنسا منذ عشرات السنين. في المقابل، تتوفر المناطق المتحدثة بالألمانية من سويسرا على رؤية أكثر ليبرالية وأقرب إلى ما هو متداول في العالم الأنغلوسكسوني.

التصويت الذي شهدته سويسرا يوم الأحد 26 سبتمبر، ليس الأول الذي يكشف عن هذه البديهية، ومن المؤكّـد أنه لن يكون الأخير أيضا.

حزمة أعِـدّت بعناية شديدة

على صعيد آخر، يُـمكن القول أن مراجعة قانون التأمين على البطالة، نجحت في الحصول على ثقة الأغلبية، لأن المشروع المقترح كان معَـدّا بعناية. فلم ترتكب الحكومة والأغلبية البورجوازية في البرلمان الخطأ المتمثل في عرض مراجعة تستنِـد فقط على تقليص الخدمات، وهو الأمر الذي كان سيُـعتبر (من طرف معظم الناخبين) تفكيكا للمكتسبات الاجتماعية.

فمن خلال إدماج عنصُـر يتعلّـق بـ “الموارد الجديدة”، يشتمل بالخصوص على اشتراك تضامني يُـقتطع من المرتبات العالية، نجح مؤيِّـدو المراجعة إلى تقديم مشروع يُـمكن اعتباره “متوازنا”، وهي حجّـة أقنعت، حسبما يبدو، الكثيرين. إضافة إلى ذلك، ساعدت الظروف القائمة، أنصار المشروع.

فمن جهة، بدأت معدلات البطالة – التي سجلت في فترة أولى ارتفاعا كبيرا منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية – في التراجع منذ بضعة أشهر. ومن جهة أخرى، يتحدث الخبراء الاقتصاديون أكثر فأكثر عن عودة الانتعاش. ومن المؤكّـد أن هذه الأخبار الاقتصادية الجيدة، خففت من مخاوف العديد من المواطنين، من احتمال تعرّضهم شخصيا لظاهرة البطالة.

على المستوى السياسي، يُـمكن القول أن النقاش الذي دار حول مراجعة قانون التأمين على البطالة، قد تراجع إلى خلفية المشهد في الأسابيع الأخيرة، بسبب تركّـز الاهتمام الإعلامي والسياسي على انتخاب وزيرين جديدين في الحكومة الفدرالية. ومن المعلوم، أن انخفاض حدة النقاش السياسي في الكنفدرالية، عادة ما يؤدي إلى تراجع التأييد، للجهات الداعمة لاستفتاء ما.

هزيمة لليسار

أخيرا، يمثل هذا التصويت هزيمة لليسار، وهي هزيمة خطيرة، لأنها تتعلق بمحور أساسي في تحركاته ومختلف نضالاته، أي التصدي لتفكيك المكتسبات الاجتماعية.

الأرقام تشير إلى أن اليسار السويسري، يتوفر عادة على نسبة صلبة من المؤيدين، تناهز 35% من الناخبين، لذلك – ومن أجل أن تنجح الاستفتاءات التي يُـطلقها في عبور عقبة صناديق الاقتراع – يحتاج الأمر إلى أن يستقطب المشروع المعروض على التصويت، تأييد معارضين يتجاوزون مؤيدي اليسار. وبما أن الأمر لم يكن على هذه الشاكلة، فقد كانت الهزيمة في الانتظار.

لقد كان من المؤمل أن يوفِّـر الانتصار في هذا الاختبار الانتخابي، دفعة قوية لليسار، قبل عام واحد من الانتخابات العامة المقبلة، لكن ذلك لم يحدُث، وهو ما يعني أن اليسار عموما والحزب الاشتراكي خصوصا، سيحتاج إلى بذل جُـهد مضاعف من الآن وإلى انتخابات خريف 2011.

نسبة المؤيدين لإصلاح قانون التأمين على البطالة: 53،4%
نسبة الرافضين: 46،6%
نسبة المشاركة على المستوى الوطني: 35،4%

أدّت موافقة أغلبية الناخبين على المراجعة المقترحة لقانون التأمين على البطالة، إلى انقسام الصحافة السويسرية أيضا بشأنها.

الصحف المتحدثة بالفرنسية، ركّـزت تعليقاتها على الهوّة القائمة بين المناطق اللغوية، في التعاطي مع المشروع الحكومي. في المقابل، رحّـبت الصحف الناطقة بالألمانية، مصادقة الناخبين على مشروع وصفته بـ “المتوازن”.

لوكوتيديان جوراسيان (الصادرة في دوليمان بالفرنسية) “لقد فُـرضت هذه المراجعة ديمقراطيا، من طرف الجهات الأقل تضررا من الأزمة، على المناطق التي لا زالت تعاني منها”.

ليكسبريس (الصادرة في نوشاتيل باللغة الفرنسية) “صفعة للعاطلين عن العمل الرومانديين”

لوماتان (الصادرة في لوزان باللغة الفرنسية) “عوضا عن ترفيع كبير في الاشتراكات لجميع السويسريين، فضّـل المتحدثون بالألمانية، التصويت لفائدة ترفيع خفيف وتركوا للكانتونات الروماندية مهمّـة دفع الفارق”.

24 ساعة (الصادرة في لوزان باللغة الفرنسية) حذّرت من التركيز على الفوارق اللغوية بحُكم ضُـعف الإقبال على التصويت (35،4%)، قالت الصحيفة: “في العُـمق، تظل الرسالة الأساسية من هذا التصويت، رفض المديونية المتفاقِـمة والمُـعيقة لتأمين اجتماعي”.

نويه تسورخر تسايتونغ NZZ (الصادرة في زيورخ باللغة الألمانية) “عندما تتمكن الحكومة والبرلمان من العثور على حل وسط، فإن الشعب يعرف كيف يقدِّر ذلك”.

تاغس انتسايغر (الصادرة في زيورخ)
“لقد تمثل مفتاح النجاح (هذه المرة)، في الحذر والإصلاحات التي تقدِّم شيئا من التوازن”.

دير بوند (الصادرة في برن) “لقد تمّـت الموافقة على الإصلاح، في المناطق التي لا تعني البطالة فيها إلا… الآخرين”.

لوتون (الصادرة في جنيف باللغة الفرنسية) “في المحصِّـلة، يُـنظر إلى روح التضامن في المناطق اللاتينية (أي المتحدثة بالفرنسية والإيطالية) وبدون شك في بازل المدينة أيضا، على اعتبار أنها فضيلة يُـحبّ الناس الدفاع عنها من الناحية المبدئية، في حين أن المتحدثين بالألمانية يتعاملون بحساسية أكبر مع التوازنات المالية ولديهم وعيٌ بأن الديون مجلبة للعجز السياسي”.

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية