مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الربيع العربى وتحديات المرحلة الإنتقالية فى مصر

أعضاء في حركة 6 أبريل الشبابية يرفعون شعارات مطالبة بالإفراج عن جميع المساجين السياسيين خلال تجمع احتجاجي نظموه قرب قصر الرئاسة بالإتحادية في القاهرة يوم 12 مايو 2013. Keystone

سلطت ندوة احتضنتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة الأضواء على "الربيع العربي وما بعده" اهتمت بالخصوص بتحديات وآفاق المرحلة الإنتقالية الصعبة التي تمر بها بمصر.

الندوة التي شارك فيها عدد من أبرز الباحثين المصريين (انظر التفاصيل علي اليمين)، أدارها الكاتب السيد ياسين، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث افجتماعية والجنائية ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وذلك على خلفية كتاب “مصر والربيع العربي.. الثورة وما بعدها”، الصادر حديث عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.

كل باحث من المشاركين في الندوة، قدم عرضا لأحد فصول الكتاب، رصد فيه ملاحظاته وتعليقاته، وإثر ذلك قام الضيوف بالرد على بعض الأسئلة، ما حول الندوة إلى ما يُشبه المناقشة المفتوحة حول السبُل الكفيلة بمعالجة تحديات المرحلة الإنتقالية بعد انقضاء عامين ونيف على سقوط الأنظمة الديكتاتورية في مصر وتونس.

حركات الشباب وثورة 25 يناير

في تعليقها على فصل (حركات الشباب وثورة 25 يناير)، أوضحت د. دينا شحاتة أن “الحركة الشبابية في مصر شهدت استقطابا شديدا، ظهر مع الإستفتاء على الإعلان الدستوري واستمر في انتخابات مجلسيْ الشعب والشورى، ثم الإنتخابات الرئاسية وأخيرا الإستفتاء على الدستور”، مشيرة إلى أن “حركة شباب 6 أبريل اختارات عدم الإنضمام إلى أي حزب سياسي وأن تبقى كجماعة ضغط”.

وقالت شحاته: “هناك عوامل خارجية أدّت إلى خروج الشباب من المُعادلة السياسية في مصر، أهمّها: إصرارهم على إعادة هيكلة أجهزة الدولة والتمسّك بشرعية الميدان، مقابل شرعية الصندوق”، موضّحة أن “المرحلة الثانية من الثورة، شهدت حالة من الصِّدام بين شباب الثورة وجماعة الإخوان، بعدها تعرّض شباب الثورة إلى حملة اعتقالات وتصفيات”.

وأضافت: “هناك إجماع على العودة إلى الشارع وممارسة الضغوط، وهو ما تجلّى في ظهور حركة (بلاك بلوك) وتدشين حركة (تمرد)”، مُعتبرة أن المطلوب من شباب الثورة في هذه المرحلة، “تجاوز الفعل الإحتجاجي وصولاً إلى المشاركة في الإنتخابات”، وذلك من خلال توحيد الصفوف.

حركات اعتمدت على شعوبها

وفي تعليقها على الجزء الخاص بتعزيز المجتمع المدني في الكتاب، قالت د. شيلا كارابيلو: “بداية الكتاب كانت خلال الثورة، وتحديداً خلال الثمانية عشر يوماً، التي بدأت بالتظاهر يوم 25 يناير وانتهت بإسقاط النظام في 11 فبراير. وقد كُنت مقيمة في مصر خلال الثورة، فاجتمعنا في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية لمناقشة مشروع أكاديمي للتضامن مع الثورة، من خلال تأليف كتاب عن الثورة”.

وعن المساعدة الأجنبية السياسية للثورة المصرية، أوضحت كارابيلو، أن “الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، كانوا يعتبرون أن أحد أسباب الثورة مُستورَد من الخارج، وكان الناس في الخارج يروْن أن مبارك يفتعل الفوضى في مصر، لأن نظامه كان يعتمد على الغرب”، مؤكّدة أن “حركات إسقاط النظام في مصر وتونس واليمن وليبيا، كانت لا تعتمد على الغرب، وإنما على شعوبها”.

وأشارت كارابيلو إلى أن مجموعة الباحثين الذين شاركوا في إعداد الكتاب، رصدوا خلال الثورة 198 تكتيكا للمقاومة غيْر العنيفة، بدءاً من إطلاق الشعارات والرسوم الكاريكاتورية والرموز وتعليق اللافتات والملصقات، ووصولاً إلى المسيرات والتظاهرات، وحتى إقامة الصلوات… إلخ.

تحولات الرأي العام

من جانبه، أوضح د. جمال عبد الجواد أن “فصل الرأي العام في مرحلة الإنتقال في الكتاب الذي بيْن أيدنا، يتضمّن مؤشرات تمتد إلى قبل عام من الآن تقريباً”، مُشيرا إلى أن “الثورة فِعل نخْبَوي، قامت به الجماعات المنظمة الأكثر وعْياً للسياسة والأكثر استعداداً للتضحية، بهدف إحداث تغيير سياسي”.

وقال عبد الجواد: “الرأي العام أهميته لم تكن كبيرة في صناعة الثورة، وأننا إزاء ما يُمكن أن نطلق عليه (نصف ثورة).. نعم تمّت إزاحة مبارك، لكن لم يحلّ مكانه زعيم ثوري”، معتبرا أن “قضية السلطة، أساسية في الثورة” وأن “الجيش تولى السلطة 18 شهرا، كان خلالها استمرارا للنظام القديم” وأن “قرار حل الحزب الوطني الذي كان يحكُم البلاد، هو قرار قضائي، وليس ثوريا”.

وأشار إلى أنه “في برلمان 2011، كان هناك 34.3% ناخبون جدد وكان هناك 29.7% لم يصوّتوا أبداً و29.2% ناخبون صوتوا من قبل ومستمرون في التصويت بعد الثورة، فيما بلغت نسبة الناخبين الذين أدلَوا بأصواتهم بعد الثورة، فقط 6.8%”، موضحا أن “54.8% من الناخبين الجُدد عاطلون عن العمل ومن الفئات صاحبة الإحتياجات، وأن الأمن والإقتصاد كانتا القضيتان الأكثر إلحاحاً، حيث مثلتا 80% من الإحتياجات”.

تحديات المرحلة الانتقالية

من ناحيته، أوضح د. حسن أبو طالب، أن “هناك ثلاث مقُـولات يجب الإنتباه إليها، وهي: أن الصّحوة العربية مُرتبطة بالاستثناء العربي (بعيدة عن فكرة السياق السياسي والإجتماعي) وأن الثورة هي “ثورة فيسبوك”، والسؤال أين الواقع الفعلي، أين الناس العادية، وأن الثورات العربية أذهبت القديم (الرموز والنظام والآليات)، لكن كيف نتجاوز هذه الآليات؟”، مشيرا إلى أن “الكتاب يبحث عن صيغة توازُنية تُساعدنا على فهم أفضل لما يحدُث في عالمنا العربي”.

وقال أبو طالب: “إننا أمام إشكالية تاريخية، وهي أن الجماهير غيْر المُسيّسة، غاصت في عُمق السياسة بالعواطف والمشاعر، وأن هذه الإشكاليات تدفعني للبحث عن منظور كلي. فالمعلوم أن النقطة التي بدأت منها الثورة، هي الإستبداد، ولكن ما هي النقطة التي تريد أن تصل إليها الثورة؟ هل هناك جدول زمني يمكن ضبطه في الإنتقال؟ ومَـن يُحدّد نقطة الوصول؟”، مشيرا إلى أن “هناك شعورا غالبا بأن بديل القديم لم ينجح وأن الثورة قد سُرقَـت، وهو ما يدفعنا إلى دراسة الفعل الثوري، وهنا تبرز إشكالية مَن يفعل ماذا ولماذا؟”.

وذكر أن هناك سبْع نقاط أساسية، تمثل إشكاليات وتحديات المرحلة الانتقالية في ثورات الربيع العربي، وهي: فقدان التبعية، الخروج من القُمقم، جدلية الشارع والمؤسسات الكلية، انفجار المطالب الفئوية، وهل هي مطالب فئوية أم ثورية؟ مع الوضع في الحسبان إشكالية الموارد المحدودة، البحث عن الهوية وما تثيره من تساؤلات مثل: هل نحن دولة دينية أم مدنية؟ فهناك صمود في الرُّؤية المدنية وتنوّع في الرؤية الإسلامية، الأمن القومي بين التحديات وإرتباك الأولويات، وهل كان الجيش يحكم أم يُدير فقط، السياسة الخارجية بين الإرتباك وعمومية الرؤية”.

حلم العودة إلى “المشروع التوافقي”

في سياق متّصل، أوضح د. خالد حنفي، أن “الجو التي تُدار فيه الندوة، هادئ وعقلاني، يعتمد على التحليل العِلمي، وأن هذه الندوات تُقلّل من الخصومة وتُساعد على تكوين التواصل العقلاني وإيجاد القواسِم المشتركة”، مشيرا إلى أن “الكلام في الكتاب، محلّ النقاش عن الإسلام السياسي جيد، حيث أوضح أن النظام قبل الثورة كان مستبدّاً”.

وقال حنفي: “الوضع تغيّر كثيرا في مصر بعد الثورة. فالصوفيون أسّسوا حزباً سياسيًا والسلفيون الذين كانوا يُحرّمون الأحزاب، أنشأوا أحزاباً متعدّدة، كما أن مصطلح الإسلام السياسي قلّ بدرجة كبيرة”، مشيدا بعرض د. دينا شحاتة وإنصافها لشباب الإخوان وإشارتها إلى “مشاركتهم المبكّرة في الثورة”، موضحا أن “هناك إشكالية مُصطلح أكثر من كوْنها إشكالية محتوى”.

وأضاف: “يحب أن ننظر للإسلام نظْرة أوسع، على أنه عدالة إجتماعية. فالعدالة الإجتماعية هي قلْب الشريعة. وأن نعي أن ما حدث، ليس ثورة دينية، لكن أهدافها في قلب الشريعة والدّين (التحرر من التبعية – الحصول على الحريات)”، مؤكدا على “أهمية العمل المشترك، خاصة وأننا في مرحلة انتقالية، لم تتبلور فيها الأوزان النّسبية للمجتمع المصري بعدُ”.

وقال حنفي: “لدينا الآن في مصر: رئيس دولة منتخب، دستور وافَق عليه الشعب في استفتاء رسمي ومجلس نيابي (الشورى)”. وأضاف: “العدالة، مطلب ثوري، لكن الإندِفاع فيه دون تنمية اقتصادية، خطر كبير، خاصة وأن هناك شخصنة في الأحزاب، في وقت يجِب أن يكون فيه نُضج سياسي”، وتابع: “أخشى من تزايُـد دور الثورة المضادة أو النظام القديم. فالثورة كانت سِلمية، ومدّتها قصيرة، ومن ثمَّ، لم تعط فرصة لإفشالها”.

واختتم بقوله: “رموز النظام السابق يسعون للتلوّن وإعادة تشكيل أنفسهم. فمَن كانوا يبكون بالأمس القريب على النظام السابق ومبارك، تلوَّنوا اليوم وأصبحوا يدّعـون أنهم أنصار، بل صنّاع الثورة، وحلمي أن نعود للمشروع التوافقي ونعمل على بلورة مشروع قومي، ينهض بمصر ويحقق أهداف الثورة ومطالب الثوار”.

الإسلاميون وهدم مؤسسات الدولة!

من جهته، أكد السيد ياسين في مداخلته أن “هذه ثورة مصرية شعبية، شاركت فيها كل الفصائل المصرية”، وتحفّظ على قول د. خالد حنفي، بأن شكل الدولة قد اكتمل، متسائلاً: هل هذا الدستور توافقي أم لا؟ مشيدا بـ “حِرصه على التوافق السياسي والتزامه الخطاب العقلاني”.

وأضاف ياسين: أن “بعض التيارات الإسلامية تُحاول هدْم مؤسسات الدولة”، وضرَب مثالاً على ذلك، بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي. وتساءل: لماذا لم يُعاقَب مَن فعل ذلك؟ مؤكدا على ضرورة إقامة حُكم القانون وإعمال سيادة القانون.

وتابع: “قلت للرئيس محمد مرسي في لقائه بالمثقّفين: مستقبل مصر يحتاج إلى رؤية إستراتيجية واضحة ومحدّدة، ورشّحت له كتاب الدكتور فتحي البرادعي، الذي قدم خلاله رؤية لمصر في الـ 50 سنة القادمة”، مختتما بقوله: علمت مؤخراً، أنه تم التواصل مع البرادعي وأنه جاري الاستفادة من رؤيته. وعليه، فإنني أقول: “إن الدولة المصرية بدأت تُدرِك الطريق الصحيح”.

وفي ختام الندوة، أكد أبو بكر الدسوقي أن “الدائرة العربية ما زالت محلّ اهتمام السياسة الخارجية المصرية، وأنه لا سبيل للخروج من مآزق المرحلة الإنتقالية، سوى بالبناء على القواسم المشتركة للنظام والمعارضة”. فيما أكّد د. بهجت قرني، أن الندوة كشفت عن أن الباحثين ليسوا بعيدين عن الواقع السياسي، معلنا اتفاقه مع السيد ياسين في قوله “أحياناً، يكون طرح الأسئلة أهَـم من تقديم الأجوبة”.

عقدت مجلة السياسة الدولية، التي تصدر عن مؤسسة الأهرام، بالتعاون مع منتدى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، يوم الثلاثاء 14 مايو 2013 بمقر الجامعة الأمريكية في ميدان التحرير بالقاهرة، ندوة تحت عنوان: “الربيع العربي وما بعده: تحديات وآفاق المرحلة الإنتقالية بمصر”.

أدار الندوة، الكاتب السيد ياسين – أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وذلك على خلفية كتاب “مصر والربيع العربي.. الثورة وما بعدها”، الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية.

شارك في الندوة كل من:

د. حسن أبو طالب – مدير معهد الأهرام الإقليمي للصحافة

أبو بكر الدسوقي، مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام

د. بهجت قرني – أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

د. جمال عبد الجواد – أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

د. دينا شحاتة – الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

د. شيلا كارابيكو – أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة،

د. خالد حنفي – أمين حزب الحرية والعدالة بمحافظة القاهرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية