مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المستوطنات الإسرائيلية: “الزيادة الطبيعية” لوضع غير طبيعي

راع فلسطيني يمر مع قطيعه يوم 14 يونيو 2009 بجوار حظيرة بناء لتوسعة موقع استيطاني في حار حوما في القدس الشرقية Keystone

تُـواصل مساكِـن مستوطنة حلميش الإسرائيلية الجديدة زحفها، لتحتلّ مزيدا من مواقع أشجار الصّـنوبر والبلّـوط، التي طالما زيّـنت هذا لمثلث الرّابض على تقاطع طُـرق ما يعرف بقرى بني زيد إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله بالضفة الغربية.

وفي وسط هذه المساحة الخضراء، التي تُـعتبر جزءً من بقايا غابة فلسطين الطبيعية، تقود إسرائيل عملية توسّـع استيطاني تحت شِـعار تلبية متطلّـبات “النمو الطبيعي” للاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

واستنادا إلى إحصاءات محلية، كتلك التي قدمتها مؤسسة “أريج”، التي تتّـخذ من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية مقرّا لها، فإن حجم الاستيطان الإسرائيلي تضاعف خلال السنوات الأخيرة إلى نسبة 58%.

وتزامن ذلك مع استئناف المُـفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية خلال فترة تولي إيهود اولمرت رئاسة الوزراء في إسرائيل. والآن، وبعد عودة بنيامين نتانياهو واليمين المتطرّف إلى الحُـكم في إسرائيل، عادت قضية الاستيطان تتصدّر العناوين.

وعلى مدار الأشهر الأخيرة، بات شِـعار “النمو الطبيعي” للمستوطنات، جزءً أساسيا من النِّـقاش الدولى الدّائر حول ضرورة وقف المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، حتى يتسنّـى العودة مرّة أخرى إلى مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية المجمّـدة.

وقد حرِص الرئيس الأمريكي باراك اوباما خلال خِـطابه الأخير في القاهرة، إلى التأكيد على ضرورة وقْـف الاستيطان، مقابل قِـيام الفلسطينيين بتوفير الأمن اللاّزم الذي تضمّـنته خطّـة خارطة الطريق، التي أعدتها إدارة الرئيس جورج بوش السابقة.

لكن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يوم الأحد 14 يونيو، الذي أرسى من خلاله مبادئ حُـكومته المتعلِّـقة بعملية السلام، لم يتطرّق من قريب أو بعيد إلى مسألة وقف الاستيطان، بل أبقى على حقّ المستوطنين في التوسع.

وبعد مرور نحو عقدين على انطلاق مؤتمر مدريد للسلام، الذي فتح الطريق أمام انطلاق المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، يكون عدد المستوطنات الإسرائيلية في حدود الرابع من يونيو لعام 1967 التي يريده الفلسطينيون مكانا لدولتهم المستقلة، قد ارتفع إلى أكثر من 200 مستوطنة تُؤوي داخلها أكثر من 250 ألف مستوطن.

أرقام ولكن

وفي الوقت الذي تُـصِـر فيه رئاسة السلطة الفلسطينية على عدم العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل قبل وقف الاستيطان، فإن خبراء ومراقبين يؤكّـدون أن الإستيطان الإسرائيلي سيتسمِـرّ، بغضّ النظر عن التّـسميات.

ويعتقد هؤلاء أن أرقاما حول نسبة معدّل النمو الطبيعي للمستوطنات وازدياد أعدادها، لا يعني الكثير، بقدر ما يعنيه الهدف الإسرائيلي الأساسي وراء ذلك كله.

ويقول خبير الجغرافيا السياسية كمال عبد الفتاح في حديث لسويس انفو “ليس هناك نُـمو طبيعي أو ما شابه، والأرقام التي تُـظهر أعداد المستوطنين لسيت سوى أرقام مستوطنين مسجّـلين، الهدف الأساسي هو الإستيلاء على الأرض”.

وأضاف عبد الفتاح، المحاصَـر في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية “العقيدة الصهيونية التي تنفِّـذها الحكومات الإسرائيلية والوكالة اليهودية وباقي المؤسسات، تقوم على هدف نشْـر الإسرائيليين على مُـختلف مناطق فلسطين التاريخية”.

ويُـشير عبد الفتاح، وهو الخبير في جغرافية فلسطين، أن مُـعظم سكان إسرائيل يُـقيمون في المُـدن، تل أبيب وحيفا ويافا وعكّـا والقدس. وقال “هذه المستوطنات، ليست سوى مواقِـع للحصول على امتيازات أو اقتناء منازل ريفية”.

ويؤكِّـد عبد الفتاح أن إسرائيل تقدِّم أرقاما عن أعداد المستوطنين المسجّـلين، لكن لا أحد يقدِّم معلومات، إذا ما كان مُـعظم هؤلاء يقيمون بالفعل في هذه المستوطنات أو أنهم يستخدمونها للعمل أو للسكن أو للترفيه أو للحصول على امتيازات.

وتقدِّم حكومة إسرائيل امتيازات خاصّـة لكل مَـن ينتقِـل إلى الإقامة في مستوطنة، لاسيما ما يتعلّـق بالخصومات الضريببة وسُـهولة الحصول على قروض ميسَّـرة.

واقع الحال

وعلى مدار السنوات الأخيرة ومع ازدياد عدد المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية، تضاعفت مُـعاناة الفلسطينيين، لاسيما مع بناء الجِـدار والطرق الالتفافية الخاصة باستخدام المُـستوطنين.

النتيجة المباشرة لذلك، كانت تحويل الضفة الغربية إلى معازل وكانتونات قسمت الأراضي الفلسطينية إلى مناطق تفصِـلها حواجز عسكرية، ويمكن إغلاقها وفصلها متى شاء الجيش الإسرائيلي بحُـجج أمنية.

وقد تحوّلت قضية الاستيطان إلى ضغط آخر على القِـيادة الفلسطينية، مع تنامي غضب الرأي العام ومع عدم قُـدرة الرئاسة الفلسطينية على تحقيق أي اختراق في هذه المسألة الحيوية.

ويتوقّـع مراقبون أن تعود الإدارة الأمريكية الحالية إلى الضّـغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات دون وقف الاستيطان، لاسيما مع ترحيب الرئيس الأمريكي اوباما بخطاب رئيس وزراء إسرائيل، الذي أتى فيه على ذِكر “دولة فلسطينية”.

وهكذا، سيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام وضع غير طبيعي، الإستجابة للضّـغوط والعودة إلى المفاوضات مجدّدا، في الوقت الذي تواصل فيه حكومة نتانياهو تلبية ما تسميه حاجة النُـمو الطبيعي للمستوطنين.

هشام عبدالله – رام الله – swissinfo.ch

من هم المستوطنون؟
يعيش ما يقرب من نصف مليون يهودي في اراضي الضفة الغربية التي احتلتها اسرائيل في عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية العربية. يعيش البعض في “مواقع استيطانية” لا يعترف بها القانون الاسرائيلي ولكن الاغلبية يقيمون في اكثر من 100 مستوطنة رسمية بعضها يقطنه عشرات الالاف من السكان بما في ذلك مناطق جرى ضمها الى القدس. والدافع وراء كثيرين ممن يقيمون في المستوطنات وبينهم نحو 200 الف يعيشون في اراض محتلة تقول اسرائيل انها جزء من القدس هو رخص المساكن هناك. ويري البعض الاخر انهم يمارسون ما يعتقدون انه حق منحه الله لليهود في اراض يطلقون عليها يهودا والسامرة. وقال وزير الدفاع ايهود باراك انه ينوي ازالة نحو 24 موقعا استيطانيا غير مصرح به بعد مشاورات مع زعماء المستوطنين.

هل هي قانونية؟
تقول محكمة العدل الدولية والاتحاد الاوروبي ان المستوطنات غير شرعية وفقا للقانون الدولي بما في ذلك اتفاقيات جنيف. ووصفت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر المستوطنات بانها غير شرعية ولكن الادارات التالية استخدمت لهجة اخف ووصفتها بانها عامل غير مساعد او عقبة امام اتفاق سلام. وترفض اسرائيل ذلك ولكنها وافقت في ظل خطة خارطة الطريق التي جرى التوصل اليها بدعم أمريكي عام 2003 من أجل احلال السلام على “تجميد جميع انشطة الاستيطان” بما في ذلك البناء في المستوطنات القائمة التي تشير اليه الحكومة الاسرائيلية بنمو طبيعي. كما وافقت على ازالة مواقع استيطانية اقيمت منذ عام 2001 . وفي عام 2005 اجبرت الحكومة جميع المستوطنين ومجموعهم 8500 مستوطن على مغادرة قطاع غزة. وتقول حركات سلام ان التوسع في المستوطنات في الضفة الغربية يجري بمعدل اعلى من نمو السكان في اسرائيل.

ما هي المشكلة؟
يريد الفلسطينيون ويصل تعدادهم في الضفة الغربية الى نحو 2.5 مليون نسمة وفي قطاع غزة الى 1.5 مليون نسمة الارض التي يسيطر عليه المستوطنون كجزء من دولة ويقولون أن المستوطنات والحماية العسكرية التي توفر لهم بما في ذلك الجدار الامنى تعوق اقتصادهم وتهدد اي احتمال لسيادة حقيقية. ويخشى الفلسطينيون ان تعزل المستوطنات القدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم في المستقبل عن الضفة الغربية كما تقسم الضفة الغربية لمنطقتين شمالية وجنوبية. وقال مسؤولون ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يرأس حكومة ذات توجهات يمينية يعتزم الاستمرار في سياسية “النمو الطبيعي” داخل المستوطنات القائمة ولكنه لن يبني مستوطنات جديدة.

لماذا لا توقف اسرائيل بناء المستوطنات؟
تعتمد الحكومات الائتلافية الاسرائيلية على احزاب تؤيد المستوطنين وتتحدث بلسان قطاع كبير من سكان اسرائيل البالغ تعدادهم سبعة ملايين نسمة. كما تحججت الحكومات في فترات بانها لا تملك سلطة منع المستوطنين من البناء واتهمت الزعماء الفلسطينيين بعدم الالتزام بتعهداتهم في خارطة الطريق بوقف اعمال العنف.

كيف يرتبط ذلك بالمفاوضات؟
يقول الفلسطينيون انهم لن يستأنفوا محادثات السلام مع اسرائيل حتى توقف التوسع في المستوطنات ويعزز نتنياهو قيام دولة فلسطينية. تقترح اسرائيل رسم حدود مع دول فلسطينية بحيث تكون معظم بيوت المستوطنين داخل اسرائيل مع منح الفلسطينيين اراضي في اماكن اخرى. ويقول زعماء فلسطينيون ان تبادل الاراضي ربما يكون ممكنا. ولكن القضية تكتسب حساسية خاصة عند التفاوض على الوضع المستقبلي للقدس.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يونيو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية