مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد عودة صالح إلى صنعاء: تباشير بحرب حاسمة.. أم بمغامرة يائسة في اليمن؟

الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صورة وزعتها الرئاسة اليمنية يوم 25 سبتمبر 2011 في صنعاء Keystone

تُـشير التطوّرات المتلاحقة التي تشهدها اليمن منذ عودة الرئيس صالح إلى بلاده من رحلته العلاجية إلى السعودية، إلى أن خيار الحرب هو الأرجح لديه.

وفي هذا السياق، فإن القمع المفرط والقتل للمحتجِّـين، بالتزامن مع عودته وما أسفر عنها من سقوط أزيد من 60 قتيلاً و200 جريح، بعث برسالة واضحة مفادها أن منطق القوة هو لغة صالح لِـما بعد عودته.

وقد أكّـد ذلك في خطابه عشية 26 سبتمبر، الذكرى التاسعة والأربعين لقيام الجمهورية في شمال اليمن، ثم عززه لاحقاً بحثِّـه لرجال الدِّين على إصدار فتوى ضد الخارجين عن الشرعية الدستورية، ربما لتوفير غطاء ديني  لحرب لا يبدو – حتى الآن – أنها محسومة ولا محسوبة النتائج.

سند ديني وشرعي.. ربما لخوض حرب

وعلى عكس توقّـعات المراقبين والمتابعين من أن عودته من الرياض، بعد رحلته العلاجية التي دامت أكثر من ثلاثة أشهر، ستعجل بإيجاد مخرج من الأوضاع الذي وصلت إليها البلاد، فاجأ علي عبدالله صالح الجميع بالعودة إلى مربع البداية، بدعوته إلى انتخابات رئاسية مبكّـرة، بدلاً من نقله للسلطة وبحثه عن سنَـد شرعي وديني من قِـبل جمعية علماء اليمن “رجال الدين”، التي كانت قد انقسمت في بداية الثورة الشبابية بين مؤيد ومعارض لتحريم التجمهرات والإحتجاجات الشعبية، الذي طالبها بفتوى بهذا الشأن حينذاك ولم تصدر، إلا أنه عاد هذه المرة مجدّداً طلبه رافضاً  نقل السلطة، وِفقا لما تنصّ عليه المبادرة الخليجية، وأكّـد بأن أي عملية انتقال للسلطة، لن تتم إلا عبر صناديق الاقتراع.

ودعا رجال الديِّن إلى “بيان حكم الله ورسوله في مَـن يرفض السِّـلم والحوار، ومَـن يُـصرّ على الخروج على الثوابت الوطنية والانقلاب على الشرعية الدستورية”، وِفق ما ورد في كلمته خلال لقائه بممثلين من أعضاء الجمعية، ما يعني أنه يسعى إلى الحصول على فتوى دينية تُـفوِّضه شنّ حرب على المنقلبين على الشرعية الدستورية، التي عاد ليشدد عليها مُحجماً عن تخليه عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، وفقاً للمبادرة الخليجية.

الحرب.. والسقوط.. والكلفة

وحول رؤيته للحرب الموعودة، قال الأستاذ عبدالسلام محمد، رئيس مركز “أبعاد” للدراسات والأبحاث في صنعاء لـ  swissinfo.ch: “الحرب طال أمدها أو قصر، ستؤدّي في نهاية المطاف إلى سقوط النظام، لكن بكلفة أكثر من سقوطه بالإستجابة لمطالب الثورة السلمية وطبقاً للمعطيات على أرض الواقع”، كما يرى أن الحرب “لن تكون خاطفة وحاسمة، بل ستكون طويلة الأمد وستؤدّي إلى استنزاف بقية قوات صالح واستنفاذ موارده المالية الشحيحة أصلاً، كما سيترتب عليها خسرانه للمعاونة الدبلوماسية، التي يحظى بها من الدول الإقليمية في المنطقة”.

ويذهب عبدالسلام إلى القول بأن “صالح لا يُـعوِّل على الحرب كحسم، وإنما كفوضى وكرهان على التناقضات المحتملة بين الأطراف المنضمة إلى الثورة، كالحراك الجنوبي والحوثيين والجيش والأحزاب والمستقلين والمنشقين عن الحزب الحاكم”، لكنه رئيس مركز “أبعاد” يرى أنه “رهان خاسر”، لأن جميع تلك المكوِّنات أصبحت في جبهة واحدة، ويضيف “لا أعتقد  أن أيا منهم يستطيع أن يقوم بأشياء تتناقض مع مطالب الثورة والثوار اليوم، لأن جميعهم تجرّعوا من مرارة كأس النظام على مدار عقود وسنوات طويلة وجميعهم خرجوا اليوم من أجل هدف واحد وهو التغيير”.

حرب محتملة.. طويلة.. ومرتفعة الكلفة

وعندما يستحضر المحللون المتابعون مشهد الحرب المحتملة، فإنها تبدو لهم من مقدِّماتها الأولى أنها ستكون حرباً طويلة الأمد وواسعة النطاق ومرتفعة الكلفة والأثار. فقد كشفت المعارك التي دارت وتدور منذ ما يزيد عن خمسة أشهر بين القوات الموالية لصالح والمؤيدة للثورة (في كل من العاصمة صنعاء وفي تعز وسط البلاد أو التي تدور مع تنظيم القاعدة ومتشددين دينيين من جهة وقوات الجيش من جهة أخرى)، عن أداء ضعيف للقوات النظامية الموالية لصالح أمام حرب العصابات الخاطفة وهجمات المليشيات القبلية، لم يتمكن خلالها الجيش النظامي من تحقيق أي تقدم، باستثناء دحْـره بعد مشقة، للمتشدِّدين الإسلاميين المعروفين بتسمية “أنصار الشريعة”، من السيطرة على مدينة “زنجبار”، جنوب البلاد، والذي لم يكن ليتحقق من غيْـر مساعدة الزّعماء القبَـليين المحليين، الذين قاتلوا إلى جانب الجيش وسقط منهم عشرات القتلى والجرحى جرّاء العمليات التي نفَّـذتها الجماعة ضد شيوخ قبائلهم  .

ومن هذا المدخل، يقدم المراقبون مزيدا من التفاصيل لرسم مشهَـد الحرب المحتملة، إذ يروْن أن الحروب، التي يدخل فيها المكوِّن القبَـلي  كطرف، تزداد حِـدةَ وتوسعة كلَّـما طال أمدها وكلّـما زاد عدد ضحاياها، لأن الرابطة الإجتماعية المهيْـمِـنة على العلاقات بين السكان في كثير من مناطق البلاد، هي رابطة النِّـسب القبلية والعشائرية والعائلية، ودائماً ما تتحفَّـز تلك الرابطة إلى الثأر والإنتقام للضحايا الذين يسقطون ولو في معارك ذات طابع أيديولوجي.

فهذه المعارك تحوّلت في كثير من الحروب التي عرفتها اليمن في النصف الثاني من القرن الماضي، سواء تلك التي دارت في شماله بين الجمهوريين وأنصار الملكية أو التي حصلت في المناطق الوسطى، وحتى في الحروب الدائرة حالياً في المناطق القبلية شمال العاصمة بين القوات الحكومية والسكان، إلى اصطفاف قبَـلي وعشائري تحت مسمَّـيات سياسية وأيديولوجية، كنتيجة لِـما يحصده الصِّـراع المسلح من ضحايا وما ينتج عنها من ثارات، عادةً ما تقلِّـص من فُـرص السلام في تلك الأوساط  التقليدية.

من دولة هشّـة إلى دولة فاشِـلة؟

التفصيل الأكثر خطورة في مشهد الحرب المحتملة وتداعياتها، كما يراها المتابعون، هو أن الماضي القريب انتعشَـت فيه المطالب الحقوقية والسياسية والقبَـلية والجهوية، جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، نتيجة لسوء العدالة في توزيع الثروة والسلطة وانتشار الفساد والمحسوبية وتجاهل حقوق وخصوصيات السكان المحليين أو التعالي عليها، وقد ترتّـب عليها تزايُـد الحركات الاحتجاجية السِّـلمية، كالحراك الجنوبي، وتطوّرت إلى مواجهات مسلّـحة في الشمال، كما حصل مع الحوثيين، فيما الجماعات السلفية والمتشدّدون الإسلاميون، لم يكفُّـوا عن تطلُّـعهم لدولة الخلافة الإسلامية، التي يقدِّمون أنفسهم كممثلين ومجسِّـدين للحلم بها.

كل هذه المحفِّـزات والدوافع التي تظل حاضرة ومطالبها ما تزال معلَّـقة، ستزداد انتعاشاً في حالة ما إذا اندلعت الحرب، ما قد ينقل اليمن من دولة هشّـة إلى دولة فاشِـلة، التي ما فتئ المجتمع الإقليمي والدولي يحذِّر منها، إلا أنه في الوقت ذاته، لا يعمل إلاّ القليل من أجل تجنّـب هذا المصير، الذي دخل اليمن فيه فِـعلياً مع فقدان نظام صالح، سيْـطرته على دولته الهشّـة وعلى شعبِـه المنتفِـض المطَّـلِـع للتغيير.

نحو مغامرة يائسة؟

وتعليقاً على المواقف الإقليمية والدولية، تجاهها سيناريو الحرب المحتملة، قال العقيد عبدالحكيم القحفة، المحلل العسكري والأمني لـ swissinfo.ch: “على الرغم من  كل أعمال القتل المروّعة التي نفّـذها النظام وأعمال العقاب الجماعي التي مارسها، يكافَـأ بتزويده بالمزيد من آلات القمع والقتل للمحتجين، ووارداته الأخيرة من تلك الوسائل ومن السلاح والنفط، حصل عليها إما كدعم عينْـي قدّمته السعودية أو بتمويل منها ومن دولة الإمارات العربية وسَـلطنة عُـمان. وإلى جانب هذا الدّعم الصريح، الذي أكدته أرتال الآليات والمدرّعات، التي اجتازت الحدود السعودية إلى اليمن منذ الأيام الأولى للثورة الشبابية وشحنات الذخائر القادمة عبْـر الموانِـئ البحرية خلال الفترة الأخيرة، ليس وحده، فهو يحظى بدعم مضمر أكده بوضوح لا لُـبس فيه، تعامل بلدان مجلس التعاون العربي مع المبادرة بتقديم نفسها أمام المجتمع الدولي كضامن للتسوية السياسية التي تقترحها، ثم اتضح بالإحالة الدائمة من قِـبل الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى تلك المبادرة، لكن دول المجلس في الوقت ذاته، أظهرت عدم جِـديَّـتها في الضغط على صالح من أجل توقيعها، في الوقت الذي مارست فيه ضغوطاً قوية على المعارضة لمنعِـها من تشكيل المجلس الوطني وتهديدها بعدم الاعتراف به”، وفقاً لِـما أورده القيادي المعارض يحيى أبو أصبع .

وإذا كان الموقف الخليجي مفهوماً، حسب القحفة، فإن سكوت المجتمع الدولي، لاسيما الدول الكبرى “الداعمة للديمقراطية” تجاه الجرائم المرتَـكَـبة من قِـبل النظام، قد شجّـعه على التحضير للحرب، ما يبعث على الأسى والحُـزن وسط المحتجِّـين، لأنه طمأن صالح وبقايا نظامه، بأن الصمت الدولي، بمثابة موافقة من دوله على حجْـز القضية اليمنية للتّـداول من قِـبل دول الخليج، لكن من دون تحديد موعد للبت فيها، وهذا الأمر شجّـع النظام ويشجعه على المزيد من العُـنف، الذي قد يصل إلى تفجير حرب شاملة لا يتحمّـلها بلد بوضع اليمن وإمكاناته المحدودة أصلاً .

الخلاصة، أن اليمن الذي ظل يراوح خطاه بين شفير الحرب والتسوية السلمية، أصبح بعد عودة صالح أقرب إلى مشهد حرب طويلة الأمد وواسعة النطاق، لا يبدو أنها ستكون مجرّد نزهة عابِـرة، وإنما سيناريو مليء بالتفاصيل الغائِـبة عن جميع الأطراف الداخلية، ما يجعل منها مغامرة يائِـسة أكثر منها حرب حاسمة، لأنها ستقود البلاد إلى المجهول الذي لا يبدو أنه حاضر في وعْـيِ مَـن يبشِّـر بها   .

صنعاء (رويترز) – قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مقابلة مع صحيفة أمريكية نشرت يوم الجمعة 30 سبتمبر 2011 إنه لن يتنحى الا اذا لم يتقلد خصومه مناصب هامة وقد يعقد هذا الموقف من اتفاق تعثر كثيرا لنقل السلطة في البلاد.

وقال صالح لواشنطن بوست “اذا نقلنا السلطة وكانوا هناك (في السلطة) فهذا يعني اننا استسلمنا لانقلاب.”

وتشبث صالح بالسلطة رغم احتجاجات بدأت قبل ثمانية أشهر تطالب بانهاء حكمه المستمر منذ 33 عاما ورغم محاولة فاشلة لاغتياله في يونيو الماضي مما استدعى نقله الى السعودية للعلاج بعد اصابته بحروق خطيرة.

وأوقفت عودة صالح المفاجئة لليمن الاسبوع الماضي المفاوضات حول خطة لنقل السلطة توسطت فيها دول خليجية وظهرت مجددا على السطح رغم أعمال عنف استمرت لايام في صنعاء.

وقتل أكثر من مئة شخص في أعمال عنف هزت صنعاء لاسبوعين. واشتبكت القوات الحكومية مع قوات اللواء علي محسن وأنصار الزعيم القبلي صادق الاحمر اللذين انضما الى صفوف المعارضة.

ويريد صالح أن يحرم محسن الذي كان انشقاقه في مارس الماضي ضربة قوية لنظامه والاحمر وشقيقه حميد الاحمر من تولي مناصب مهمة. وقد يكون هذا الامر صعبا لان حميد الاحمر عبر عن تطلعه للرئاسه كما يقود محسن قوة كبيرة في شتى أنحاء اليمن.

ويبحث دبلوماسيون خطة تبعد فيها عائلة صالح ومحسن والاحمر عن المشهد بل وربما يغادرون البلاد. وعبر محسن عن موافقته.

وقال صالح ان حزبه لا يسعى لابطاء الاتفاق وألقى اللوم على المعارضة في التأخير. وأضاف أنه لن يخوض انتخابات مبكرة تضمنتها خطة الانتقال الخليجية.

وقال صالح في المقابلة “بالنسبة لي سأتقاعد بما أن المعارضة ساعدت على تقريب الرئيس من التقاعد من خلال العمل الاجرامي الذي وقع في مسجد قصر الرئاسة.”

وأشار صالح الى ان أفرادا من قبيلتي محسن والاحمر يمكن أن يكونوا ضالعين في التفجير الذي تعرض له وأدى الى اصابته بحروق خطيرة وقال انهم قد يمثلون للمحاكمة بعد ظهور نتائج تحقيق تجريه الولايات المتحدة في الهجوم.

وحث صالح الذي أحجم عن التوقيع على المبادرة الخليجية ثلاث مرات المجتمع الدولي على التحلي بمزيد من الصبر الى حين التوصل لاتفاق وأشار الى أن غيابه عن المشهد سيزيد من قوة الاحزاب الاسلامية والجناح الاقليمي لتنظيم القاعدة ومقره اليمن.

وتخشى القوى الاجنبية من تنامي الاضطرابات في البلد المجاور للسعودية حيث توجد أكبر احتياطيات للنفط في العالم. وسيطر متشددون اسلاميون على عدة مدن في محافظة يمنية تقع شرقي ممر شحن رئيسي.

وقال صالح “لكن ما نراه هو أننا نتعرض لضغوط من أمريكا والمجتمع الدولي للاسراع في عملية تسليم السلطة .. ونحن نعلم الى أين ستذهب السلطة. ستذهب الى القاعدة التي تربطها صلات مباشرة وكاملة بالاخوان المسلمين.”

وتتهم جماعات المعارضة صالح بالسماح بزيادة قوة المتشددين لاثارة مخاوف الغرب واقناعه بأنه أفضل دفاع ضد القاعدة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 سبتمبر 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية