مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تأثيرات حادث فوكوشيما على السياسة السويسرية

الخُـضر الليبراليون في لوتسرن يحتفلون بتقدمهم في الانتخابات بالدويلة Keystone

بعد شهر بالتحديد من الهزة الأرضية ثم المد البحري "تسونامي" والكارثة النووية في اليابان، يلاحظ أن تداعيات "حادث فوكوشيما" أثّـرت بشكل مُـعتدل على اهتمامات الأحزاب السياسية بسويسرا، إذ يرى جورج لوتس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لوزان، بأن هذا الحادث سيؤثِّـر لا محالة على حملة الانتخابات الفدرالية التي ستجرى في شهر أكتوبر القادم.

فقد طلبت الحكومة السويسرية في أعقاب حادث فوكوشيما، إعداد تقرير عن أوضاع  الأمن والسلامة في المحطات النووية المتواجدة في سويسرا، كما أقدمت على تجميد الإجراءات المتعلِّـقة ببناء محطات جديدة في البلد.

وتأمل الحكومة في إعادة تقييم الأوضاع منذ الآن وحتى شهر يناير، في الوقت الذي يستعد فيه البرلمان الفدرالي لمناقشة الموضوع في دورته الصيفية.

وعلى مستوى العمليات الانتخابية التي عرفتها عدة أقاليم، أظهرت النتائج في أربعة مواعيد انتخابية أن الخُـضر الليبراليين كانوا من بين المستفيدين في تلك الانتخابات.

ويملك حزب الخضر الليبرالي في الوقت الحالي خمسة مقاعد في البرلمان الفدرالي. ومن المتوقع أن يحصل على نتيجة جيدة في انتخابات شهر أكتوبر القادم، وربما على حساب الأحزاب التقليدية لتيار وسط اليمين، وعلى حساب الراديكاليين والديمقراطيين المسيحيين.

فيما يلي الحوار الذي أجرته swissinfo.ch مع أستاذ العلوم السياسية بجامعة لوزان جورج لوتس.

swissinfo.ch: ما هي تأثيرات الحادث النووي في اليابان على مواقف الأحزاب السياسية السويسرية؟

جورج لوتس: هناك تبايُـن في تأثيرات ذلك على الأحزاب. فحزب الخُـضر التقليدي، لم يحقِّـق مكاسب كُـبرى من ذلك، على عكس ما حقّـقه حزب الخضر الليبراليين في عدة كانتونات. وبعبارة أخرى، يُـمكن القول أن التحوّلات لم تذهب عموما في اتجاه أحزاب  اليسار، بل في اتجاه أحزاب الوسط.

يضاف إلى ذلك، أن نسبة المشاركة في عمليات التصويت على مستوى الدويلات التي تمّـت في الآونة الأخيرة، كانت دون المتوسط، وهذا ليس أمر غير اعتيادي، نظرا لأن المواطنين لا يبدون حماسة كبرى أثناء الانتخابات البرلمانية في الكانتونات، وذلك لإدراكهم بأن تأثيرات تلك الانتخابات على الأجندة السياسية للبلد ليست في مستوى ما يتِـم في بلدان أخرى.

كما أن الناخبين يُـدركون جيدا أن لديهم فُـرصة أخرى لإبداء كلِـمتهم الأخيرة، عندما يحين الوقت، وذلك أثناء تنظيم انتخابات منفصلة. ولكن العامل الفاصل عموما في هذه الانتخابات، يعود إلى عناصر إقليمية أكثر من كونه متأثرا بحوادث مثل حادث فوكوشيما.

ما هو الحزب الذي كانت ردة فعله أكثر إقناعا في مواجهة الحادث النووي في فوكوشيما؟

جورج لوتس: لقد أبدى الخُـضر والاشتراكيون مواقف أكثر انسجاما، وكانوا يطالبون منذ سنوات بالتخلِّـي عن الاستخدام النووي، وهُـم اليوم يشدِّدون على ذلك بالطبع.

أما أحزاب وسط اليمين فيُـعانون من صعوبات كبرى، نظرا لأنهم كانوا حتى عهد قريب من مُـناصري بناء محطات نووية جديدة. واليوم، فإنهم يجدون سياستهم في مجال الطاقة في حالة انهيار تام، وعليهم مراجعتها كلية. والنتيجة هي ظهورهم بمواقف تفتقر لقوة الإقناع.

لقد برز تيار الخُـضر الليبراليين أثناء الانتخابات الأخيرة. ما السبب في تحقيقهم لنتائج أفضل بكثير ممن كانوا رُواد محاربة الاستخدام النووي، أي حزب الخضر والحزب الاشتراكي؟

جورج لوتس: تعمل الانتخابات المتعلِّـقة بمواضيع حماية البيئة عموما، على تحقيق فوز لأنصار التيارات اليسارية والخُـضر والحزب الاشتراكي.

ولكن الأحزاب القديمة لتيار وسط اليمين، مثل الديمقراطيين المسيحيين أو الراديكاليين، تجاهلت عن قصد الانشغالات التي عبَّـرا عنها مناهضو الاستخدام النووي. لذلك، لجأ أتباعها للتصويت لصالح البديل المتاح، أي لصالح الخُـضر الليبراليين.

هل ستدفع هذه الأحزاب الخاسرة اليوم ثمن ارتباطها مع أوساط الطاقة النووية؟

جورج لوتس: قد يكون في ذلك ردّ مبسّـط، لأنه لا توجد دلائل بيِّـنة ولأن المشكلة أكثر عُـمقا. فقد كانت هذه الأحزاب تحتفِـظ بانتصاراتها بين مناصريها التقليديين ولم تعمل على كسب أنصار جُـدد، بسبب افتقار رسائلها للوضوح الكافي وقوة الإقناع حتى بالنسبة لقاعدتها.

يضاف إلى ذلك، أنه في حالة تحالُـف الحزب الليبرالي والراديكالي، نلاحظ انتهاج هذا الحزب لتحوّل جذري لصالح الطاقة النووية منذ حوالي عشر سنوات. أما مشكلته الكبرى اليوم، فتتمثل في اتجاه الأنظار إليه على أنه اللّـوبي أو جماعة الضغط التي تخدم مصالح كل الفئات الاقتصادية، من بنوك وصناعة أدوية وقطاعات الطاقة.

ولماذا لم يفقد حزب الشعب (يمين شعبوي) أية أصوات أثناء الانتخابات في الدويلات مؤخرا، على الرغم من كونه يرفض اعتبار أن حادث فوكوشيما قد تكون له أية تأثيرات، حتى رمزية؟

جورج لوتس: ربما لأن أتباعه مهتمّـون بالدرجة الأولى بمواضيع الهجرة واللجوء والترابط بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، وهذه هي المواضيع الرئيسية في برنامج هذا الحزب، التي سيستمِـر في استغلالها في حملاته الانتخابية.

بأي شكل من الأشكال سيعمل حادث فوكوشيما على التأثير في الانتخابات البرلمانية في سويسرا في شهر أكتوبر القادم؟

جورج لوتس: لقد أثّـر هذا الحادث النووي بشكل كبير في تغيير ديناميكية الحياة السياسية. فما كان سيركز أساسا على مواضيع الأجانب والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، سيتحوّل إلى اهتمام أكبر بمواضيع لها علاقة بالطاقة النووية وبالسياسة في مجال الطاقة.

وبالإمكان أن يفقِـد موضوع الطاقة النووية من حدّته من الآن وإلى الخريف القادم، ولكن ليس إلى حد الاختفاء كلية من الأجندة السياسية، نظرا لعُـمق تأثيرات الكارثة اليابانية.

هل بالإمكان أن تخرج التيارات المناهضة للطاقة النووية كأكبر فائز في النقاش السياسي الدائر حاليا في سويسرا؟

جورج لوتس: بالإمكان أن تعرف هذه الحركات تعزيزا لنشاطاتها، خصوصا إذا ما مارست شركات الكهرباء ضغوطا من أجل العودة إلى خطاباتها التقليدية المروِّجة للطاقة النووية على أنها مصادر طاقة ممكنة ومعقولة ورخيصة التكلفة.

وبالإمكان أن يعرف الوضع تصعيدا إذا ما عادت أحزاب وسط اليمين والأحزاب اليمينية إلى مواقفها السابقة المتعلِّـقة بالطاقة النووية وحاولت تلجيم النقاش بهذا الخصوص.

الخُـضر: أطلقوا مبادرة شعبية تطالب بالخروج من استعمال الطاقة النووية.

الخُـضر الليبراليون: ينكبّـون على التحضير لإدخال ضريبة تُـفرض على مصادر الطاقة غير المتجدّدة.

الاشتراكيون: يقومون بحملات من أجل مصادر طاقة محافِـظة على البيئة

الديمقراطيون المسيحيون: نادوا بمراجعة لسياسة الطاقة ويناصرون التخلي عن مشاريع بناء محطات نووية جديدة.

حصل الخُـضر الليبراليون (المنحدرون من انقسام لحزب الخُـضر) على حوالي 5،9% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة التي عرفتها كانتونات زيورخ ولوتسرن وبازل الريف.

في التيتشينو، حيث لا يوجد فرع للخُـضر الليبراليين، حصل الخُـضر على 7،5% من الأصوات، في الوقت الذي لم تعرف فيه فروع الخُـضر والاشتراكيين في باقي الكانتونات أي تحوّل أو القليل منه.

خسر الراديكاليون والديمقراطيون المسيحيون على التوالي 7،5% و6% في الانتخابات.

حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) سجّـل زيادة بما بين 0،9% و3،2%.

(ترجمه من الإنجليزية وعالجه محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية