مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ترحيب بالتعديل الحكومي الثاني في تونس لكن التجاذبات السياسية مستمرة

محامون تونسيون بزيهم المهني يتظاهرون أمام مقر الحكومة بالقصبة يوم الخميس 27 يناير 2011 مطالبين بطرد الوزراء الذين تعاونوا مع نظام الرئيس المخلوع بن علي من صفوف الحكومة المؤقتة Keystone

بعد مفاوضات شاقة استمرت أياما طويلة توصل الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي إلى إجراء تعديل واسع على حكومته شمل 12 وزيرا، بما في ذلك وزارات السيادة. وهو ما مكنه من الخروج من عنق الزجاجة، بعد أن واجه معارضة شديدة وشرسة طيلة الأسبوع الماضي، بسبب وجود عدد من وجوه المرحلة الماضية. وإن كان هذا التعديل قد أثار ارتياح قطاع واسع من النخبة ومن الرأي العام، إلا أن بعض الأطراف كانت ولا تزال تدعو إلى رحيله وإسقاط الحكومة برمتها.

يمكن القول بأن الضغط الذي مارسه الشارع، ودعمته أطراف سياسية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني، قد أتى أكله. فالتعديلات التي أدخلها الغنوشي على الحكومة كانت بمثابة العملية الجراحية الصعبة، وحققت أربعة أهداف.

أهداف تحققت

يتمثل الهدف الأول في الاستجابة لمطالب الذين هاجموا الحكومة منذ لحظة الإعلان عنها. لقد تمت التضحية بجميع وزارات السيادة التي تم استبعادها في البداية عندما انطلقت المشاورات مع عدد من أحزاب المعارضة. ورغم الحرص الذي أبداه الوزير الأول للمحافظة على وزير الخارجية السابق كمال مرجان الذي تربطه حسب بعض المصادر علاقة وطيدة بالجنرال عمار، إلا أنه اختار بعد جهود مضنية أن يستقيل دعما للغنوشي ، وحرصا منه على ” مصلحة البلاد ” على حد تعبيره. وتعتبر هذه المرة الأولى التي تتولى فيها شخصيات مستقلة وزارات حساسة مثل الداخلية والدفاع. كما أوكلت الخارجية للدبلوماسي المخضرم أحمد ونيس ، الذي عملت الأجهزة الأمنية في المرحلة السابقة على مضايقته والنيل منه بسبب اعتراضه على سياسات الرئيس المخلوع.

التحوير الوزاري أدى أيضا إلى استقالة السيد منصر الرويسي من منصب وزارة الشؤون الاجتماعية، وذلك بعد أن استهدفته معظم مكونات ساحة المعارضة. وبالرغم من أنه لم يكن محسوبا على أسرة الطرابلسي التي عاثت في الأرض فسادا، إلا أن المعترضين على وجوده ضمن التشكيلة الحكومية السابقة يعتبرونه أحد رموز المرحلة الماضية. أما السيد محمد الناصر الذي عوضه في نفس الوزارة، قد سبق له أن تحمل ذات الحقيبة في عهد الرئيس بورقيبة، إلى جانب قربه من الدوائر النقابية. وقد عرف باستقامته وكفاءته.

ومن السهل على المراقب لهذه التشكيلة الجديدة إستنتاج غلبة الصبغة التكنوقراطية على مجمل أعضاء الحكومة، الذين تمت تنقيتهم بدقة حتى لا يتهمون بكونهم من وزراء بن علي، أو من ذوي الولاء إلى الحزب الحاكم سابقا. وبذلك تمت الاستجابة إلى من طالبوا بأن تكون الحكومة الانتقالية حكومة ” تصريف أعمال ” وليست حكومة سياسية.

ويلاحظ من خلال التطوّرات التي شهدتها الساحة التونسية كذلك حرص الغنوشي شخصيا على أن تنال حكومته دعم الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي شن خلال الأيام الماضية حملة قوية كادت أن تطيح بالحكومة، وتفتح المجال أمام احتمالات لا تعرف نتائجها ولا تداعياتها. وإذ تعرض الاتحاد لانتقادات من قبل جزء من الأوساط السياسية بسبب التحول المفاجئ في علاقته بالسلطة وبالحكومة، إلا أنه فرض نفسه كشريك فاعل وقوي لتأمين هذه المرحلة الانتقالية.

“مجلس حماية الثورة”

من المؤكد أن هذه الحكومة لن تحظى بتأييد كل من طالبوا بإسقاطها بحجة وجود محمد الغنوشي على رأسها، لكنها تعتبر خطوة في اتجاه ضمان عودة تدريجية للحياة الطبيعية، ونجحت في تقليص حجم المعارضين لها، وجعلت شقا منهم يعتبر بأن الهدف من الحملة الشعبية قد تحقق، وأن مصلحة البلاد اليوم تقتضي العودة إلى الهدوء، مع ملازمة الحذر.

وبشكل موازي، تستمر المشاورات بين أغلب الأحزاب والتيارات السياسية، إلى جانب عدد من منظمات المجتمع المدني المستقلة والتي ناهضت النظام السابق، وذلك من أجل بعث هيكل قد يحمل اسم ” مجلس حماية الثورة “. وهو محاولة لتجسيد المبادرة التي أطلقتها شخصيات سياسية سبق لها أن شاركت في أشغال المجلس القومي التأسيسي عام 1956 الذي قام بصياغة الدستور التونسي، يتزعمها الوجه اللبرالي المعروف أحمد المستيري ( 86 عاما ) الذي انشق عن الحزب الحاكم في عهد الرئيس بورقيبة، وأسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، قبل أن ينسحب من الحياة السياسية في مطلع التسعينات عندما يئس من إمكانية التعامل مع بن علي.

لقد تبنت كل من هيئة المحامين وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المبادرة، وقررتا احتضانها، وفتحها على جميع من عارض النظام السابق، بقطع النظر عن الحجم الحقيقي لهذه الأطراف وتمثيليتها. وقد بلغ عدد الذين شاركوا في الاجتماع الأول 19 تنظيما، بما في ذلك حزب البعث بشقيه العراق وسوريا. وذلك إلى جانب حركات وازنة مثل حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمي المشارك في الحكومة، والذي أكد ممثله بأن الحزب مع كل إنجاح أي مبادرة يمكنها أن تدعم أهداف الثورة، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع دعم العمل المؤسساتي.

 أما حركة التجديد المشاركة بدورها في حكومة تصريف الأعمال فقد رفضت الانخراط في هذه المبادرة بحجة ” تجنب كل تمش يسعى إلى تقويض الآليات التي تم تركيزها (الهيئة الوطنية للإصلاح السياسي، ولجنتا تقصي الحقائق في التجاوزات وملف الفساد والرشوة والحكومة المؤقتة…) “. ولم تكتف بذلك، بل دعت إلى ” اليقظة إزاء المبادرات التي من شأنها أن تشوش على آليات الانتقال الديمقراطي وتخلق بلبلة في الرأي العام، من قبيل مشروع تأسيس مجلس حماية الثورة “.

إستمرار التجاذبات السياسية

هذا ويفترض أن يتواصل النقاش بين مختلف هذه الأطراف لتحديد طبيعة هذا الهيكل، الذي ينوي أصحابه دعوة رئيس الجمهورية المؤقت إلى إصدار منشور رئاسي لإضفاء الصبغة القانونية على هذا المجلس، والذي سيعمل على بلورة مشروع دستور جديد، وإعداد حزمة من القوانين الخاصة بالإصلاح السياسي. وهو ما اعتبرته لجنة الإصلاح السياسي التي شكلتها الحكومة، ووضعت على رأسها شخصية حقوقية تحظى بالاحترام ( د عياض بن عاشور ) استنساخا لنفس المهام التي ستقوم بها. كما لا يعرف إن كان هذا المجلس سيكتفي بإصدار مشاريع يتم عرضها على الرئيس المؤقت ومجلس النواب، أم أنه سيرى في نفسه سلطة تشريعية ملزمة للحكومة بعد أن يطالب بحل البرلمان بحجة أنه غير شرعي، ويسيطر عليه أنصار الحزب الحاكم سابقا.

هكذا يتبين، أن تمرير الحكومة، يمثل خطوة هامة في اتجاه المحافظة على الطابع المؤسساتي والالتزام بالدستور، لكن بقية المشوار نحو تنظيم انتخابات رئاسية أو تشريعية أو لبعث مجلس تأسيس لا يزال غامضا. بل يمكن القول بأن تونس ستشهد خلال الأسابيع والأشهر القادمة جدلا واسعا حول مقومات النظام السياسي البديل.

استبعدت حكومة تونس أنصار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في خطوة حظيت بدعم الاتحاد العام التونسي للشغل وقد تساعد على نزع فتيل احتجاجات ألهمت شعوبا في منطقة الشرق الاوسط.

وقال رئيس الوزراء محمد الغنوشي الذي كان يشغل نفس المنصب في عهد بن علي انه سيجري استبعاد 12 وزيرا من أعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم السابق ومن بينهم وزراء الداخلية والدفاع والخارجية.

وذكر الغنوشي في كلمة أن حكومته مؤقتة وانتقالية وأنها ستبقى حتى تكمل مهمتها في مرحلة الانتقال الى الديمقراطية.

وأجبرت احتجاجات عنيفة على الفساد والقمع والفقر رئيس تونس على الفرار الى السعودية يوم 14 يناير كانون الثاني بعد حكم استمر 23 عاما.

لكن غضب التونسيين استمر لبقاء أنصار للرئيس السابق في حكومة انتقالية يرأسها الغنوشي.

وبعد كلمة الغنوشي التي نقلها التلفزيون ردد محتجون بالشوارع “الشعب يريد اسقاط الحكومة” واعتصموا أمام مكتبه مطالبينه بالاستقالة.

وقال محمد فاضل أحد المشاركين في الاحتجاجات “نحن نرفض الغنوشي تماما واندهشنا لرؤيته يعلن الحكومة… هو لم يحارب الفساد أيام بن علي ولذلك فهو شريك في الجريمة.”

لكن استبعاد أنصار بن علي يزيد من شرعية الحكومة الانتقالية التي كافحت لفرض النظام بعد فرار بن علي.

واحتشد الالاف في وقت سابق يوم الخميس في شارع بورقيبة الرئيسي في العاصمة تونس مطالبين باستقالة الحكومة.

واجتاز المحتجون صفوف الشرطة التي أحاطت بمكتب الغنوشي حيث تعهد مئات المتظاهرين بالاعتصام لحين استقالة الحكومة.

وقال الغنوشي إن من سيحلون محل الوزراء المستبعدين في الحكومة أشخاص يتمتعون بالكفاءة والخبرة.

ووعد بأن تقود الحكومة الجديدة التي تم الاتفاق عليها بعد محادثات مع كل الاحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني البلاد الى أن يتم اجراء أول انتخابات حرة.

وقال مصدر في الاتحاد العام التونسي للشغل لرويترز ان الاتحاد لن ينضم الى الحكومة لكنه سينظر في التعديل الجديد.

وألهمت الاحتجاجات في تونس عربا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا حيث يعاني الناس في العديد من دول المنطقة من نفس مستويات المعيشة المتدنية والحكم الشمولي.

وقالت وكالة الانباء التونسية الرسمية ان الحكومة المؤقتة بدأت في تعويض أسر القتلى والجرحى الذين سقطوا في الاحتجاجات. 

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 يناير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية