مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعقيدات “الخروج من أفغانستان”

Keystone

حُسم الأمر أو هكذا بدا. فخلال الفترة القصيرة الماضية، تردّدت عبارة "الخروج من أفغانستان" في أكثر من 38 عاصمة عبْـر العالم، تُـشارك دولها بقوّات في العملية العسكرية واسعة النِّـطاق التي تجري هناك، منذ أن دخلتها القوات الأمريكية عام 2001. لكن لم يبدُ في أي حالة، أن أيّـا منها تتعامل مع هذا الخيار أو بصورة أدقّ "اللاخِـيار" ببساطة، بدرجة تدعو إلى التساؤُل، عمّـا إذا كان الأمر قد حُـسِـم بالفعل!

إن التصريحات الرسمية الألمانية، على سبيل المثال، تكتسِـب أهمية خاصة في فهم ما يجري، فألمانيا واحدة من الدول التي تواجه ضغوطا داخلية عاتِـية لسحْـب قوّاتِـها من أفغانستان بفعل اعتبارات كثيرة، تاريخية وسياسية، لكن لم يبدُ أبدا أنها تتعامل مع المسألة وكأنها تريد التخلّـص من مأزق خارجي لاعتبارات داخلية. فقد قرّرت الخروج، مثل الآخرين، لكن ليس بدون إتْـمام ترتيبات لا تجعل منه هرُوبا أو كارثة.

إن الأساطير القديمة قد عادت إلى الظهور. فالتاريخ يُـشير إلى أن أي قوة لم تتمكّـن من غزْو أفغانستان دون ثمن كبير، كما أن تلك القوى لم تتمكّـن من البقاء لفترة طويلة، لكن التاريخ لم يعُـد الحاكِـم بأمره في العالم. فما يتحكّـم فى تحرّكات الدول حاليا هو “الأمن”، خاصة بالنِّـسبة لأفغانستان، لِـذا، تحاول الحكومات أن تتفاعَـل مع الرأي العام الذي يرغب في تجاوز ما جرى في 11 سبتمبر 2001، مع ترتيب الأمور بطريقة تمنَـع عودة الأفغان العرب أو الأفغان الطالبانيين إلى شواطِـئها مرّة أخرى.

عقدة أفغانستان

إن التّـحليلات العسكرية لِـما يدور في أفغانستان أو لحدود ما يمكن أن يتحقّـق عمليا فيها وتأثيراتها المتصوّرة على التوجّـهات الخاصة بالخروج منها، تبدو مُـغرية للغاية، لكن المشكلة دائما هي ما بدا من أن كلّ الدول التي ذهبت إلى هناك، كانت تعتقِـد أن أفغانستان تُـعتبر هدفا مشروعا، بخلاف حالة العراق التي أثارت ضجّـة، حتى بين الحُـلفاء، واستقرّ الوضع على أنها كانت “حربا مِـن خطأ”.

لقد كانت مُـعظم الأطراف على استِـعداد، من حيث المبدإ، لاحتمال دفع ثمن إرسال قوات وخوض حرب في أفغانستان، وكان الرأي العام ذاته على استعداد لتفهّـم تلك التوجّـهات، لكن كما هي العادة، فإن الرأي العام يحوِّل توجّـهاته بصورة غيْـر متوقّـعة، إذا طالت العملية أكثر ممّـا يجب أو إذا لم يتمكّـن من تحمل مشاهدة صور القتلى المتتالية أو إذا اقتنع أن خيار استمرار الحرب لن يؤدّي إلى نتيجة، وقد حدَث ذلك فعلا.

إن مُـعظم التقديرات المُـنضبطة، التي تتعلّـق بحالة أفغانستان، تُـشير إلى أنها لن تتحوّل إلى فيتنام أخرى. فالظروف قد تغيّـرت، رغم أن الجِـبال تُـشبه الغابات، ولا يوحي أعداد القتلى حتى الآن، في ظل الطريقة الحذِرة التي تُـدار بها خُـطط انتشار القوات الأطلسية في أراضي الدولة أو عملياتها الفِـعلية فى كافة الأنحاء، بأنه ستكون هناك فيتنام أخرى وشِـيكة، فهناك بعض الوقت الذي لا زال متاحا.

كما أن المؤسسات العسكرية للدول المشاركة في العملية، لا تعتقد أنه يُـمكن التفكير في مغادرة أفغانستان ببساطة، مثلما تمّ التفكير في ترك العراق، رغم أنها ستعتمد في النهاية على نفس التوجّـهات التي تمّ اعتِـمادها في حالة العراق، وهي إرهاق القوى المُـناوئة عسكريا، وتشكيل قوّة داخلية كافية لمُـواجهتها، كشروط لتأمين نوْع من الخروج الآمن، الذي لا يخلِّـف وراءه بالضّـرورة وضْـعا مستقِـرا، لكن على الأقل وضعا لا يطرح احتمالات لا يُـمكن السيطرة عليها أو يضطرّها للتّـفكير في العودة مرة أخرى فيما بعد.

عُـقدة البقاء

النتيجة الأساسية لما سبق، هي أنه لن يتِـم السّـماح بحدوث فيتنام أخرى بكل الطرق، وأولها زيادة القوات، كما لا يُـمكن التفكير في أفغانستان “المشروعة”، وكأنها العراق “الخطأ”، وينطبِـق هذا على الدول التي حدّدت موعِـدا ثابتا للخُـروج من أفغانستان، مثل هولندا وكندا، التي تحدّث مسؤولوها عن عامي 2010 أو 2011، كحدود زمَـنية نهائية للبقاء فى أفغانستان، فستتمكّـن وقتها من إيجاد طريقة للتخلّـص من تلك التعهُّـدات.

إن القناعة السائدة حاليا لدى مُـعظم أطراف التحالُـف الدولية المُـتواجدة في أفغانستان، هي أن التفكير في أن الحرب سوف تؤدي إلى حسم الموقف وتحقيق انتصار ما، لم تعُـد قائمة، وأن سيناريو البقاء واستمرار التّـصعيد العسكرى ليس مضمون النتائج أو العواقِـب وأن زيادة أعداد القوات لا تهدف إلى تدعيم فُـرص الحل العسكري، بقدر ما تهدف إلى إيجاد أوضاع أفضل للخروج. فالتطور الرئيسي هو أن فِـكرة الحرب حتى النهاية قد انتَـهت. فهناك 430 شخصا لكل جندي أجنبي، في حين يتطلّـب الأمر جنديا لكل 20 شخصا لضمان الاستقرار.

لكن الخروج بدون ترتيب الأوضاع داخِـل الدولة، لا يمثل هو الآخر سيناريو محتمَـلا، فعلى الرّغم من أن استطلاعات الرأي العام داخل مُـعظم الدول التي تشارك بقوات في أفغانستان، تؤيِّـد بنِـسب مُـطلقة فكرة الانسحاب السريع، لا يبدو أن الدول التي تشارك بقوات رئيسية هناك على استعداد للتفكير بتلك الصورة، فهناك شروط يتِـم الحديث عنها لإنهاء المهمّـة، ولا يبدو أن تلك الشروط يُـمكن أن تكون مَـرِنة، خاصة بالنِّـسبة للدول الرئيسية.

عقدة الخروج

وكما أن البقاء يمثِّـل مشكلة، لأن فكرة الاحتلال غير مقبولة والرأي العام الداخلي لا يريد ذلك، وأخطاء استِـهداف المدنيين تتوالى، ويؤدّي البقاء إلى تدعِـيم طالبان، وليس إضعافها، كما أن الوجود الدولي لا يفيد في إرساء شرعية حقيقة لحكومة كابُـل، التي أرهقت حلفاءها، فإن الخروج يمثِّـل مشكلة أيضا.

إن تنفيذ قرار الخروج من أفغانستان، يرتبِـط – من وجهة نظر الدول الرئيسية التى ستكون آخر المُـنسحبين – بشروط خاصة، تشمل بناء قوة عسكرية وأمنية داخلية يُـمكن أن تتمكّـن من السّـيطرة على الدولة، ولو بشكل غير كامل، إضافة إلى تأهيل البِـنية الأساسية بدرجة تمنع تحوّل السكّـان مرّة أخرى في اتِّـجاهات طالبانية، مع إمكانية عقْـد صفقة مع الأجنحة المُـعتدلة في طالبان، تمكِّـنها (على أقصى تقدير) من أن تمثل معارضة للنِّـظام القائم، وليس تهديدا له.

بالطبع، فإن الإنسحاب لن يحدُث أيضا إلا إذا تم التمكّـن من وجود حكومة قادِرة على الصمود بالقوة أو الشرعية أو الصَّـفقات، وإبعاد التأثيرات الباكستانية عن الحالة الأفغانية وقدر من التنمية التي ستكون شِـبه مُـستحيلة في ظل ضغوط موارِد القوات الدولية وإغراءات إقتصاد المخدِّرات البديل.

ماذا سيجري؟

إن ما سيجري أصبح واضحا، فلن يتكرّر النموذج الياباني أو النموذج الألماني في حالة أفغانستان، أي لن يكون هناك بقاء طويل يتم من خلاله إعادة بناء دولة مختلفة، فنِـظام كابُـل ليس قويا، وطالبان لم تنته ولا توجد موارد كافية لبناء دولة أخرى، وكل الدول تريد الخروج، إذا لم يكن البديل هو الانهِـيار الكامل للدولة.

وبعيدا عن اللّـغط القائم في كل العواصم، فإن الأمر سوف يُـحسم في النهاية في الولايات المتحدة (62 إلف جندي)، التي تفكِّـر في زيادة قواتها وليس سحْـبها، وفي مقرّات الناتو (35 ألف جندي)، الذي رفض تحديد موعد لسحب قوات المساندة هناك، رغم أن بعض دوله قد فعل. فالقِـوى الرئيسية هي التي ستحدِّد الاتِّـجاهات الرئيسية، التي لا يبدو أنها قد تحدّدت تماما بعدُ.

وفي النهاية، فإنه لا يجب أن تتِـم فقط ملاحظة أن الدول المشاركة في عملية أفغانستان، تتحدّث لأول مرّة بوضوح عن الخروج، لكن يجب ملاحظة أن معظمها يتحدّث عن إتمام ذلك في فترة تقع بين 3 إلى 5 سنوات، بل أن الناتو وواشنطن لم تحدِّدان موعِـدا لذلك وأنها جميعا تقريبا تتحدّث عن شروط للخُـروج منها، فلم تُـحسم مسألة الخروج في حقيقة الأمر.

د. محمد عبد السلام – القاهرة – swissinfo.ch

واشنطن (رويترز) – قال الجنرال راي اوديرنو، قائد القوات الامريكية في العراق يوم الاربعاء 30 سبتمبر، ان انسحاب القوات هناك يمكن الاسراع به حسب الاحوال على الارض، وهو ما يمكن ان يسهل حشد قوات امريكية في افغانستان. وأشار الجنرال اوديرنو الى خطط لسحب حوالي 4000 جندي من العراق بحلول نهاية اكتوبر، كدليل على المرونة في التوقيت قائلا “هذا أسرع مما خططنا له في الاصل”. وأبلغ اوديرنو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب “انني اعمل بحرص بالغ… لتحديد أي قدرات لدينا لم نعد في حاجة اليها ويمكننا استخدامها في افغانستان”. وقال “في اطار خطتنا لدي مرونة للاسراع (بالانسحاب) اذا اعتقدت ان الموقف على الارض يسمح بذلك”.

ويوجد حوالي 124 ألف جندي امريكي في العراق مقارنة مع نحو 66 ألفا في افغانستان، حيث يريد قائد القوات الامريكية هناك من الرئيس الامريكي باراك اوباما نشر مزيد من القوات لتغيير مسار الحرب الدائرة هناك منذ ثماني سنوات. ويجري أوباما مراجعة للاستراتيجية في افغانستان في مواجهة خسائر متصاعدة وتراجع تأييد الرأي العام للصراع ويزمع انهاء المهمة القتالية الامريكية في العراق في 31 اغسطس عام 2010.

وستبقى قوة يتراوح قوامها بين 30 الف و50 الف جندي لتدريب وتجهيز القوات العراقية وحماية فرق التشييد الاقليمية والمشروعات الدولية والعاملين في السلك الدبلوماسي. وأبلغ اوديرنو اعضاء اللجنة أن الامن في العراق يتحسن، لكنه قال انه ما زالت توجد بعض المصادر لصراع محتمل. وقال “انني أصف هذه بعوامل عدم الاستقرار”، مشيرا الى ان من بينها الانتخابات العامة التي يحين موعدها في يناير والتوترات بين العرب والاكراد وجماعات المسلحين داخل العراق. واشار الى التوترات العربية الكردية على انها “العامل الاول في عدم الاستقرار داخل العراق”، واستشهد بالنزاعات القائمة بشأن الارض والموارد. وقال اودرينو ان الايام الستين الاولى بعد الانتخابات العامة العراقية في يناير ستكون الاكثر حساسية وقد تشهد “مستوى ما من العنف”. وعبر عن ثقته في ان الجهود التي تبذل بعد الانتخابات بشأن تشكيل حكومة جديدة وهي عملية قال انها قد تستغرق حتى يونيو حزيران أو يوليو تموز لن توقف الانسحاب الامريكي.

وتراجع العنف بشدة في العراق منذ ذروة اعمال القتل الطائفية التي اثارها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 للاطاحة بالرئيس صدام حسين. غير أن القنابل المزروعة على الطرق وحوادث اطلاق النار والهجمات الانتحارية لا تزال شائعة.

وأدى التراجع الشديد في اسعار النفط عن أعلى مستوى لها على الاطلاق الذي سجلته في العام الماضي قرب 150 دولارا للبرميل الى عجز في خطط الانفاق في العراق وعطل صفقات المعدات الضخمة التي من شأنها أن تساعد الجيش والشرطة في العراق على تولي مسؤولية الامن من القوات الامريكية بعد انسحابها. وفي بغداد، قال الجنرال الامريكي المسؤول عن تدريب القوات العراقية، ان الازمة المالية يمكن أن تؤدي الى اعاقة زيادة حجم القوات العراقية أيضا.

وقال اللفتنانت جنرال فرانك هيلميك، ان البحرية العراقية لا تستطيع تأمين منشآت النفط العراقية، مضيفا أن القوات الجوية العراقية “تحتاج الى مزيد من الوقت كي تتمكن من حماية مجالهم الجوي”. وقال أودرينو ان الولايات المتحدة ترغب في مساعدة الجيش العراقي بترك بعض المعدات الامريكية المستخدمة في العراق ومساعدته في تمويل شراء معدات جديدة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 سبتمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية