مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تقرير “الشفافية والنزاهة” بمصر..مجرد حبر على ورق؟!

د.أحمد درويش وزير التنمية الإدارية، في المنتصف، وعلى يمينه د. حسام بدراوي، رئيس لجنة الشفافية و النزاهة ومكافحة الفساد، واللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية، وعلى يساره د. إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية، و د. ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات swissinfo.ch

أثنى خبراء مصريون متخصِّـصون في الاقتصاد والقانون والإعلام، على التقرير الثاني لـ "لجنة الشفافية والنزاهة"، الذي أصدرته وزارة التنمية الإدارية بمصر مؤخّرًا، معتبرين أنه "جيد" و"واقعي" وأنه جاء "مِـرآة للحقيقة"، كما أنه "وصل إلى حدٍّ بعيد في وصف حالة الفساد وعدم الشفافية"، رغم أنه صادر عن جهة حكومية!

وفي قراءتهم للتقرير وتعقيبهم عليه، أوضح الخبراء أنه “لم يذكر أشياء عديدة عن أشكال الفساد المُـنتشر في مصر”، وأنه “لم يأت بجديد”، مؤكِّـدين أنه قد آن الأوان لأن تُـواجه الدولة الفساد الذي ينخر في مؤسساتها وأنه لابد أن يقوم الإعلام الحكومي بدورٍ في كشف الفساد، بدلاً من التستّـر عليه، متسائلين عمّـا إذا كان التقرير سيكشِـف كبار الفاسدين أم أنه سيكتفي بالحديث عن صغار الموظفين المُـرتشين فقط؟

وفي إطار تحليل وتقييم هذا التقرير “الرسمي” عن الفساد، التقت سويس إنفو كلا من: جمال فهمي، الخبير الإعلامي والكاتب الصحفي عضو نقابة الصحفيين، والخبير القانوني المستشار حسن أحمد عمر، الرئيس الأسبق لمحكمة الاستئناف المصرية، والخبير الاقتصادي الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع اليساري.

وكان التقرير قد منح مصر تقدير “ضعيف جداً” في درجة “الشفافية والنزاهة”، وذلك في ست فئات أساسية، إذ تناولت هذا التقدير في 15 بنداً، مقابل تقدير “قوي جداً” في مؤشر المشتريات، وتقدير “قوي” في مؤشر سيادة القانون، وتقدير “معتدل” في قانون مكافحة الفساد والضرائب والجمارك والخصخصة، مشيرًا إلى أن “الموازنة المصرية لا تساعد على إجراء تقديرات سليمة للإيرادات والمصروفات، ولا تشتمل على معايير لقياس كفاءة وفاعلية الإنفاق العام”.

وأشار التقرير إلى أن “الفساد ينتشِـر بصورة كبيرة بالمؤسسات الحكومية، عندما تُـتاح للمسؤولين الحكوميين سلطات واسعة، دون مراقبة أو محاسبة”، معتبِـرًا أن “الدولة لم تضع آليات لتفعيل الاتفاقات الدولية التي وقّـعت عليها، فيما يخص مكافحة الفساد والجريمة المنظمة”.

وطالب التقريرُ الحكومةَ بـ “نشر وكشف البيانات المالية للدولة عَـلَـنا، وتوثيقها بدقّـة”، مستدلاً بما جاء في لائحة منظمة “بيت الحرية” الأمريكية غير الحكومية، والتي قالت: “إن مصر حصلت على 62 درجة من مائة فيما يخص حرية الصحافة”، وتقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، الذي وضع مصر في المرتبة الـ 146 من بين 169 دولة!

الإعلام الحكومي وكشف الفساد!!

في البداية، يوضِّـح الخبير الإعلامي والكاتب الصّحفي جمال فهمي أنه، رغم أن التقرير صادر عن جهة حكومية، إلا أنه وصل إلى حدٍّ بعيد في وصف حالة الفساد وعدم الشفافية التي عليها الدولة والمؤسسة الحاكمة، كما أنه جاء كمِـرآة لحقيقة أن الإعلام يُـحمِّـل السلطة الحاكمة والنظام السياسي وحدهما المسؤولية المباشرة عن انتشار الفساد، خصوصاً الصحف ووسائل الإعلام الخاصة والحزبية، وبالتالي، فهو إلى حدٍّ بعيد واقعي، وإن كان ينقصه ذِكر نماذج عديدة لأشكال الفساد المنتشر في مصر، إضافة إلى الضغوط التي تمارسها الحكومة على الصحف ووسائل الإعلام للحدّ من نقد الحكومة أو إظهار الصورة الحقيقية للفساد المتفشِّـي في المؤسسات الحكومية.

وقال فهمي في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “رغم أن التقرير يناقِـش قضايا الفساد، إلا أنه تعرّض لعمليات قصٍّ ولزق من قِـبل وزير التنمية الإدارية، المَعْنيِ بتقديم التقرير لرئيس الحكومة، ويبدو أنه رأى إلى أي حدٍّ ينتشر الفساد في كل مؤسسات الدولة، وبالتالي، جعل من نفسه رقيبًا ورفع منه ما يُـمكن أن يهين الحكومة أو يسبّب لها الحرج”، مشيرًا إلى أنه “آن الأوان لأن تواجه الدولة الفساد المستشري، والذي ينهك في مؤسساتها، وإلا فإن هذا الفساد سيقضي على شرعيتها سريعًا”.

وشدد فهمي على أن الإعلام الحكومي، لابد وأن يكون له دور في كشف الفساد، لا أن يتستّـر عليه ويُـدافع عنه، مستغربًا من طرح الإعلام الحكومي لقضايا فساد عديدة ظهرت مؤخرا، وكأنه يلبسها لباس سوء الفهم والتقدير لا أكثر! رغم أن الفساد واضح وضوح الشمس والجميع يعرفه، متّـهمًا الإعلام الحكومي بأنه بهذه الطريقة يُـعدُّ مشاركًا في نشر الفساد، لأن المتستِّـر على الفاسدِ فاسد مثله”.

وانتقد فهمي لجوء الحكومة إلى سن وتشريع ترسانة من القوانين المتعاقبة بهدف تقييد حرية الرأي والإعلام، متسائلا إذا لم يكن الإعلام هو من يكشف الفساد فمن سيكشفه إذن؟ وكيف سيعرف المواطن العادي حقيقة ما يجري حوله من الفساد، إذا كانت الدولة تتستّـر عليه وتمنع الإعلام من نشره وفضحه على الملأ، مشيرا إلى أن مطالب الحكومة باستحداث قوانين لتقنين عمل الفضائيات والصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية، ما هي إلا محاولات للتستّـر على الفساد ومنع فضحه إعلاميًا.

وعن رأيه في إطلاق مبادرة “إعلاميون ضد الفساد”، التي أوصى التقرير بتدشينها تحت شعار “محاربة الفساد هدفنا والشفافية طريقنا”، قال فهمي: طبعًا نتمنى أن تخرج مثل هذه المبادرة للنور ونتمنى أن تكون الحكومة جادّة فيها، لا أن تكون مجرّد طريقة مبتكرة للتعتيم على الفساد المستشري في مؤسساتها من خلال إضفاء شكل قانوني عليه، مطالبًا بوضع تشريعات قانونية تؤكِّـد حق الصحفي والإعلامي في الوصول إلى المعلومات ونشرها، مع تكثيف التغطية الإعلامية لقضايا الفساد.

وماذا عن كبار الفاسدين؟!

بدوره، يتفق الخبير القانوني المستشار حسن أحمد عمر مع الخبير الإعلامي جمال فهمي فيما ذهب إليه، ويضيف: أن واضعي التقرير يقولون إنهم يسعَـوْن إلى تسهيل وصول المعلومات الحكومية عن الفساد إلى المواطنين كنوع من إبراز الشفافية، ونحن نتمنّـى أن يكون ذلك صحيحًا، لكن ما يحدث يجعلنا لا نثِـق في مثل هذا الكلام، خاصة وأن الوزير المعني بالتقرير شطَـب منه بعض الفقرات التي تكشِـف إلى أي مدى قد استشرى الفساد في جسد المؤسسات الحكومية.

وفي تصريحات خاصة لسويس إنفو، اقترح الخبير القانوني وضع تشريع قانوني يقيِّـد محاولات الحكومة تغيير ما يصل إليه التقرير ويعطي الحق للإعلام في نشره كاملاً، دون تغيير، لوضع المواطن العادي أمام حقيقة ما يجري حوله من فساد، وأن يكون التقرير دليل إدانة ضدّ من يثبت ضدّه الفساد، على أن يقوم القضاء على الفور بمحاكمته، لتعود الأمور إلى نِـصابها، لا أن تتِـم إدانته من خلال تقرير ورَقي يُـوضع في أدراج الحكومة، دون فتح تحقيقات ومساءلات، ومِـن ثم يُـصبح التقرير مثل مئات غيره من التقارير، ليست ذات قيمة ولا تساوي الحِـبر الذي كُـتبت به!

وتساءل عمر: هل سيكشف هذا التقرير كِـبار الفاسدين أيضًا، أم أنه سيكتفي بالتحدّث فقط عن صغار الموظفين المرتشين؟! وأكّـد أن الدولة تمُـر بحالة من التخبّـط القانوني، وإذا لم تكن جادّة في وضع قوانين تقنِّـن الفساد، فإن الأمور ستزداد تعقيدًا.

وأوضح عمر أن مهمّـة الجِـهاز الإداري للدولة، هي الإبلاغ عن أية مخالفات أو تجاوزات تمس المال العام أو الوظيفة العامة أو مظاهر الانحراف والفساد للعاملين أو أي علاقات تربطهم بالمتعاملين معهم، من شأنها أن تضُـر بالمصلحة العامة للدولة، معتبِـرًا أن التقرير لم يأتِ بجديد، لأنه من المفترض أن الرقابة موجودة، ولكننا نرجو أن يتِـم تفعيل توصيات التقرير ومراقبة الكبار والصغار، للوقوف على حقيقة الفساد وأشخاص المفسدين، ومن ثم محاكمتهم ومعاقبتهم لتخليص المجتمع منهم، لأنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن النتيجة ستكون انتكاسة كبيرة لمصر.

وشدّد عمر على ضرورة تحقيق المزيد من المساءلة السياسية أمام السلطات الرقابية والتشريعية والشعبية، مؤكِّـدًا أن الشفافية من العوامل الضرورية التي تمكِّـن مجلس الشعب خاصة، والمجتمع بوجه عام من مراقبة الحكومة ومحاسبتها، وكذلك متابعتها خلال توزيع الإنفاق على البنود المحدّدة، إضافة إلى توفير بعض المؤشرات التي تساعد على مُـتابعة الموازنة العامة للدولة، شريطة أن تلتزم الحكومة بموجب القانون، بنشر المعلومات والبيانات الخاصة بها.

إصلاح تشريعي يقَـنن الاحتكار

وفيما يتّـفق الخبير الاقتصادي الدكتور جودة عبد الخالق مع الخبير الإعلامي جمال فهمي على أن التقرير خُـطوة للأمام، فإنه يختلِـف مع الخبير القانوني حسن أحمد عمر في أنه “لم يأت بجديد”، ويضيف جودة: التقرير في إطاره العام جيِّـد ويعطي بارقة أمل في محاربة الفساد المستشري في الدولة وفضحه. فكثيرًا ما طالبنا بوجود هيئات مستقلّـة تعمل كأجهزة تنظيمية لنشاط اقتصادي أو خدمي، وكذلك مراقب لجودة المنتجات والخدمات على أن تتبع مؤسسة رقابية مستقلة، تتبع بدورها رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشعب، كخطوة لوقف عمليات الاحتكار وضبط الأمور التي تؤرق السوق وتُـثقل كاهل المواطن العادي محدود الدخل.

وأوضح عبد الخالق في تصريحات خاصة لسويس إنفو، أن هذا يتطلّـب العودة إلى مبادئ الإدارة الإستراتيجية ودمج العمليات والخدمات المتكاملة في كِـيان واحد، على مستوى الهيئات أو القطاعات أو الإدارة، على أن لا تقوم بنفس الخِـدمة، مطالبًا بوضع إصلاح تشريعي يقنِّـن الاحتكار ويرفع مستوى خدمات السوق المصري.

وأكَّـد الخبير الاقتصادي أن التوجّـه السليم لمقاومة الانحرافات المالية والإدارية يتِـم من خلال تعديل نُـظم الجزاءات وقواعد التأديب في الوظيفة العامة، تحقيقًا للرّدع ومقاومة الانحرافات، بتشديد العقوبات عن المخالفات الناشئة عن الإهمال والتّـراخي في إدارة المرافق العامة، سواء باستغلال المال العام أو التربح من العمل الوظيفي، مشيرا إلى أن الشفافية تَـعني مشاركة الجميع، حتى المواطنين، في مراقبة السوق والإبلاغ عن أي مخالف أو مُـنحرف، مهما كان مركزه وقُـربه من مراكز صنع القرار.

وشدد عبد الخالق على ضرورة تشجيع المواطنين للإبلاغ عن جرائم الانحراف والفساد بأي موقع وإتاحة استطلاع وقياس رأي المواطنين بالنسبة لنوع وكَـمّ وجَـودة الخدمات المقدّمة، وما الذي يتوقعونه للوصول إلى الوضع الأفضل، مع إتاحة القنوات اللازمة للإبلاغ عن أي مخالفات.

وأيًا كانت آراء الخبراء في التقرير “الثاني” لـ “لجنة الشفافية والنزاهة” وأيًا كان ما قيل عن حذف رئيس الحكومة لبعض الفقرات التي تهين الحكومة، فإن أهمية تتأتّـى من كونه تقريرًا “حكوميًا” يدين الحكومة، وهو دليل على أن الإصلاح قادِم، وإن كان يسير ببُـطء شديد، والأمر يتوقف على مصداقية وجدّية المؤسسات والمنظمات والاتفاقات الدولية من جهة، وإصرار وعزم ومثابرة الأفراد والأحزاب والمؤسسات المعارضة بمصر على مواصلة الطريق ودفع الثمن كاملاً من جهة أخرى… والأيام القادمة كفيلة بحسم النتائج!!

همام سرحان – القاهرة

عُـرّف الفساد الإداري بأنه «استغلال المنصب لتحقيق أهداف شخصية على حساب المصالح العامة وسوء استخدام الموارد العامة لتحقيق مصلحة أو منفعة شخصية، دون وجه حق».

أوضح أن ظهور الفساد ناجم عن إغفال تطبيق قواعد الحوكمة أو الحكم الرشيد.

طالب بوجود هيئات مستقلة تعمل كأجهزة تنظيمية لنشاط اقتصادي أو خدمي، وكذلك مراقب لجودة المنتجات والخدمات.

تبنى التقرير مبدأ قياس مدى تأثر الاقتصاد بأي تغيير للتشريعات المنظمة لمجال الأعمال داخل مصر (RIA).

شارك في المشروع 10 وزارات ذات صلة مباشرة بمجال الأعمال.

أكد أن الرقابة الشعبية تكتسِـب أهمية خاصة في تحقيق الشفافية والنزاهة، لأنها الأقرب للمواطنين والأقدر علي رصد اتجاهاته وآماله.

بيّـن أن نظام خدمة المواطنين الإلكتروني تلقى 450 شكوى في 6 أشهر، إضافة إلي 370 شكوى عن طريق التليفون المخصص لذلك، وهو رقم 19468

شدد على أهمية تحقيق المزيد من المساءلة السياسية أمام السلطات الرقابية والتشريعية والشعبية.

انتقد عدم وجود قيود أو حدود تحد من قدرة الحكومة على تعديل وتغيير بنود الإنفاق في الميزانية وتحديد أولوياتها.

دعا التقرير إلى تنفيذ برنامج وطني لتحقيق الشفافية والنزاهة.

طالب بتوفير التدابير الأمنية والنّـظم الخاصة لحماية الأشخاص الذين يقومون بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد.

أكد أن وجود إعلام حر قادر على الوصول إلى المعلومات والكشف عنها، يتوقف على: تطوير وتحديث التشريعات المتعلِّـقة بتنظيم الإفصاح وتداول المعلومات وتفعيل دور نقابة الصحفيين وتشجيع مشاركة النّـخب ومؤسسات المجتمع المدني ورفع الوعي لدى المواطنين بأسباب الفساد وأشكاله ومخاطره وأساليب مكافحته وإقرار التشريعات والنصوص القانونية، التي تؤكد حق الوصول إلى المعلومات ونشرها وتفعيل ميثاق شرف العمل الصحفي من خلال التحقق والالتزام بموضوعية النشر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية