مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب العدالة والتنمية يتجه إلى ولاية ثالثة.. مفتوحة!

مع اقتراب موعد التصويت، يُسهم رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية بقوة في الحملة الإنتخابية لحزبه. Keystone

شهر تقريبا يفصل عن الإنتخابات النيابية العامة التي ستجري في تركيا يوم 12 يونيو المقبل، لكن الصورة تبدو واضحة إلى حد بعيد.

وتمتاز هذه الانتخابات بأنها الثالثة التي يخوضها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد أن أوصلته انتخابات 3 نوفمبر 2002 إلى السلطة، منفردا بقيادة رجب طيب اردوغان، ومن ثم التأكيد على استمراره في السلطة بعد فوزه الكاسح في انتخابات 22 يوليو 2007.

واليوم، تجري الإنتخابات بعد تعديل قانونها، لتُـصبح مرة كل أربع بدلا من خمس سنوات، لكن مع إبقاء القانون على اشتراط حصول أي حزب سياسي على نسبة 10% من أصوات الناخبين على مستوى كل تركيا، ليتمكّـن من الدخول إلى البرلمان.

وهذه نقطة مهمّـة جدا، إذ أنه بقدر ما يتضاءل عدد الأحزاب المتمثلة في البرلمان، بقدر ما يستفيد الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، لترتفع حظوظه للتفرّد بالحكم والحصول على مقاعد نيابية، تفوق كثيرا نسبة الأصوات التي حصل عليها، وهو ما حدث بالفعل مع حزب العدالة والتنمية في الدورتيْـن السابقتيْـن.

ورغم أن الإعتراضات على حاجز 10% كثيرة، ولاسيما أنه يبقي شرائح كثيرة داخل المجتمع خارج الندوة النيابية، إلا أن المؤيدين له يتذرّعون بأنه يتيح الإستقرار السياسي، في حال لم يتجاوز عدد الأحزاب المتمثلة في البرلمان الثلاثة.

يذهب حزب العدالة والتنمية إلى الانتخابات، مع ثقة تامة بأنه سينجح فيها وبفارق كبير. وتؤكد استطلاعات الرأي هذه الثقة، إذ أن فوز الحزب مضمون، لكن السؤال هو عن النسبة التي سينالها في الانتخابات. وهل ستصل إلى ثلثي مقاعد البرلمان (367 من أصل 550)؟ أم أقل من ذلك، لكن بعدد من النواب (330) يتيح له تحويل أي تعديل دستوري يسقط في البرلمان إلى استفتاء شعبي؟

رافعة الإنجازات

هذه المرة، يذهب حزب العدالة والتنمية إلى الانتخابات محمَّـلا بمحصِّـلة 8 سنوات من السلطة. وقد عرض إنجازاته على مختلف الأصعدة، في كتيّـب يعكس مدى القفزة الهائلة التي حققتها تركيا في ظل حُـكم رجب طيب اردوغان.

وتتوزع إنجازات الحزب على ثلاثة عناوين أساسية، وهي التحوّل الديمقراطي، حيث تعزّزت الديمقراطية في تركيا، ولاسيما لجهة وضع شروط ثقيلة أمام إغلاق الأحزاب، ومنها أيضا منع إسقاط العضوية النيابية عن نواب الأحزاب، التي قد يطالها أي حظر، ورفع نظام الوصاية العسكرية بنسبة كبيرة عن السلطة المدنية، إضافة إلى التغيير الكامل لبنية المؤسسات القضائية، ولاسيما المحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى، التي كانت دائما أدوات بيَـد المؤسسة العسكرية. وكان استفتاء 12 سبتمبر 2010، نقطة تحوّل حاسمة في تعزيز الديمقراطية وإضعاف دوْر المؤسسات التي كانت تلعَـب دورا مِـحوريا في مواجهة سياسات حزب العدالة والتنمية.

والعنوان الثاني، هو التنمية الاقتصادية، حيث كان الإنجاز الأهم لحزب العدالة والتنمية، في تحقيق نسب نمُـو قياسية في البلاد، وصلت إلى 9%، فيما كانت  تحت الصِّـفر في عام 2001. ونجح الحزب في تخفيض تاريخي للتضخّـم من %68 إلى 5% في العام الحالي. وارتفع متوسط الدّخل الفردي للمواطن من 3000 دولار في عام 2001 إلى 10000 دولار في العام الحالي. كما تراجعت دُيون تركيا لصندوق النقد الدولي من 25 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار. كما ارتفع حجم التجارة الخارجية بصورة كبيرة جدا، فضلا عن الناتج القومي غيْـر الصافي.

وبفضل هذه السياسات، ارتفع الاقتصاد التركي إلى المرتبة 17 عالميا، وهو يتطلّـع ليكون ضِـمن الإقتصادات العشر الأولى في العالم بحلول عام 2023. وقدّمت حكومات حزب العدالة والتنمية مساعدات مالية مهمّـة إلى المواطنين مباشرة (وسمّـتها المعارضة بنظام الصدقات والرشوات) أو في إطار إصلاح نظام الخدمات الصحية والسكن والتعليم، التي تقدّمت ميزانية وزارتها لعام 2011 للمرة الأولى على ميزانية وزارة الدفاع وتقدّمت اهتمامات الحكومة.

وفي الإطار السياسي، عملت الحكومة على فتح ثغرات مقبولة لكنها غيْـر كافية في جِـدار المسألتين، الكردية والعَـلوية.

ولا شك أن من إنجازات حزب العدالة والتنمية البارزة، هي سياسات الانفتاح على صعيد السياسة الخارجية وتحويل تركيا من بلد محاط بالأعداء إلى بلد محاط بالأصدقاء، وتحقيق علاقات خارجية ممتازة مع معظم دول الجوار الجغرافي، فيما عُـرف بسياسة “تصفير المشكلات”، كذلك تقدّم تركيا المهِـم على طريق الاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، لا يكتفي حزب العدالة والتنمية بما أنجزه، بل قدّم اردوغان برنامجا انتخابيا طموحا جدا، لا يتعلق فقط بفترة الأربع سنوات المقبلة، بل بالإثنتي عشرة سنة المقبلة، أي حتى عام 2023، الذِّكرى المائوية لتأسيس الجمهورية، في انعكاس لثقة كبيرة جدا بالنفس. وفي مقدمة هذه المشاريع التي وُصِـفت بـ  “المشروع المجنون”، شقّ قناة مائية إلى الغرب، من اسطنبول تصل البحر الأسود ببحر مرمرة موازية لمضيق البوسفور، وتكلف ما لا يقل عن 30 مليار دولار.

وفي المقابل، تكاد الأحزاب الأخرى، لا تجد مكانا لسياسات تنافِـس بجدية حزب العدالة والتنمية. ففي كتيّب حزب الشعب الجمهوري، وردت وُعود حول 41 مسألة، تشدد على حماية استقلال القضاء والعِـلمانية وتعزيز الحريات واستقلالية الجامعات عن الدولة، وتقديم إعانات شهرية لكل عائلة بقيمة 400 دولار.

تحدّيات

على صعيد آخر، يطرح انتصار حزب العدالة والتنمية المحتمل في الإنتخابات المقبلة، تحديات إضافية عليه، إذ أن المهمة الأساسية التي ستواجهه، هي الضغوط لإعداد دستور جديد ينظّـف الحياة السياسية من الدستور الحالي، الذي هو بقايا دستور 1982 العسكري.

وإذ يُـدرك حزب العدالة والتنمية صعوبة وحساسية مهمّـة إعداد الدستور الجديد، فإنه يعلِـن دائما أنه لا يريد الإنفراد بإعداد الدستور الجديد، بل يريد أوسع توافق حوله. ويتجلّـى ذلك من خلال مواقِـف الحزب الحالية من قضايا حساسة، مثل مسألة الحجاب، حيث يُـصر على القول أنه يريد حلّـها في إطار التوافق الوطني، من دون تحديد أطُـر هذا التوافق.

وتبقى المشكلات الكردية والعلَـوية ووضْـع المسيحيين، من أبرز المشكلات التي تواجه حزب العدالة والتنمية في الفترة المقبلة، في ظل استمرار فقدان الحزب لأي قاعدة في صفوف الأقلية العَـلوية، إن على صعيد الشارع أو على صعيد النواب، حيث أن عدد النواب العَـلويين الحاليين في صفوف الحزب، لا يتعدى الثلاثة (من أصل مجموع نواب البرلمان البالغ 550 نائبا)، فيما عدد العَـلويين لا يقل عن 15 مليونا.

ولا يزال حزب العدالة والتنمية رافضا لمطالب الأكراد، ولاسيما لجهة تعزيز صلاحيات المجالس المحلية، بما يقرّب الأكراد من الحُـكم الذاتي، كما يرفض اردوغان إدخال أي ضمانات في الدستور المقبل، تُـشير إلى الإعتراف بالهُـوية الكردية.

وفي ظل احتمال دخول أكثر من 20 نائبا كرديا ينتمون إلى حزب السلام والديمقراطية الكردي، الذي رشّـحهم بصفة مستقلِّـين، فيتوقّـع أن يكون الصوت الكردي مرتفِـعا في البرلمان، ولاسيما مع احتمال نجاح رموز كردية مهمّـة، مثل احمد تورك وليلى زانا وشرف الدّين ألتشي وخطيب دجلة وغيرهم.

وجاء الهجوم المسلح على موكِـب اردوغان الانتخابي، وهو لم يكُـن فيه، رسالة “مسلحة” إلى ما ينتظر تركيا من صعوبات داخلية، على صعيد المسألة الكردية، والتي لا تخلو من بُـعد إقليمي في لحظة التوتّـرات الإقليمية الناشئة من حركات التظاهر والثورات في الدول العربية، ومنها جارة تركيا المباشرة سوريا.

توقعات

تُـشير مُـعظم استطلاعات الرأي العلنية وتلك السرية الخاصة بالأحزاب، إلى أن حزب العدالة والتنمية سيفوز وبنسبة عالية من الأصوات. تعطي الاستطلاعات حزب العدالة والتنمية نِـسبة تتراوح من 45 إلى 50%، وتعطي حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي، نسبة من 25 الى 30%. فيما تتفاوت استطلاعات الرأي حول الحزب الثالث، وهو حزب الحركة القومية، الذي تعطيه الاستطلاعات من 10 إلى 17%، أي أنه يقع في دائرة الخطر.

ومن هذه التقديرات، ليس من استطلاع واحد يعطي أملا لأي حزب رابع بالدخول إلى البرلمان، بل إن نسبة أي حزب رابع، لن تتجاوز 5%، أي أن وجود برلمان بأربعة أحزاب أساسية، تدخل البرلمان على أساس حزبي وليس كمستقلّـين، أقرب إلى معجزة. وبقدر ما يتراجَـع عدد الأحزاب الفائزة، بقدر ما يصبّ ذلك في مصلحة حزب العدالة والتنمية.

ومع أن العدالة والتنمية قد ينال نِـسبة لا تقل عن النسبة التي نالها في انتخابات 2007 وكانت 47%، لكن عدد نوابه، في ظل ثلاثة أحزاب، قد يتراجع لسبب واحد، وهو أن عدد النواب في المدن الكبرى قد ازداد في هذه الانتخابات. ولما كان للمعارضة حضور قوي فيها، ولاسيما في اسطنبول وانقرة وإزمير، فإن المعارضة ستحصد عددا أكبر من النواب، ولو نالت النِّـسب نفسها التي نالتها في انتخابات 2007.

إذا كانت النسبة التي سينالها حزب العدالة والتنمية محسومة مبدئيا، فإن تراجع عدد نوابه عن الـ 330 نائبا سيكون مؤشِّـرا سلبيا على عدم قدرته على التحرّك بحرية في المرحلة المقبلة، ولاسيما في مجال إعداد دستور جديد.

ستكون سابقة، إذا نجح حزب العدالة والتنمية إكمال ولايته الثالثة الجديدة، حيث أن الحزب الذي بقي في السلطة أطول فترة، كان الحزب الديمقراطي في الخمسينيات بقيادة عدنان مندريس واستمر حكمه المنفرِد 10 سنوات كاملة، قبل أن يُـطيح بها الجيش في أول انقلاب عسكري في عام 1960، رغم أنه فاز في ثلاث انتخابات نيابية.

وإذا كان التاريخ لن يكرّر نفسه هذه المرة، فإن تركيا تكون مُـرغَـمة على استكمال مسيرة حزب العدالة والتنمية، سواء بقي الحزب في السلطة حتى عام 2023 أم لا، ذلك أن الحزب نجح في إدخال تغيير بنيوي على تركيا من كل النواحي، حمل لها الإنجازات المتعدّدة التي تعترف بها المعارضة، قبل حزب العدالة والتنمية نفسه.

أنقرة (رويترز) – وعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بصياغة دستور جديد لتركيا وجعلها واحدة من أكبر عشرة اقتصاديات في العالم بحلول عام 2023 في البرنامج الانتخابي لحزبه الذي أطلقه يوم السبت 16 أبريل 2011 قبل الانتخابات التي تجرى في 12 يونيو المقبل.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه اردوغان سيحصل على أغلبية مريحة ويفوز بالفترة الثالثة على التوالي بعد عشر سنوات من النجاح الاقتصادي والاستقرار السياسي.

وقدم اردوغان في برنامج حزب العدالة والتنمية لتركيا حتى عام 2023 القليل من الاقتراحات المحددة، لكنه قال إنه سيخفض البطالة ويبني مساكن للفقراء وسيمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية التي نقلت تركيا من اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد مستقر سريع النمو.

وقال اردوغان إنه يريد تفويضا قويا يسمح له بطرح دستور جديد ليحل محل الدستور الحالي، الذي وضع بعد انقلاب عام 1980. وكرر رئيس الوزراء التركي تعهده يوم السبت 16 أبريل.

وقال اردوغان في خطاب ألقاه في مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة، دون أن يعطي تفاصيل “سنبدأ العمل على دستور جديد فورا لدعم الديمقراطية والحريات”. ومن بين التغييرات التي تجري دراستها، التحرك نحو الشكل الرئاسي للحكومة، بديلا للشكل البرلماني الحالي.

ولم يتحدث اردوغان، الذي يعتقد أنه يطمح للرئاسة عن أي خطط تتعلق بالنظام الرئاسي في برنامج حزبه.

ويهيمن حزب العدالة والتنمية — الذي تأسس ليوحد المحافظين الدينيين مع جماعات ليبرالية وقومية — على الحياة السياسية في تركيا بعد سحقه للأحزاب التقليدية التي شابها الفساد في 2002.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 أبريل 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية