مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حليمة الورزازي .. 40 سنة في خدمة حقوق الإنسان (1 من 2)

swissinfo.ch

حليمة الورزازي الخبيرة العربية في مجال حقوق الإنسان نشطت على مدى أربعين عاماً في المحافل الدولية دفاعاً عن معايير حقوق الإنسان وسعياً إلى تقدمها.

سويس إنفو تعرض على مدى حلقتين سيرة هذه الخبيرة المعروفة بصراحتها، والتي تنظر اليوم إلى الواقع الراهن بنوع من الحسرة وخيبة الأمل، معبرة عن قناعتها بأن العالم يعيش “نهاية حقبة”.

عند الحديث عن السيدة حليمة مبارك الورزازي، الخبيرة المغربية في اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، يتبادر للذهن أنها من أقدم الخبراء الذين عايشوا مسيرة حقوق الإنسان في المحافل الدولية على مدى أربعين عاما خلت. وقد دخلت في هذه المسيرة من خلال تقلد مناصب هامة والقيام بأدوار ليست بالسهلة، كسيدة، وكعربية، وكمسلمة، وكمواطنة من مواطني العالم النامي.

لكن ما يشهد له بها مناصروها وخصومها على حد سواء، صراحتها المتميزة، ورفضها للكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، وهي خصال أصبحت تفتقر إليها هذه المحافل الأممية بسبب تنامي ظاهرة التسييس، ورغبة بعض القوى الدولية المؤثرة في تغيير قواعد اللعبة.

في حديث مطول (ننشره على جزءين) خصت به سويس إنفو، تطرقت السيدة حليمة الورزازي لهذه المسيرة الطويلة، ولم تتردد في التصريح بالإنطباعات التي تعتريها في الوقت الحالي عن الظروف التي تمر بها حقوق الإنسان.

سويس إنفو: السيدة حليمة مبارك الورزازي، تمثلون إحدى الوجوه الهامة في اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، وقد شاركتم في العديد من المحافل الهامة من بينها رئاسة اللجنة التحضيرية لمؤتمر فيينا. ما الذي دفعكم كسيدة وكمغربية وعربية للاهتمام بهذا الميدان؟

حليمة الورزازي: الصدفة هي التي شاءت أن أندمج في هذا الميدان، إذ بعد إنهاء دراستي في مصر والتحاقي بوزارة الخارجية، شاءت الصدفة في مرحلة أولية أن أعين ملحقا ثقافيا بواشنطن. وما إن وصلت في عام 1959 حتى شاءت الصدف أن يوجه لي وزير الخارجية الذي كان يرأس وفد المغرب بالأمم المتحدة دعوة ً لحضور حفل في نيويورك، لتمثيل العنصر النسائي في هذا الحفل الرجالي. ولكن هذه الزيارة الخاطفة، تحولت إلى تعيين في الوفد المغربي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك. ولأن العنصر النسائي كان قليلا آنذاك حتى داخل وفود البلدان الغربية، تم اختياري كعضو في اللجنة، التي كانت تحمل بنوع من التهميش اسم “لجنة المرأة”؛ والتي كانت في الواقع ورغم ميوعة أسمها اللجنة التي تعنى بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية ومناقشة قضايا حقوق الإنسان. وإذا كنت قد دخلت صدفة لهذا الميدان كممثلة خجولة ومتواضعة، فأعتقد أنني استطعت شق طريقي بنجاح منذ عام 1959. إذ كنت السيدة الثانية بعد سيدة بلجيكية، وأول سيدة عربية ومن بلدان العالم النامي، التي تقلدت عدة مناصب في مجال حقوق الإنسان.

سويس إنفو: خلال هذا المشوار الطويل في مجال حقوق الإنسان، ما هي المهمة التي ترون أنها كانت أكثر صعوبة؟

حليمة الورزازي: لاشك أنها كانت مهمة تمرير وقبول مشروعي العهدين الدوليين حول الحقوق السياسية والمدنية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، اللذين كانا يطوفان منذ 17 سنة على اللجان المختلفة. لكن عندما أوكل لي مدير حقوق الإنسان آنذاك ملف هذين المشروعين، قلت له إننا سنتمكن من تمريرها. وهذا ما وقع بالفعل ولكن بمجهود استعملت فيه خصوصيتي كمواطنة منتمية للعالم النامي، وللصداقات المختلفة التي تربطني بممثلي العديد من المجموعات الإقليمية، وهو ما جعلني أتفادى العديد من العراقيل. إذ يجب ألا ننسى أننا كنا آنذاك نمر في فترة الحرب الباردة التي كانت البلدان النامية فيها تنقسم إما كحليف للمعسكر الغربي أو كحليف للمعسكر الاشتراكي، وفي وقت لم يكن فيه هذا المعسكر الاشتراكي يرغب في سماع شيء عن الحقوق السياسية والمدنية، مطالباً فقط بالحقوق الاقتصادية، والعكس صحيح بالنسبة للمعسكر الغربي. وما اعتز به، ويعتز به بلدي، أنه تمت المصادقة على هذين العهدين (رغم تعقيداتهما وتفاصيلهما) بالإجماع في الوقت الذي نعرف فيه أنه حتى فيما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يُعتبر مجرد ميثاق عام، امتنعت ثمانية بلدان عن التصويت عليه.

سويس إنفو: بعد تمرير مشروع العهدين الدوليين، هل تعتبرين مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان في عام 1994 ثاني أكبر مشروع في مسارك الطويل؟

حليمة الورزازي: الواقع أنني كممثلة للمغرب لعبت دورا حيويا في إبرام العديد من المعاهدات الدولية. فقد تم اختياري في عام 1965 لرئاسة فريق العمل المكلف بالتحضير لمشروع المعاهدة المناهضة لكل أنواع التمييز العنصري، وهي مهمة لم تكن بالسهلة ولكن مع ذلك تم اعتمادها في نفس العام وهي السارية المفعول حتى يومنا هذا. كما ساهمت بشكل كبير في إعداد المعاهدة الخاصة بحقوق المرأة، خصوصا وأن الكثير من المشاكل كانت مطروحة من قبل البلدان المسلمة. ولست أدري ما إذا كان ذلك يعد إنجازا بالنسبة لي كسيدة، ولا اعتقد ذلك، كون أنني ساهمت كممثلة لبلد مسلم في إسقاط البند الذي كانت المجموعة الغربية تحاول فرضه والمتعلق بالمساواة في الميراث. إذ على الرغم من اقتناعي بأن المرأة أصبحت اليوم تتحمل نفس الأعباء الاقتصادية مثل الرجل، كنت متيقنة من أن اعتماد بند مماثل كان سيفشل المعاهدة ككل بدفع الدول الإسلامية إلى رفضها، لذلك وجب الاقتناع بحل وسط. وهذا ما سمح حتى للبلدان التي وقعت عليها بتحفظات، من الخضوع لضرورة تقديم تقارير عن وضع المرأة فيها. وكانت لي عدة مساهمات في معاهدات أخرى في ميادين مثل التسامح الديني، أو معاهدة حقوق الطفل التي كانت بعض الدول تستغل فيها الجانب الديني لعرقلة اعتمادها. وفي عام 1989 كلفني مدير حقوق الإنسان بالعمل على التحضير لعقد ثاني مؤتمر لحقوق الإنسان بعد مؤتمر طهران في وقت كان حائط برلين يوشك فيه على السقوط، مؤكدا أنني الشخصية التي بإمكانها إنجاح مثل هذا المشروع المماثل. ورغم الصعوبات التي واجهتنا، تمكنا من التوصل إلى المصادقة بالإجماع على نتائج مؤتمر فيينا، الذي ذهب في تفاصيله إلى أبعد مما نص عليه الميثاق الدولي، وذلك بعد إقناع الدول النامية التي كانت تعارض فكرة المؤتمر، بضرورة المشاركة وطرح النقاط التي لم تناقش أثناء صياغة ميثاق حقوق الإنسان في عام 1945.

سويس إنفو: ما هي الخصوصية التي كنت تضعينها في المقدمة لإقناع الدول المشاركة، وإسماع صوت الدول النامية في محافل كانت تتجاهل تلك المطالب؟

حليمة الورزازي: كنت دوما أعتز بالقول إنني سيدة عربية، وإفريقية، وأنتمي إلى البلدان النامية وبالتالي من واجب الجميع مساعدتي. وقد نكون فخورين لو تمكنا من التوصل إلى إجماع حول هذه المعاهدات، وبالأخص بعد إثرائها بقسم لا يستهان به من مطالبنا. وأعتقد بكل تواضع أنه لو لم أتولى رئاسة اللجنة التحضيرية لمؤتمر فيينا، لما تمكنا من عقد ذلك المؤتمر ولما حصلنا على تلك النتائج بذلك الحجم وفي ذلك التوقيت، خصوصا وأننا كنا على أبواب نهاية الحرب الباردة وما تلاها من وضعية غير مريحة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

للحديث بقية..

وللحديث بقية، نواصله مع الخبيرة العربية في مجال حقوق الإنسان السيدة حليمة الورزازي في مقال قادم، نتطرق فيه إلى خيبة أملها مما آلت إليه أوضاع حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، وارتياحها للتقدم الطفيف المسجل على المستوى الفردي بالنسبة لحقوق الإنسان العربي.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

1933: وُلـدت في مدينة الدار البيضاء بالمغرب الأقصى
1957: تخرجت من كلية الآداب
1961: شغلت منصب ملحق ثقافي في سفارة بلادها بواشنطن
1968: شاركت في أول مؤتمر أممي حول حقوق الإنسان في طهران
1973: انتخبت عضوة في لجنة محاربة التمييز ثم رئيسة لها
1991-1993: ترأست اللجنة التحضيرية لمؤتمر فيينا حول حقوق الإنسان
2003: ترأست الدورة 55 للجنة الفرعية لحقوق الإنسان بجنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية