مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حل معضلة الصحراء.. يُعجّل الإندماج المغاربي ويُؤمّـن المصالح الأمريكية

AFP

في خُـطوة غير متوقّـعة، كلفت إدارة الرئيس أوباما منذ أشهر مضت فريقا رفيع المستوى، بدراسة آفاق تغيير التعاطي الأمريكي مع المغرب العربي لجعله "منطقة اهتمام إستراتيجية"، أسْـوة بالشرق الأوسط، وليس مجالا ثانويا مُلحقا بالمشرق العربي كما جرت عليه العادة.

وأعد الفريق دراسة شامِـلة ومكثّـفة في 15 صفحة صدرت في أواخر شهر مارس 2009، في نشرة مشتركة بين معهد بوتوماك للدراسات السياسية في جامعة أرلينغتن وبرنامج إدارة النزاعات في جامعة جون هوبكينز بواشنطن، تحت اسم “مشروع ورقة عن سياستـ”نا” في شمال إفريقيا” North Africa policy paper project.

أما العنوان الكبير الذي تصدّر الدراسة بعد المقدّمة، فهو غني عن التعليق ومضمونه “لماذا تستحق المنطقة المغاربية الإهتمام: المعاهدات والفرص والخيارات من أجل التزام أمريكي حقيقي في شمال إفريقيا”، غير أن المبادرة لا تستمِـد أهميّـتها من موضوعها الجديد فحسب، وإنما أيضا من تشكيلة الفريق الذي سهر على إعداد الورقة، ما يُؤشِّـر إلى احتمال حدوث انعطاف في السياسة المغاربية للولايات المتحدة في عهد أوباما.

فالمُـشرفان على الدراسة، هما ستيوارت أيزنستات، وزير الدولة للزراعة سابقا والذي عمل مستشارا للرئيس جيمي كارتر بين 1977 و1981 ووليام زارتمان، رئيس المعهد الأمريكي للدراسات المغاربية، أما المشرف الفخري (والذي شارك في اجتماعات الفريق)، فهو الجنرال ويسلي كلارك، قائد قوات الأطلسي سابقا (بين 1997 و2001، أي في عهد الرئيس الديمقراطي كلينتون)، وتُعرفه المراجع الأمريكية على أنه “قائد عسكري ورجل سياسي”.

ديمقراطيون وجمهوريون

وضمّ الفريق ثلاثة عشر عضوا بين أكاديميين وسفراء سابقين ومسؤولين سياسيين وعسكريين في الإدارات الديمقراطية السابقة، وهم يشتركون في معرفتهم الدّقيقة بقضايا المنطقة منذ عقود وإطلاعهم عن كَـثب على التحدِّيات التي تُـواجهها، وإدراكهم للعوائق التي تعطِّـل إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

ومن الأعضاء البارزين في فريق العمل، نذكر وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت التي قادت الدبلوماسية الأمريكية بين 1997 و2001 في عهد كلينتون ورئيس المركز الدولي لدراسات الإرهاب يوناه ألكسندر ومدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة فوردهام جون أنتليس ونواب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط السابقون شستر كروكر وروبرت بلليترو وديفيد وولش وإدوارد والكر والسفيرة روبن رفائيل ومساعد وزير الشؤون الخارجية الأسبق لحقوق الإنسان والديمقراطية لوران كرينر، وهو الرئيس الحالي للمعهد الجمهوري الدولي.

ويدل وجود جمهوريين في الفريق على أن الوثيقة لا تعكس موقف فريق الديمقراطيين في الإدارة الأمريكية فقط، وإنما تشكِّـل رؤية وفاقية وتأليفية للحزبين، وهذه أحد تجليات منطِـق المؤسسات التي تخدم المصلحة القومية، بغضّ الطرف عن التّـباعد التكتيكي في الرُّؤى بين الفريقين.

وبهذا المعنى، فإن أول ما يُـلفت الانتباه في الوثيقة، هو التواصل بين المشاريع الأمريكية تُـجاه شمال إفريقيا، على الأقل على صعيد الإدارات الديمقراطية. فنائب وزير الخارجية السابق للشؤون الاقتصادية ستيوارت أيزنستات (وزير الزراعة لاحقا)، هو الذي صاغ المشروع الشهير، الذي يحمل اسمه وطاف به على العواصم المغاربية في سنة 1998، داعيا إلى إقامة سوق مشتركة مغاربية واعِـدا باسم إدارة كلينتون بتكثيف الاستثمارات الأمريكية في شمال إفريقيا وتوسيع المُـبادلات التجارية مع بلدانها.

ما جديد الوثيقة بالنسبة لذلك المشروع؟ يقول مؤلِّـفو الدراسة موجِّـهين كلامهم إلى إدارة الرئيس أوباما: “إن للولايات المتحدة مصالِـح مُـعتبرة في المنطقة المغاربية تستوجب التّـركيز على تأمين الاستقرار لها والأمن لكل بلد من بلدانها، من أجل تمكينها من التقدم نحو تكامل اقتصادي وسياسي إقليمي أكبر، وتعاون أوسع مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، مما يُتيح توسيع الحريات السياسية وتنشيط التنمية الإقليمية”، واعتبروا أن المغرب العربي وُضِـع في موقع هامشي في السياسة الخارجية، باعتباره المنطقة المنسِـية بين الشرق الأوسط وإفريقيا، مُبرزين موقِـعه الإستراتيجي في المتوسط وفي الطرف الغربي للعالم الإسلامي ومخاطر تنامي الإرهاب فيه والفرص الاقتصادية والثروات الطبيعية، التي يمنحها للولايات المتحدة، وأكّـدوا أن الولايات المتحدة لا تخدِم مصالحها بإرجاء الاهتمام المُـعتبر والكامل بالمنطقة، “فمن دون مُـقاربة مفهومة ومنهجية لتعزيز التكامل المغاربي، ستتزايد التهديدات للأمن والاستقرار في اتحاد المغرب العربي”، واستدلت على ذلك، بدراسة صدرت في عام 2008 عن معهد بيترسون للإقتصادات العالمية، وأظهرت الفوائد التي يُـمكن أن يحقِّـقها التكامل الاقتصادي للبلدان، وكذلك للتعاون عبر الأطلسي.

ولفتت الوثيقة الانتباه إلى أن شمال إفريقيا بقي يُنظر إليه في الولايات المتحدة على أنه مِـنطقة تخضع للمسؤولية الأوروبية، “على رغم عراقة علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة وأهميتها، من حيث موارد الطاقة والأمن والاستقرار والتجارة والتنمية، وعدة مجالات أخرى”.

وعلى هذا الأساس، حث أعضاء الفريق الإدارة الحالية على أن تتغلّـب على الصِّـعاب و”تتجاوز الإهمال السابق وتأخذ مشعل الزّعامة، لتطوير المستقبل المغاربي”، ورأوا أن هذا التوجّـه “سيمكِّـن من بَـلورة سياسات أقوى للتجارة والاستثمارات، الداخلية والخارجية، وتعاون فعلي أكبر في مكافحة الإرهاب وروابط أوثق بين الدول والمجتمعات المدنية، بالإضافة لإيجاد الآليات الحازمة للتقليل من الفوارق، وهي أمور تُـفيد البلدان المغاربية نفسها وتخدم كذلك المصلحة الأمريكية”.

لا نُقصي أوروبا

تُقدِّم الدراسة تقويما نقديا لتعاطي الإدارات السابقة مع المنطقة، مؤكِّـدة أن الإدارة الحالية تحتاج إلى سياسة (جديدة) لتطوير المصالح الأمريكية في المنطقة، أساسها التعاطي مع البلدان المغاربية الخمسة بوصفها منطقة واحدة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية معها، وكذلك بينها وبين أوروبا، وربطت ذلك بالعمل على قيادة مسار يؤدِّي إلى تسوية النزاع في الصحراء الغربية.

ورأى الفريق، الذي صاغ الدراسة أن “الحلّ القائم على حُـكم ذاتي في إطار السيادة المغربية والموضوع الآن على مائدة الأمم المتحدة، هو خيار قابل للحياة ومؤهّـل للتطبيق، وقد حظِـي بوفاق بين الحزبيْـن، الجمهوري والديمقراطي، وبتزكية الإدارات (الأمريكية) السابقة”، ومن هذه الزاوية، يمكن النظر إلى الدّعم الأمريكي القوي لمهمّة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس، وهو السفير الأمريكي الخبير بالشؤون المغاربية.

والجدير بالذكر أن 230 عضوا في الكونغرس الأمريكي وجّـهوا رسالة إلى الرئيس أوباما يوم 20 أبريل الماضي، أي بعد عشرين يوما من طرح الورقة عَـلنا، نصحُـوه فيها بدعم الاقتراح المغربي الخاص بمنح الصحراويين حُـكما ذاتيا في ظل السيادة المغربية. واللاّفت، أن الموقِّـعين على الرسالة الذين شكّـلوا الغالبية في الكونغرس، كانوا ينتمون إلى الحزبيْـن، الجمهوري والديمقراطي، إلا أن الصورة لم تلبث أن تغيّـرت مع الجولة الثانية التي قام بها السفير روس إلى المنطقة في أواخر شهر يونيو الماضي، إذ رافقتها تسريبات مكثّـفة عن حصول تغيير في الموقِـف الأمريكي، قد يكون مفاده انتظار الحلول التي ستُـسفر عنها جولة المفاوضات الجديدة بين المغرب وجبهة البوليساريو وعدم استبعاد الاستقلال، بوصفه أحد الخيارات الممكنة.

وقال الصحفي المغربي بلال التليدي، إن روس ضغط في زيارته الأخيرة للرباط على المغرب من أجل تقديم تنازلات من جانب واحد، وحثّـه على قبول طلب جبهة البوليساريو تخفيف الإجراءات الأمنية في الصحراء، كشرط لاستئناف المفاوضات، وهو ما اعتبره المغاربة انتِـهاكا لقرار مجلس الأمن الصادر في شهر أبريل 2009 باستئناف المفاوضات المباشرة وغير المشروطة.

وعزّز هذا الفهم مخاوِف الرباط، التي فسّـرت الرسالة التي وجّـهها أوباما إلى الملك محمد السادس، بأنها “تُـثير أكثر من علامة استفهام عن حقيقة التغيّـر في الموقف الأمريكي وحجمه ومدى صِـدق الادِّعاء بعدم وجود تغيّـر في موقف الإدارة الجديدة، في الوقت الذي توجد فيه إمكانية لقراءة مختلفة لهذا الموقف، لا تتقاطع بالضرورة مع تفسير جبهة البوليساريو، لاسيما أن الرئيس الأمريكي لم يُـشر لا إلى قضية الاستقلال ولا إلى مبادرة الحُـكم الذاتي، وترك الباب مفتوحا أمام الخيارات التي تخرج بها طاولة المفاوضات بين الطرفيْـن”، كما قال التليدي.

وتدلّ هذه التجاذبات على شدّة المخاض الذي أدركته قضية الصحراء، وإذا ما وُضعت هذه القضية الشائكة على سكّة الحل، فإن عقبة رئيسية أمام الاندماج الاقتصادي الذي يسعى له الأمريكيون، ستزول. غير أن هذا التقدّم لن يكون كافيا لجعل الطُّـرق سالِـكة بين المغاربيين والأمريكيين وفتح صفحة جديدة في العلاقات، على رأي بعض المحللين، ومنهم السفير التونسي أحمد ونيس، الذي يعتبِـر أن التقدّم في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي عنصُـر يكتسي أهمية كبيرة في إحلال الثقة بين الأمريكيين من جهة والمغاربيين والعرب عموما، من جهة ثانية.

غير أن ونيس رأى في تصريح لـ swissinfo.ch أن فُـرص تحقيق تسوية سِـلمية في الشرق الأوسط، ليست مرتبطة بشخص بقدر ما هي ترتبط بمنظومة أخلاقية ورُؤية للنظام العالمي، وإن أقر بأن “بروز أوباما بقامته الأخلاقية الفارعة يدُلّ على عودة وعْـي عميقة بمِـقدار الأضرار التي سبّـبتها الفوضى، التي ساهم فيها إلى حدٍّ بعيد سلفه”.

وشدد على أن “التسوية السلمية للصِّـراع العربي الإسرائيلي جزء أساسي من تعديل الوضع الدولي وتنقيته”، مشيرا إلى أن خطاب أوباما في القاهرة “أعطى أملا بأن النظام العالمي ستُعاد صياغته وأن رجال الدولة سيستحقّـون مناصبهم ومسؤولياتهم”.

ستة محاور

إجمالا، تتلخّـص المفاصل الرئيسية للورقة في ستة أفكار بخصوص سياسة الولايات إزاء المنطقة، يمكن تكثيفها كالتالي:

أولا، أن المنطقة المغاربية مهمّـة للولايات المتحدة من ناحية الأمن والجغرافيا السياسية والتاريخ والاقتصاد. ثانيا، ينبغي التعامل معها بوصفها منطقة، ممّـا يقلِّـل من التّـركيز على الشرق الأوسط. ثالثا، على الولايات المتحدة أن تحدِّد أهدافها بوضوح لتكريس الاستقرار والأمن في المنطقة، في ظل الرُّؤية الشاملة لإدارة أوباما. رابعا، على الولايات المتحدة أن تعمَـل بشكل أوثق مع الإتحاد الأوروبي، لبناء علاقات تعاون مَـتينة تعزِّز الاندماج الاقتصادي. خامسا، على الولايات المتحدة أن تقرِّر مشاريع أو خُـططا أوسع وأكثر عملية، لتطوير التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب في المنطقة. وأخيرا، عليها أن تعمل بثبات واستمرار مع البلدان الصديقة لإيجاد مخرَج من مأزق الصحراء الغربية.

ورأى الدكتور محمود التريكي، رئيس “جامعة جنوب المتوسط” التونسية الخاصة، أن المدخل الأفضل لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والبلدان المغاربية، هو التركيز على المجالات الإنسانية، مثل التعليم والصحة والسياحة. وأكّـد التريكي، الذي عمل أستاذا في الجامعات الأمريكية طيلة خمسة عشر عاما قبل أن يُنشِـئ في سنة 2001 أول جامعة خاصة في شمال إفريقيا تُدرّس بالإنجليزية، أن الطريق الأيسر لتقريب المسافات بين البلدان المغاربية والولايات المتحدة، هي اللغة والثقافة و”المدخل إليهما، هو طبعا التعليم”، على حد تعبيره.

والأرجُـح، أن إدارة أوباما ستأخذ بالإستخلاصات التي انتهى إليها التقرير، لإعطاء دفعة للعلاقات مع المغرب العربي، لكن لا يُعرف إن كانت ستقتصر على المحاور الإنسانية التي أشار إليها التريكي أم ستشمل الجوانب السياسية والاقتصادية الحساسة، التي قد تؤدّي إلى احتكاكات مع أوروبا الحاضرة تقليديا في المنطقة، وحتى مع الصين، اللاّعب الجديد في الملعب المغاربي.

تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch

أشرف على الدراسة كل من: ستيوارت أيزنستات، وزير الدولة للزراعة سابقا (ومستشار الرئيس جيمي كارتر بين 1977 و1981)، ووليام زارتمان، رئيس المعهد الأمريكي للدراسات المغاربية،

المشرف الفخري (وقد شارك في اجتماعات الفريق)، فهو الجنرال ويسلي كلارك، قائد قوات الأطلسي سابقا (بين 1997 و2001، أي في عهد بيل كلينتون)،

ومن الأعضاء البارزين في فريق العمل الذي ضمّ 13 عضوا بين أكاديميين وسفراء سابقين ومسؤولين سياسيين وعسكريين في الإدارات الديمقراطية السابقة:

وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت التي قادت الدبلوماسية الأمريكية بين 1997 و2001 في عهد كلينتون

ورئيس المركز الدولي لدراسات الإرهاب يوناه ألكسندر

ومدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة فوردهام جون أنتليس

ونواب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط السابقون شستر كروكر وروبرت بلليترو وديفيد وولش وإدوارد والكر

والسفيرة روبن رفائيل

ومساعد وزير الشؤون الخارجية الأسبق لحقوق الإنسان والديمقراطية لوران كرينر، (يشغل حاليا منصب رئيس المعهد الجمهوري الدولي).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية