مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خطّة الوزير كيري.. وخيارات الرئيس محمود عباس

في زيارة قام بها إلى "المقاطعة" في رام الله يوم 3 يناير 2014، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يُستقبل من طرف محمود عباس، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. Keystone

قبل أيام، التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع نحو ثلاث مائة طالب يهودي إسرائيلي في مدينة رام الله، للحديث عن رؤيته للسلام مع إسرائيل. ويقول المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني رجب أبو سرية، إن عباس اغتنم الفرصة ليبعث برسالة واضحة، بأن "هناك شريكا فلسطينيا لحلٍّ نهائي للصّراع".

ففي اللقاء، غازل الرئيس عباس الجمهور الإسرائيلي، عندما قال بأن “لا نية لدى الجانب الفلسطيني إغراق إسرائيل بملايين اللاجئين”، وهو الأمر الذي يُخيف المجتمع الإسرائيلي ويستخدِمه المعارضون للسلام داخل الدولة العبرية، لمنع تبلوُر حلٍّ نهائي أو أي خطّة تدفع الجانب الإسرائيلي لعقد صفقة سلام مع الفلسطينيين.

ويبدو أن الرئيس عباس يستبِق ما يمكن أن تفضي إليه خطّة الإطار التي سيقدِّمها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في قادِم الأيام، وهي خطة كثُر اللَّغط حولها، إذ لم يقدّم أي شيء مكتوب لغاية الآن، بالرغم من أن خطوطها العريضة باتت معروفة للجميع، وبخاصة بعد أن أفصح مبعوث عملية السلام الأمريكي مارتن إندك عن مضمونها في لقاء له بواشنطن مع بعض القِوى اليهودية.

الراهن، أن هناك صعوبات جمّة لقبول خطّة الإطار كما تمّ تسريب بنودها، وسيكون الرئيس عباس في مأزق القبول أو الرّفض، وبخاصة في ظل وجود محاذير داخلية وخارجية ستترتّب على الرفض وعلى القبول بها.

اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مقابلة تلفزيونية أجريت معه يوم الأحد 23 فبراير 2014، أن الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لدفع مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، هي “الطريق الوحيد للوصول إلى السلام”.

وقال نتانياهو لتلفزيون “زد دي إف” الألماني الرسمي، إن “الطريق الوحيد للوصول إلى السلام، هي دعم الجهود التي يبذلها جون كيري. علينا (أنا والرئيس الفلسطيني محمود عباس) أن نجلس سويا نحن الاثنين حول طاولة ونتفاوض حول الحل..”.

وأجرى التلفزيون الألماني هذه المقابلة مع نتانياهو عشية الزيارة الرسمية التي تقوم بها المستشارة الألمانية انغيلا ميركل وأعضاء حكومتها إلى إسرائيل وتستمر يومين، لإجراء مشاورات حكومية سنوية بين البلدين.

غير أن نتانياهو جدّد التأكيد على أن السلام لا يمكن تحقيقه إذا لم يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل، وهو ما يرفضه هؤلاء.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن العقبة الرئيسية أمام السلام، تكمن في “عدم رغبة الفلسطينيين في القبول بدولة يهودية” وليست في سياسة الاستيطان التي تنتهجها الدولة العبرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وينتقدها العديد من القادة الغربيين، معترِفا في الوقت نفسه، بأن الإستيطان هو “إحدى المسائل التي تحتاج إلى حل” خلال المفاوضات. وقال “أنا مستعد للقبول بدولة فلسطينية، ببساطة لا يمكنني أن أفهم لماذا لا يقبلون هُـم بدولة لليهود”.

وعلى الرغم من أن ألمانيا تعتبر مدافعا رئيسيا عن إسرائيل في المحافل الدولية، إلا أنها صعّدت في الأشهر الأخيرة لهجتها ضدّ الإستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وخلال زيارة لعباس إلى برلين في أكتوبر 2013، دعت ميركل إسرائيل إلى “ضبط النفس في مجال توسيع المستوطنات”. وفي مقابلته مع التلفزيون الألماني، وصف نتانياهو ميركل وأعضاء حكومتها جميعا بأنهم “أصدقاء كبار لإسرائيل”.

وقال في معرض تقليله من شأن التباينات بين البلدين حول مسألة الإستيطان، إنه “حتى بين الأصدقاء، داخل العائلات، هناك أحيانا تبايُـنات”، مضيفا “أنا سعيد مُسبقا بهذا الحوار مع أصدقاء أعزاء جدا”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 24 فبراير 2014).

 قبول الخطة

يمثل قبول الرئيس عباس لاتّفاق إطار يتمَحْور حول يهودية إسرائيل وإبقاء الكُتَـل الإستيطانية ونشْر قوات دولية على الحدود مع الأردن وشطب حقّ العودة، إذعانا للموقف الإسرائيلي. ولهذا السبب، سيصطدم الرئيس عباس بموقِف فلسطيني داخلي مُعارض لمثل هذا الإتفاق، تمثله القوى السياسية المختلفة وحماس ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية.

بالنسبة لعدد كبير من الفلسطينيين، تمثل استضافة الرئيس عباس هذا العدد من الشباب الإسرائيليين الذين ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، نوعا من الإستجداء والتوسُّل للتوصُّل إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي. ويقول الكاتب الفلسطيني إبراهيم الشيخ: “إن الوضع العربي والخلافات الفلسطينية الداخلية، لا يدفعان إسرائيل إلى تقديم التنازلات المطلوبة لعقد صفقة نهائية”، ويرى أن الرئيس عباس “ارتكب خطأ في محاولة تطمين الجانب الإسرائيلي، لأن الأخير جنح إلى التطرّف ،وليس معنيا باتفاقية سلام تلبّي الحدّ الأدنى من حقوق الفلسطينيين”، حسب رأيه.

وبهذا المعنى، فإن عباس ما زال مستمرا في مسلسل التنازلات اللّفظية المجانية، وهو يسعى خلف أوهام السلام وسراب تغيير المجتمع الإسرائيلي بتصريح هنا أو تصريح هناك.

لكن من جانب آخر، فإن قبول عباس بالخطّة، من شأنه أن يُحرج إسرائيل التي ربّما تراهن على السلطة الوطنية الفلسطينية لإفشال الخطة، حتى تتهرب من المسؤولية كما حدث في محادثات كامب ديفيد عام 2000، عندما فُسّرت مواقف الراحل عرفات بأنها رفض لمقترحات كلينتون ودفَع الفلسطينيون ثمنا لذلك.

بالإضافة إلى ذلك، يشعر المفاوض الفلسطيني بصعوبة الموقِف وبأهمية عامِل الوقت الذي يمر دون إحراز أي إنجاز لصالح الشعب الفلسطيني، بسبب تعنُت الجانب الإسرائيلي. وهناك قراءة فلسطينية تفيد بأن إسرائيل غيْر قادِرة على عقد اتفاق سلام، بسبب التحوّلات الجارية بالمجتمع الإسرائيلي، التي تدفعه نحو التطرّف.

في هذا السياق، يقول رجب أبو سرية: “إن جوهر المشكلة والتي تتفاقم منذ أوسلو، أي منذ عشرين سنة، هو أن الموقف الإسرائيلي التفاوضي، في حالة تراجع، نظرا لأن المجتمع الإسرائيلي في حالة تقدم باتّجاه اليمين والتطرّف والتديُّن، لذا، فلن يكون هناك شريك إسرائيلي، ما لم يحدُث اختراق في بِنية المجتمع الإسرائيلي تُحرِّره من إرث “الغيتو والعُزلة، وتدفعه للتعايُش مع الآخرين”.

لكن ماذا لو قبل الجانب الفلسطيني بالخطة وقبلها أيضا الجانب الإسرائيلي؟ هل يتمكّن الرئيس عباس من تسويق الخطّة على الشعب الذي يُعاني من احتلالٍ جاثم على صدورهم، وهل يتمكّن من إقناع حماس التي تعارض بقوة مثل هذا الاتفاق، وهل سيحصل عباس على شبكة أمان عربية تؤيِّده في المُضي قدُما في مفاوضات شاقة مع طرف يغيِّر من الحقائق على الأرض كل يوم؟

بشكل عام، يمكن القول أن قبول عباس الخطة سيضمن إيرادات ومساعدات مالية للسلطة الفلسطينية، التي تعتمد بشكلٍ كامل على المساعدات الخارجية لتأمين دفع الرّواتب، لكن في الوقت ذاته، فإن قبوله بالخطة سيطرح أسئلة صعبة عليه، ربما لا يتمكّن من الإجابة عليها.

 رفض الخطة ومآلات الرفض

الخيار الآخر، في حال تقديم خطة الإطار، هو أن يرفضها الرئيس عباس، وبهذا يُعفي نفسه من الكثير من التحديات الداخلية ويخفِّف من حدّة الإنتقادات التي سيواجِهها في حال قبوله بها. غير أن رفضا للخطة سيطرح تحديات مختلفة، تتمثل في احتمال أن يستنكف الغرب عن تقديم مساعدات للسلطة الفلسطينية.

فبالنسبة للجانب الأمريكي، فإن أي طرف يرفض الخطة سيُواجه عقوبات، وقد عبّر عن ذلك جون كيري حين قال على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الذي انعقد قبل أسبوعين، بأن “رفض إسرائيل للخطّة قد يدفع الإتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على إسرائيل”، وهو بذلك يبعث برسالة أيضا للجانب الفلسطيني.

حماس بدورها أعلنت على لسان عضو المكتب السياسي عماد العلمي، بأنها ستدعم الرئيس عباس في حال رفْضه لخطّة كيري، التي ترى أنها “وصفة لتصفية القضية الفلسطينية”، غير أن دعم حماس على أهميته، يبقى من دون فائدة إن لم يأت في إطار مصالحة وطنية فلسطينية، عمل الطرفان على تقويضها على مرِّ السنوات الماضية.

فعباس الذي يشعر الآن بأنه في مأزق، كان قد رهن مستقبله السياسي ومستقبل حركته بتحقيق إنجازات من خلال المفاوضات، وهو الأمر الذي رفضته حماس بقوة. وعباس الذي يشعر بأنه قد يواجه موقِفا دوليا صعْبا في حالة رفض الخطة، “ليس من دون خيارات”، كما يقول الكاتب الأردني عريب الرنتاوي. فعباس يمكن له أن يقوم بحلّ السلطة الفلسطينية أو الإستقالة، ما يخلط الاوراق ويُعسّر من مهمّة اسرائيل والولايات المتحدة.

في هذا الصدد، يرى الرنتاوي أن لا خيار أمام اسرائيل أو الولايات المتحدة، سوى التعامل مع عباس، كما أن إضعافه أو فرْض اتفاق عليه لا يقبل به الشعب الفلسطيني، من شأنه أن يُضعف عباس أكثر ما يحرم المجتمع الدولي من شخصية فلسطينية ترغب بالفعل في تحقيق السلام.

لكن الأمر أيضا يتعدّى موقِف إسرائيل من رفض فلسطيني مُحتمل، إذ يُلوّح صائب عريقات، كبير المفاوضين في السلطة الوطنية بأن الطرف الفلسطيني “سيلجأ للأمم المتحدة والمحاكم الدولية لملاحقة الإحتلال الإسرائيلي”.

باختصار شديد، ترتبط خيارات عباس ارتباطا وثيقا بصياغة “خطّة الإطار” والتفسير الشعبي لمآلات بنودها، وهو الأمر الذي يفهمه جون كيري جيدا.

فإذ تولّد انطباع عربي وفلسطيني بأن الوثيقة إنما تحمل أفكارا إسرائيلية تساعد على تصفية القضية الفلسطينية، فإن عباس لن يتمكن من الموافقة عليها والإبقاء على الإحكام بزمام الأمور. فرفض الخطة في هذه الحالة، سيكون الخيار الأقل كلفة. أما القبول بالخطة، كما سُرّبت، فهو يستلزم وجود شبكة أمان عربية لم تتوفّر بعدُ، لذلك، فإن الرئيس عباس يعيش مُعضلة مصيرية في قادِم الأيام ولا يمكن لأحد التنبُّـؤ كيف سيُقرر؟

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية