مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ديمقراطية “تحت السيطرة”.. في انتظار “الأفضل”

26 يوليو 2013: مظاهرة مؤيدة للقوات المسلحة في العاصمة المصرية القاهرة. الحشد يحمل صورة كبيرة للجنرال السيسي، الرجل القوي الجديد في البلاد Keystone

عُـمر الثورات قد يُقاس بسنين طويلة، ونادرا ما تُكون أحداثها خالية من العنف. لكن استعادة الجيش لزمام الأمور في مصر، بصورة مُوجعة وقاسية "لا تنذر بالضرورة بالإنجراف نحو حُكم استبدادي لا يرحم". هذه هي على الأقل قناعة بعض المتابعين للأوضاع هناك.

الثورات لا تتم بالضرورة بالرموز، كزهور القرنفل (في البرتغال) أو الياسمين (في تونس). ففي فرنسا، استغرق التخلّص نهائيا من النظام القديم، ما يقرب من قرن، منذ اقتحام سجن الباستيل عام 1789 إلى سقوط نابليون الثالث عام 1870.

ولئن كان لا يحبّذ مثل هذه المقارنات، فإن لورينزو فيدينو – الخبير في الإسلام السياسي بمركز دراسات الأمن في المعهد الفدرالي التقني العالي في زيورخ – يُقر بأن كل ثورة لها “سُـلّمها الزمني الذي يُرفقُ دائما بسُلـّم لأعمال العنف”.

وفي القاهرة، يراهن هشام قاسم على أن “العملية ستستغرق عشر سنوات على الأقل”. وأضاف الكاتب والمعلّق السياسي، الذي كان ضمن مؤسسي يومية “المصري اليوم” قبل نحو عشر سنوات: أن “مصر لم تكن أبدا ديمقراطية. لقد كانت ديكتاتورية في عهد مبارك، ثم سارت في الطريق المؤدي إلى الديمقراطية، ولكن لا زال يتعين عليها إقامة الفصل بين السلطات ووضع ضمانات للديمقراطية. ولا أعرفُ بُـلدانا كثيرة أنجزت كل هذا بسرعة أو من دون أن يثير ذلك أعمال عنف”.

قمة الرّعب

أعمال عنف بلغت ذروتها يوم 14 أغسطس الجاري، عندما فض الجيش والشرطة الاعتصامين اللذين كان قد نظمهما الإخوان المسلمون، في كل من ساحة رابعة العدوية وميدان النهضة في العاصمة المصرية، للاحتجاج على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي. في ذلك اليوم، وفي الأسبوع الذي تلاه، قُتل ما يقرب من ألف مدني في جميع أنحاء البلاد.

ويقول رشيد مسلي، مدير ومؤسس منظمة الكرامة لحقوق الإنسان غير الحكومية، التي تتخذ من جنيف مقرا لها: “لقد بلغت [الأحداث] قمة الرّعب في ساحة رابعة العدوية. ورأى مراقبونا في عين المكان، قنّاصة يقتلون متظاهرين من طائرات الهليكوبتر العسكرية، وجنودا يمنعون وصول فرق الإسعاف ويوجهون الضربة القاتلة للمصابين في مراكز الإغاثة الطبية”.

وقد أكد هذه الشهادات المثيرة للذّعر بعض الصحفيين الأجانب في الميدان، ومن بينهم السويسري سيرج ميشيل، مبعوث صحيفة “لوموند” الفرنسية، الذي اقترب كثيرا من لهيب العنف.

وبالنسبة لرشيد مسلي، نستطيع “بدون تردّد وصف هذه الأعمال بجرائم ضد الإنسانية”. ويشار ضمن هذا السياق، إلى أن منظمة الكرامة، التي قدّمت للمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قبل هذه الأحداث، أكثر من 250 حالة موثقة لإعدامات خارج نِطاق القضاء، تعهّدت باللجوء إلى العدالة الدولية.

مع ذلك، يـُـذَكر لورينزو فيدينو بأن “أعمال العنف التي شهدتها الأسابيع الماضية، وإن كانت مثيرة للصدمة، لا تجعل من هذه الثورة إحدى أكثر الثورات عُنفا على الإطلاق”.

“عدد الضحايا كان معقولا”

لكن يوم 14 أغسطس “شهد ارتكاب أسوأ المجازر في تاريخ مصر الحديث”، مثلما شدد على ذلك باحث سويسري، مُضطر لعدم الإفصاح عن هويته، قبل أن يضيف: “وتم هذا بموافقة ضمنية من غالبية السكان، والتي باتت تَـعتبِر المُلتحي عدوا لها. فنحن نشهد عمليات ضرب في الشوارع، وليس من قبل العسكر، بل من طرف مواطنين عاديين. ووسائل الإعلام تشنّ هجوما ضد الإخوان المسلمين، لم يسبق له مثيل، حتى في عهد مبارك”.

وضمن هذا السياق، لم تتردّد صحيفة “المصري اليوم” في وصف الإسلاميين في إحدى افتتاحياتها، بخلايا سرطانية ينبغي إزالتها عن طريق الجراحة أو حتى بـ “وسائل أقوى، أي باستخدام أسلحة كيماوية ومُشعة”.

وبانتظام، تستهدف الجرائد الوطنية عموما، الصحافة الأجنبية المُتّهمة بالليونة إزاء الإخوان. أما الصحفيون المصريون العاملون لحساب قناة الجزيرة القطرية، فيُوصَفون بـ “الخونة” و”أبناء العاهرات”! وبخصوص يوم 14 أغسطس، اعتبرت يومية “الشروق” أن “قوات حفظ النظام تصرفت بمِهنيّة. وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار عدد المتظاهرين، فإن عدد الضحايا كان معقولا”.

“لم يكن للجيش خيارات كثيرة”

من ناحيته، يُضيف لورينزو فيدينو: “لا يمكن إنكار حقيقة أن الغالبية العظمى من السكان، وحتى النخب الليبرالية، هي الآن مع الجيش وضد الإخوان المسلمين. فالناس على استعداد للقبول ببعض القيود على الحرية وبعودة بعض الأشخاص الذين تنبعث منهم رائحة مبارك، ولكنهم أفضل لهم من واقع الأشهر الثمانية عشرة الماضية”.

أما هشام قاسم فأكد أن “مرسي أراد إقامة دولة دينية، لذلك نزل الناس إلى الشارع. والجيش لم يكن يملك الكثير من الخيارات، إما عدم التدخل ومواجهة سيناريو شبيه بـ [إعدام] تشاوشيسكو (رئيس رومانيا الأسبق)، أو التحرك لعزل الرئيس. ورد فعل الإخوان، اقترب من عصيان مسلح. فكان ينبغي التحرك”.

ومع ذلك، فإن الكاتب والمعلق السياسي لا يصل إلى حد منح الجنرال عبد الفتاح السيسي، الرجل القوي الحالي في البلاد، صكا على بياض، إذ يقول: “عندما أعلنوا قانون الأحكام العرفية لمدة شهر، كُـنت في مقر التلفزيون وقلت على الفور إنني لا أتفق مع مثل هذه المدة، كنت أفضل أسبوعا قابلا للتجديد. وإذا توجب تمديد الفترة لأكثر من شهر، سيتعين على الحكومة أن تشرح لي السبب، وإذا ما لم يناسبني جوابها، فسأقف ضدها”.

لا حُكم بدون توافق

أما بخصوص المستقبل، يعتبر لورينزو فيدينو عودة أحد أشكال “المباركية من دون مبارك”، سيناريوها مُرجّحا، قائلا: “لقد رأينا ذلك في ثورات عدّة، حيث كان يتوجّب أن يتغير كل شيء لكي يظل كل شيء على حاله [في نهاية المطاف]. وفي هذه المرحلة، تبدو الغالبية العظمى من الناس في مصر، متفقة تماما على أن الأيام السيئة لم تكن بذلك القدر من السوء، فعلى الأقل، لم يكن هناك نقص في البنزين، وكان الأمن في الشوارع”.

وماذا عن قيام ديكتاتورية عسكرية؟ الباحث السويسري يستبعد ذلك: “لن يكون من الحِكمة من جانب الجيش، إحكام سيطرة ظاهرة على البلاد، بحيث يكون السيسي أو أحد أمثاله، الرئيس المقبل. ما يمكن أن يحدث في المقابل، هو تعيين حكومة شديدة الإرتباط بهم، تكون لها واجهة مستقلة وتلتزم بعدم تجاوز خطوط معينة، أي نوع من الديمقراطية الخاضعة للمراقبة”.

وتابع قائلا: “إن المصريين ثاروا مرّتين في أقل من ثلاث سنوات، وهذا يُظهر أنه لا يمكن لأي شخص (أو حاكِم) أن يبقى في مكانه، دون أن يتم التوصل إلى توافق، سواء باستخدام القرآن أو الدباّبات أو القوة”. ولئن كان هشام قاسم لا ينكر الصعوبات المستقبلية، فإنه لا يتصوّر أن تقع بلاده في براثن حرب أهلية.

استعادت أسرة عائشة، القيادية الإخوانية، أساليب العمل السري لجماعة الإخوان المسلمين، التي أتقنتها لعقود قبل إمساكها بالحكم، إذ توارى الأب القيادي عن الأنظار، وأصبحت الابنة أسيرة حالة من الشعور بالمطاردة، في ظل الملاحقات الأمنية التي تستهدف مسؤولين في هذه الجماعة.

ومنذ فض اعتصامات الإسلاميين في الرابع عشر من أغسطس 2013 ومقتل نحو ألف شخص منذ ذلك الحين، معظمهم من الإسلاميين، يشن الأمن المصري حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات الصف الأول والثاني، وأعضاء آخرين في جماعة الإخوان، طالت المرشد العام محمد بديع وعددا كبيرا من القيادات البارزة.

وأثرت تلك الاعتقالات بشكل مباشر على ترابط وتنظيم جماعة الإخوان على الأرض، حسب ما قال أعضاء بالجماعة لفرانس برس، بأن الجماعة مُجبرة على اتباع نفس تكتيكات العمل السري التي اعتادت عليها منذ تأسيسها في عام 1928 وحتى عشية ثورة 25 يناير 2011.

وقد جرى تشكيل لجان بديلة داخل الجماعة، لتعوض دور القيادات المعتقلة في التنسيق والتواصل مع الأعضاء وحشدهم، حسب ما كشف أعضاء بالإخوان لفرانس برس.

ورغم الإعلان عن تعيين محمود عزت مرشدا مؤقتا، بعد اعتقال بديع، إلا أن أحدا من القيادات الوسطى في الإخوان لم يؤكد الخبر، ما يعكس ضعف التواصل داخل الجماعة.

وقالت عائشة (25 عاما) وهو اسم مستعار لقيادية شابة في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان وابنة أحد قادة الجماعة في محافظة الإسكندرية إن “التواصل أصبح مباشرا، لا نستخدم الهاتف أو الإنترنت خوفا من تحديد أماكننا”، وتابعت “أصبحت أكثر حرصا على المعلومة التي بيدي وعلى أمني الشخصي”. وأضافت عائشة التي توارى والدها عن الأنظار خشية القبض عليه “نحن نستعيد قمع الأمن بشكل عادي، لأننا تعودنا على ذلك طيلة سنين”.

واقترنت جماعة الإخوان بصفة “المحظورة” في الإعلام الرسمي خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكنها باتت اليوم تواجه حظرا شعبيا متزايدا في الشارع، يزيد من وطأة ملاحقة الأمن لقيادتها. وتقول عائشة: “التضييق أصعب من عهد مبارك، لأن هناك تضييقا شعبيا أيضا”. وتابعت بضيق: “كثير من الناس يعاملوننا بشكل سيّء كثيرون يريدون التخلص من جيرانهم الإخوان، لكن هناك متعاطفين معنا بالطبع”.

وأربكت حملة الاعتقالات واختفاء القيادات وتواريهم عن الأنظار صفوف الجماعة التي فشلت بشكل واضح في حشد أنصارها في الشارع خلال الأسبوع الماضي، ذلك ربما بسبب تعذر إبلاغ كثيرين بالأوامر.

قال قيادي في حزب الحرية والعدالة في طنطا (دلتا النيل) يدعى أحمد “لم نعد نتواصل بشكل مكثف عبر المكالمات الهاتفية لأننا نعرف أنها مراقبة”. وأضاف أحمد الذي لم يقض ليلته في منزله ببلدته خشية اعتقاله “أصبحنا نتلقى التكليفات الصادرة لنا وجها لوجه”. وذكر قيادي آخر أن التواصل عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح محدودا، بينما قال آخرون إن أحدا من القيادات لا يقضي الليل في بيته منذ بدء الحملة الأمنية.

وقالت مصادر أمنية لوكالة فرانس برس إن “عدد المقبوض عليهم من جماعة الإخوان المسلمين يتجاوز الألفين معتقل عبر البلاد منذ فض الاعتصامات”، مشيرة إلى أنه ليس هناك قائمة كاملة بالمقبوض عليهم حتى اللحظة.

لكن إسماعيل الوشاحي، وهو محام منتم للإخوان يقول: “أحصينا 8 آلاف حالة اعتقال واختفاء قسري للمنتمين للجماعة. والمعتقلون يواجهون 16 تهمة، منها القتل والشروع في القتل وحيازة أسلحة وحرق منشآت”، وذلك منذ الثالث من يوليو.

ووجهت الحملة الأمنية ضربة قاسية، ولكنها ليست قاتلة للجماعة التي لا تزال تستطيع تنظيم مسيرات مؤيدة في الشوارع، ولو أنها لم تعُد تجمع أعدادا كبيرة، في وقت لم تحل السلطات المصرية جماعة الإخوان بعد، لكن رئيس الوزراء حازم الببلاوي قدم اقتراحا بذلك.

ويقول أشرف الشريف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة لفرانس برس: إن “الجماعة تعاني حالة ارتباك ،ولكن أموالها لا تزال بيدها إلى حدّ كبير ومعظم أعضائها غير معتقلين”. ويتابع: “الحملة الأمنية وجّهت ضربة قاسية، ولكنها غير قاصمة، الأمر له أبعاد رمزية أكثر منها حقيقية”.

وتضم جماعة الإخوان المسلمين مئات الآلاف من الأعضاء بمصر، بحسب تقديرات غير رسمية. ومنذ فض الاعتصامات، توقف الإخوان عن حشد أنصارهم من خارج العاصمة للتظاهر في القاهرة، ويعود الأمر لاعتقال عدد كبير من المسؤولين عن الأمر من رؤساء المكاتب الإدارية في المحافظات المختلفة، حسب ما قال قيادي إخواني. وقال هيثم أبو خليل، القيادي السابق بالجماعة: “جماعة الإخوان المسلمين كجماعة سرية مغلقة، يمكنها مواجهة الحملة الأمنية بسهولة وإعادة ترتيب صفوفها بشكل سريع وفعال”.

ومنذ نهاية يونيو الماضي، أغلقت معظم مقرّات جماعة الإخوان وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة أبوابها، وتعرضت عشرات المقرّات في عدد كبير من المحافظات، للحرق والتدمير على أيدي معارضي الجماعة.

والثلاثاء الماضي، عقد التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب “المؤيد للإخوان” مؤتمرا صحفيا له في مقر حزب العمل في القاهرة، لم يحضره أي من قيادات الإخوان أو الرموز الإسلامية المؤيدة لهم، ما اضطر الصحفيين لسؤال منظمي المؤتمر عن هويتهم وأسمائهم.

وقبل سقوط نظام مبارك، اعتادت جماعة الإخوان المسلمين أن تعقد مؤتمراتها في هيئات ومؤسسات مؤيدة لها، وهو ما بدت الجماعة وكأنها تستعيده الآن.

وفي بورسعيد، يقول أحد قادة الجماعة لفرانس برس عبر الهاتف بتحدٍّ: “نحن عُدنا للعمل بطريقة زمان مع القواعد بشكل مباشر، بعيدا عن المقرات”، مضيفا: “الأصل، أننا نتعامل مع الناس دون مقرات، والعمل فوق الأرض كان الاستثناء”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية، أ ف ب بتاريخ 25 أغسطس 2013)

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية