مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوريا بين شبه السلطوية.. والإنقلاب.. والحرب الأهلية

في أول لقاء تشاوري دعت إليه السلطات وافتتح يوم 10 يوليو 2011 في دمشق برئاسة فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، تغيبت المعارضة وأكدت على ضرورة وقف عمليات القمع الشديد للمحتجين والمتظاهرين المدنيين

اشتهر السفير الأمريكي لدى دمشق، روبرت فورد، في دوائر السلك الدبلوماسي الدولي بأنه"صريح العبارة، صلب المواقف، وحاد النبرة".

هذه السمات تجلّت، على أي حال، في الزيارة “الإختراقية” التي قام بها  السفير يوم الجمعة 8 يوليو 2011 إلى مدينة حماه التي تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى بؤرة الصدام الرئيس بين المعارضة والنظام، على رغم المخاطر الجمة التي أحاطت بهذه الزيارة.

ثم أيضاً في المقابلة الأكثر إثارة للجدل التي أجراها فورد مع الموقع الألكتروني للدورية الإستراتيجية “فورين بوليسي”، والتي أثار فيها النقاط الخطيرة التالية:

– السلطات السورية لاتزال غير قادرة على إدراك عمق التغييرات التي تعصف بالمجتمع السوري.

– طروحات الإصلاح التي طرحها الرئيس الأسد “لا معنى لها”، لأنه لايمكن للحكومة السورية أن تتمتع بأي صدقية إذا ما استمر قمع المظاهرات السلمية.

– ليس ثمة أي دليل حتى الآن على أن الحكومة السورية مستعدة لإجراء الإصلاحات السريعة التي يطالب بها المتظاهرون، ولاهي حتى قريبة من تلبية هذه المطالب. ومالم تبدأ تحركاً سريعاُ فإن الشارع سوف يجرفها”.

نهاية حقبة

تصريحات خطيرة؟ أجل، وربما دقيقة أيضاً.

فسورية ما قبل 15 آذار/مارس (حين اندلعت الإنتفاضة الراهنة) زالت من الوجود بالفعل، وحلّت مكانها سورية جديدة كل الجدة قد تكون لها السمات الرئيس التالية:

السمة الأولى، صعود سلطة المجتمع المدني، بعد سبات عميق دام نيفاً ونصف قرن شهد سيطرة الانقلابات العسكرية ثم الأنطمة السلطوية القومية الناصرية ثم البعثية على الدولة والمجتمع في آن. صحيح أن الدولة الآن لاتزال تحتكر إلى حد بعيد أدوات القمع وممارسة العنف، إلا أن هذه الاحتكار بدأ يتآكل بسرعة قصوى خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية.

السمة الثانية، أن الجيل السوري الجديد اسقط في الآونة الأخيرة ركيزتين “استراتيجيتين” كُبريين للنظام:

الأولى، هي ركيزة الخوف ومارافقه طيلة العقود الخمسة الماضية من إدارة الظهر الشعبية للسياسة، والتقوقع الاجتماعي- الثقافي، وتصحير للمجتمع المدني بمعظم مكوناته. والثانية، سقوط الشرعية الإديولوجية التي استند إليها النظام (القومية العربية البعثية)، حيث تحوّل حزب البعث العربي الاشتراكي الآن من “روح الأمة الخالدة”، كما كان يُطلق عليه، إلى الخصم الرئيس لهذه “الأمة”.

هذه النقطة الأخيرة ليست تفصيلاً بسيطا. إذ أن القومية العربية كانت لردح طويل من الزمن اللحمة الرئيس التي وحّدت التعددية الطائفية والمذهبية السورية وخلقت فيها قواسم الإنتماء المشترك. والآن، ومع تحوّل رمز هذه اللحمة (أي حزب البعث) إلى طريد مرفوض من قطاعات واسعة من المجتمع، نشأ فراغ إيديولوجي- ثقافي حقيقي في المجتمع السوري ستتنافس على ملئه قوى طائفية وأصولية وإثنية متباينة.

حتى الآن، ترفع المعارضات على أنواعها، كما النظام، رايات الوطنية السورية (سورية أولا). وهذا تطور غير مسبوق في تاريخ سورية الحديث والقديم على حد سواء، على رغم أننا نشهد ظواهر مماثلة له في ثورات مصر وتونس واليمن وليبيا وبقية السرب العربي.

هذا التطور، وبسبب جدته، لم يحظ بعد بالإهتمام الكافي من جانب الباحثين والأكاديميين، لكنه يثير بالفعل أسئلة جوهرية من نوع: هل نحن في صدد ولادة دول – أمم جديدة في المنطقة العربية شبيهة بالدول الأمم التي قامت في أوروبا غداة انهيار الإمبراطورية الجرمانية المقدسة؟ وإذا ماكان الأمر على هذا النحو، أي علاقة لهذه الدول- الأمم الجديدة بكلٍ من العروبة والإسلام؟ بالنسبة إلى سوريا، لايزال هذا الخيار قيد الاختبار. وينبغي الانتظار لنرَ ما إذا كانت الوطنية السورية قادرة حقاً على الحلول مكان القومية العربية كقوة لحم جديدة للمجتمع التعددي السوري.

السمة الثالثة، قد لاتبدو مرئية في الحدث اليومي، لكنها ربما تثبت بعد قليل أنها الأكثر حسماً، وهي مصير الاقتصاد السوري.

فالدلائل والأرقام تشير إلى أن عجلة الاقتصاد السوري توقفت عن العمل إلى حد كبير، خاصة قطاع السياحة الذي كان يستقطب 6 ملايين سائح سنوياً مع دخل يقدّر ببلايين عدة من الدولارات، وأيضاً قطاعا الزراعة والصناعة، وحتى القطاع العقاري حيث بات البناء العشوائي هو القاعدة لا الإستثناء. علاوة على ذلك، أشارت مجلة “إيكونوميست” قبل أسبوعين إلى أنه خلال الشهرين الماضيين، جرى تهريب أكثر من 20 بليون دولار من سوريا أساساً إلى المصارف اللبنانية في بيروت. وفي حال استمر هذا النزف للعملات الأجنبية في سوريا، فإنه سيشكّل ضغطاُ كبيراً وخطيراً على الليرة السورية ويُطلق توجهات تضخمية أخطر، ما يُنذر بوقوع كارثة اقتصادية تقود إلى اضطرابات اجتماعية جديدة.

ويعتقد العديد من الخبراء الغربيين والعرب أن الإقتصاد السوري لن يستطيع الصمود على هذا المنوال أكثر من ثلاثة أشهر أخرى، وبعدها قد يحدث انهيار اقتصادي يؤدي إلى تفكيك التحالف الراهن بين البوجوازية السنيّة المدينية والأقليات المسيحية والدرزية وبين النظام.  

تردد وتلعثم

كيف تتفاعل السلطة السورية مع هذه المعطيات، وإلى أين من هنا؟

يبدو أن روبرت فورد على حق: النظام السوري لمّا يدرك بعد عمق التحولات في المجتمع. وهذا يُفسّر إلى حد بعيد لماذا يتقدم النظام خطوة إلى الأمام، عبر دعوات التشاور والحوار الوطني ووُعود الإصلاحات واسعة النطاق التي تشمل إدخال التعددية (فاروق الشرع) وصياغة دستور تعددي (المؤتمر التشاوري الأخير برئاسة الشرع أيضا)، ثم يتراجع خطوات عدة إلى الوراء من خلال مواصلة القمع العنيف حتى للفنانين والمثقفين، كما حدث الخميس 14 يوليو حين تم اعتقال 40 منهم كانوا يحاولون الإعتصام في دمشق دعماً للانتفاضة.

وهذا يترك سوريا تتأرجح بين الإحتمالات التالية:

إما الانتقال السريع من النظام السلطوي إلى النظام شبه السلطوي (كما في المغرب والأردن وقبلهما في مصر وتونس) حيث يسمح النظام بالتعددية  الحزبية وحيّز من الحريات، لكن من دون قبول تداول السلطة أو وصول المعارضة إلى الحكم؛ أو انقلاب عسكري سنّي –  علويّ مشترك يُطيح بالنخبة الحالية الحاكمة، أو معظمها، ويُشرف على المرحلة الإنتقالية بدعم تركي- أمريكي- سعودي؛ أو حرب أهلية قد ترتدي سريعاً حلّة طائفية واضحة وتتحوّل بالتدريج إلى مجابهات مسلّحة.

أي من هذه السيناريوهات الأقرب إلى التحقق؟

التكهن صعب في هذه المرحلة. فالوضع السوري في حالة سيولة كاملة وحقيقية، والمفاجآت واردة في كل لحظة، لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أنه لاأحد من الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالوضع في سورية، يريد أو يسعى إلى إشعال حرب أهلية في هذه الدولة، بسبب موقعها الإستراتيجي الحساس في المشرق العربي.

وهذا مايترك اليد العليا للخيارين الأولين. وهما، بالمناسبة، خياران “متطابقان”.

عمان (رويترز) – قال نشطاء ان القوات السورية قتلت 32 مدنيا على الاقل يوم الجمعة 15 يوليو في العاصمة دمشق في حملة قمع متصاعدة على الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الاسد.

وكان هذا اعلى عدد من القتلى يسقط في الاحياء الوسطى بدمشق منذ تفجر الانتفاضة قبل اربعة اشهر في سهل حوران الجنوبي قرب حدود سوريا مع الاردن.

وقال نشط بالتليفون من دمشق ان”عشرات الالاف من سكان دمشق خرجوا الى الشوارع في المناطق الرئيسية لاول مرة يوم الجمعة وهذا هو سبب لجوء النظام الى مزيد من القتل.”

وقال الزعيم المعارض وليد البني لرويترز ان عمليات القتل تلك دفعت المعارضة الى الغاء مؤتمرها المزمع للانقاذ الوطني في حي القابون بدمشق يوم السبت 16 يوليو بعد ان قتلت قوات الامن 14 محتجا خارج قاعة افراح حيث كان من المقرر ان يعقد المؤتمر.

وقال البني بالتليفون من دمشق ان الشرطة السرية هددت صاحب قاعة الافراح وان المعارضة قررت الغاء الاجتماع انقاذا للارواح.

واضاف البني انه مازال من المقرر ان تعقد شخصيات معارضة ونشطاء بارزون مؤتمرا منفصلا في اسطنبول يوم السبت.

ويسعى الاسد الذي يواجه أكبر تحد لنحو 40 عاما من حكم حزب البعث الى سحق الاحتجاجات التي تفجرت في مارس 2011. لكن رغم أن جماعات حقوقية تقول ان نحو 1400 مدني قتلوا منذ بدء الاحتجاجات الا ان الاحتجاجات تتواصل بلا هوادة ويتزايد عدد المشاركين فيها.

وقال رامي عبد الرحمن رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان “هذه هي أكبر احتجاجات حتى الان. انها تحد صريح للسلطات لاسيما عندما تخرج كل هذه الاعداد في دمشق للمرة الاولى.”

وذكر شهود وناشطون أن الشرطة أطلقت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع في العاصمة دمشق وضواحيها. وقتلت الشرطة اربعة في درعا مهد الانتفاضة والواقعة بجنوب سوريا.

وأضافوا أن قوات الامن قتلت بالرصاص ثلاثة محتجين في محافظة ادلب بشمال غرب البلاد قرب الحدود مع تركيا حيث هاجمت قوات ودبابات القرى. وقتل اثنان اخران في مدينة حمص.

وقال شاهد من منطقة ركن الدين في دمشق ان مئات الشبان الملثمين اشتبكوا مع قوات الامن بالعصي والحجارة. وهتف المحتجون قائلين “يسقط يسقط بشار الاسد.”

وفي مدينة حماة التي نفذ الجيش مذبحة فيها عام 1982 أظهرت لقطات فيديو صورها السكان حشدا كبيرا في ساحة العاصي الرئيسية بالمدينة يردد “الشعب يريد اسقاط النظام”.

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان 350 ألفا على الاقل تظاهروا في محافظة دير الزور الشرقية. وقال سكان ان القوات السورية قتلت بالرصاص اثنين من المحتجين هناك يوم الخميس 14 يوليو.

ويناضل الاسد المنتمي للاقلية العلوية بسوريا لاخماد المظاهرات الاخذة في الاتساع في المناطق الريفية والقبلية النائية بالاضافة الى ضواحي دمشق ومدن مثل حماة وحمص.

ومنعت اعتقالات جماعية ونشر كثيف لقوات الامن بما في ذلك ميليشيا علوية غير نظامية تعرف باسم الشبيحة المظاهرات في الاحياء الوسطى بدمشق وحلب المركز التجاري .

ويقدر النشطاء أن عدد أفراد الشرطة السرية في شوارع دمشق زاد بأكثر من الضعف منذ بدء الاحتجاجات الا ان الركود يسود الاقتصاد وتتعرض الليرة السورية لضغوط مع ارتفاع سعر صرفها الى 53 ليرة امام الدولار مقابل 46 ليرة امام الدولار قبل اندلاع الانتفاضة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 يوليو 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية