مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شمال لبنان في عيْـن الإعصار السّوري

يوم 17 يونيو 2012، ردد متظاهرون تجمعوا وسط مدينة صيدا جنوب لبنان شعارات مناهضة للنظام السوري ومنددة بالدعم الروسي له كما قاموا بإحراق صور ضخمة للرئيس بشار الأسد (يمين) وشقيقه ماهر الأسد. Keystone

هل يكون شمال لبنان أولى المحطات الإقليمية المُحتمَـلة لتمدّد "الإنفجار العظيم" السوري، ولماذا؟ وهل الخروقات العسكرية الأخيرة، التي قام بها الجيش النظامي السوري في الأيام المنقضية على الحدود اللبنانية - السورية، هي النذر الأولى لهذا التمدّد؟

لنقل أولاً،  أن ثمّـة عامليْـن جيو- استراتيجيين يجعلان طرابلس والضنية ومناطق عكار ووادي خالد في شمال لبنان، محطّ أنظار العاصفة السورية العاتية، التي لم يسبق لها مثيل في الواقع في تاريخ سوريا، سواء القديم منه أو الحديث.

الأول، يمكن لحظه بسهولة من خلال أي إطلالة سريعة على خريطة لبنان وسوريا، إذ سيتبيّن أن شمال لبنان يشكّـل في الواقع الضّلع الثالث من مثلث المنطقة الجغرافية العَـلوية الذي يضُـمّ، إلى اللاذقية وطرطوس وجبالهما، مناطق حُـمص وحماه.

هذا الموقع الجغرافي هو الذي دفع المؤرّخين إلى إطلاق اسم “طرابلس الشام” على عاصمة الشمال اللبناني، ليس فقط لتمييزها عن طرابلس شمال إفريقيا، بل أيضاً للإشارة إلى مدى ارتباطها العميق والوثيق بالعُمق السوري، وهو ارتباط كان ديموغرافياً، حيث العائلات واحدة على جانبيْ الحدود وتجارياً، والأهم: أمنيا”.

البُـعد الأهم، أي الأمني، كان دَوماً على رأس أولويات أي نظام سوري، مهما كان لونه. لكنه يرتدي هذه الأيام، أهمية أكثر خطورة بسبب احتمال أن يؤدّي فشل الحلول السياسية الدولية للأزمة السورية إلى تنامي إمكانات تقسيم سوريا على نحو ما فعل الفرنسيون في أوائل القرن العشرين، حين قسموا البلاد إلى خمس دول، عَـلوية ودُرزية وسُـنيّة. وفي حال وقع هذا المحظور، فسيكون الضلع الثالث من “المثلث العلوي” (أي شمال لبنان)، أحد المواقع الرئيسية لرسم الخطوط الدموية الجديدة  للتقسيم.

انتماء واحد

هذا عن أهمية شمال لبنان من زاوية سورية. أما من الزاوية اللبنانية، فالمسألة لا تقل أهمية، إذ يجب أن نتذكّر هنا أن الشماليين السُـنّة كانوا حتى فترة متقدِّمة بعدَ استقلال لبنان عن فرنسا في 22 نوفمبر 1943 يعتبِـرون أنفسهم جزءاً من سوريا، وكانوا يتظاهرون في كل حين رافعين العلم السوري مطالبين (من موقِع قومي عربي آنذاك)، بالعودة إلى الكنَـف السوري.

صحيح أن الصورة تغيّـرت مع وصول النظام السوري الحالي إلى السلطة، ومع انحسار موجة القومية العربية، إلا أن هذا عبّـر عن نفسه شمالياً في تحوّل “الإنتماء السوري” من رابطة العروبة إلى رابطة الإسلام، على الأقل بالنسبة إلى حركات الإسلام السياسي السُـنّي.

العامل الجيو- إستراتيجي الثاني عملاني، إذا جاز التعبير. فقد تحوّل شمال لبنان خلال الأشهر الأخيرة إلى مقصد للاّجئين والجرحى السوريين المعارضين للنظام، سواء من المدنيين أو المسلحين، الذين حظوا بعناية خاصة من الأهالي وحركات الإسلام السياسي، وهذا ما جعل المعارضة السورية ترى في شمال لبنان ملاذاً شِـبه آمن، مع أن السلطات الأمنية اللبنانية (خاصة منها الأجهزة القريبة من دمشق)، كانت تنشط لمُـراقبة السوريين اللاجئين وتحاول أحياناً التضييق عليهم أو حتى تسهيل اعتقالهم.

من جِهتها، لم تُـخفِ مختلف القِوى السياسية اللبنانية في الشمال، من حركات الإسلام السياسي إلى التيار السُـنِّي الرئيسي “المستقبل”، دعمها الكامل للثورة السورية. لكن هذا الدّعم  تبايَـن بين فصيل وآخر.

ففي حين حرص تيار المستقبل أن يُـبقي عملية المُـساندة في الأطُـر التي لا تضر بعلاقته مع الدولة اللبنانية وموقعه الأساسي والمؤسس فيها، كانت العديد من الحركات الإسلامية تذهب إلى النهاية في مثل هذا الدّعم وعلى كل الصُّـعد تقريبا.

صعود أصولي

الأمْـر الآخر الذي يجعل هذا التبايُـن مُـهماً، هو أن حركات الإسلام السياسي في شمال لبنان شهِـدت خلال السنوات الأخيرة، صعوداً مميَّـزاً على الصعيد التمثيلي للجماعة السُـنّية في لبنان، بفعل عوامل متشابكة عدّة، منها عجز تيار المستقبل عن الوقوف في وجْه حزب الله، حين اجتاحت قوات هذا الأخير بيروت عام 2008، ما جعل العديد من الشبّان السُـنّة الشماليين يتحوّلون من دعْـم تيار المستقبل إلى مساندة الحركات الإسلامية الأكثر تشدُّدا.

عجز آخر للمستقبل عن إيجاد حلول لمسألة الفقر المُـدقع في العديد من مناطق الشمال، حيث أفاد تقرير لمجلس الإنماء والإعمار حول الفقْـر في لبنان، أن الدخل الشهري لنِصف العائلات التي تقطُـن باب التبانة السُـنّية (المواجهة لبعل محسن العلوية) في طرابلس، لا يتعدى الـ 130 دولاراً. وقدّر تقرير آخر أن 23% من فقراء لبنان يعيشون في عكار. وحين لم تفِ حكومات الحريري المتعاقِبة بوعودها للحدّ من الفقر في المنطقة، تقدّمت الحركات الإسلامية، خاصة السَّـلفية منها، (بدعم جمعيات خاصة خليجية)، وأقامت شبكة واسعة من الخدمات الإجتماعية والصحية والمدارس الدِّينية، ما ساهم إلى حدٍّ بعيد في زيادة نفوذها في الشمال.

في الأثناء، ترى دراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط (يناير 2008)، أن الوجود العسكري السوري، الذي دام 30 سنة في لبنان، كان أحد العوامل الرئيسية في تحديد شكل تطوّر الحركات الإسلامية في الشمال. فأغلبية الإسلاميين، على مُختلف مشاربهم، باستثناء حركة الأحْباش، يتذكّـرون بمَـرارة سياسة الحصار التي فُـرِضت على نشاطاتهم تحت الوصاية السورية، حيث أرغمتهم أجهزة المخابرات السورية واللبنانية المرتبِطة بها، على النزول تحت الأرض، وظلّت مدارِسهم ومراكزهم تحت الرّقابة الصارمة، وامتلأت السّجون السورية واللبنانية بهم.

وبالتالي، حين انسحَـبت القوات السورية من لبنان عام 2005، شهِـدت الحركات الإسلامية في الشمال، طفرة كبيرة في نشاطاتها. ولم يؤدّ اغتيال رفيق الحريري في ذلك العام نفسه، سوى إلى تفاقُـم المشاعر المَـذهبية بين الشبّان السُـنّة في الشمال.

حتى وقتٍ غير بعيد، لم تكُـن طروحات الإسلاميين الشماليين، تلقى آذاناً صاغية لدى غالبية المسلمين السُـنّة في الشمال. لكن الحمْـلة العسكرية للجيش اللبناني في مخيّم نهر البارد، التي دامت ثلاثة أشهر، وغليان الرأي العام الإسلامي غَـداة حربيْ العراق وأفغانستان وتفاقُـم التوترات المذهبية في كل الشرق الأوسط والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، كل ذلك (وفق مركز كارنيغي دائما)، “زوَّد الإسلاميين بإطار عمل للترويج لبرامجهم بين سُـنّة الشمال”.

والآن، تأتي التطوّرات السورية، التي تتّخذ هي الأخرى طابعاً مذهبياً يزداد حِـدّة يوماً بعد يوم، لتتوّج هذا الصعود إلى درجة تدفَـع البعض إلى القول أن الحركات الإسلامية في الشمال، بدأت تشب عن طوق تيار المستقبل، الذي كان في السابق يحتضنها ويُـموّل الكثير منها، لتشُـق لنفسها طريقاً مستقلة على إيقاع الثورة السورية. (لمزيد التفاصيل عن هذه الحركات وتركيبتها، انظر النص المصاحب للمقال على الشمال).

حصيلتان

هذه التركيبة الأيديولوجية – الثقافية في الشمال، التي تتمحور، كما هو واضح، حول الإسلام السياسي، تضفي على الحالة السياسية في هذه المنطقة طابعاً طائفياً سُـنيّاً واضحاً، بخلاف ما كان يجري في حِـقبة الخمسينيات والستينيات، حين كانت اليد العُـليا للقومية العربية العِلمانية.

وهذا التطور أدّى إلى حصيلتيْـن إثنتين: الأولى، التأثر الشديد والمباشِـر للقوى الإسلامية الشمالية بكل ما يجري في سوريا، الذي يرتدي بدوره وبشكل متزايِـد طابَـع الصراع الطائفي السنّي – العَلوي. فمـُعظم هذه القِـوى تدعم بقوة الثورة السورية، ما عدا حَـفنة من الأطراف السُـنّية المنتمِـية إلى جبهة العمل الإسلامي، المتحالفة مع حزب الله. والثانية، عودة الإنشِطار الحادّ بين السُـنّة والعلويين في محور جبل محسن (العلوي) وباب التبانة (السُـنّي) في طرابلس.

لكن، مَـن هم علَـويو طرابلس؟ إنهم جزء من الطائفة العَـلوية الصغيرة في لبنان، التي يُـعتقَـد أن عدد أفرادها لا يتجاوز الثمانين ألف نسمة، معظمهم كانوا من المُـزارعين أو العمال الفقراء والمحرومين في منطقتيْ طرابلس وعكار. وقد اعترفت الحكومة اللبنانية بالعَـلَـويين كطائفة مستقلة عام 1936 (إبان الإنتداب الفرنسي على الشام)، ثم منحهم اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية (1975- 1989) مقعديْـن نيابيين. (بصفتهم 2% من السكان)

ومع أن العلويين اللبنانيين بذلوا جهوداً متّصلة للإندِماج بالنسيج اللّبناني كمواطنين فيه، إلا أن دخول النظام السوري على خطِّهم طيلة وجوده العسكري والأمني المديد في لبنان، ثم الآن تفاقُـم الحالة الطائفية في البلاد، دفع هؤلاء إلى أحضان هذا النظام بقيادة “الحزب العربي الديمقراطي”، الذي أسّسه علي عيد مع آخرين عام 1980. ويحظى هذا الحزب الآن بتمويل وتسليح من حزب الله، وبالطبع من دمشق.

هذه اللوحة الاستقطابية تفسِّـر أسباب تفاقُـم المعارك الدموية الأخيرة بين جبل محسن وباب التبانة، التي تشارك فيها بشكل مباشِـر فصائل مسلّحة سُـنّية سلفية وعلَـوية طرابلسية عدّة، إذ هي، كما أسلفنا، امتِـداد مباشر لمُـضاعفات الأزمة السورية في لبنان. وعلى رغم أن معظم الطرابلسيين والشماليين يرفضون تحويل الحرب الأهلية الزّاحفة في سوريا إلى حرب أهلية لبنانية، إلا أنه يبدو واضحاً من خلال إحراق المحال التجارية للسُـنّة والعلَـويين في المدينة فوْر وقف إطلاق النار ودخول قوات الأمن اللبنانية إليها (مجددا) يوم الأحد 1 يوليو 2012، أن ثمة أطرافاً ثالثة (استخبارية على الأرجُـح) تنوي إبقاء النار متأجِّجة في الشمال اللبناني، للإعتبارات الإستراتيجية التي ألمحنا إليها في البداية.

غرفة العناية

ربّما بات واضحاً الآن، بعد هذه العُـجالة، أن شمال لبنان بوضعتِـيه الجغرا- سياسية وتاريخه الإسلامي المديد وتركيبته المذهبية والصعود السريع للحركات الإسلامية فيه، فضلاً عن تنامي مُـختلف التأثيرات الإقليمية عليه، من السعودية وتركيا وبقية دول الخليج السُـنّية إلى إيران والعراق الشيعييْـن، يُعتبر فريسة مُثيرة للُـعاب الوحْـش العنيف المُـنطلِـق من الحدود السورية.

وهذا ما سيضع الشمال ومعه لبنان، أمام سيناريوهات مُـتبايِـنة، ترتبِـط كلها بمآل الأزمة السورية:

السيناريو الأول: انهيار سلطة الثلاثي الحاكم حالياً في سوريا (الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر وصهرهما آصف شوكت)، بفعل بروز “وفاق” أمريكي – روسي حول سوريا، تقوم بموجبه موسكو بتنفيذ انقلاب عسكري ضدّ هذا الثلاثي، على أن تحصل في المقابل على الحِفاظ على النظام السوري الحالي، بعد تطويره، مع الحفاظ على نفوذها فيه. هذا الخيار، الذي تحدّث عنه “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكية مؤخرا ( 29 مايو 2012)، قد يجنِّب شمال لبنان ولبنان نفسه تجرُّع الكأس السورية المُـرّة.

السيناريو الثاني: تهاوي خطّة كوفي أنان وانسِداد الأفُـق أمام أي تسوية سِلمية، يليها انفِجار الحرب الأهلية المذهبية في سوريا بشكل كامل. وحينها، ستكون “حرب” جبل محسن العلوي وباب التبانة السُـنّي، مدخلاً لتطوّرات أمنية كُـبرى، قد تُـسْـفِـر في النهاية عن انهيار السّلطة اللبنانية في بيروت وتراقص لبنان نفسه على شفا حرب أهلية.

هذا السيناريو سيتضمّـن كذلك جهوداً، سيبذلها النظام السوري أو ما تبقى منه في المثلّث العلوي، لإقامة “منطقة آمنة” له في عُـمق الشمال اللبناني، تكون معاكِـسة للمنطقة الآمنة، التي قد تُـقيمها القوى الإقليمية المّعادية له.

السيناريو الثالث، هو تحرّك سريع تقوم به القوى السياسية الرئيسية في لبنان لوضْع استراتيجية موحّـدة للنَّـأيِ بالبلاد عن مُـضاعفات الأزمة السورية.

لكن السؤال المتعلِّـق بمدى قُـدرة الأطراف السياسية اللبنانية على اتِّخاذ قرارات مستقِـلة عن أسيادها الإقليميين، يبقى مسلطا كالسيف فوق رؤوس الجميع في بلاد الأرز. وهذا لسبب مقنِـع: منذ استقلال لبنان قبل نيف و68 عاماً، لم تكن ثمّة مرة واحدة كان فيها القرار اللبناني لبنانياً، ولم يحدُث مرة واحدة أيضاً أن حلّت أزمة داخلية لبنانية، إلا بقرار خارجي. فلماذا يكون الوضع الآن غيْـر ذلك؟

على أي حال، التفاقُـم السريع للأزمة السورية، بدأ يدفع الأمور في لبنان إلى إخراج هذا البلد من “غرفة الإنتِـظار”، التي يقبَـع فيها منذ سنَـة ونصف السَّنة، وقد يُـدخِـله قريباً في غرفة “العناية الفائقة”. وإذا ما حدث ذلك، والأرجُـح أنه سيحدُث، لا يبقى أمام المراقبين سوى التساؤُل عما يمكن أن يحدُث في داخل هذه الغرفة.

الجماعة الإسلامية

هي كبرى الحركات السنّية. نشأت عام 1964 من رحِـم جماعة أخرى هي “عباد الرحمن”، التي أسّسها محمد عمر الداعوق. تستلهم الجماعة عقيدة الإخوان المسلمين، وهي أسَّسَت في الثمانينيات، جناحاً عسكرياً أسمته “قوة فجر” لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي. تعرّف الجماعة نفسها على أنها “مجموعة لبنانية”، مُـولية بذلك أهمية كبيرة لهويتها اللبنانية، وهي تدعو إلى وحدة المجتمع اللبناني على أساس غير طائفي.

تعتمد الجماعة مشروعاً سياسياً شبيهاً بمشروع الإخوان المسلمين في مصر، لكنها تعيش تناقُـضات داخلية بين مواقِفها المبدئية المعادية لأمريكا وإسرائيل، وبين “زواج المصالح” مع تيار المستقبل وتجمّع 14 آذار، وهذا ما دقّ أسفيناً في الحركة عام 2007 وأدّى إلى خسارتها أحد مؤسسيها البارزين، الشيخ فتحي يكن، الذي غادر الجماعة بسبب الخِلافات على قضيتيْـن: تحالُـف الجماعة مع تيار المستقبل والموقِـف من حزب الله. ومع أن قيادات هذا التنظيم تنفي وجود أي حافِـز مذهبي وراء تحالُـفاتها السياسية، إلا أن خِطابها يعكِـس هذا الأمر، حين تقول بعض قياداتها إنها “شعرت باليتم بعد اغتيال رفيق الحريري” وأن “سوريا تستهدف القادة السُـنّة”. تمويل الجماعة يأتي جُـزئياً من الحريري (مع أنها تنفي ذلك) ومن منظمات خيرية وشخصيات خليجية.

جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)

تأسست هذه الجمعية عام 1980 بتوجيه من شيخها عبد الله الهرري، الأثيوبي الأصل، وترأسها الشيخ نزار الحلبي قبل اغتيِـاله. تكمن مهمّـة الجمعية، وفق أحد أعضائها، في “نشر الدِّين الصحيح ومحاربة الضالَّـين، ولاسيما منهم المُـنتمين إلى مدرسة الإخوان المسلمين”. يلف الغموض أصول هذه الحركة وأجندتها، وهي لا تحوز على رخصة من دار الفتْـوى. وتتّـهمها الجماعة الإسلامية وحركة التوحيد، بأنها كانت ولا تزال، امتداداً للمخابرات السورية (واللبنانية).

جبهة العمل الإسلامي

تأسست عام 2006 بعد خروج فتحي يكن رسمياً من بين صفوف الجماعة الإسلامية، لكنه لم ينجح في إحداث انقِـسام فيها. تبنّـت الجبهة التحالُـف مع حزب الله والمِـحور الإيراني – السوري وتيار 8 آذار، وحاولت أن تكون “الثّـغرة السُـنّية” لذلك المحور في طرابلس، إلا أنها لم تنجح في ذلك.
 
عانت الجبهة من انشِـقاقات عدّة على أسُـس مذهبية (اتهم مجموعات بقيادة محمد رفاعية زعامة الجبهة بتسهيل الإختراق الإيراني لطرابلس). كانت الجبهة إئتلافاً، وليس تنظيما، وهي ضمّـت حركة التوحيد بجناحيْـها (مجموعة بلال شعبان ومجموعة هاشم منقارة)، فضلاً عن مجموعات إسلامية أخرى على غِـرار “إسلام بلا حدود”، وجمعية الإمام علي ومنتدى الجمعيات الإسلامية في لبنان وبعض الفعاليات والوجوه الإسلامية الطرابلسية.

الحركات السلفية التقليدية

الشخصية المؤسسة للحركة السَّـلفية التقليدية، كانت الشيخ سالم الشهال عام 1946. ومنذ ذلك الحين، تطوّرت لتشمل 50 منظمة وجماعة تعمَـل تحت مسمَّـيات مُختلفة وتتركّـز أساساً في شمال لبنان، مع أن لها فروعاً في صيدا وبيروت.
 
في فترة الثمانينيات، تزايد النفوذ السلفي في طرابلس وتوّج بسيطرة حركة التوحيد الإسلامي على المدينة عام 1984. هذه الحركة تأسست عام 1982 كحالة إئتلاقية بين عدد من التشكيلات الإسلامية الصغيرة في طرابلس (جند الشام، حركة لبنان العربي، المقاومة الشعبية، ولجان الأحياء والمساجد) وبعض القيادات المستقِـلة، التي اختارت سعيد شعبان أميراً لها. استلْـهمت الحركة الفِـكر الجِـذري للسيد قُـطب وأبو العلاء المودودي، وأقامت إمارة إسلامية مستقِـلة في  طرابلس، إلى أن انهارت الحركة تحت ضربات الجيش السوري وانتهت إمارتها عام 1985، واقتصر عملها بعد ذلك، على الجانب الدعوي والإعلامي بعد مصالحة الشيخ شعبان مع النظام السوري برعاية إيرانية، وما لبثت أن انشطرت بعد وفاة شعبان.
 
بعد مصرع الحريري، شهِـدت الحركة السلفية نقلة نوعية، من حيث المشاركة السياسية، حين حشدت أنصارها في المناطق الفقيرة من طرابلس لدعْـم تيار المستقبل. وقد ترافَـق هذا الصعود مع حلول السعودية مكان جامعة الأزهر في مصر، كوِجهة للدُّعاة اللبنانيين، وهذا دشّن توجّـه الحركة السلفية نحو العقيدة السعودية الوهّـابية، المستندة إلى فكر إبن تيمية.
 
بيد أن هذه الحركة السلفية التقليدية، ليست جسماً متجانِـسا، لكن معظمها، حتى الأشهر الأخيرة، كان يُـقيم تحالفاً مع قوى 14 آذار، الموالية للغرب، ولاسيما مع تيار المستقبل، إنطلاقاً من خصومة مذهبية وسياسية مُـشتركة مع حزب الله الشيعي وإيران. ومع أن سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، لا يربط نفسه عَـلناً مع السلفيين، إلا أنه لا يمنع حُـلفاءه من استخدام خطّ مذْهبي لتعبِـئة الشارع تحت راية الدِّفاع عن السُـنّة.

أبرز الحركات السلفية المتشددة:

إلى جانب السلفية التقليدية، هناك السلفيات الحركية المتشدِّدة، التي تأثَّـرت بفِـكر تنظيم القاعدة، لكنها مستقِـلّـة عنه، من حيث التخطيط والتمويل، وهذه السلفيات ليست ظاهِـرة جديدة، بل هي موجودة منذ أكثر من 20 عاماً في الشمال، وتعمل عبْـر مجموعات صغيرة مستقِـلة عن بعضها البعض ولا مرجعية إسلامية واحدة لها.
 
مجموعة الضنية، التي أسسها بسّام كنج (أبو عائشة) بعد عودته من أفغانستان. وقد اشتبكت هذه المجموعة مع الجيش اللبناني عام 1999، ما أدّى إلى مقتل كنج والعديد من أعضاء تنظيمه. وكانت تلك الحادثة أول “إنتفاضة” للمجموعات الإسلامية الصغرى في الشمال.
 
عصبة الأنصار، وهي منظمة سلفية فلسطينية أسّسها أحمد عبد الكريم السّعدي (أبو محجم) عام 1985 في مخيم عين الحلوة. تنفي هذه المجموعة علاقتها بتنظيم القاعدة، وهي أبرمت صفقة مع الجيش اللبناني، تقوم بموجبها بالعمل كقوّة فاصلة بين هذا الأخير وبين جند الشام.
 
جند الشام، مجموعة جِهادية فلسطينية متعصِّبة، بدأت عملها كفرع من عصبة الأنصار. أسّسها عام 1989 الفلسطيني محمد أحمد شرقية، وخضعت إلى نفوذ الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وهي تعتمد العُـنف للتغيير، وتعتبِـر كل الحكومات والجيوش العربية الرّاهنة “كافرة”.
 
فتح الإسلام، أسّسها شاكر العبسي، الذي قال إن هدفها كان مُـقاتلة إسرائيل، لأنها اعتقدت أن حرب 2006 في لبنان فتحت جبهة جديدة مع إسرائيل. كان العبسي، فلسطينياً أردنياً، خدم في الجيش الأردني وفـرّ من حُـكم إعدامٍ في عمّان، ثم سُـجن في سوريا لثلاث سنوات بتُـهمة تهريب أسلحة إلى الجولان المحتل. وبعد مُـضي السنوات الثلاث، أطلِـق سراحه وظهر فجأة في لبنان، حيث قيل أنه أشرف على تدريبات عسكرية لمجموعة فتح الانتفاضة، الحليفة لدمشق. بعدها، انشق العبسي عن المجموعة وأسّس فتح الإسلام وسيْـطر على مخيم نهر البارد، قبل أن يقضي الجيش اللبناني على تنظيمه.
 
القاعدة في لبنان. لا يبدو أن القاعدة اعتبرت لبنان في يوم ما مقَـراً لها، بل مجرّد ممَـر لتجنيد العناصر وتلقّي الدّعم اللّوجستي. بيد أن تأجّج العصبيات المذهبية في سوريا ولبنان وبقية أنحاء المنطقة، قد يفتح أبواباً في لبنان، كانت مُـغلقة حتى الآن في وجه القاعدة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية