مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طبول الحرب تدقّ مجددا بين الحكومة والصحفيين

يوم 22 أغسطس 2012، تظاهر العديد من الصحافيين في العاصمة التونسية احتجاجا على ما أسموه "محاولة لتركيع الإعلام" من طرف الحكومة. Ex-press

أصبحت علاقة الصحفيين التونسيين بالحكومة الانتقالية المؤقتة، أشبه بالمرض المُـزمن الذي ما يكاد يهدأ قليلا، حتى يُـعيد الهجوم على صاحبه بشكل أكثر قسوة.

وبحسب القرار الذي اتخذه الصحفيون قبل أكثر من أسبوع، فإن نقابتهم قد تضطرّ لشنّ إضراب عام قبل حلول يوم 15 من الشهر الجاري، في صورة عدم حصول تقدّم المساعي الجارية من أجل تطويق الخلاف بين الطرفين. وإذا ما حصل ذلك، فسيكون الإضراب الأول من نوعه في تونس.

فما الذي جعل هذه العلاقة تصِـل إلى طريق مسدود، وذلك في مرحلة شهدت فيها تونس انتعاشة ملحوظة في مجال حرية التعبير؟

مراسيم مؤجلة التنفيذ

في الواقع، لم تكن علاقة الصحفيين جيدة مع الحكومتيْـن السابقتين، اللتين تشكّـلتا بعد هروب بن علي، لكنها ازدادت سوءً في ظل الحكومة الراهنة، بقيادة حركة النهضة. فكيف يبرِّر الصحفيون غضبهم، وبماذا ترد الحكومة على ذلك؟

يقدم الصحافيون ثلاثة مبررات على الأقل: أولا، يتَّـهم الإعلاميون الحكومة الحالية، بتجميد العمل بالمراسيم الخاصة بتنظيم المشهد الإعلامي، والتي صدرت بعد الثورة، وبالخصوص المرسوميْـن 115 و116، التي وقع عليها رئيس الجمهورية المؤقت السابق فؤاد المبزع في اللحظة الأخيرة من نهاية ولايته، وهي المراسيم التي وضعتها الهيئة المستقلة للإعلام، التي تم تشكيلها في عهد السيد الباجي قائد السبسي، وبقرار جمهوري، أي قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وهو ما جعل الصحفيين يمارسون مهامّهم بدون غطاء قانوني، ومكّن الحكومة من الإنفِـراد بالتصرّف، دون التقيُّـد بأية مرجعية قانونية، سوى التشريعات السابقة للثورة.

الحكومة من جهتها، لا تنكر ذلك، وتُـبرر موقفها بالقول أن المرسوميْن المذكوريْن لا يحظيان بإجماع كل الأطراف المعنية كما يتضمّـنان ثغرات خطيرة، مثل التنصيص على أحكام بالسجن على الصحفيين في عديد من المخالفات. إضافة إلى ذلك، تتهم بعض الأطراف المكوَّنة لقطاع الإعلام السمعي البصري، الهيئة التي صاغت هذه المراسيم، بِـعدَم تشريكها في المشاورات، إلى جانب قيام عدد من رجال القانون بتوجيه انتقادات للعديد من فصولها.

انتقادات لمبررات الحكومة 

وأمام تواصل انتقادات الصحفيين لهذه المبرّرات التي قدمتها الحكومة، قامت هذه الأخيرة بتنظيم استشارة، غيْـر أن هذه الخطوة، سُـرعان ما أعطت نتيجة عكسِـية، عندما تمَّـت دعوة مَـن تعتَـبِـرهم، الهياكل المِـهنية من رموز المشهد الإعلامي في عهد النظام السابق، وهو ما دفع بعديد الأطراف المُـمثلة للصحفيين إلى الإنسحاب من الاجتماع. وحتى تتجاوز الحكومة هذا المأزق، أحالت الملف التشريعي إلى المجلس التأسيسي، لاتخاذ القرار النهائي.

الحجة الثانية، التي يقدِّمها الصحفيون من خلال نقابتهم، تخصّ التَّـعيينات التي تقوم بها الحكومة على رأس المؤسسات الإعلامية، التي تُـشرف عليها الدولة أو التي أصبحت تحت تصرّفها، بعد أن كانت على مِـلك أعضاء من الأسْـرة الحاكمة في العهد السابق، إذ تقر النقابة بأن الوضع الراهن يجعل السلطة التنفيذية هي الجهة الوحيدة، التي من صلاحياتها القيام بهذه التعيينات، وذلك في انتظار تعْـيين هيئة معدّلة تتولى هذه المهمة، إلا أنها تؤكد على ضرورة التشاور مع الصحفيين، حتى لا يُفرض عليهم مَـن هُـم مَـطعون فيهم أو من غيْـر الأكِـفّاء منهم. كما تطالب بأن يَـكتَـفي هؤلاء بالجوانب الخاصة بالتسيير الإداري وأن لا يتدخلوا في الخط التحريري للمؤسسات.

تعيينات مثيرة للجدل

والمعلوم في هذا السياق، أن التعيينات الأخيرة شملت إدارة كلّ من مؤسسة التلفزيون، بقناتيْـها الأولى والثانية، إلى جانب مؤسسة الصباح، التي كان يملِـكها صِـهر الرئيس المخلوع بن علي. وقد أثارت هذه التّعيينات ردودا عاصفة داخل هذه المؤسسات، وبالخصوص من قِـبل صحفيي دار الصباح، الذين دخلوا في اعتصام مفتوح، ساندتهم في ذلك أحزاب ومنظمات وشخصيات اعتبارية عديدة.

في المقابل، تؤكِّـد الحكومة على أن التّعيين هو من صلاحيات رئيس الحكومة وأن ذلك يحصل في أكثر الدول الديمقراطية. كما أنها لم تضع على رأس المؤسسات أشخاصا من حركة النهضة، وإنما مَـن رأت فيهم الكفاءة، وذلك ردّا على مَـن اتّهم المسؤولين الجُـدد بالولاء للنظام السابق.

الخوف من التضييق على حرية الصحافة

أخيرا، عبّـر الصحفيون ولا يزالون، عن خوفهم من التضييق على حرية الصحافة، حيث اعتبر الكثير منهم أن الحكومة، ومن ورائها حركة النهضة، تعمَـل جاهِـدة على الهيْـمنة على وسائل الإعلام. ويُـورِدون في هذا السياق أمثلة عديدة، منها ما هو يتعلّق بأحداث وإجراءات تمّ اتخاذها، ومنها أيضا تصريحات عديدة ومتنوِّعة، صدرت عن بعض قادة الحركة أو مسؤولين بالحكومة تنتقد بعنف الصحفيين، وتتَّـهمهم بـ “خيانة الثورة” وبكونهم من قِـوى “الثورة المضادة”.

الحكومة من جهتها، تنفي بقوّة نيّـتها في الهيمنة على وسائل الإعلام، وتؤكِّـد تمسُّـكها بحرية الصحافة والتعبير. لكنها في المقابل، تتّهم الصحفيين بعدم المِـهَـنية وبالتحامل المتعمد على الحكومة، بهدف إضعافها، وتعتبر أن الكثير من الصحفيين ووسائل الإعلام، تعمل على إرباك الرأي العام وتشويه الحقائق، ولا تستبعد بعض مصادر الحكومة، اشتراك الإعلاميين في “مؤامرة” ضدّ الشرعية.

حملة ضد “رموز الفساد”…

ويقود في هذا السياق، المستشار السياسي لرئيس الحكومة، حملة ضد من يصفهم بـ “رموز الفساد في الساحة الإعلامية”. كما أن حملة الضغط على الحكومة، التي يتولاها شباب من أبناء حركة النهضة تحت عنوان “اكبس”، ( أي اضغط)، جعلت من الإعلاميين جزءً مركزيا من شِعاراتها.

ويوم الجمعة 7 سبتمبر الجاري، طالب عضو المجلس التأسيسي وأحد قادة حركة النهضة، الحبيب اللوز، الحكومة بـ “ضرب الإعلام بيَـد من حديد”، وهو ما دفع بنقابة الصحفيين إلى تقديم دعوى قضائية ضدّه وتحميله مسؤولية أيّ اعتداء يُـمكن أن يتعرض له الإعلاميون نتيجة “خطابه التحريضي” ضدّهم. ويُـعتبَـر هذا، حسب مراقبين، أعنف تصريح يصدُر عن مسؤول سياسي ضد الصحفيين التونسيين منذ عام 1956.

حركة النهضة.. معزولة

من جهة أخرى، استغلّـت مُـعظم أطياف المعارضة هذه الأجواء، التي تتَّـسم بالإحتِـقان والتوتُّـر المُـتصاعِـد، لتزيد من تكثيف هجومها على الحكومة، والتشكيك في نواياها ولتأكيد عدَم قُـدرتها على حسن إدارة البلاد. لكن اللافت للنظر، أن الحزبيْـن الحليفيْـن لحركة النهضة، قد انتقدا بِـدوْرهما، أسلوب التعامل مع الإعلاميين، وذلك بالرغم من انتقادِهما للأداء الإعلامي.

وتكفي الإشارة في هذا السياق، إلى استقبال د. المنصف المرزوقي وفدا عن صحفي دار الصباح، لكي يُـعبِّـر لهم عن مساندته لحرية الصحافة. وبذلك، تجد حركة النهضة نفسها معزولة في هذه المعركة المخسورة، على الصعيديْـن السياسي والعَـملي، خاصة بعد أن عبَّـرت عديد المنظمات الدولية عن قلقها وتحفُّـظها عن أسلوب الحكومة في معالجة المِـلف الإعلامي.

مصلحة البلاد قبل معركة الصلاحيات 

وسط هذه التجاذبات، يُـمثل الحوار برأي كثيرين، الأسلوب الأنجع لإعادة تطبيع العلاقة بين الحكومة والصحفيين. ولهذا، تفاءل البعض بالجلسة التي دعا إليها رئيس الحكومة، وجمعت يوم الإثنين 01 سبتمبر بعض المسؤولين بمُمثلين عن النقابة وجمعية مديري الصحف، لكن هذه المبادرة الهشّـة، سُـرعان ما توقَّـفت بسبب تصاعُـد الحملة ضد “الإعلام الفاسد”، كما تصفه الدوائر الرسمية أو القريبة من حركة النهضة، وإصرار الحكومة على عدم التراجُـع عن قراراتها.

إن دِقَّـة الظرف وتحدِّيات المرحلة الإنتقالية، تقتضِـيان أن يُـقرّ كِـلا الطرفين بخصوصية كل واحد منهما وبضرورة تقديم مصلحة البلاد على معركة الصلاحيات، التي هيمنت على الحياة السياسية التونسية منذ تشكيل حكومة الترويكا. فالإعلام بحاجة إلى إصلاحات جِـذرية من أجل الإرتقاء بالمِـهنة وبأداء الإعلاميين، كما أن الحكومة مدعُـوّة إلى احترام مبدإ حرية الصحافة وعدم الإنزلاق في معركة وهمية، تتناقض مع طبيعة الأنظِـمة الديمقراطية.

دعت مفوضية الامم المتحدة العليا لحقوق الانسان يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2012 إلى “وقف كل مظاهر التحريض على العنف أو الاعتداء على الصحافيين” في تونس.

وأعربت المفوضية في بيان أصدره مكتبها في تونس عن “القلق الذي يساورها إزاء التطورات بشأن حالة حقوق الانسان (…) والحريات العامة وخاصة سلسلة الاحداث التي تؤثر على حرية التعبير وحرية وسائل الاعلام” في البلاد.

وقالت ان “الدعوات التي صدرت عن عدد من الجهات (التي لم تسمها) للاعتداء على الصحافيين والفنانين والمثقفين تتنافى والضمانات القانونية التي كفلتها العهود والاتفاقيات الدولية وحقهم في ممارسة انشطتهم دون قيود أو رقابة الا بنص القانون”.

وكانت نقابة الصحافيين التونسيين نددت يوم السبت الماضي 8 سبتمبر في بيان بـ “عمليات التحريض الإجرامية ضد الاعلام والإعلاميين” في تونس وبـ “تواصل أسلوب الترويع والتخويف والترهيب ضد الإعلام والإعلاميين” في البلاد.

وقالت النقابة انها ستقاضي الحبيب اللوز القيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة بتهمة “التحريض على العنف” ضد الصحافيين وحملته “المسؤولية كاملة عن أي مكروه قد يصيب أي صحافي” في تونس بعدما دعا يوم الجمعة الفائت، الحكومة إلى “ضرب الاعلام” ووصف الصحافيين بـ “المعادين للثورة” التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

ونبهت مفوضية الامم المتحدة العليا لحقوق الانسان إلى أن “حرية الرأي والتعبير وحق التجمع السلمي هي حقوق أساسية من حقوق الانسان يجب العمل على صيانتها”.

وذكرت بأن الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصا على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير والتماس المعلومات والأفكار دونما اعتبار للحدود”.

واكدت “المكانة الرفيعة للحريات الاعلامية بوصفها رافعة رئيسية لحرية الراي والتعبير التي تمكن المواطنين والافراد من استقاء المعلومات والانباء وتمنحهم الفرصة لابداء آرائهم بأساليب متعددة بما فيها الاعمال الفنية بما يعزز واقع الديموقراطية والمساواة ويرسخ مبادىء حقوق الانسان”.

ودعت المفوضية في سياق آخر، الحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة الاسلامية إلى “اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الانجازات التي حققتها البلاد في مجال المساواة وعدم التمييز ضد المراة في القانون والممارسة (…) واغتنام الفرصة لتعزيز المزيد من التقدم في حقوق الانسان وحقوق المراة في تونس”.

وأضافت أن “مكتب المفوض السامي في تونس أكد على استعداده لمواصلة دعم الجهود التي تقوم بها السلطات ومكونات المجتمع المدني المختلفة في تونس من اجل ضمان الانتقال الديموقراطي وتعزيز وحماية حقوق الانسان، ويؤكد في الوقت نفسه على ان نجاح تجربة الانتقال الديموقراطي هي ليست فقط للشعب التونسي وإنما للمفوضية السامية أيضا”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب بتاريخ 11 سبتمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية