مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

على شواطئ شمال لبنان.. بقعة الزيت لا زالت عنيدة

اختلط النفط بالحجر والرمل والزرع في "جزيرة النخيل" وهي واحدة من أجمل محميات الطبيعية اللبنانية - نوفمبر 2006 swissinfo.ch

تحاول الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون المساهمة في إزالة اثار النفط الذي لوث شواطئ شمال لبنان، منذ أن قصفت إسرائيل منتصف يوليو الماضي مولدات الطاقة الكهربائية في العاصمة بيروت.

ويقول الخبراء السويسريون إن جزءا لا بأس به من البقعة النفطية قد تم السيطرة عليه لكن ما بقي هو أعظم؛ فكلما طالت فترة بقاء الزيت في التربة، كلما كان التخلص منها أصعب.

توجهت سويس انفو في ختام جولتها في لبنان إلى ميناء طرابلس.. القوارب متراصة وكأنها معروضة للبيع، والصيادون لا يجدون عملا سوى العناية بشباكهم انتظارا لمن يأذن لهم باستئناف علمهم؛ فالشاطئ ملوث والأسماك إما هاجرت أو نفقت، والحال لا يسر.

وعلى مقربة من الميناء، حركة دءوب، تسمع صوت هدير مياه ومضخات تعمل وأصوات ترتفع، إنهم عمال تنظيف الشواطئ المغمورة بالنفط. تقول فابيان فيدلر منسقة البرامج في الوكالة: “المشروع يجب أن ينتهي مع منتصف ديسمبر على أقصى تقدير، لأننا نخشى سوء الأحوال الجوية، التي ستعرقل العمل بالتأكيد، فكلما اشتدت الرياح وارتفعت الأمواج، كلما انتشر النفط على مساحات أوسع، وهذا بالطبع لا يساهم في التعجيل بوتيرة تنظيف الشاطئ”.

يشكل هذا الزيت المنتشر على الصخور ويغوص في الرمال ويسبح فوق الماء، لوحة من الموزاييك المقزز، رائحته تزكم الأنوف ولونه المختلط بالطبيعة البكر يعكس لك تحديا، وكأنك لن تتمكن منه أبدا. يدرك خبراء البيئة هذه المشكلة، ويحاولون التعامل معها بطرق مختلفة في سباق مع الزمن.

محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

وتقول فابيان فيدلر منسقة البرامج في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، أن الوكالة استعانت بخبراء فرنسيين لهم باع طويل في هذا المجال، “وقمنا بالاتفاق مع الصياديين على أن يتولوا مهمة التنظيف في مقابل أجر يومي ما بين 20 و 25 دولارا للشخص الواحد، وهم يتبعون نصائح الخبراء بشكل جيد، ويساهمون أحيانا بالأفكار التي يمكن أن تسهل العمل أو تخلصهم من هذه المشكلة الجاثمة على قلوبهم”.

يؤكد أحد الخبراء الفرنسيين العاملين في المشروع لسويس انفو، “المشكلة أن عمليات الإنقاذ لم تبدأ مبكرا، أي بعد ظهور بقعة الزيت في عرض البحر؛ إذ كان من الممكن أن يتم شفطها بواسطة سفن خاصة في صهاريج، فيسهل فصل الزيت عن الماء، أما الآن فقد ترسب الزيت في الصخور المسامية، وما نقوم به هو تعريضها لتيار من المياه تحت ضغط عال جدا، فيقوم بتفتيت الطبقة الرقيقة التي تجمع الزيت بالصخور، لتهبط إلى الماء، ثم يجمع العمال البقايا الصلبة بواسطة الشباك، قبل نقل المياه المخلوطة بالنفط إلى حاويات كبيرة بواسطة المضخات، وهناك ننتظر حتى يطفو الزيت فنقوم بنقله إلى براميل خاصة”.

قد تبدو هذه المراحل نظريا سهلة ، لكنها تتكرر في اليوم الواحد في نفس المساحة عشرات المرات، تارة بتقوية ضغط المياه، وأخرى انتظارا لحرارة الشمس التي تجعل النفط أكثر ليونة في الاستجابة لمحاولات فصله عن الماء أو الطبقات الصخرية، وأحيانا بأستخدما منشطات عضوية لرفع درجة الحرارة صناعيا، وكلها أساليب للتحايل على هذه الملوثات العنيدة، علها ترضخ وتهبط.

محمية طبيعية برائحة النفط

لا يخفي أبناء طرابلس قلقهم من وجود بقعة النفط اللعينة تحوم أمام شواطئهم، فإذا كانت رحلات صيد السمك قد تعطلت انتظارا لإنتهاء عمليات التنظيف، فقد توقفت أيضا الرحلات إلى المحميات الطبيعية في الجزر القريبة منها، ليتأثر قطاع اقتصادي آخر من تبعات الحرب الإسرائيلية على لبنان.

توجهت سويس انفو إلى جزر سنني والنخيل ورامكين، وجميعها محميات طبيعية على بعد حوالي 5 كيلومترات من سواحل طرابلس، كانت مقصدا لهواة السباحة والغطس والنباتات والأعشاب والحيوانات البحرية النادرة، كان هذا سابقا، أما الآن فهي موئل للصيادين يحاولون إعادة جزء من جمال الطبيعة فيها، علها تعود يوما على ما كانت عليه.

ما أن تتضح معالم الجزيرة مع اقتراب الزورق إليها، حتى ترى الصياديين منهمكين في أعمال التنظيف في أجواء قاسية، إما شمس حارقة أو ريح تلفح الوجوه، وقد يرتفع موج البحر فيضربك، لكنهم مثابرون، فهم من ناحية يتقاضون أجرا على هذا العمل إنتظارا لعودة فتح أبواب الزيارات إلى المحميات الطبيعية مرة أخرى، ومن ناحية أخرى لابد من انجاز هذا العمل قبل فوات الأوان.

يختلف التنظيف في الجزيرة عما هو فيه على أمام الشاطئ ، فالعمل هنا يدوي، عليك أن تمسك بجاروف صغير وتنحت في الأرض لتستخرج كتل الرمال المختلطة بالنفط وتضعها في أحد البراميل المتراصة، وتجعل طبيعة الجزيرة الصخرية غير المستوية العمل صعبا للغاية، ففي بعض المناطق تجد الأرض غير مستوية وقد زحف النفط إلى كل ثغرة فيها، فعليك أن تذهب وراء كل قطرة نفط لتنزعها، وفي مكان آخر تجد رمالا تلوثت بالزيت، فلا حل سوى أن تحمل ما تراه إلى البرميل، إلى أن ترى اللون الأصفر مرة أخرى.

جزيرة تاريخية

تقول فابيان فيدلر لسويس انفو، “لا نعرف على وجه التحديد كيف سنتعامل مع تلك النفايات التي نجمعها، فهناك رأي يقول بأن مصنع شركة هولسيم السويسرية للأسمنت في لبنان سيأخذها لاستخدماها كوقود في الأفران، وهناك من يعتقد بأنه يمكن استخدامها في رصف الطرقات، بعد معالجتها بطريقة معينة وخلطها مع مكونات صخرية أخرى، وهذا حل قد يبدو عمليا في الظروف الراهنة لأن عمليات البناء دائرة على قدم وساق كما ترى.”

تعود أهمية تلك الجزر إلى نوعية النباتات التي تضمها، 7 منها نادرة للغاية في حوض البحر الأبيض المتوسط، مثل (حشيشة البحر) و(أم الحلوب) و(عصا الراهب) ويقال أن لبعضها فوائد طبية مختلفة يتداولها العامة في الطب الشعبي، كما أنها محطة الذهاب والإياب للطيور الأوروبية المهاجرة جنوبا في الشتاء، وفي بدايات الصيف ملاذ للسلاحف البحرية لتودع بين صخورها بيضها.

وعلى الرغم من أن عمر الجزيرة يعود إلى حوالي 100000 عام وفقا لعلماء الجيولوجيا، إلا أن أقدم الآثار التي تم العثور عليها هناك تعود إلى عام 1224م على الأرجح، وذلك من خلال بقايا دير الرهبان الباقية إلى اليوم، ومن المحتمل أنها كانت إحدى محطات الحملات الصليبية على الشرق، قبل أن تكون مقصدا للزهاد والناسكين، شجعهم على ذلك وجود بئر للماء العذب في منتصف الجزيرة تماما.

وكانت تلك الجزر تشهد أنشطة متعددة رغم أن أوقات الزيارات المسموح بها قليلة جدا أثناء السنة وحتى أثناء اليوم إذ تمنع وزارة البيئة المبيت فوقها، لكن جميع أنواع الأنشطة توقفت منذ الحرب، في انتظار مغادرة براميل النفايات الزرقاء لشواطئها واختفاء لون النفط قبل أن يتحول إلى جزء من المحمية الطبيعية، فيحولها إلى مرثية طبيعية.

تشير تقارير خبراء البيئة إلى أن ما بين 10000 و15000 طن من النفط قد تدفقت على سواحل شمال لبنان، بعد أن قصفت إسرائيل من 13 إلى 15 يوليو محطة لتوليد الطاقة قرب بيروت.

انتشرت بقعة الزيت على امتداد 150 كيلومترا في اتجاه الشمال، وأصابت نحو 30 منطقة، أصبح معظمها غير صالح كبيئة بيولوجية لنمو الكائنات البحرية.

يقول خبراء الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون إن التعامل مع هذه المأساة تأخر كثيرا، مما يستوجب التدخل في أسرع وقت ممكن، ورصدت لهذا المشروع 400000 دولار، مساهمة منها في تنظيف جزر سنني والنخيل ورامكين وبعض شواطئ طرابلس وهي محميات طبيعية دولية منذ عام 1992.

يتوقع خبراء البيئة أن تستمر آثار هذه الكارثة لسنوات طويلة، فصغار الحيوانات البحرية وبقية الكائنات الحية ستنفق من جراء تلك السموم أو تحملها إما لنقلها إلى الإنسان أو تورثها لأجيالها مخلفة ورائها تشوهات خلقية على الأرجح.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية