مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في مصر.. سقوط الإستثناء وأفول الديمقراطية؟

القاهرة... محيط مسجد رابعة العدوية.. الأربعاء 14 أغسطس 2013 .. مُسعف يحمل أحد الضحايا الذين سقطوا إثر التدخل العنيف لقوات الأمن لفك اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي المستمر في المنطقة منذ 28 يونيو. Keystone

حدث ما كان غير متوقّع وِفق كل المقاييس: مصر الإستثناء لم تعُد استثناءً في أيّ شيء. الجيش المصري لم يعُد ذلك الجيش الوطني و"التاريخي" المُغايِر لتركيبة باقي الجيوش العربية. والإخوان المسلمون لم يعودوا ذلك التنظيم الحَذِر الذي يفكّر ألف مرّة قبل أن يُقرِّر مجابهة الدولة، أياً كانت هذه الدولة، من الملك فاروق إلى عبد الفتاح السيسي.

بعد الإقتحام الدّموي لميدانيْ رابعة العدوية والنهضة صبيحة الأربعاء 14 أغسطس الذي أودى بحياة الآلاف (حسب مصادر المعتصمين) أو المئات (حسب المصادر الرسمية)، ولَجت مصر فِعلياً باب الحرب الأهلية من أوسَع أبوابه وأغلقت حتى إشعار آخر، قد يكون مديداً، كل المنافذ والسبل المؤدية إلى المرحلة الإنتقالية الديمقراطية.

يبدو أن السيناريو الأسوأ بصدد الإكتمال: الإستقطاب الأهلي سيكون الآن سيِّد الموقف، والمجابهات الطائفية المسيحية – الإسلامية، ستكون في أمر اليوم كل يوم، بعد أن اتّهم الإخوان المسلمون، المسيحيين الأقباط بالوقوف وراء الإنقلاب العسكري. والدولة العميقة المخابراتية – العسكرية لم تعُد عميقة، بل عادت إلى السلطة بأقوى ما تكون العودة.

مَن المسؤول عن هذه المذبحة الديمقراطية، التي ربما تكون خاتمة فصول الربيع التي انبلجت في تونس ومصر وكل المنطقة في أوائل عام 2011؟

عودة المخابرات

المؤسسة المخابراتية – العسكرية المصرية، ليست في حاجة إلى إضبارة أو لائحة اتّهام. فهي مُدانة منذ أكثر من نصف قرن، ليس فقط بتحويل مصر إلى دولة بوليسية سلطوية، بل في نشر ثقافة الإستبداد في كل المنطقة العربية. وهي، على أي حال، لم تقبل يوماً أن تُخطَف منها السلطة والثروة (حيث تتصرف في ثلث الإقتصاد المصري) بعد ثورة 25 يناير 2011، إلا مُكرَهة بفعل الضغوط الشعبية والأمريكية.

المفاجأة إذن لم تأت من الجيش، بل من الإخوان المسلمين. فهؤلاء غيَّروا، منذ فوزهم بالرئاسة، 85 سنة من سياسة الحذَر الشديد والخُطوات السياسية الوئيدة المدروسة بعناية، في ظل الشِّعار الشهير “المشاركة لا المغالبة”، وانطلقوا لارتِشاف كأس السلطة بشبق غريب، بل تصرفوا برأي كثيرين كفقير مُعدَم هبطت عليه فجأة ثروة ضخمة، ففقَد توازُنه وانخرط في فوضى قرارات لا سابق لها.

الأسباب التي دفعت الإخوان إلى هذا المُنزلق، ربما تُشبه نسبياً تلك التي حدثت لهم في أوائل الخمسينيات ودفعتهم إلى رفع لواء النزعة القطبية (من سيد قطب) العنيفة ضد جمال عبد الناصر: شعورهم بأن هذا الأخير سرق منهم بالقوة انقلاب 23 يوليو 1952، ولا سبيل لاستعادة المسروق إلا بقتل السارق.

الأمر نفسه تكرّر الآن، حين نفّذ الجيش انقلابه، لكن بشكل أخطر. لماذا؟ لأن الإخوان كانوا على قناعة تامّة حسبما يبدو بأن “ماما أمريكا” (هكذا كانوا يسمّونها هم في عهْد مرسي، كتحبب رمزي) التي يُقال أنهم أبرموا معها اتفاقات مفصّلة منذ عام 2005 بوساطة سعد الدين إبراهيم، تقِف بقوة إلى جانبهم وإلى جانب عملية الإنتقال إلى الديمقراطية.

فقدان التوازن في السلطة والرّهان على أمريكا، ربما يفسِّران رفض الإخوان لكل وأيّ حوار لا يتضمّن “عودة الشرعية والشريعة”، واندفاعهم إلى ممارسة العنف ضد المنشآت العسكرية والرسمية والكنائس في طول البلاد وعرضها. كما قد يفسّر أيضاً غِياب الأصوات المُعتدلة داخل التنظيم، طيلة الأزمة التي انفجرت في 30 يونيو الماضي.

المتهم الأكبر

مَن المسؤول أيضا؟ هناك متّهم ثالث أكبر: إنهم اليساريون والليبراليون، الذي يُفترض أنهم يمتلِكون وَحدهم القُدرة على طرح بدائل تنموية ديمقراطية واقتصادية وفكرية وحداثية واضحة وعِلمية، فإذا بهم في هذه المرحلة يبيعون جِلدهم للصياد المخابراتي، من دون أن يرفّ لهم جفن. وحده محمد البرادعي كان متّسقاً مع ليبراليته وديمقراطيته، لكنه بدا بعد استقالته من نيابة الرئاسة كشاةٍ بيضاء وسط قطيع ليبرالي ويساري، بالغ السواد والقتامة.

أجل. مصر الإستثناء سقطت. مصر الآن بعد المذبحة الديمقراطية باتت “دولة عادية”. وحين يكون الأمر على هذا النحو، لا يعود غريباً أن تنشب في البلد الذي شهد ميلاد أول مجتمع ودولة في التاريخ، الحروب الأهلية نفسها التي تتفجَّر في أي “دولة عادية” أخرى.

 واشنطن (رويترز) – نددت الولايات المتحدة بشدة يوم الأربعاء 14 أغسطس 2013 بإراقة الدماء في مصر بعد أن قامت قوات الأمن المصرية بفض اعتصامين لمؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي وحثت كل الأطراف على العمل على التوصل إلى حل سياسي.

ودعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والبيت الأبيض الحكومة المصرية المؤقتة إلى رفع حالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن والتي يمثل فرضها ردة إلى الحكم الاستبدادي في عهد حسني مبارك الذي استمر لما يقرب من 30 عاما.

وقال كيري للصحفيين في مقر وزارة الخارجية “أحداث اليوم مؤسفة وتتعارض مع تطلع مصر للسلام وعدم الإقصاء والديمقراطية الحقيقية.” وأضاف قائلا “ينبغي للمصريين في الحكومة وخارجها أن يأخذوا خطوة الى الوراء.. ينبغي لهم تهدئة الموقف وتفادي سقوط المزيد من الضحايا.”

وقال كيري إن الولايات المتحدة حثت الحكومة المؤقتة “في كل مناسبة” على تجنب استعمال القوة لحل الأزمة السياسية مع الإخوان المسلمين. وقال كيري للصحفيين “العنف ببساطة ليس حلا في مصر أو أي مكان آخر… العنف لن يوجد خريطة طريق لمستقبل مصر.”

وقال كيري “هناك مسؤولية فريدة ملقاة على عاتق الحكومة المؤقتة والجيش اللذين يملكنا معا الغلبة في هذه المواجهة للحيلولة دون وقوع المزيد من العنف وتقديم خيارات بناءة لعملية سلمية وشاملة تشمل مختلف الطيف السياسي”.

(المصدر: وكالات بتاريخ 15 أغسطس 2013)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية