مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في موريتانيا.. أزمة سياسية مُـزمنة وجدل محتدم بين السلطة والمعارضين

صورة تجمع عددا من زعماء الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة في موريتانيا

"أزمة سياسية في موريتانيا"، عبارة أصبحت مألوفة منذ سنوات لدى وسائل الإعلام العالمية، كلّـما جرى الحديث عن هذا البلد النامي، الذي لا ينقصه سوى الفقر والتخلّـف، حتى تطحنه رحى الخلافات السياسية وتُـعرقل عملية التنمية فيه.

فقد درج الموريتانيون منذ فترة، ليست بالقصيرة، على سماع تبادُل الاتهامات والتهديدات بين الفرقاء السياسيين، دون أن يتمكّـنوا من أخذ نفَـسٍ يُـتيح لهم التأمل في واقع بلدهم، الذي يئِـنُّ تحت وطْـأة الفقر والتخلّـف ويُـعاني هشاشة في كِـيان الدولة، تجعله غير قادر على أن يجاري رياح التغيير التي تعصِـف بالعالم.

وفي كل مرحلة سياسية، يظنّ الموريتانيون أن الأزمة السياسية المُـزمنة التي عانَـوا من تبِـعاتها، قد انتهت، فإذا بها تطل برأسها من جديد، وكأن قدَرهم أن يعيشوا في أزمات سياسية مُـتلاحقة، تتقاذفهم حقبة بعد حقبة.

فقد استبشروا ورحَّـبوا بالانتخابات الرئاسية التي أجْـرِيت سنة 2007 وأوصلت أول رئيس مُـنتخب في تاريخ البلاد إلى الحُـكم، وظن الجميع أن معركة التنمية قد حان موعِـدها، لكن سُـرعان ما خرج مارد الأزمة السياسية من قُـمْـقمه مرّة أخرى، ودخلت البلاد في دوّامة صراع بين الجنرالات والأغلبية البرلمانية من جهة، والرئيس المنتخب ومؤيِّـديه من جهة أخرى، وآل الأمر في نهاية المطاف إلى انقلاب عسكري في السادس من أغسطس عام 2008، أنهى الحُـلم الديمقراطي الورْدي، الذي دغْـدغ مشاعِـر الموريتانيين فترة من الزمن، ودخلت البلاد بعد ذلك في دوّامة أزمة جديدة، كادَت أن تعصِـف بها ، قبل أن يتوصّـل الفرقاء، بعد مفاوضات ماراتونية ووساطات عديدة، لاتِّـفاق في العاصمة السنغالية دكار ينهي الأزمة الحادة، ونظمت انتخابات رئاسية في يوليو عام 2009 أسفَـرت عن فوْز الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالسُّـلطة، لكن شبَـح الأزمة السياسية ظلّ قائما، بعد أن رفضت بعض أحزاب المعارضة الاعتِـراف بنتائج تلك الانتخابات واتّـهمت أنصار الجنرال بتزْوير نتائِـجها، فخرجت الأزمة من رماد معركة الانتخابات مرّة أخرى.

المعارضة تُـهدِّد بإسقاط النظام

واليوم، يعود الجَـدل السياسي السّـاخن إلى الواجهة من جديد، وتلوح في الأفُـق بوادِر أزمة سياسية، حيث لم تعُـد المعارضة تكتفي بالتَّـشكيك في شرعية انتخاب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز والمطالبة بفتح حِـوار سياسي معه، وإنما أعلَـنت أن هدفها القادِم أصبح التخلّـص من ولد عبد العزيز والإطاحة بنظامه في أقرب وقتٍ مُـمكن.

وقد جاء هذا التّـهديد على لسان أكثر من قـيـادي في المعارضة، وفي مقدِّمتهم رئيس البرلمان والمرشَّـح السابق للرئاسة مسعود ولد بلخير، الذي أعلن في مهرجان شعبي لأنصاره، أن المعارضة لم تعُـد تريد الحِـوار مع ولد عبد العزيز، وإنما أصبحت تسعى للإطاحة به.

وأضاف أن المعارضة غيْـر مستعدّة للمشاركة في أي حِـوار وتسوية سياسية قد تؤدّي إلى إكمال الرئيس الحالي لمأمُـوريته، التي تنتهي سنة 2014. وأضاف أن نظام ولد عبد العزيز “ليس نظاما ديمقراطيا، بل هو نظام عسكري استِـبدادي، أسَّـس سُـلطته على القوّة، ولا يُـمكن رحيله إلا بإرادة الشعب. ونحن جادّون في تعبِـئة الشعب وتحفيزه على أن يتمرّد على هذا الواقِـع المُـؤسف، الذي لم يسْـلَـم منه أحد، راجِـين أن يثمُـر ذلك ونرتاح من هذا النِّـظام”.

أما زعيم المعارضة الديمقراطية، أحمد ولد داداه والحليف الحالي لرئيس البرلمان، فقد شنّ بدوره هجوما لاذِعا على نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز واتّـهمه بالسَّـعْـي لتخريب البلاد والإفساد فيها، مؤكِّـدا أن المعارضة ستقِـف له بالمِـرصاد. وقال ولد داداه، إن حليفه السابق وخصْـمه الحالي الجنرال محمد ولد عبد العزيز، يرفض الحِـوار مع المعارضة، “ويُـريد أن يتمسَّـك بالسُّـلطة عن طريق القوّة كما وصلها عن طريق القوة”، واتّـهمه باستدعاء قاعدة عسكرية لدولة أجنبية معروفة ـ فى إشارة إلى فرنسا ـ دون إِذْن من البرلمان.

وبخصوص الدّعوة التي وجَّـهها ولد عبد العزيز للمعارضة عن طريق رئيس الوزراء السابق والقيادي في المعارضة يحيى ولد أحمد الوقف للدخول في حوار مُـباشر وغير مشروط، أكَّـد قادة المعارضة أنهم أبلـغوا بتلك الدّعوة، لكنهم ما زالوا ينتظِـرون أن يُـعلِـن عنها ولد عبد العزيز رسميا عبْـر أحد أعضاء حكومته، مؤكِّـدين أن تمسُّـكهم بموقفهم الجديد الرّافض للحوار “جاء ردّا على تعنُّـت النظام واستِـهتاره بدعواتهم السابقة للحوار”، مع استعدادهم للعودة إلى قَـبول الحِـوار، باعتبار ذلك، الموقِـف الأصلي لهم، لكن بشروط منها أن تكون اتِّـفاقية دكار التي وقَّـعوها مع ولد عبد العزيز سنة 2009 هي المرجع الرئيسي لأي حِـوار مع النظام.

الأغلبية تتّـهم المعارضة بالتنكّـر للديمقراطية

أما الأغلبية، فلم يكن خطابها هي الأخرى أقلّ حِـدّة وسُـخونة ولا أكثر نُـعومة من خطاب المعارضة، حيث اعتَـبر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم أن دعوة قادة المعارضة لإسقاط النظام، تشكِّـل تنكُّـرا للقِـيَـم والمُـثل الديمقراطية. وقال الحزب في بيان أصدره، ردّا على تصريحات رئيس البرلمان وزعيم المعارضة، أن “هؤلاء القادة أصبحوا يُـعيدون إنتاج خطابهم المَـأزوم”، ووصف الحزب تلك التصريحات بأنها “تفنّـن في الاستهتار بالمُـثل والالتزامات الديمقراطية، وتشكِّـل استخفافا بعقول المواطنين وازدراءً بإرادة الشعب وهمومه ومَـصالحه الحيوية والتّـرويج لأزمات وطنية مُـختلقة، لا وجود لها إلا في مُـخيِّـلة من اختَـلقها”.

واتّـهم الحزب الحاكم المعارضة برفض الحوار، لأنها لا تملك ما تُـدافع عنه. وتساءَل قادَة الحزب الحاكم في بيانهم “أليس مِـن حقِّ المواطن الموريتاني – بل لعلّـه من واجبه – أن يسأل هذه المُـعارضة، ماذا بقِـي من المُـثل والمبادِئ والمُـقتضيات، التي تتشدّق بها، حين تتنكّـر عَـلَـنا لإرادة الشعب وحـكم صندوق الاقتِـراع، وتدعو جِـهارا إلى الإطاحة بنظام، شهِـد العالم بشفافية الانتخابات التي أفرزته، وتُـثير الشغب والاضطرابات، وتشُـن حملات التّـضليل والتشكيك المُـغرِضة؟”.

تمويلات بروكسل..

وقد جاءت اجتماعات بروكسل الأخيرة، بين الحكومة الموريتانية والمانِـحين الدوليين، والتي خرجت منها الحكومة بتمويلات تُـناهز ثلاث مليارات ومائتي مليون دولار أمريكي، لتصُـبّ الزّيت على النار في العلاقة المُـتأزِّمة أصلا بين النظام والمعارضة.

ورغم أن نظام ولد عبد العزيز خرج من اجتماع بروكسل منتصِـرا ـ كما يقول بعض المراقبين ـ بعد حصوله على اعتراف دولي ضمني، تمثل في التزام المجموعة الدولية بتوفير الأموال، التي طالب بها لتنفيذ مشاريع تنموية في البلاد على مدى السنوات الثلاث القادمة، وهي ثقة، وإن شكَّـلت في ظاهرها متنفّـسا اقتصاديا لولد عبد العزيز، فإن بُـعدَها السياسي كان الأهَـم بالنسبة له، وذلك بعد أن راهنت المعارضة على أن النظام يُـواجه عُـزلة دولية، خصوصا بعد إِصْـراره على التوجّـه في علاقاته الدبلوماسية نحو ما يُـعرف بمِـحور المُـمانعة الدولي، وزيارته لكلٍّ من إيران وسوريا وفنزويلا، غير أن نَـظرةً سريعةً على خارطة المُـموِّلين الذين منَـحوا الحكومة الموريتانية أموالهم في بروكسل، توضِّـح بجَـلاءٍ أن الشُّـركاء الغربيين (الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي) الذين عادةً ما يُـحاسبون اقتصاديات العالم الثالث على ضوء المُـعطيات السياسية، كان حضورهم باهِـتا ومشاركتهم محْـدودة، ومُـعظمها مجرّد التِـزامات سابقة تعهَّـدوا بها إبّـان فترة حُـكم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وتمّ تجميدها بعد انقِـلاب عام 2008، وما تمّ اليوم، هو مجرّد رفع التجميد عنها.

أما أغلب المانحين، فكانوا من العرب الذين شكَّـلت مساهماتهم في بروكسل نسبة 70% من التمويلات التي تمّ التعهُّـد بها، سواء تعلَّـق الأمر بصناديقهم الإنمائية أو بالحكومات العربية نفسها، ولم يعرف عن المال العربي أنه ارتبَـط يوما بتحسّـن الأوضاع السياسية والديمقراطية في أيّ بلد، لذلك، يرى بعض المراقبين أن البُـعد السياسي في اجتماع بروكسل الأخير، لم يحمل في طيَّـاته دعْـما غربيا صريحا للنظام الحاكم في نواكشوط، باعتبار أن المال الغربي كان شحيحا في تلك الاجتماعات، وهو شحّ يُـبرِّره مقرَّبون من الحكومة الموريتانية بالقول، أنه يعود إلى الأزمة المالية العالمية التي تضرب أوروبا والغرب عموما، وأن المال الأوروبي يقِـف عاجِـزا اليوم عن إنقاذ حكومات أوروبية مُـهدّدة بالانهيار، مثل اليونان، وأخرى تُـعاني صُـعوبات اقتصادية، مثل إسبانيا، لذلك، لم يكن المال الأوروبي بالوفْـرة التي كان عليها في اجتماعات سابِـقة مع المانحين.

وداخليا، شكّـل لقاء بروكسل مناسبة لاحتِـدام الجدَل السياسي وتبادل الاتهامات من جديد، حيث سرّعت المُـعارضة إلى التَّـشكيك في الأرقام التي أعلن عنها النظام وقلّـلت من أهمية معظم التمويلات، باعتبارها تعهُّـدات سابقة جُـمِّـدت بسبب الانقِـلاب. ومضَـت المعارضة إلى القول أن الفضل في تلك التمويلات يعود لها هي وليس للنظام، وتعلِّـل ذلك بالقول أن قادتها لو لم يُـوقِّـعوا سنة 2009 على اتِّـفاق دكار، الذي أنهى أزمة ما بعد الانقلاب، لَـمَـا رفع المُـموِّلون الحظْـر عن تمويلاتهم ولَـمَـا تسنَّـى لموريتانيا أن تطلب دعْـما من أيٍّ كان.

وهاجمت المعارضة رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف قائلة، إنه عمد خلال اجتماع بروكسل إلى “التّـلفيق والمُـغالطات”، ومشددة على أن حديثه عن وجود حِـوار بين المعارضة والسلطة عن طريق البرلمان والصحافة، “مجرّد افتِـراء لا أساس له من الصحّـة”.

أما الأغلبية، فقد ردّت بزَهْـو الانتصار واعتبرت أن ما حصل كان انتِـكاسة وهزيمة مُـدَوِيّـة للمعارضة، واتّـهمتها بالسَّـعي لتضييق الخِـناق على البلد ومحاصرته، وأصدر الحزب الحاكِـم بيانا قال فيه: “أيُّ معارضة هذه التي تفقِـد صوابها كلَّـما حصلت بلادها على ثقة وتسهيلات المؤسسات المالية الدولية أو نالت ثقة المُـموّلين والشركاء والمُـستثمرين أو جنَـت قروضا وتمويلات جبّـارة لمشاريع عملاقة تخدِم حاضر الوطن ومُـستقبله أو تمكّـنت دبلوماسيتها الحيوية من فرْض مكانتها المُـستحقة بين دول العالم أو دافعت عن مصالحها الإقليمية الحيوية أو نالت عضوية مشرفة في المنتديات الدولية؟”.

نواكشوط ـ محمد محمود أبو المعالي – swissinfo.ch

شككت منسقية المعارضة في تصريحات الوزير الأول بشأن حصول موريتانيا على تمويلات جديدة ورجّـحت أن يكون الأمر مجرّد استئناف للتمويلات التي حصل عليها الرئيس السابق والتي بلغت أكثر من 4 مليارات وتم تجميدها بسبب الانقلاب.

وأوردت المنسقية في بيان أصدرته، ما وصفته بأدلة تثبت هذا التوجه، من بينها تصريح للمدير المساعد للصندوق الكويتي للتنمية العربية.

وأعلنت المنسقية في بيانها أنه “إذا كان الأمر خلافا لذلك، فإنها تهنئ موريتانيا على هذه التمويلات، لكنها تشكك في قدرة النظام الحالي على تحويلها إلى خدمات تفيد المواطن ولا حتى على تسييرها بالشفافية والنزاهة المطلوبة”.

(المصدر: وكالة أخبار موريتانيا (مستقلة) بتاريخ 27 يونيو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية