مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبادرة سويسرية لتعزيز الإستقرار في طاجيكستان عبر بوابة التعليم

الفرقة 206 من "المقاومة الإسلامية الطاجيكية" في طريقها لتسليم أسلحتها بعد توقيع المعارضة لإتفاق سلام مع حكومة دوشنبه في شهر سبتمبر 1997 Keystone

لتعزيز دعائم سلام لا يزال هشا في طاجيكستان ولطي صفحة الحروب الأهلية في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، تبذل سويسرا جهودا للتقريب بين نخب هذا البلد الآسيوي عبر إدماج مواد تعليمية حديثة في مقررات المدارس الدينية التقليدية.

ومنذ انهيار الإتحاد السوفياتي، يُطرح سؤال كبير في البلدان الواقعة في منطقة آسيا الوسطى عن دور الإسلام في تشكيل الهوية الوطنية وموقعه في البنية الثقافية بتلك المجتمعات. وقد تسبب الفشل في الوصول إلى توافق بين النخبة السياسية العلمانية الحاكمة، التي خلفها النظام الشيوعي السابق، والنخب الدينية إلى انفجار حرب أهلية دامية في الفترة الفاصلة ما بين عامي 1993 و1997.

وإذا كان السلام قد عاد اليوم إلى تلك الربوع، لا تزال تسود البلاد حالة من عدم الثقة العميقة خاصة بين السلطة المسلمة طبقا لما تقول – العلمانية طبقا لما في الواقع – وبقية السّكان خاصة من ذوي التوجهات الإسلامية.

جسور.. سويسرية

وحتى لا ينتكس هذا البلد في أتون حرب أهلية جديدة، ومن أجل تعزيز أوصر الثقة بين أبنائه، تحاول سويسرا، من خلال قطاع التعليم، جسر الهوة بين السلطات والمراجع الدينية الإسلامية.

ويقول جون نيكولاس بيتّر (Jean Nicolas Bitter) كبير المستشارين في مجال الأديان والسياسة والنزاعات بوزارة الخارجية السويسرية في حديث إلى swissinfo.ch : “نحاول منذ سنة 2000، مد الجسور بين التعليم الديني في المدارس القرآنية، والتعليم الحديث في المدارس الرسمية”. وهذا العمل حيوي، يضيف مستشار وزارة الخارجية، نظرا “لوجود 25 مدرسة قرآنية في طاجيكستان لم تتم مراجعة برامجها التعليمية منذ 60 أو 90 عاما، لأن ذلك لم يكن ممكنا في ظل الحكم الشيوعي، وكذلك لأن البعض من القائمين عليها لم يكن يريد أو حتى يقبل بذلك”.

في المقابل، لا تحتوي برامج التعليم في المدارس الرسمية في هذه الجمهورية الصغيرة على أي مواد دينية، مثلما لا تحتوي برامج المدارس الدينية الخاصة على أي مواد علمية. ولكن بفضل الدعم السويسري، أصبحت المدارس الدينية تدرّس اللغة الإنجليزية، والمعلوماتية، والرياضيات، والتاريخ، والعلوم الطبيعية.

وتهدف هذه الجهود إلى تمكين الخريجين من هذه المدارس من إيجاد وظائف في القطاع العام بعد تخرجهم، وتجنيبهم الوقوع في أحابيل التطرف، أو الإستقطاب من طرف جهات متشددة في بلدان أخرى. ويخضع البرنامج التعليمي المنقح إلى الاختبار الآن في أحد الفصول النموذجية الذي يؤمه 16 طالبا، نصفهم من البنات.

لا تعارض بين الدين والعلم

هذا الجهد السويسري يجد الإشادة والتأييد من العديد من الجهات في طاجكستان، وفي هذا الصدد تحدث السيد محي الدين كبيري، زعيم حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي عن هذا المشروع إلى swissinfo.ch على هامش مؤتمر سنوي نظمته وزارة الخارجية السويسرية تحت شعار “عندما تلتقي ديانات ورؤى حول العالم” يوم 14 اكتوبر 2010 فقال: “نأمل أن يتوسّع هذا البرنامج الدراسي ليشمل كل المدارس الدينية في البلاد، ولم لا تأسيس مدارس جديدة، أو إدخال التعليم الديني في المدارس الرسمية”.

ويضيف الزعيم الطاجيكي: ” يجب أن يدرك الناس أنه ليس كل الأمور إما بيضاء ناصعة، أو سوداء مظلمة”. ويعتبر حزب النهضة الطاجيكي الذي يتزعمه كبيري التيار الإسلامي الوحيد في آسيا الوسطى المعروف باعتداله الكبير، وهو يشغل حاليا 8 مقاعد في البرلمان الوطني (يمكن أن ترتفع إلى 25% إلى 30% لو جرت انتخابات حرة ونزيهة بحسب زعيمه).

وعندما يُسأل كبيري إن كان هناك رفض ومقاومة لإدماج البرامج العلمية واللغات الأجنبية في مقررات المدارس الدينية الخاصة، يجيب بالنفي: “لأنه ليس في الإسلام خلاف كبير بين العلم والدين، ولم يعرف التاريخ الإسلامي ما عرفه الغرب في عصر محاكم التفتيش. ويدعو الدين الإسلامي إلى تفسير الظواهر الطبيعية علميا، كظاهرة الخسوف أو الكسوف، حتى ولو قيل في النهاية أن ذلك تم بمشيئة الإله. كذلك يعتقد بعض العلماء بأن القرد هو أصل الإنسان، في حين لا يتفق معهم آخرون، وفي طاجيكستان، ندرّس نظرية التطوّر الداروينية، ولكن باعتبارها نظرية من بين نظريات أخرى”.

تشدد لائكي وتشدد ديني

وإذا كانت الجهود السويسرية تقف عند تسهيل عملية التواصل والحوار، من دون مراقبة المضمون الفعلي للبرامج التعليمية، فإنه – وللتأكد من أن لا تخرج العملية عن الإطار المرجو لها، أو أن تخدم أجندات “الجهاديين” مثلا – فقد “أوكلت مهمة تقديم الدروس في الفصل النموذجي التجريبي إلى مدرّسين من المدارس الرسمية، باستثناء رجل أو رجليْ دين مُراقبيْن عن كثب من طرف الشرطة”، حسب تأكيد السيد كبيري.

ويضيف كبيري أنه – إذا كنا نريد أن نوسّع شبكة المدارس الدينية- فإن ذلك يعود “لكون مقرراتها تتميّز بالوسطية والاعتدال، وتمثل بديلا مقبولا للمدارس المتشددة، وللمجموعات التي تعمل في الظل”.

ويأسف الزعيم الطاجيكي للواقع المتمثل في سهولة إقناع الجهات المانحة في الخارج بأهمية الدور الذي تقوم به المؤسسات التعليمية، مقابل صعوبة إقناع السلطات الطاجيكية بذلك. ويعزو كبيري ذلك إلى “إعتقاد البعض بأن التعليم الديني لا ينتج عنه إلا متشددون”.

رغم ذلك، بدأت هذه الجهود تؤتي أكلها، فقد دعا الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان أولياء الأمور في بلاده إلى عدم إرسال أبنائهم للدراسة في المدارس الدينية ببلدان أجنبية، بل إلى تعليمهم في طاجكستان. والأمر بالنسبة لكبيري لا يقبل النقاش: فقد خلّف انهيار الإتحاد السوفياتي فراغا إيديولوجيا، والناس يبحثون عن هوية، وسوف يلعب الدين دورا متعاظما في المستقبل.

ويضيف السيد كبيري: “تنتشر في البلاد حاليا حالة من التشدد، ليس تشددا دينيا فقط، بل لائكيا أيضا. وقبل يوميْن من مغادرتي (إلى برن)، سحبت الشرطة رخص السياقة من أصحاب سيارات أجرة لأنهم ملتحون، وأوقفت النساء المحجبات في الشوارع. هذا الأمر خطير جدا، لأن هذا التطرّف اللائكي هو الذي يمهّد الطريق للتطرف الديني. وإذا أردنا أن يكون المتديّنون أكثر تسامحا، على الحكومة أن تكون متسامحة أيضا”.

اقتناعا منها بأهمية دور الأديان، والرؤى الكونية الأخرى في تعزيز السلام في العالم، عقد القسم السياسي الرابع للأمن الإنساني بوزارة الخارجية السويسرية يوم الخميس 14 أكتوبر 2010 مؤتمره السنوي تحت شعار “”عندما تلتقي ديانات ورؤى حول العالم” بحضور العديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية السويسرية والأجنبية لمعالجة هذا الموضوع من منطلقات ومقاربات مختلفة.

نظمت خلال هذا المؤتمر مائدتان مستديرتان وأدير نقاش بين شخصيات دينية وصحافيين وأكاديميين وسياسيين من آفاق مختلفة. وعرض المتدخلون تجاربهم، وقدّموا تصوّراتهم حول سبل تحقيق السلام على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وتحاول سويسرا منذ 2004، في إطار جهودها من أجل إحلال السلام، وتسوية النزاعات في العديد من البلدان، في لبنان، وسيريلانكا، وطاجكستان،… إشراك جميع أطراف النزاع في البحث عن السلام، ولا تستثني من ذلك، كما تفعل جهات دولية أخرى، الشخصيات والمنظمات والأحزاب الدينية، إيمانا منها بأهمية العامل الديني خاصة في النزاعات المتفجرة بسبب نزاع حول الهوية، أو النزاعات بين أطراف متعددة الثقافات والعقائد.

بعد هذه السنوات الست تمتلك سويسرا اليوم تجربة رائدة في هذا المجال استفادت منها الأمم المتحدة مثلا في بناء وإطلاق مبادرة “تحالف الحضارات”.

حضر المؤتمر الذي عقد في العاصمة برن دبلوماسيون سويسريون من بينهم كاتب الدولة للشؤون الخارجية بيتر ماورر، والسفير كلود فايلد، الرئيس الجديد للقسم السياسي الرابع للأمن الإنساني بالوزارة، وجورج سامبايو، الممثل الأعلى لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة، وأمينة رسول بيرناردو، رئيسة مركز الإسلام والديمقراطية بالفلبين، ودافيد غلاس، المدير السابق للشؤون الدينية بالحكومة الإسرائيلية، و محي الدين كبيري، زعيم حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي، والصحفية السويسرية أمينة خفنر – الجباجي،. بالإضافة إلى العديد من البرلمانيين السويسريين من مختلف الاحزاب اليمينية كما اليسارية.

تركزت كل الجهود على محاولة تقديم مقترحات عملية وقابلة للتنفيذ من اجل التوصل إلى السبل الكفيلة بتحقيق تعايش سلمي اليوم وفي المستقبل، في سويسرا، وفي العالم قاطبة.

من أجل الوصول إلى تسوية النزاعات التي يختلط فيها الدين بالسياسة، تنخرط سويسرا في حوار أهدافه عملية، مع ناشطين، تتجنب البلدان الأخرى في العادة العمل معم أو الاتصال بهم:

في سيريلانكا: تتحاور سويسرا مع رجال الدين البوذيين للقضاء على شكوكهم ومخاوفهم من العملية السياسية الهادفة إلى إرساء نظام لا مركزي في البلاد.

في لبنان: تدعم سويسرا جهود التيارات السلفية هناك للاندماج والمشاركة في العملية السياسية.

مع الأمم المتحدة: في إطار مبادرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، تسهّل سويسرا الحوار بين المنظمات الإسلامية وغير الإسلامية في أفغانستان، وفي الصومال والسودان مثلا.

بين الأديان المختلفة: تعمل سويسرا من داخل “مبادرة نيون” على تجميع ناشطين من آفاق وتوجهات دينية وعقائدية مختلفة، كالمسلمين والكنيسة الإنجليكانية، في حوار من أجل تقريب وجهات النظر.

في مصر: تسهّل الحوار بين المنظمات الإسلامية غير الحكومية، والمنظمات المسيحية السويسرية غير الحكومية ( EPER ).
مدوّنات سلوك: وفي إطار “مبادرة مونتري”، صاغت سويسرا العديد من التوصيات، ومدونات سلوك لفائدة العديد من المنظمات الإسلامية غير الحكومية من أجل استعادة الثقة التي افتقدتها في الغرب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

الحوار: من خلال مشروع “الإعلام والأديان”، تشجّع سويسرا على الحوار بين الصحافيين الأوروبيين ونظرائهم المسلمين من أجل تحسين الأداء الإعلامي في القضايا والملفات ذات الطابع الديني.

(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية