مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معاهدة حظر القنابل العنقودية: حدث تاريخي لكن العبرة في التطبيق!

Keystone

وافقت سويسرا رسميا على الانضمام لمعاهدة دولية تحظر استخدام القنابل العنقودية، لتساهم بذلك في المساعي الجارية للقضاء على 200000 ذخيرة من هذا الصنف تم إحصاؤها في شتى أنحاء العالم.

لكن الاتفاقية الموصوفة بالتاريخية، التي تم توقيعها يوم الأربعاء 3 ديسمبر الجاري في احتفال أقيم بالعاصمة النرويجية أوسلو، تفتقر إلى دعم كبار مستخدمي ومنتجي هذا الصنف من الذخيرة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا الذين رفضوا إقرار المعاهدة.

سويسرا التي لم تقم أبدا بنشر واستعمال الذخائر الانشطارية، انضمت في أوسلو لأكثر من 100 بلد لتوقيع معاهدة حظر استخدام القنابل الإنشطارية التي غالبا ما يُدان اللجوء إليها بسبب تشويهها وقتلها للمدنيين.

وقد أشادت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري في بيان صدر بالمناسبة بالمعاهدة التي وصفتها بـ “القوية والطموحة”، لكنها حذّرت من أن تطبيقها قد يكون مهمة صعبة قائلة: “إن عملية التنفيذ ستكون بالتأكيد طويلة وستتطلب قدرا كبيرا من الطاقة والموارد من جانب جميع أصحاب المصلحة”.

وتأتي عملية التوقيع التي وصفتها وزارة الخارجية السويسرية بـ “علامة هامة في تاريخ القانون الإنساني الدولي” في أعقاب محاولة فاشلة في نوفمبر الماضي من قبل الدول الكبيرة الثلاث غير الموقعة، وغيرها من البلدان بما فيها الهند وباكستان وكوريا الجنوبية، لبناء توافق في الآراء بشأن اتفاق بديل يحظر أنواعا معينة من الذخائر.

وبينما وافقت غالبية بلدان العالم على معاهدة أوسلو، بما فيها كبار الدول الفاعلة الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، رفضت الاتفاقية دول تمثل قرابة نصف سكان العالم، وتشمل سبعة من 14 بلدا يُعرف أنها استعملت القنابل العنقودية وكلها (باستثناء ثلاثة) توجد في الشرق الأوسط.

سويسرا تحت المجهر

وأمام الدول الموقعة ثمان سنوات تقريبا للتخلص من مخزونها، ولئن كان المتحدث باسم الجيش السويسري قد صرح لسويس انفو بأن الجيش ليس لديه في هذه المرحلة أي مخطط بشأن كيفية أو مكان التخلص من الأسلحة.

ويبدأ العد التنازلي للأعوام الثمانية بالنسبة لسويسرا بعد مصادقة البرلمان على الإتفاق التي قد تتم في عام 2009 وفقا للمتحدث باسم وزارة الخارجية لارس كنوخل الذي نوه إلى ضرورة تعديل القانون الفدرالي حول المعدات الحربية أيضا.

ومن شأن الاتفاق أن يضع بصفة رسمية حدا لإنتاج هذا النوع من الأسلحة من قبل شركة رواغ السويسرية لصناعة الأسلحة التي تمتلكها الدولة. وكانت منظمة “هيومان رايتس ووتش” المدافعة عن حقوق الإنسان (التي تتخذ من نيويورك مقرا لها) قد قالت مؤخرا بأن رواغ كان لها يد في إنتاج الذخائر العنقودية قبل بضعة أعوام.

وصرح مارك هيزناي، وهو باحث كبير في هذه المنظمة غير الحكومية، بأن “المكونات صُنعت في سويسرا أو تم استيرادها من إسرائيل”، مشيرا إلى أن تورط الشركة السويسرية في تجميع القنابل انتهى في أواخر عقد الثمانينات أو أوائل التسعينات.

استخدامات مشروعة؟

وتقول واشنطن وموسكو وغيرهما من البلدان غير الموقعة على معاهدة أوسلو الحديثة بأن القنابل العنقودية لها استخدامات عسكرية مشروعة مثل صدّ تقـدّم جحافل القوات المعادية. ولكن وفقا لمنظمة “هانديكاب انترناشنال” غير الحكومية لمساعدة ضحايا الألغام في العالم، فإن 98% من ضحايا الذخائر الانشطارية هم من المدنيين و27% منهم من الأطفال.

وتُعبـّأ القنابل العنقودية، التي استـُخدمت على نطاق واسع في حرب فيتنام، بالمئات في القذائف المدفعية والقنابل والصواريخ التي تُبعثرها فوق مساحات شاسعة، وبعضها لا ينفجر على الفور.

ويمكن أن تظل القنابل غير المتفجرة كامنة لمدة أعوام إلى أن يتم لمسها؛ وغالبا ما تثير هذه الذخيرة الأطفال الذين يجتذبهم حجمها الصغير وألوانها اللامعة.

ويُذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش (المُنتهية ولايته) قالت إن فرض حظر شامل من شأنه أن يـُضر بأمن العالم، وأن يُعرض للخطر التعاونَ العسكري والعملَ الإنساني للولايات المتحدة مع الدول الموقعة على الاتفاق.

وقال ناشطون قبل حفل التوقيع إنهم يأملون أن تُخجـِل معاهدة أوسلو البلدانَ غير الموقعة من توجهاتها في مجال الأسلحة، مثلما حدث للعديد من الدول في الفترة التي تلت إقرار المعاهدة التي حظرت الألغام الأرضية في عام 1997.

وكانت مجموعة مُراقبة قد أفادت في شهر نوفمبر الماضي أن اليونان وتركيا وروسيا البيضاء قد انتهكت المعاهدة وأن 15 بلدا آخرا، من بينهم بريطانيا، طالبت بتمديد مهلتها لتنفيذ التزاماتها.

سيدفعون الثمن…

وفي تدخله أمام الدول الموقعة في العاصمة النرويجية يوم الأربعاء 3 ديسمبر، وصف جاكوب كيلّينبرغر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتخذ من جنيف مقرا لها، معاهدة أوسلو بتطـَوُّر هام للقانون الإنساني الدولي، مشيرا في المُقابل إلى أن هذه الخطوة لن تـُعتبر بمثابة نجاح إلا إذا اقترنت بتنفيذ البلدان لالتزاماتها، وتطهيرها للمناطق المتضررة وتعويضها للضحايا.

من جانبه، قال كنوت دويرمان، رئيس الفرع القانوني لنفس المنظمة إن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحـُث الدول بشدة على المصادقة على المعاهدة بأسرع ما يمكن”، مضيفا أنه “من الواضح أيضا أنه إذا ما استُخدمت الذخائر العنقودية في المستقبل ونجمت عنها معاناة بشرية بنفس الحجم الذي شهدناه في الماضي، فإنه سيتعين على الدول التي تواصل استخدامها أن تدفع ثمنا سياسيا” لذلك.

سويس انفو – جاستين هـين

انطلقت عملية محاربة الذخائر العنقودية (المعروفة أيضا بعملية أوسلو) في فبراير 2007 عندما وافقت مجموعة تضم 46 دولة على إعلان أوسلو (عاصمة النرويج).

والتزم الموقعون في هذا الإعلان بإبرام “صك دولي مُلزم قانونا يحظر استعمال وتخزين الذخائر العنقودية التي تسبب ضررا غير مقبول للمدنيين، ويضمن توفير قدر كاف من الرعاية وإعادة التأهيل للناجين وتطهير المناطق الملوثة، وذلك بحلول عام 2008”.

وقبل المفاوضات النهائية في دبلن بأيرلندا (مايو 2008)، عقدت مؤتمرات في أوسلو (فبراير 2007) وفيينا بالنمسا (ديسمبر 2007) وويلينغتون بنيوزيلاندا (فبراير 2008).

تتكون من عبوة ينطلق منها عدد كبير من القنابل الصغيرة في الهواء إثر إلقائها من الطائرة، ويتم استخدامها ضد أهداف مختلفة مثل المدرعات أو وحدات المشاة أو لإضرام النيران في المنشآت، وذلك بسبب سرعة الدوران الفائقة التي تهبط بها بعد خروجها من العبوة الأم، والتي قد تفوق 2000 دورة في الدقيقة الواحدة، مما يعطيها قوة هائلة في الاختراق والتدمير، خاصة وأنها مزودة بمظلة تضمن سرعة الهبوط في شكل عمودي.

يصل وزن القنبلة الواحدة حوالي 450 كيلوغراما، وتحمل ما لا يقل عن 200 قنبلة صغيرة.

تدمر القنبلة الصغيرة الواحدة بعد سقوطها مساحة واسعة محيطها لا يقل عن 200 متر، وتفتقر إلى التوجيه الدقيق بعد إلقائها مما يزيد من احتمالات حيادها عن الهدف، لكن بعض أنواعها يتضمن قرون استشعار حرارية لتنجذب تلقائيا إلى الأجسام الساخنة، مثل المحركات أو البشر والحيوان، أما تلك التي لا تنفجر بعد ارتطامها بالأرض فتتحول إلى ألغام.

من المعروف أن 34 دولة انتجت أكثر من 210 نوعا مختلفا من الذخائر العنقودية، وتشمل القذائف والقنابل والصواريخ والأوعية.

يخزن 75 بلدا على الأقل حاليا ملايين الذخائر العنقودية التي تحتوي على مليارات الذخائر الفرعية.

أكدت دراسة نشرتها منظمة “هانديكاب انترناشنل” في عام 2007 وقوع 13306 من الوفيات والإصابات الناجمة عن الذخائر العنقودية.

في لبنان، أُطقلت حوالي 4 ملايين من الذخائر الفرعية في مدة 5 أسابيع في عام 2006، ولم تنفجر مئات الآلاف منها.

وخلال نزاع كوسوفو، استخدمت قرابة 290000 من الذخائر الفرعية في ظرف 11 أسبوع، ولم تنفجر منها زهاء 30000.

تدافع بعض الدول عن إستخدام القنابل العنقودية، وترى ضرورة تعديل طريقة تصنيعها لتصبح أكثر دقة في إصابة الأهداف من خلال التحكم في مسارها وسرعتها أثناء السقوط.

تم استخدام القنابل العنقودية منذ حوالي أربعين عاما في صراعات مختلفة من بينها كمبوديا وفيتنام وكوسوفو والعراق والمناطق الفلسطينية المحتلة ولبنان.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية