مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نحو توظيف أكبر للثقافة لتغيير الممارسات واحترام حقوق الإنسان

يُتابعن الدروس في مدرسة للفتيات وسط العاصمة الأفغانية كابل (صورة التقطت يوم 31 ديسمبر 2001) Keystone Archive

سلط تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان الأضواء هذه السنة على "توظيف الثقافة المحلية والتقاليد لتغيير الممارسات التي تحّد من تحسين احترام حقوق الإنسان عموما ومن احترام حقوق المرأة والبنت بالخصوص"، مثلما تشرح المديرة التنفيذية للصندوق السيدة ثريا أحمد عبيد في حديث خصت به سويس إنفو.

وفي سياق الإستعداد لإحياء اليوم العالمي للسكان، الذي يُحتفل به يوم 16 نوفمبر، أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقريره السنوي حول أوضاع السكان في العالم. وإذا كانت هذه الوثيقة توفر فرصة للتعرف على الإحصائيات والأرقام الجديدة، فإنها تتميز هذه المرة بإثارة موضوع حيوي يتعلف بتوظيف الثقافة لتحسين احترام حقوق الإنسان بصورة عامة وحقوق المرأة بشكل خاص.

في حديث خاص أجرته سويس انفو مع السيدة ثريا أحمد عبيد، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، تم التطرق إلى الفكرة الكامنة وراء التوجه لتوظيف الثقافة المحلية من أجل تحسين احترام المعايير الدولية وإلى كيفية التطبيق العملي لمثل هذا التوظيف، إضافة إلى القطاعات التي يمكن أن يستفاد منها بهذا الخصوص في العالم العربي.

سويس إنفو: ما الهدف من وراء توظيف الثقافة لإنجاز التغييرات التي تطمحون لتحقيقها في مجال السكان؟

ثريا عبيد: أولينا اهتماما بالثقافة، لأن القضايا التي نتعامل معها مثل (الصحة) الإنجابية أو وفيات الأمهات أو الحماية من الإيدز، ليست قضايا طبية فقط، بل قضايا مرتبطة جدا بالمفاهيم والممارسات الثقافية، لذلك، أردنا أن نربط بين قيم حقوق الإنسان، مثل الحق في التعليم والحق في الحياة الأفضل، وبين الممارسات التي قد تساعد في تحقيق حقوق الإنسان للأفراد أو تقف كعقبة أمامها. هذا هو الهدف الرئيسي من التركيز على البُـعد الثقافي.

سويس إنفو: لكن ألا ترون أن هذا أعسر من الاهتمام فقط بالجوانب الطبية، لأن تغيير العقليات والعادات والتقاليد قد يتطلب وقتا أطول، أم أن اللجوء الى ذلك راجع الى كون العادات الثقافية تقف عقبة بوجه ما ترغبون في تحقيقه من تغيير؟

ثريا عبيد: في الحقيقة الجزء الثاني هو المهمّ. بمعنى أنه إذا أخذنا وفيات الأمهات مثلا، خلال الثلاثين عاما الماضية، لم تنخفض معدلات وفيات الأمهات. والسؤال لماذا؟.. هناك تحسن في الصحة العامة، وهناك حتى انخفاض في وفيات الأطفال، ولكن وفيات الأمهات لم تنخفض، وذلك طبعا مرتبط بنظرة المجتمع للأم أو للمرأة، لذلك، نحاول أن نجد بُـعدا أكثر من البعد الطبي لمعالجة هذه القضية.

سويس انفو: هل يمكن أن نعطي مثلا عن ذلك؟

ثريا عبيد: في باكستان او الهند أو بنغلاديش في جنوب آسيا، هناك الحماة، أي والدة الزوج، التي ترفض مثلا أن تسمح للمرأة بأن تذهب الى المركز الصحي لتلد. والسؤال المطروح هو كيف يجب التعامل مع هذه القضية؟ أو أن هناك مراكز طبية ليست ملائمة بالنسبة للعادات والتقاليد مثلا كأن تجد بعض المراكز الطبية ليست بها إمرأة قابلة في الوقت الذي قد يكون فيه رجل ممرض أو طبيب. والعادات والتقاليد لا تسمح للمرأة أن يكشف عليها طبيب. فهذه ليست قضية طبية، بل قضية اجتماعية ثقافية بحتة. فلابد من التعرف على هذه المكونات حتى أن نجد حلولا لها مع المجتمع. ومن المهم جدا أن نرى أن المجتمع هو الذي يحلل هذه الصعوبات وأن يجد في ثقافته قيما إيجابية تساعد على التغيير، لأن التغيير يجب أن يأتي من الداخل ولا يمكن أن يأتي من الخارج.

فمثلا في بنغلاديش، حضَرْتُ حفلة تخرج لأئمة مساجد تلقوا تدريبا حول الصحة الإنجابية، لأنه عندما يفهم الإمام ما معنى الصحة الإنجابية ويفهم الخطورة التي تواجه المرأة خلال حياتها، وخصوصا في مرحلة الإنجاب وما إلى ذلك، يستطيع أن يُدخل في خطبة الجمعة مفاهيم تساعد في تغيير الوعي. وعندما يذهب الزوج أو المرأة ليطلب النصح، يستطيع أن يعطيه النصيحة الصحيحة. فنحن نحاول أن نتعامل مع مجموعات مختلفة في المجتمع وهي التي تساعد في بث المفاهيم الصحيحة حول القضايا الصحية، وبذلك نساعد في تغيير بعض المفاهيم وبعض الممارسات الموجودة.

سويس إنفو: إذن يمكن القول بأنه تغيير من داخل الثقافة المحلية؟

ثريا عبيد: من نفس الثقافة وبأيدي المجتمع المحلي نفسه، وليس من الخارج. دورنا هو فقط تقديم المعلومات الصحيحة والعمل مع المجتمع المحلي، لكي نجد حلولا لمواجهة (ظاهرة) وفيات الأمهات مثلا. فنحن لدينا قيمة الأم متجسّـدة في الأثر الإسلامي “الجنة تحت أقدام الأمهات”. فكيف نهمل الأم وندفعها للموت خلال فترة الولادة؟. فلابد أن نربط بين القيمة العظيمة للأم وبين الممارسات التي تدفع المرأة للتهلكة.

سويس إنفو: فيما يخص العالم العربي، ما هي الممارسات التي يمكن لهذا التوجه الجديد أن يفيد في إحداث التغييرات المنشودة فيها؟

ثريا عبيد: .. العالم العربي ما زالت فيه نسبة وفيات الأمهات عالية، إذا ما أخرجنا دول الخليج بسبب الوفرة المالية وتوفر الخدمات الطبية. فمصر مثلا، التي نتخذها كمثل، لم تستطع أن تخفض نسبة وفيات الأمهات إلا خلال الخمس سنوات الأخيرة، وهذا بفضل جهد الحكومة والمنظمات الحكومية.

لكن العالم العربي ككل، ما زالت فيه قضية وفيات الأمهات قضية شائكة، ونفس الشيء ينطبق على قضية الزواج المبكر، أي زواج البنت الصغيرة المراهقة قبل أن يكتمل نمو جسدها على سبيل المثال، وهذا ما يحرمها من العلم ومن الذهاب إلى المدرسة، بل يحرمها حتى من نمو جسدها الإنجابي لكي تحمل حملا طبيعيا ولا تكون له عواقب وخيمة، لذلك، نعمل مع المؤسسات والمجتمعات المحلية حتى نشجعها على أن تسمح للبنت أو للمرأة بان تذهب الى المراكز الصحية التي تقيمها الدول في مناطق كثيرة.

من القضايا الأخرى الموجودة في بلداننا مع الأسف، هي قضايا جرائم الشرف التي تكون فيها في مرات كثيرة البنت بريئة. وعلى الرغم من وجود قانون في هذه الدول، مثل الأردن، إلا أن القانون القبلي يعتبر أهم من قانون الدولة. والسؤال المطروح والذي نحاول معالجته هو: “كيف نتعامل بقانون قبلي، بينها هناك قانون تنظمه الدولة؟”.

ومن القضايا الخطيرة جدا أيضا، قضية مرض الإيدز أو “فيروس نقص المناعة المكتسبة”، هذا المرض الذي بدأ في بلداننا، ولكننا لا نتحدث عنه. والخطر في ذلك، هو إذا لم نتحدث عنه ونقوم بتوعية المجتمع به، سيحدث لنا ما يحدث لكثير من البلدان، أي الانتشار الواسع. فهو ينتشر في بلداننا بسب المخدرات وأساسا بتناقل استخدام الإبر المستعملة في تناول المخدرات. فهذه كلها قضايا مرتبطة بالممنوع في دولنا، لذلك، فإن الحديث على مستوى القيادات وعلى مستوى القيادات المحلية ومع رجال الدين ومع النساء اللواتي يتحدثن عن الدين ومع الحركات السياسية الموجودة، يعتبر مهما حتى تكون هناك حركة محلية لتغيير المفاهيم حول الحماية في المجتمع من هذه الآفات.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

في عام 2008، بلغت مساهمة سويسرا في نشاط صندوق الأمم المتحدة للسكان 14 مليون فرنك.
تصنف الكنفدرالية ضمن أهم عشر دول ممولة للصندوق.
تهتم سويسرا بالخصوص بتمويل المشاريع المتعلقة بالرعاية الصحية والتنظيم العائلي في الدول النامية.

الجزائر: 34،4 مليون. (49،6)
مصر: 76،8 مليون (121،2)
ليبيا: 6،3 مليون (9،7)
المغرب: 31،6 مليون (42،6)
السودان: 39،4 مليون (73)
تونس: 10،4 مليون (13،2)
موريتانيا: 3،2 مليون (6،4)
السعودية: 25،3 مليون (45)
الإمارات العربية المتحدة: 4،5 مليون (8،5)
العراق: 29،5 مليون (61،9)
الأردن: 6،1 مليون (10،1)
الكويت: 2،9 مليون (5،2)
لبنان: 4،1 مليون (5،2)
عمان: 2،7 مليون (4،6)
سوريا: 20،4 مليون (34،9)
الأراضي الفلسطينية المحتلة: 4،1 مليون (10،3)
اليمن: 23،1 مليون (58)

ثريا أحمد عبيد هي المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي هو أكبر مصدر متعدد الأطراف في العالم للمساعدات السكانية. وقد عينت السيدة عبيد رئيسة للصندوق، اعتباراً من 1 يناير 2001، برتبة وكيل أمين عام الأمم المتحدة، وهي أول مواطن سعودي يعين رئيساً لوكالة تابعة للأمم المتحدة.

وكانت السيدة عبيد، في الفترة من عام 1998 حتى عام 2001، مديرة لشعبة الدول العربية وأوروبا في صندوق الأمم المتحدة للسكان. وقبل التحاقها بالصندوق كانت وكيلة الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) من عام 1993 حتى عام 1998. وكانت رئيسة شعبة التنمية الاجتماعية والسكان بالإسكوا من عام 1992 حتى عام 1993، ومسؤولة الشؤون الاجتماعية المعنية بالنهوض بالمرأة من عام 1975 حتى عام 1992.

كان محور التركيز في عمل السيدة عبيد، في الإسكوا وفي صندوق الأمم المتحدة للسكان على السواء، هو التعاون مع الحكومات لإنشاء برامج لتمكين المرأة وتنمية قدراتها كمواطن له حقوق وعليه مسؤوليات. وقد عملت أيضاً مع المنظمات النسائية غير الحكومية للدعوة إلى تحقيق المساواة للمرأة.

وفي عام 1975، أنشأت السيدة عبيد أول برنامج إنمائي للمرأة في منطقة غربي آسيا. وقد ساعد هذا البرنامج في بناء شراكات بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية غير الحكومية.

ترأست السيدة عبيد فرقة عمل الأمم المتحدة المشتركة بين الوكالات والمعنية بقضية النوع الاجتماعي في عمان، الأردن، عام 1996. وفي نوفمبر 1997، كانت عضواً في بعثة الأمم المتحدة المعنية بقضية النوع الاجتماعي التي أوفدت إلى أفغانستان. ومن عام 1984 حتى عام 1985، كانت عضواً في الفريق العامل لجامعة الدول العربية لصياغة استراتيجية عربية للتنمية الاجتماعية.

وكانت السيدة عبيد أول امرأة سعودية تتلقى منحة للدراسة في جامعة في الولايات المتحدة، عام 1963، وهي تحمل شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي والأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة ولاية واين في ديترويت، ميتشيغان.

(المصدر: موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان على الإنترنت)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية