مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نقابة الصحفيين بمصر.. “مهنية وخدمية” أم “مُسيّسة”؟

جرائد ومجلات معروضة للبيع أمام مكتبة بوسط القاهرة (ديسمبر 2012). Keystone

في أول مارس 2013 يتوجه أكثر من ستة آلاف صحفي مصري، ممن يحق لهم التصويت، إلى لجان الإقتراع، للمشاركة في عملية التجديد النصفي لاختيار ستة أعضاء لمجلس نقابتهم من بين 47 مرشحًا، فضلاً عن اختيار نقيب جديد من بين خمسة مرشحين لهذا المنصب.

وتأتي انتخابات الصحفيين المصريين هذه المرة، في ظل أجواء سياسية “محتقنة”، يجمعها مشهد مرتبك، وسط حالة من عدم الإستقرار، وفقدان الثقة، ومخاوف من تسييس النقابة، وانحرافها عن الهدف الذي أنشئت من أجله.

وككل مرة، تثير هذه الإنتخابات عددًا من التساؤلات تشمل انطباعات الصحفيين عن الأجواء السياسية التي تجري فيها انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة، والأسباب الكامنة وراء ابتعاد جماعة الإخوان المسلمين عن المنافسة على هذه الدورة، والإحتياجات الحقيقية للجمعية العمومية للصحفيين من الأعضاء الجدد في المجلس ومن النقيب القادم.. وأخيرًا: من يكون المرشح الجدير بالفوز بثقة الصحفيين، والذي سيحظى بشرف تمثيلهم في المجتمع؟.. أسئلة حائرة طرحتها “swissinfo.ch” على عدد من الصحفيين المصريين، من مشارب فكرية مختلفة، ومدارس صحفية متباينة.

أجواء مخيبة للآمال!

في البداية، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي صلاح بديوي، أن الظروف التي تجري فيها انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين تتسم بـ “أجواء سياسية ومهنية مخيبة للآمال، لكون أن المئات من الصحفيين بلا عمل بعد انقطاع الدعم الحكومي عن الصحف الحزبية، إثر قيام الثوة، وبوار سوق الإعلانات نتيجة تردي الإقتصاد، مما أدى لإغلاق عشرات الصحف وتعثرها، فضلاً عن استمرار المشاكل التي ورثها أهل الحكم الآن بمجال الصحافة والإعلام منذ عهد مبارك”، مضيفًا أن “الأجواء العامة تتعلق بانقسام الوطن ما بين مؤيد للاخوان ومعارض لحكممهم، بسبب انحرافهم عن توجه الثورة من وجهة نظر الكثير من الثوار والقوى السياسية”.

وعن توقعاته للفائز بمنصب نقيب الصحفيين من بين المرشحين الخمس، قال بديوي، الصحفي بجريده الشعب المغلقة، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “سيفوز ضياء رشوان، لاعتبارات مهنية وسياسية، أما المهنية: فلأنه الأكثر خبرة ووعيًا وثقة، وأما السياسية فلأن المزاج الصحفي في مصر اليوم ضد الفلول والإخوان، ولايوجد من ينافسه حقيقة، إلا مرشح تحالف الفلول وخونة الثورة”، على حد تعبيره وذلك في إشارة إلى المنافس عبد المحسن سلامة.

يبلغ عدد الأعضاء المشتغلين بنقابة الصحفيين 6378 صحفيا (4542 من الذكور و1836 من الإناث). وهناك عدد من الصحفيين أعضاء بالنقابة لكنهم “تحت التمرين”.

هناك أيضا الصحفيون الذين يمارسون المهنة خارج إطار النقابة، فضلا عن الصحفيين العاملين في المواقع والصحف الإلكترونية (بضعة آلاف) لكنهم وحسب القانون لا يسمح لهم بالدخول تحت مظلة النقابة، وقد أسس بعضهم نقابات مستقلة. إضافة إلى الإعلاميين العاملين في مجال الإعلام الإذاعي والتليفزيوني وهؤلاء أيضًا لا تشملهم نقابة الصحفيين، ومازالوا يبحثون عن مظلة نقابية ترعاهم وتنظم شؤونهم.

في يوليو 2012، بلغ عدد الصحف القومية 56 صحيفة، منها (18 صحيفة) لمؤسسة الأهرام، و(12 صحيفة) لأخبار اليوم، و(12 صحيفة) لدار التحرير، و(9 صحف) لدار الهلال، و(صحيفتان) لروز اليوسف، و(صحيفة واحدة) لكل من دار المعارف وأكتوبر، و(صحيفتان) لوكالة انباء الشرق الاوسط. 

الصحف الحزبية، والبالغ عددها 65 صحيفة طبقا لحصر رسمى تم فى يوليو 2012.

الصحف المستقلة: مثل الدستور، المصري اليوم، فيتو، الشروق، الفجر، الناس، النهار، اليوم السابع، ديلي نيوز إيجيبت، صوت الأمة، صوت بلادي، وطني، الأرض، البيان البورسعيدى، البوادي، الساحة. بالإضافة إلى الصحف الخاصة التى سجلت ما بعد الثورة، فهى: التحرير/ المال الاسبوعى/ الحرية للشعب/ المشهد/ الفتح/ الخبر العربية/ المصريون/ الوطن/ المسلمون/ حصاد الفكر/ الرسالة الثقافية/ صوتك/ فارس وزهرة/ القدس.

يبلغ عدد المواقع الإلكترونية للصحف والمجلات القومية الورقية نحو 36 موقعاً تستحوذ على نسبة 57.1% من إجمالى مواقع الصحف المصرية الإلكترونية، تليها مواقع الصحف المستقلة والخاصة، ويصل عددها إلى 20 موقعا إلكترونيا بنسبة 32%، بينما تمثل مواقع الصحف الحزبية نسبة 11% فقط بواقع 7 مواقع.

إنقاذ المهنة من الإنهيار!

وردًا على سؤال: لماذا آثر “الإخوان” الإبتعاد عن المنافسة على منصب النقيب في هذه الدورة؟ أجاب بديوي: “لأنهم يعرفون جيدًا أن النخبة فقدت الثقة فيها، والصحفيون في طلائعها، وانتخابات نقابتهم هي انتخابات نخبة، وبالتالي لن ينجح أحد منهم، وستكون فضيحة تؤثر علي انتخابات مجلس النواب (المقرر بدء مرحلتها الأولى في 22 أبريل المقبل)، وهم يسعون الآن لترسيخ حكمهم للبلد بشكل عام، وأخونتها، ومن ثم يتركون النقابات لوقت لاحق، لاسيما تلك التي فقدت الثقة فيهم”.

من جهة أخرى، أوضح صلاح بديوي أن الصحفيين يحتاجون اليوم “لإنقاذ المهنة التي تنهار الآن، والدفاع عن حريات الصحافة والإعلام التي تواجه هجمة شرسة من ورثة حكم مبارك، وتحسين أوضاعهم المادية والمهنية، والتصدي لمخططات بيع المؤسسات وخصخصتها”.

وحول فكرة “تسيس النقابة” التي ينادي بها البعض، قال بديوي: “لا يملك أحد تسييس النقابة، لأن الصحفيين يدافعون  عن عمل مهني مشترك يجمعهم، وبالتالي لامجال للتسيس، وفي الواقع فإن الذي بدأ التسييس من أيام مبارك هم الإخوان، عندما رفعوا شعارات دينية، ووقد تعاطفنا معاهم وقتها، وظلوا هكذا حتى قيام الثورة، وتوليهم الحكم، وظهورهم علي حقيقتهم”.

“الإخوان” يدعمون سلامة!

الكاتب والمحلل السياسي مؤنس زهيري، الصحفي بجريدة أخبار اليوم، اعتبر أنها “انتخابات بطعم انتخابات الرئاسة المصرية السابقة، حيث لا يوجد ولو شبه اتفاق علي مرشح بعينه لمنصب النقيب أو أعضاء المجلس”، معتبرًا أن “أبرز المرشحين لمنصب النقيب، هما: ضياء رشوان، وعبد المحسن سلامة”، وكلاهما ينتمي لمؤسسة الأهرام، أكبر مؤسسات الصحافة القومية (أي الممولة من طرف الدولة) المصرية.

وقال زهيري، الصحفي بجريدة أخبار اليوم، والمرشح السابق لمنصب النقيب، في تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”: “أما رشوان، فهم يمثل التيار المستقل، وقد سبق أن خاض الإنتخابات قبل الماضية أمام النقيب الأسبق مكرم محمد أحمد، وأراه كثير الحديث، دائم الظهور في الفضائيات، إضافة لكونه مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الاهرام، ويفتقد إلى خبرة العمل النقابي المطلوبة خلال الفترة الحالية، وأما سلامة، فقد سبق له العمل في المجال النقابي كوكيل للمجلس السابق، وهو من أرشّحه لمنصب النقيب”.

وعن موقف الإخوان من الإنتخابات، أشار نجل المرحوم كامل زهيري نقيب النقباء إلى أن “الإخوان لم يبتعدوا عن انتخابات هذه الدورة، فقد ترددت أقاويل عن أنهم يدعمون سلامة، وعليه فإنني أرى أن الإخوان لا يمكنهم أن يُهملوا أهم إنتخابات نقابية، خاصة وأنهم وضعوا أيديهم علي كل مناصب رؤساء تحرير الصحف القومية”، معتقدًا أنهم “استفادوا من درس إنتخابات العام الماضي، فلم يظهروا بوضوح وراء مرشح بعينه، مثلما فعلوا مع النقيب الحالي ممدوح الولي”.

تسييس النقابة.. خطر!

في سياق متصل، يرى زهيري أن “الإحتياجات المعلنة للصحفيين من النقيب والمجلس، هي المطالب المعتادة، مثل الحريات، وعدم حبس الصحفيين على جرائم النشر، وكفالة الحصول علي المعلومات، إلي آخر قائمة الطلبات كما في كل انتخابات.. إلا أن الإحتياج والمطلب الأساسي الدائم للصحفيين هو زيادة العائد المادي الممنوح من الحكومة للصحفيين، والمسمى بالبدل، وقد ظل هذا المطلب هو عامل الحسم لترجيح كفة أي مرشح طوال عدة دورات سابقة”.

وتابع قائلاً: “وكان غالباً ما تمنحه الحكومة لمرشحها، الذي عادة ما كان يحسم جولة الصراع لصالحه، أما هذه الدورة فهي الثانية التي لا يكون للحكومة مرشح محدد فيها، إلا أن أقاويل دعم الإخوان لسلامة ترجّح كفته، في وقت يحتاج فيه الصحفيون إلي زيادة موردهم الشهري في ظل غلاء الأسعار الذي تعيشه البلاد”.

إضافة إلى ذلك، اعتبر زهيري أن “تسييس النقابة ينأي بها عن هدفها المجرد، وهو العمل النقابي لخدمة المهنة وأصحابها، ولو كان لزاماً علي نقابة الصحفيين أن تأخذ موقفاً سياسياً من أي قضية، فعليها أن تأخذ الجانب السياسي الذي يحقق مصلحة الوطن، وتنأي بنفسها أن تؤيد فصيلاً سياسياً بعينه أو تعارض آخر بعينه”، معتبرًا أن “الزملاء المرشحين للعضوية هم مجموعة غير متآلفة سياسياً، مما يُنذر بعدم تجانس المجلس القادم، والذي قد يكون قابلاً للإنفجارات بسبب تعارض الإتجاهات السياسية لأعضائه كما حدث في المجلس السابق والذي وصل إلى حد التشابك بالأيدي، وتوجيه الألفاظ غير اللائقة لبعضهم البعض”.

نعم “للمهني”.. لا “للأيديولوجي”

من جهته، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي عبد الرحمن سعد، الصحفي بجريدة الأهرام، أن “الجمعية العمومية تتجه هذه المرة إلى اختيار الصحفي “المهني”، الذي يسعى إلى خدمة زملائه، بعيدا عن فكرة الصحفي “الأيديولوجي” الذي يقدم الفكر السياسي الذي يعتنقه على أي اعتبار، خاصة بعد أن ثبتت خطورة الإستقطاب السياسي على وحدة العمل النقابي، وعلى ممارسة النقابة لدورها المنوط في خدمة الزملاء”.

ويرى سعد، المرشح لعضوية مجلس نقابة الصحفيين، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch أن “الهدف الأساسي الذي يجب أن يسعى إليه جميع المرشحين، هو إعادة قطار النقابة إلى مساره الصحيح بعدما خرج عن قضبانه، وكان يضل الطريق، ويورد النقابة والنقابيين المهالك”، مشيرًا إلى أنه لمس من خلال جولاته الميدانية بالمؤسسات الصحفية المختلفة سحباً من مشاعر عدم الثقة، وخيبة الأمل، التي غطت سماء الزملاء، وملأت قلوبهم بالمرارة تجاه مجلس النقابة الأخير”، على حد قوله.

هيبة مُهدرة لمهنة عريقة!

في نفس السياق، يذهب عبد الرحمن سعد، إلى أن “هناك شعور واسع بالأسى بين الصحفيين، جراء ما يعتبرونه “هيبة مُهدرة لمهنتهم”، تسبب فيها المجلس السابق، وصلت إلى حد التنابز بالألقاب، وتبادل الشتائم، وتغليب السخائم، وعدم احترام الحق في الإختلاف، بل ورفع الأحذية في الوجوه”، مشيرًا إلى أن “هذه مشاهد ينبغي ألا نراها مرة أخرى، لأنها دخيلة على التقاليد النقابية، وإذا لم نحترم أنفسنا فلن يحترمنا الآخرون”.

ويرى سعد أيضا أن “عمليات القيد في جداول النقابة تحتاج إلى وقفة، من أجل توسيعها وضبطها في الوقت نفسه، بجانب تحرير بدل التدريب والتكنولوجيا، بحيث يدخل ضمن أساسي الراتب، أو إحدى “خاناته”، إذ ما زالت الحكومة هي المهيمنة على هذا البدل، ومن الخطورة استمرارها في التحكم فيه، سلباً وإيجاباً”.

أخيرا يقول عبد الرحمن سعد، الصحفي بجريدة الأهرام: “نحتاج كصحفيين إلى السعي الحثيث لزيادة الرواتب، وتشعيب الجمعية العمومية، بمعنى زيادة الشعب والروابط واللجان الداخلية بها، كي تمارس دورها في رقابة أداء المجلس والنقيب، وتزويدهما بالأفكار والمساعدات اللازمة، بجانب ضرورة الوفاء بعشرات الإحتياجات الأخرى  لشيوخ المهنة، وشبابها”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية