نقاشات برلمانية حامية حول حرية تنقل الأشخاص
بعد جلسة ساخنة تواصلت سبع ساعات تقريبا، أيد مجلس النواب بدوره تمديد اتفاق حرية تنقل الأشخاص مع الاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التطبيق في عام 2002، وتوسيع نطاقه ليشمل بلغاريا ورومانيا.
لكن خلافا للقرار الذي اتخذه الشيوخ في أبريل الماضي، رفض النواب ربط الموضوعين في حال عرضهما على تصويت الناخبين، إذا ما نجح حزب الشعب (يمين متشدد) في طرح الاستفتاء الشعبي الذي وعد به.
كان مستقبل العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي موضع نقاش مُطول في مجلس النواب يوم الأربعاء 28 مايو في برن. واعتمد النواب تمديد حرية تنقل الأشخاص بـ 175 صوتا مقابل 10، وتوسيعه إلى رومانيا وبلغاريا بـ 134 صوتا مقابل 45.
ونيابة عن لجنة السياسية الخارجية في المجلس، وصف ريتو فيرلي (من الحزب الديمقراطي المسيحي) تمديد وتوسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص بأهم مواضيع الفترة التشريعية الحالية (2008-2011) لأنه يتعلق بـأسس العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، شريكها الاقتصادي الرئيسي. وهو رأي دافعت عنه خلال الجلسة الوزيرات الثلاث في الحكومة الفدرالية، ميشلين كالمي – ري (الخارجية)، ودوريس لويتهارد (الاقتصاد)، وإيفلين فيدمر – شلومبف (العدل والشرطة).
ونوه فيرلي إلى أن “ما هو على المحك الآن يتجاوز مجرد استمرار تطبيق حرية التنقل. فسويسرا، بتوقيعها في عام 1999 على حزمة الاتفاقيات الثنائية الأولى، ضمنت لنفسها الوصول إلى السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي. وفي حال رفض الاقتراح لتجديد اتفاق حرية التنقل، ستسقط كافة الاتفاقيات الأخرى المبرمة مع بروكسل”؛ وذلك بموجب “بند المقصلة” الذي يربط جميع تلك الاتفاقيات.
ولم يفت الوزيرة كالمي – ري التذكير في هذا الصدد بأن بروكسل يمكن أيضا أن تنسحب من الاتفاق إذا ما تم رفض توسيعه إلى رومانيا وبلغاريا، مضيفة “إن مُستقبل النهج الثنائي هو الآن بين أيدينا”.
كريستا ماركفالدير بير (الحزب الراديكالي) أعربت أيضا عن اعتقادها أن “رفض توسيع الاتفاق إلى رومانيا وبلغاريا يعني تهديد نهج الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، الذي جلب لحد الآن لسويسرا النمو الاقتصادي والرفاهية”. بينما ذكرت فرانسين جون-كالام (حزب الخضر) بأن “الاتحاد الأوروبي يمثل سوقا قوامها 490 مليون مستهلك وتشهد كل يوم تبادل بضائع وخدمات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بقيمة مليار فرنك، وكل فرنك من أصل ثلاثة من إجمالي ناتجنا الداخلي يتأتى من التجارة مع الاتحاد، تجارة ارتفعت بنسبة 6% خلال العقد الأخير”.
الفصل أو الربط؟
وكانت أكثر المسائل إثارة للنزاع في جلسة الأربعاء التفريق بين تمديد وتوسيع اتفاقية حرية تنقل الأشخاص كمرسومين منفصلين (وفقا لتوصيات الحكومة الفدرالية) أو ربطهما معا في حال عرضهما في استفتاء شعبي اختياري على الناخبين السويسريين.
النائب بيتر شبوهلير، من حزب الشعب، أعرب عن اعتقاده أن حلَّ ربط الموضوعين الذي اعتمده مجلس الشيوخ في أبريل الماضي هو بمثابة “مناورة تكتيكية بحتة تشبه اللعب بالنار بدون أي داع”. فيما قال لوران فافر، من الحزب الراديكالي، إن المواطنين “يكرهون مجموعة الملفات المرتبطة التي تقترحها عليهم برن الفدرالية (في الاستفتاءات)”.
من جهتها، أقرت وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر – شلومبف أن الجمع بين الموضوعين يحمل بعض المخاطر قائلة “إن المعركة ستكون كبيرة والنتيجة غير مؤكدة”. لكن فرانسين جون-كالام (حزب الخضر)، ترى أن إدماج الموضوعين يتيح الحد من المخاطر على وجه التحديد.
أما كاتي ريكلين (من الحزب الديمقراطي المسيحي)، فتعتقد أن حزب الشعب يكذب على الشعب بجعله يعتقد أن لديه خيارا، وصرحت: “إن حرية تنقل الأشخاص ليست بمجموعة تدابير يتم قبولها حسب الطلب”.
من ناحيتها، شددت مارتين برونشفيغ غراف (من الحزب الليبرالي) على أن لجنة السياسة الخارجية في مجلس النواب تدرك بأن عواقب رفض تمديد أو توسيع حرية التنقل متطابقة تقريبا في كلتا الحالتين، منوهة إلى أهمية منح المواطنين إمكانية التعبير عن موقفهم إزاء هذين الملفين وهم على دراية كاملة بالحقائق وفي شفافية تامة.
المزيد
الاتفاقيات الثنائية
رفض قاطع للتوسيع.. ومخاوف من الغجر
وخلال النقاش، لم يعارض حزب الشعب (يمين متشدد) – رغم تصديه منذ بداية التسعينات لكل مشروع يهدف إلى تعزيز إدماج سويسرا في الاتحاد الأوروبي خارج إطار العضوية – فكرة تجديد ذلك الاتفاق الذي دخل حيز التطبيق في عام 2002 عندما كان الاتحاد يضم 15 عضوا فقط. في المقابل، رفض بشكل قاطع توسيع نطاق الاتفاق ليشمل رومانيا وبلغاريا.
النائبة في الحزب، أندريا مارتينا غايسبوليرن بررت ذلك الرفض بالقول: “في هذين البلدين، لا يتعدى متوسط الأجر الشهري 500 فرنك والفقر منتشر على نطاق واسع. ستحتاج رومانيا وبلغاريا لمدة تصل إلى 25 عاما أخرى، في أفضل الأحوال، لتبلغ متوسط إجمالي الناتج الداخلي للفرد في الاتحاد الأوروبي. وطوال هذه الفترة، ستتعرض سويسرا إلى تدفق موجات كبيرة من العمال من هذين البلدين”.
أما زميلها إيرنست شيبلي فأضاف أن “الاقتصاد السويسري ليس بحاجة إلى حرية تنقل الأشخاص مع هذين البلدين. إذ تتوفر كافة فروع اقتصادنا على ما يكفي من الفرص لتوظيف القوى العاملة التي تحتاج إليها. ناهيك عن أن رومانيا وبلغاريا توجدان على صدارة مجموعة البلدان ذات أعلى نسب في مجالي الجريمة والفساد”.
فالتر فوبمان، من نفس الحزب قال: “بتوسيع الاتفاق إلى رومانيا وبلغاريا، سنعتمد مبدأ القبول التلقائي، وهكذا سنضطر في المستقبل إلى الموافقة تلقائيا على توسيع الاتفاق للمرشحين الجدد لعضوية الاتحاد، لبلدان مثل تركيا وصربيا ومقدونيا وألبانيا أو كوسوفو، حيث توجد مشاكل اجتماعية كبيرة ومعدل مرتفع للجريمة والبطالة”.
وبدا ممثلو حزب الشعب رافضين لتصديق تهديدات الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات انتقامية في حال حدوث معارضة سويسرية لتمديد توسيع حرية التنقل. وأعربوا بالمناسبة عن مخاوفهم إزاء الهجرة غير المشروعة للغجر من رومانيا. وقال نائب رئيس الحزب، إيفان بيران: “إن ايطاليا تكافح بنشاط حاليا الهجرة السرية. والغجر الذين سيغادرونها سيرغبون بالتأكيد في البحث عن الثروة في بلادنا”.
لكن وزيرة العدل والشرطة فيدمر – شلومبف (من حزب الشعب) سعت إلى طمأنة النواب حول أخطار الهجرة السرية للغجر التي اعتبرتها “مشكلة” مستقلة عن الاتفاق الخاضع للمناقشة. وقالت بهذا الشأن: “إن حرية التنقل تنطبق على جميع المواطنين الرومانيين أو البلغاريين الذين يستجيبون للشروط المنصوص عليها في الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي”، أما الجانحون والمتسولون الذين لا يتوفرون على عقد عمل، فيمكن إعادة الجانحين والمتسولين إلى بلدهم في أي وقت.
الوزيرة فيدمر – شلومبف (التي يريد حزب الشعب إلغاء انتمائها إليه بعدما قبلت تعويض سلفها بلوخر، أنظر المواضيع المتعلقة) أشارت إلى أن قضية الهجرة غير المشروعة مشكلة يتعين حلها بصورة مشتركة مع البلدان الأوروبية الأخرى. ولم تتردد الوزيرة في القول أنه بعد اتفاق التبادل الحر لعام 1972، يمثل تمديد وتوسيع حرية تنقل الأشخاص أهم اتفاق بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.
اتـفاق في الأفق…
ورغم الرفض القوي لليمين المتشدد، صادقت أغلبية مجلس النواب – بـ 138 صوتا مقابل 53 – على مقترح وضع المرسومين الفدراليين (حول تمديد وتوسيع الاتفاق) على جدول الأعمال.
ونوهت وزيرة الخارجية كالمي – ري إلى إن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يقبل بالتمييز إزاء بعض أعضائه من قبل سويسرا قائلة “إن سويسرا أيضا تقوم على مبدأ التضامن الكنفدرالي (أي التضامن بين الكانتونات). والكنفدرالية ستُعارض بالتأكيد أن يطبق الاتحاد الأوروبي اتفاق حرية تنقل الأشخاص بطريقة تمييزية، أي أن يطبقها على بعض الكانتونات دون غيرها”.
وقد فشلت محاولات حزب الشعب المتعلقة بمقايضة الموافقة على توسيع الاتفاق باعتراف الاتحاد الأوروبي بالسيادة الضريبية لسويسرا. وإذا ما تمت الموافقة على توسيع حرية التنقل بدون أي مقابل، فإن ذلك الحزب اليميني المتشدد سيشرع في عملية طرح الاستفتاء، مثلما أعن رئيسه توني برونير.
وأثناء مناقشة التفاصيل، قرر مجلس النواب أيضا، بـ105 صوتا مقابل 70، تكليف الحكومة الفدرالية بكتابة تقرير حول آثار توسيع الاتفاق على سوق الشغل بعد مرور سبع سنوات على دخوله حيز التطبيق.
وخلافا لمجلس الشيوخ، فضل مجلس النواب في نهاية المطاف، بـ 101 صوتا مقابل 82، الفصل بين موضوعي تمديد وتوسيع حرية التنقل مستجيبين بذلك لتوصية الحكومة بضرورة منح المواطنين إمكانية التعبير عن موقفهم من كل ملف على حدة.
ونظرا لتباين وجهات النظر بين مجلس الشيوخ والنواب، سيعود ملف فصل أو ربط تجديد وتوسيع اتفاق حرية التنقل إلى مجلس الشيوخ ليُناقش مجددا خلال الدورة الحالية. ويتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق بعدما أوضحت لجنة السياسة الخارجية في مجلش الشيوخ يوم الخميس 29 مايو أنها ستحذو حذو مجلس النواب، وبأنها توصي الشيوخ بالموافقة على الفصل بين الملفين.
المزيد
المبادرة الشعبية
سويس انفو مع الوكالات
تنتظم العلاقة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي في إطار ثنائي. وتتعلق الاتفاقيات القطاعية الأولى بينهما (1999) أساسا بفتح متبادل للأسواق. وتشمل سبعة ميادين: التنقل الحر للأشخاص، رفع العوائق التقنية أمام التبادل التجاري، فتح الأسواق العمومية، الزراعة، والنقل الجوي والبري، ومشاركة سويسرا في برامج الأبحاث الأوروبية.
أما الاتفاقيات الثنائية الثانية، فتغطي مجالات اقتصادية إضافية، وتوسع التعاون السويسري الأوروبي إلى ميادين سياسية تشمل قضايا الأمن الداخلي، واللجوء، والبيئة والثقافة. وتتعلق أيضا بالملفات التالية: اتفاقيات شيغن ودبلن، و الضريبة على الادخار، والمنتجات الزراعية الموجهة للتصنيع، والتعاون في المجال الإعلامي، والبيئة والإحصاء ومكافحة الغش، ونظام التقاعد، والتعليم والتكوين المهني.
يمثل اتفاق التنقل الحر جزءً من المجموعة الأولى من الاتفاقيات الثنائية بين برن وبروكسل. وهو يتعلق في الأصل بالدول الخمسة عشر الأولى التي كانت تشكل الإتحاد الأوروبي. ودخل هذا الاتفاق حيز النفاذ في فاتح يونيو 2002.
وفي سبتمبر 2005، قبل السويسريون بتوسيع إطار هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى الإتحاد الأوروبي في 1 مايو 2004 (وهي استونيا، ليتوانيا، لاتفيا، هنغاريا، بولونيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، تشيكيا، مالطا، قبرص).
وينتهي العمل باتفاقية التنقل الحر بين سويسرا والإتحاد الأوروبي مع موفي 2008. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمكن تمديد العمل بهذا الاتفاق آليا، لكن الأمر يتطلب من الجانب السويسري إجراء استفتاء اختياري. ويصبح الاستفتاء إجباريا إذا طالب به 50.000 مواطن سويسري. عندئذ يجب تنظيم الاستفتاء في ربيع 2009.
من ناحية أخرى، يتطلب انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الإتحاد الأوروبي في فاتح يناير 2007، إجراء استفتاء آخر لتوسعة نطاق اتفاقية التنقل الحر. وحول هذه النقطة، من المرجح أن يطالب حزب الشعب بعرضه في استفتاء شعبي عام، ولكن التهديدات التي أطلقها الحزب صدرت قبل اتخاذ مجلس الشيوخ لقراره الداعي إلى ربط هذه التوسعة بالاتفاقية الأساسية للتنقل الحر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.