مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل نجح أوباما في “طمْـأنة” السعودية؟

صورة وزعتها وكالة الأنباء السعودية يوم 28 مارس 2014 للقاء الذي جمع بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي باراك أوباما في الرياض. Keystone

هل نجح الرئيس الأمريكي أوباما في تسوية الخلافات السعودية - الأمريكية؟ ربما، لكن فقط في الفضاء "الدبلوماسي - العاطفي". فهو كرّر التمسُّك بالتحالف التاريخي بين البلدين، الذي يعود بجذوره إلى 80 عاما، وتعهّـد (كما أشار مسؤولون أمريكيون) بعدم إبرام أي "صفقة ضعيفة" مع إيران حيال برنامجها النووي، مشفوعاً بتعهُّـد آخر بـ "التشاور" مع المملكة في هذا الشأن.

كل هذه الإلتزامات، التي قدّمها أوباما للملك عبد الله في مُنتجعٍ صحراوي ساحرٍ قُـرب الرياض،  قد تُـحرّك المشاعر وتُـداعب الحنين في المملكة إلى عهدٍ سابق، كانت فيه للسعودية الكلمة الأولى في البيت الأبيض إزاء العديد من قضايا الشرق الأوسط الإسلامي.

بيْد أن القادة السعوديين لن يكتفوا بالطبع بالكلمات الرنّانة التي يعرفون دوْرها عن ظهر قلب. فهُم في النهاية أسياد الدبلوماسية الحاذِقة، التي تميِّز بدقة بين التكتيكات العَلنية وبين الإستراتيجية الضمنية.

شكاوى الرياض

كان القادة يُريدون أن يسمعوا من الرئيس الأمريكي كلاماً واضحاً حول جُملة معقّدة من المسائل التي انفجرت مؤخّراً الخلافات حولها بعُنف بين الطرفين: من وقف الدّعم الأمريكي للإسلام السياسي، المُتمثّل بجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي، العودة إلى التحالف التاريخي مع الإسلام في طبْعته السعودية، إلى عدم إضفاء الشرعية على النفوذ الإيراني الإقليمي، سواء في منطقة الخليج أو المشرق العربي، مروراً بحسم الموقِف الأمريكي المُتردِّد من عملية إسقاط النظام السوري، والذي لا يرى فيه السعوديون (أي التردد) سِوى أدِلّة على أن واشنطن قد انحازت بالفعل إلى المصالح الإستراتيجية الإيرانية في المشرق العربي، وبالتالي، إلى الشيعة، في الصِّراع المذهبي الرّاهن، الذي تقوده طهران والرياض.

ثم هناك بالطبع الشكوى السعودية من تواصُل ضغوط بعض التيارات الأمريكية عليها، للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية أوسَع مدىً، تحت شِعار ضمان استقرار الكِيان السياسي للمملكة. وكان فردريك وِيري، الخبير في شؤون دول الخليج في مؤسسة كارنيغي، فصيحاً في التعبير عن هذه التيارات (في كتاب ومقالات صدرت له مؤخراً حول العلاقات الأمريكية – السعودية)، حين دعا علناً إلى ربْط المِظلّة الأمنية الأمريكية لدول الخليج، بإدخال إصلاحات في كلٍّ من النظام السياسي وقِطاع الأمن فيه، لأن ذلك (على حدِّ تعبيره) “أمر بالغ الأهمية لاستقرار المنطقة على المدى الطويل”.

في الأثناء، يعتقد بعض المحلِّلين أن قرار الملك عبد الله الأخير بتعيين أخيه غير الشقيق الأمير مقرن كولي لوَلي العهد قبل وصول أوباما إلى السعودية، كان رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن مسألة الخلافة في السلطة لن تُسفِر عن لا استِقرار في المملكة.

تطمينات لا ضمانات

هل حصل السعوديون على ما يريدون في هذه القضايا خلال قمّة عبد الله – أوباما؟ فريدريك وِيري لا يرى ذلك، وهو يعتبِر أنه “ليس ثمّة طريقة لطمْأنة الخليجيين، لأنهم يعتبرون النفوذ الإيراني خطراً وُجودياً عليهم”.

أنطوني كوردسمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، يؤكِّد أيضاً هذا الأمر، حيث قال لصحيفة (فايننشال تايمز- 30 مارس 2014): “كثير من الناس (يقصد بالطبع الحُلفاء السعوديين) في المنطقة يشعرون أن الولايات المتحدة تتحوّل إلى إيران. الصّعب علينا نحن أن نفهَم أسباب ذلك، لكن هناك بالفعل نظرية مُؤامرة تقول إن الولايات المتحدة بدأت تتخلّى عن العرب الخليجيين وتتحوَّل إلى إيران والشِّيعة. وفي هذه النقطة، يتعيّن أن يكون دوْرنا طمْأنة السعوديين حِيال استمرار كلٍّ من الوجود الأمريكي في الخليج ودعم واشنطن لمجلس التعاون الخليجي”.

بكلمات أوضح، إدارة أوباما مستعدّة لطمْأنة الخليجيين، لكن من دون ضمانات، لا بتغيير توجُّهها  الخاص بالإستدارة إلى آسيا (Pivot ) (إلا بالطبع إذا ما اندلعت بالفعل حرب باردة جديدة بينها وبين روسيا بسبب أوكرانيا)، ولا في وقْف السّعي إلى إبرام صفقة مع إيران، لمجرّد معالجة القلق الذي تشعُر به دول الخليج. هذه نقطة.

وثمّة نقطة ثانية لا تقِلّ أهمية: واشنطن تُدرك أن السعودية وبَقية السِّرب الخليجي، غير قادرين على التخلّي عن المِظلّة الأمنية الأمريكية، ببساطة، لأنه لا الصِّين ولا الإتحاد الأوروبي ولا حتى روسيا، في مقْدورها ضمان الأمن الخليجي كما تفعل الولايات المتحدة. ولذا، فهي مُطمئِنّة إلى أنها قادِرة على مواصلة سياستها الرّاهنة، الهادفة إلى لعب دور “مايسترو موازين القوى” بين الرياض وطهران، وبين السُنّة والشيعة، من دون أن تتعرّض مواقعها الإستراتيجية الرّاهنة إلى أيّ خطر.

دوافع الرياض

بطبيعة الحال، الرياض تُدرك ما تُدركه واشنطن. لكن، وطالما أن الأمر على هذا النحو، أيّ طالما أن المملكة تعرِف أنها غيْر قادِرة على الإستغناء عن خدمات الشرطي العالمي الأمريكي، لماذا تنشر غسيل خلافاتها على السطح مع واشنطن بشكلٍ لم يسبَق له مثيل طيلة ثمانية عقود؟ ثمّة على الأرجح سببان: الأول، سيكولوجي، والثاني سياسي.

السبب السيكولوجي يعود بالفِعل إلى غضَب حقيقي تشعرُ به النُّخبة الحاكِمة السعودية، بسبب ما تعتبره “خِيانة” واشنطن لحُلفائها التاريخيين في المنطقة، مِن بن علي إلى مبارك، مروراً بالأسْرة الحاكمة البحرينية، من دون أن يرف لها جفْن. ولأن هذا الغضب تَرافَق مع القلق على تأثيرات هذه “الخِيانة” على الأوضاع الداخلية، خرجت السياسة الخارجية السعودية للمرّة الأولى عن قواعِد الحيطة والحَذر والنَّفَس الطويل، التي لطالما اشتهرت بها، واندفعت إلى ممارسة توجّهات وصفها البعض بأنها “انتفاضية” في طول المنطقة وعرضها.

أما السبب السياسي، فهو أن المملكة ومعها قوى إقليمية أخرى في المنطقة، تعتقِد أنها قادِرة، من خلال إبداء التعارُض العلني مع السياسات الأمريكية، على تعديل هذه السياسات، خاصة وأن ثمّة قطاعات نافِذة في الولايات المتحدة، على رأسها الحزب الجمهوري، الذي قد يفوز بمجلس الشيوخ في الخريف المقبل ومنصب الرئاسة في عام 2016، ترفُض جُلّ توجّهات إدارة أوباما وتعتبِر أنها قد تقوّض الزّعامة الامريكية في العالم.

هذان السببان، مُضافٌ إليهما تعقُّـد المشهد الداخلي في السعودية بسبب تقدّم القادة الحاليين في السِّن، سيُواصل تزخيم السياسة الخارجية السعودية ودفعها إلى مواصلة سياستها المستقلّة الرّاهنة، حيال مصر والبحرين وتونس وسوريا وإيران، بالتعارض مع واشنطن.

ماذا في وُسع إدارة أوباما أن تفعل في ضوء “تمرد” الحلفاء عليها، من مصر إلى السعودية، على هذا النحو؟ بالضبط ما فعله أوباما في الرياض: تقديم الوُعود وتهدِئة المخاوف، لكن ربما مع جُرعة مادية محدودة، قد تتمثل بمماشاة الرّغبة السعودية بتعديل موازين القِوى في سوريا، لكن ليس إلى الدَّرجة التي تُغضِب طهران أو تؤثِّر على مسيرة المفاوضات معها.

أما ملفات الإخوان وإيران ومصر، فسيكون عليها انتظار ما ستتمخَّض عنه أزمة أوكرانيا – أوروبا – روسيا، ومعها طبيعة النظام الدولي الجديد الذي يتمخض ببطء.

دبي/الرياض (رويترز) – قال دبلوماسيون، إن قادة السعودية يأمَلون أن يتفهّم كلّ من الرئيس الامريكي باراك أوباما والعاهل السعودي الملك عبدالله الآخر على نحو أفضل بعد محادثاتهما ويحقِّقان الاستقرار للتحالف الأمني الإقليمي والوثيق بين الجانبين، بعد تبايُن مواقفهما بشأن التطوّرات في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة.

ولم يسفر لقاء الزعيميْن، الذي استمر ساعتين في الرياض، عن بيان مشترك أو أي دليل آخر على تحوّلات في السياسات، الأمر الذي دفع بعض السعوديين للتساؤل عمّا إذا كانت الخلافات بشأن الحرب الدائرة في سوريا أو برنامج إيران النووي، قاربت على الاختفاء.

لكن الدبلوماسيين قالوا إن مجرّد قيام أوباما بالزيارة وبحث هذه المسائل “بصراحة” – على حدِّ قول مسؤول أمريكي – مع العاهل السعودي، سيقلل هامش الخلافات العلنية ويبرز مدى تقدير الجانبين للتحالف.

وكان أوباما زار السعودية، أكبر دول العالم تصديرا للنفط، بهدف التخفيف من حدّة مخاوف سعودية أن الولايات المتحدة تتراجع عن التزِامها بأمن حلفائها في الشرق الأوسط والسماح لإيران بزيادة نفوذها في المنطقة.

وكانت هذه المخاوف، الناتجة عن موقف الولايات المتحدة الذي اتَّسم بالحذر من الحرب في سوريا، التي تؤيِّد السعودية فيها المعارضة، بينما تؤيد طهران النظام السوري، قد دفعت مسؤولين كبارا في السعودية للتحذير من تحوّل رئيسي في السياسة السعودية عن واشنطن في المستقبل.

وقال بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي قبل لقاء أوباما والملك عبدالله مساء يوم الجمعة، إن العلاقات تحسّنت منذ الخريف الماضي بفضل تنسيق أفضل بشأن مساعدة مقاتِلي المعارضة في سوريا. لكن التعليقات التي أدْلى بها مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية في وقت لاحق يوم الجمعة 28 مارس، لم تُـشِر إلى أي تحوّل في المجالات التي اختلف فيها الجانبان.

وقال مصطفى العاني، المحلل الأمني وثيق الصِّلة بوزارة الداخلية السعودية “من السابق لأوانه الحكم بما إذا كان الاجتماع ناجحا. والفيصل هو ما إذا كانت السياسة الأمريكية بشأن سوريا ستتغيّر بسرعة كافية”.

وردد عبدالله العسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي هذا الرأي، فقال “كما تعلمون، قبل الزيارة كانت العلاقات فاتِرة، لكن ليس لدرجة تجعلها في خطر”، مضيفا أنه يتحدّث بصفة شخصية وأنه ليس لديه معلومات مباشرة عمّا بحثه أوباما مع العاهل السعودي. لكنه أضاف أنه، رغم أن الاجتماع سار على ما يُرام على ما يبدو، فليس من الممكن الحُكم على نجاحه حتى الآن. وقال “إذا طرأ تغيير (في السياسة الأمريكية)، فسيعني أن الأمريكيين يتفهَّمون الآن القصة الحقيقية”.

الخطر الإيراني

واهتزّت ثقة السعودية في أوباما بموقِفه من الانتفاضات العربية عام 2011، حيث كانت تريد منه بذل المزيد لحماية الحُلفاء المشتركين بين الجانبيْن الذين أطاحت بهم الاحتجاجات الشعبية، وكذلك لفشله في الضغط على إسرائيل للتوقّف عن بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. وفي العام الماضي، بلغ السيل الزُّبى، عندما تراجَع أوباما عن توجيه ضربات جوية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، ثم عندما توصَّلت واشنطن وخمْس قوى غربية أخرى لاتِّفاق أوَّلي مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ومنذ بداية الصراع، كانت السعودية تضغط من أجل دورٍ ما للولايات المتحدة، سواء من خلال الضربات الجوية أو مساعدة أكبر في تحويل قوات المعارضة السورية إلى قوة عسكرية يعتد بها، لكنها شعرت أن أوباما ظلّ يتأرجح حول مدى استِعداد أوباما للقيام بهذا الدور. وبالشك، قوبلت في الرياض تأكيدات واشنطن في البداية أنها لن تسمح لإيران بمجال أكبر للتدخّل في القضايا العربية، مقابل اتفاق نووي. لكن المخاوف تراجعت مع عدم وجود مؤشِّرات تذكر على أن الاتفاق النووي المؤقَّت سيتحوّل إلى اتفاق دائم.

غير أن الرياض كانت تأمل حدوث تطورات ملموسة في تحسين تدفّق الأسلحة على المعارضة السورية، خاصة بعد أن ذكرت وسائل إعلام أمريكية الأسبوع الماضي أن البيت الابيض يبحث خطّة جديدة، تنطوي على تقديم المزيد من السلاح وزيادة جهود التدريب. لكن مسؤولا كبيرا في الإدارة الامريكية قال بعد الاجتماع، إنه لم يطرأ تغيّر على الرّفض الأمريكي لتقديم صواريخ مضادّة للطائرات، يرى مؤيِّدو قوات المعارضة أنها ضرورية لتحويل دفّة الحرب على الأسد.

وقال روبرت جوردان، السفير الامريكي لدى الرياض من 2001 إلى 2003، إن لقاءات القمة من هذا النوع عادة ما تُسفر عن خطوات ملموسة. لكنه أضاف “لم يتّضح لي أن أيا من الجانبيْن حصل على أكثر من الكلمات والتأكيدات”. وقال مصدر سعودي، إن غياب التحرك الملموس كان “متوقّعا” وأن حكّام المملكة فقدوا ثِقتهم في أوباما، عندما تراجع عن القِيام بعمل عسكري ضد الأسد.

وقال العاني “السؤال هو مدى السرعة التي سيتحرّك بها (أوباما) لتنفيذ وعوده. فهذه مسألة رئيسية الآن، وخاصة فيما يتعلّق بسوريا. سيتركون الأمر شهرا أو اثنين ليَروْا إن كان هناك تحوّل. وإذا لم يحدث، فسنعود إلى حيث كنا”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 مارس 2014).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية