مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل ينجح كيري فيما فشل فيه وزراء خارجية أمريكا السابقين؟

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال لقاء له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتينياهو خلال جولته في منطقة الشرق الأوسط يوم 9 أبريل 2013 Keystone

في أقل من شهر واحد، التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالمسؤولين الفلسطينيين وكذلك بكبار المسؤولين الإسرائيليين، فيما يُعيد إلى الأذهان أسلوب الدبلوماسية المكوكية التي اتبعها سلفه القديم هنري كيسنجر.

لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، حرصت على تجنّب ترك انطِباع خاطِئ بتوقّعات غير واقعية للنشاط الدبلوماسي الأمريكي المفاجِئ، بعد بيات شتوي دام ثلاثة أعوام فقالت:

“إن وزير الخارجية كيري حرِص في لقاءاته مع الطرفيْن، على توضيح فِكرة ضرورة الإقرار بأنه سيتعيّن على الطرفيْن تقديم تضحِيات وقبول حلول وسط، إذا كانا راغبيْن في أن تقوم الولايات المتحدة بدور نشِط لمساعدتهما على التوصّل لتسوية للصراع بينهما، وما الذي يرغب كل طرف في عمله لاستئناف المفاوضات المباشرة”.

ويرى السيد أوري نير، المتحدث باسم منظمة أمريكيون من أجل السلام، أن تصريحات نولاند وما تلاها من تصريحات لكيري في المنطقة، أكد فيها أنه لن يتسرّع في دفع عملية السلام، ولكنه مؤمن بإمكانية كسْر الجمود فيها، بدون ضغوط مُصطنعة تُظهِـر أن كيري سيتَّبع أسلوبا تدريجيا يستهدِف أولا إعادة الطرفيْن إلى مائدة المفاوضات بعد طول انقطاع، ثم العمل من خلالها إلى توصّل الجانبين إلى مجموعة من المحدّدات والتفاهمات حول ما يُمكن أن يشكِّل خطة سلام، ولكن السيد نير يقول:

“أخشى من أن التشكيل الحالي للحكومة الإسرائيلية ومنح حزب البيت اليهودي، الذي يمثل المستوطنين، حقائب وزارية هامة، على رأسها وزارة الإسكان، يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق تقدّم إزاء عقبة الاستيطان، التي نسفت فُـرص استئناف المفاوضات في الفترة الرئاسية الأولى لأوباما، كما أن تكتّل الليكود وحزب إسرائيل بيتنا المتشدد، حال دون تقديم تنازُلات ضرورية فيما يتعلق بالحدود واللاّجئين والقُدس، طوال السنوات الماضية”.

أما الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، فيرى أنه لكي ينجح كيري فيما فشل فيه وزراء الخارجية الذين سبقوه، يجب أن تُـقِـر الولايات المتحدة كوسيط، بأن الشعب الفلسطيني كضحية للاحتلال الإسرائيلي، هو الطرف الأضْعف في الصِّراع، ومن هذا المُنطلق، يتعيَّـن على جون كيري أن لا يطلب من ذلك الطرف أن يتحمل العِبء الأكبر، وبالتالي، يجب أن لا يكون الضغط من أجل تقديم التنازُلات على الرئيس عباس، وإنما على الطرف المُحتلّ والأقوى، وسيحتاج لعمل ذلك إلى تخطّي ومواجهة قيود السياسة الأمريكية المحلية، خاصة في الكونغرس ويقول:

“لكي ينجح كيري فيما فشل فيه الآخرون، يجب أن يتوقّف صنّاع السياسة الأمريكية عن المُطالبة باستِئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة، بينما يُطالبون الفلسطينيين بقَبول الكُتل الاستيطانية كواقع على الأرض، والقبول بإسرائيل كدولة يهودية، بينما يشكِّل الفلسطينيون الذين يحمِلون الجنسية الإسرائيلية عشرين في المائة من سكانها!”.

 

أعلن وزير الخارجية الامريكي جون كيري الاثنين 8 أبريل في القدس، أنه يعمل في إطار “استراتيجية بعيدة عن الأضواء” لتحريك عملية السلام في الشرق الاوسط، مؤكّدا أن السلام “ممكن” بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقال كيري في تصريح للصحفيين الذين يرافقونه في جولته إلى إسرائيل والاراضي الفلسطينية “سيكون من غير المسؤول عدم استكشاف إمكانات التقدم بشكل كامل”. وأضاف إثر محادثات أجراها مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز “أجري مشاورات حول هذه المبادرات التي من شأنها تجاوز مشاكل الحذر، هذه المبادرات التي ستتيح لنا البدء بعملية”.

وتابع كيري “أركز بشكل كبير على هذا الملف والمنطقة لأنه من الحيوية بمكان بالنسبة الى المصالح الامريكية والاقليمية، محاولة إحراز تقدم في عملية السلام” المتوقِّفة منذ 2010، داعيا إلى تبني “استراتيجية بعيدة عن الأضواء، أنوي ان تبقى بعيدة عن الاضواء”. وقال ايضا “إن الجرح المتمثل في انعدام السلام تستغله مجموعات في كل مكان لتجنيد وتشجيع المتطرّفين من الشرق الاقصى الى الشرق الاوسط مرورا بالأمريكيتين”. واضاف “ثمة اوقات تدفع فيها احداث اقليمية وعالمية في اتجاه يؤشر الى ان الوقت ينفد”، في إشارة خصوصا الى الثورات العربية.

وأقر كيري بأن فشل عملية السلام يؤدّي إلى “خيبات أمل” وإلى “الريبة” بين إسرائيل والفلسطينيين. وتابع “أنا مقتنع بانه يمكن اختراق (هذا الوضع)، لكنني لن اقوم بذلك تحت ضغط قواعد مُصطنعة او استحقاقات من الخارج”.

وكان الوزير الامريكي اعتبر في وقت سابق أن السلام “ممكن” عبر تلبية “الحاجات الأمنية لإسرائيل” و”تطلّعات” الفلسطينيين إلى قيام دولة. وقال كيري أمام موظفي القنصلية الأمريكية في القدس الغربية “أعتقد أنه إذا كان بإمكاننا تلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، وهي حقيقية، وإذا كان بإمكاننا تلبية تطلعات الفلسطينيين إلى دولة، وهي حقيقية، فسيمكننا الوصول إلى وضع يكون من الممكن فيه إقامة السلام”.

والتقى كيري فياض في القنصلية الأمريكية في القدس الغربية بعد ظهر الاثنين. وبعدها استقبله بيريز وشارك في عشاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي سيلتقيه مرة أخرى الثلاثاء في القدس. وشارك كيري صباح الاثنين مع المسؤولين الإسرائيليين الكبار في مراسم إحياء ذكرى ضحايا المحرقة.

وكان كيري الآتي من تركيا، وصل مساء الأحد إلى مطار بن غوريون قرب تل أبيب وتوجّه مباشرة الى رام الله بالضفة الغربية، حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وطالب عباس إسرائيل بوقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى للعودة إلى طاولة المفاوضات. وكان هذا رابع لقاء بين عباس وكيري منذ تسلم وزير الخارجية الامريكي منصبه.

وكانت واشنطن حذّرت مسبقا من أن كيري لا يحمل أي خطة سلام وقالت المتحدثة باسم الخارجية فيكتوريا نولاند، ان كيري يرغب في “الاستماع” الى الطرفين لكي “يرى ما يمكن” القيام به لاستئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية المجمّدة منذ سبتمبر 2010.

ومن ناحيته، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي انه تقرر خلال اجتماع لجنة المبادرة العربية الذي عقد في الدوحة الاثنين 8 أبريل، ان يتوجه وفد عربي إلى واشنطن في التاسع والعشرين من هذا الشهر، للقاء الرئيس باراك اوباما ووزير الخارجية جون كيري. وقال المالكي في اتصال مع وكالة فرانس برس من الدوحة “تقرر أن يتوجه الوفد العربي إلى واشنطن للقاء اوباما وكيري في التاسع والعشرين من هذا الشهر”. واوضح ان الوفد العربي سيضم رئيس لجنة المتابعة العربية وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ووزراء خارجية مصر والسعودية والاردن والمغرب وفلسطين.

وفي اسطنبول حث كيري تركيا واسرائيل على الاسراع في تطبيع علاقاتهما الدبلوماسية مشددا على الدور “الاساسي” الذي يمكن ان تلعبه انقرة في استئناف عملية السلام المجمدة حاليا بين الدولة العبرية والفلسطينيين. وبضغط من الولايات المتحدة قدم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اعتذارات رسمية عن مقتل تسعة اتراك على يد الجيش الاسرائيلي اثناء هجوم في 2010 على سفينة محملة بالمساعدات الانسانية كانت متوجهة الى غزة لكسر الحصار المفروض على القطاع.

وادت هذه المبادرة الى تحسين العلاقات بين تركيا واسرائيل الحليفتين الاساسيتين للولايات المتحدة في المنطقة بعد ان كانت مجمدة منذ ذلك الهجوم. واضيفت زيارات كيري لتركيا واسرائيل والاراضي الفلسطينية، الى رحلة كانت مقررة اصلا من التاسع الى الخامس عشر من ابريل الى لندن لحضور قمة مجموعة الثماني، ثم الى شمال شرق اسيا. وسوف يجري في لندن في 10 و11 ابريل محادثات ثنائية مع عدد من المسؤولين بالإضافة الى مشاركته في قمة مجموعة الثماني. وبعد ذلك سيتوجه كيري الى سيول وبكين وطوكيو من 12 الى 15 ابريل لإجراء محادثات حول ازمة كوريا الشمالية.

(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء أ.ف.ب بتاريخ 8 أبريل 2013).

هل يطرح أوباما مبادرة سلام أمريكية؟

ويُعرب الدكتور جيمس زغبي عن تفاؤله، بأن أوباما سيطرح ربّما خلال ستة أشهر أو أكثر، مبادرة سلام تستنِد إلى ما لمسه كيري في دبلوماسيته المكوكية من القواسِم المشتركة لِما سيقبله كل طرف من ملامح تسوية، تقود لحل الدولتيْن. غير أن السفير الأمريكي السابق فيليب ويلكوكس، رئيس مؤسسة السلام في الشرق الأوسط، يستبعد أن يقدُم أوباما على طرْح مبادرة سلام ويقول:

“لقد أفلح الرئيس أوباما في مُخاطبة الشعب الإسرائيلي في كلمته في القدس وتوضيح كيف أن السلام هو الخيار الأفضل لمستقبل إسرائيل، ولكنني لم أجد في تصريحاته ما يُشير إلى أدنى احتمال بطرح خطّة سلام أمريكية تتصدّى لكل قضايا الوضع النهائي الشائكة، خاصة مع التشكيل الحالي للحكومة الإسرائيلية والانقِسام المُخجِل في صفوف الفلسطينيين، ما بين حماس والسلطة الفلسطينية”.

غير أن السفير ويلكوكس يرى أن وزير الخارجية كيري يحاول تحريك الوضع الرّاكد، ولكن سيلزمه لكي ينجح، أن تتبع إدارة أوباما سياسة أكثر صرامة مع الجانبيْن لتقديم التنازلات المعروفة اللاّزمة لتطبيق حلّ الدولتيْن.

أما السيد أوري نير، فيقول إن منظمة أمريكيون من أجل السلام تعتقِد أن ممارسة نفوذ الولايات المتحدة، خاصة مع نتانياهو، أمر لازم لنجاح أي وساطة أمريكية تنقذ حلّ الدولتيْن، من أن يُضاف إلى قائمة الفُرص الضائعِة، ولكنه يرى أن الوقت لم يحِن بعدُ لطرح مبادرة سلام أمريكية، حيث يلزم أولا نوْع من التفاهم حول محدّدات تلك الخطّة من خلال مفاوضات مباشرة، يمكن بعدها أن تصوغ إدارة أوباما مبادرة تُدرك أنها ستكون موضِع قبول الطرفيْن، وليست حلاّ أمريكيا مفروضا لن يكتب له النجاح.

الوسيط المخادع

ويتّفق البروفيسور رشيد الخالدي، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا في نيويورك مع فِكرة استبعاد طرْح مبادرة سلام أمريكية، حيث يعتقد أن الرئيس أوباما معروف بأنه سياسي براغماتي ولن يقبَل أن يضحّي برصيده السياسي ثمنا لمبادرة لن يكتب لها النجاح، في ضوء التشكيل الوزاري المتطرّف الذي أفرزته الانتخابات الإسرائيلية والانقِسام المزري في صفوف الفلسطينيين وغياب الضّغط العربي على الولايات المتحدة. غير أن البروفيسور الخالدي يرى أن العرب والفلسطينيين بشكل خاص، تعرّضوا لعملية خِداع من الولايات المتحدة طوال عشرات السِّنين من الجري وراء سَراب الوسيط النّزيه ويقول:

“لم تكن الولايات المتحدة مؤهّلة من البداية للقيام بذلك الدور، بعد أن تعهّد الرئيس السابق جيرالد فورد في خطاب أرسله لرئيس وزراء إسرائيل في عام 1975 بأن لا تطرح الولايات المتحدة أي أفكار حول السلام، لا تكون مرضية لإسرائيل، كما أن خطاب الضّمانات الذي قدّمته لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين في المفاوضات التي أعقبت مؤتمر مدريد عام 1991، تضمَّن تعهُّـدا من الولايات المتحدة بالحيلولة دُون قيام أيّ طرف بإجراءات أُحادية، من شأنها الإجحاف بالحل النهائي، ثم لم تفِ بذلك التعهّد، حين سمحت لإسرائيل بالْـتِهام الأراضي الفلسطينية من خلال النشاط الاستيطاني، الذي لم يتوقف”.

ويقول الدكتور الخالدي، إنه من خلال تجربته الشخصية كمستشار للوفد الفلسطيني في محادثات السلام في واشنطن، تأكّد من أن الوسيط الأمريكي كان في الواقع يقوم بدور مُحامي إسرائيل في التفاوُض مع الفلسطينيين.

ويرى خبراء شؤون الشرق الأوسط في واشنطن، أنه لم يعُد أمام جون كيري لكي ينجح فيما أخفق فيه وزراء الخارجية السابقون، له إلا أن يطرح من جديد مبادرة السلام العربية التي تُـقدّم لإسرائيل فرصة تاريخية لسلام شامِل مع كل جيرانها العرب، مقابل التخلي عن الاحتلال والاستيطان وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما سيسعى وفدٌ وزاري عربي للتّباحُث بشأنه مع وزير الخارجية الأمريكي في واشنطن، قبل نهاية الشهر الحالي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية