مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد الإطاحة بالمشير طنطاوي.. من ازدواجية السلطة إلى تركيزها

الرئيس المصري محمد مرسي يمنح المشير الطنطاوي وسام "قلادة النيل"، وهو الوسام الأعلى على الإطلاق الذي يمنح في مصر بعد إقالته من خطة وزير الدفاع التي شغلها طيلة العقديْن الأخيريْن. Keystone

أخيرا، وبعد لحظة مفاجأة من العيار الثقيل، انتهى الدور السياسي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي ألقى عليه عنوة يوم أن تنحى الرئيس السابق مبارك وانسحب عدد من القادة العسكريين الكبار من المشهد السياسي.

هذا الإنسحاب كان إما في صورة تكريم وتعيين كمستشارين في الرئاسة المصرية، وفقا لما حدث مع كل من المشير طنطاوي والفريق عنان أو إحالة للتقاعد أو الانتداب إلى وظائف مدنية عليا، وبقي عدد محدود من أعضاء المجلس العسكري، نظرا للحاجة إلى خِـبراتهم، كاللواء العصار الذي صدر قرار رئاسي بتعيينه مساعدا لوزير الدفاع الجديد الفريق أول عبد الفتاح السياسي.

الشكل العام لقرارات الرئيس محمد مرسي الصادرة يوم الاحد 12 أغسطس الجاري، له أكثر من جانب، أهمها وهو الأكثر تركيزا من جانب الرئاسة المصرية، أنها تهدف إلى تجديد دماء المؤسسة العسكرية التي يبدو أن تحملها الأعباء السياسية طوال عام ونصف، قد أثر نسبيا على أدائها المهني والاحترافي، وهو ما ظهر في حادثة رفح الإرهابية، حيث حصد الإرهابيون الجنود في الموقع الحدودي، دون أي مقاومة. وتجديد الدماء وإحداث التغيير لقيادات طال زمنها إلى أكثر من عقدين، هو أمر إيجابي ويُـعَـد من بديهيات الأمور. فبدون تغيير منظم وتجديد للدّماء، تتكلس الخلايا ويحدث ما لا يُـحمد عُـقباه. بيْـد أن التغيير في هذه الحالة، له مغزاه السياسي الكبير.

واستطرادا لهذا الجانب، فقد انتهى تماما الدور السياسي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعاد إلى دوره المنصوص عليه في القانون كجهاز قيادي للقوات المسلحة، يقوم على مناقشة وبحث شؤونها واتخاذ القرارات التنظيمية اللازمة لتسيير العمل داخل الجيش، وذلك تحت رئاسة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الرئيس مرسي ذاته، والذي من حقه أيضا تشكيل المجلس، بناء على الترشيحات التي يقدمها له وزير الدفاع. ومن ثَـم سيكون هناك مجلس جديد تحت قيادة مدنية، على عكس ما كان طوال المرحلة الانتقالية.

حديث الانقلاب الناعم

وهنا، وجد المعارضون لغياب الدور السياسي للمجلس العسكري وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، أن الرئيس مرسي نفّـذ انقلابا ناعما على بعض قيادات الجيش بالتعاون مع بعضهم الآخر. وكانت تفسيرات منسوبة لقيادات إخوانية كبيرة تُـشير إلى أن الرئيس أسرع بالقرارات، مستبقا بذلك ما وصف بأنه انقلاب كانت تحضّر له الدولة العميقة ضد الرئيس المدني المنتخب. وتعبير الدولة العميقة الشائع مصريا، يعنى القوى التي تعارض الثورة وبقايا النظام السابق، سواء كانوا في عمق الجهاز الاداري للدولة أو خارجه.

والفكرة هنا، أن بعض القِـوى السياسية الرافضة لما تراه هيْـمنة الجماعة على الدولة المصرية، دعت إلى مظاهرات لإسقاط حُـكم الاخوان يوم 24 أغسطس الجاري، معتبرةً إياها ثورة ثانية سوف تطيح بحُـكم الإخوان. وكان تصور البعض أن هذه الثورة، في حال حدوثها، ستؤدّي بالجيش إلى أن ينزل مرة أخرى لتأييدها، ومن ثم يأخذ القرارات التي تلغي وجود الرئيس المنتخب، وهو تصور ساذج ولا يوجد ما يدعمه، لاسيما وأن الذين يدعون لثورة ثانية ليسوا محل قبول من القوى المدنية والشبابية، فضلا عن أن شعبيتهم محدودة وليست جارفة، ومن غير المحتمل أن تكون هذه المظاهرات بداية لثورة كما يصورها البعض.

فضلا عن أن القيادات العسكرية نفسها غيْـر معروف عنها النّزوع إلى الاستحواذ على السلطة، وليست في وارد العودة مرة أخرى عن الخطوات المصحوبة بنكهة ديموقراطية التي اتخذت بالفعل، كالانتخابات الرئاسية نفسها ومن قبل الانتخابات البرلمانية. ناهيك عن ضوابط العمل الداخلي في الجيش المصري، التي تحُـول دون تفكير أي قائد للقيام بانقلاب على السلطة، إذ أن الولاء للشرعية الدستورية، عنصر حاكم في عمل الجيش المصري وفي تنشئة أفراده، وهو ما أكدته تصريحات قادة كبار تمّـت إحالتهم إلى وظائف مدنية.

وسواء كان الأمر انقلابا ناعما أو خشنا، فقد بات على القوى المعارضة للإخوان وللرئيس مرسي أن تعمل في الشارع السياسي وأن تعارض وفق آليات ديموقراطية، وأن لا تنتظر مواجهة بين الجيش والرئيس.

حادثة رفح والتعجيل بالتغيير

وهناك تفسيرات أخرى لدوافع الرئيس مرسي للإطاحة بالمشير طنطاوي ونائبه عنان، مستغلا في ذلك حالة الاستياء العام من دلالات حادثة رفح، لعل أبرزها أن الرئيس مرسي كان يُحضِّـر لتغيير وزير الدفاع، أي المشير طنطاوي منذ فترة، وكان يفضِّـل أن يحدُث ذلك مصحوبا بتكريم لائق بعد انتخابات مجلس الشعب الجديد، أي بعد ستة أشهر تقريبا من الآن، غير أن حادثة رفح ومقتل الجنود المصريين وبروز الخطر الشديد على الأمن المصري عامة وأمن سيناء خاصة، أقنع الرئيس مرسي بأن هذه لحظة مناسبة للتغيير، خاصة وأنه في داخل القوات المسلحة نفسها مَن أيّـد ذلك بقوة، وربما شارك في هندسة عملية التغيير على أن لا تكون مقدّمة لإهانة القيادات التي سيتم إحالتها للتقاعد، وهو ما كان بالفعل وتمثل في تعيين المشير طنطاوي و الفريق عنان في مؤسسة الرئاسة.

كلينتون واستراحة المحارب

أما التفسير المفاجئ، والذي نفته الرئاسة المصرية، فيتعلق بالدور الأمريكي في تغيير القيادات العسكرية. وحسب تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن الوزيرة هيلاري كلينتون في زيارتها إلى القاهرة قبل ثلاثة أسابيع، طرحت فكرة استراحة المحارب للمشير طنطاوى وبعض القيادات العسكرية كبيرة السن على الرئيس مرسي، وأن الخارجية الأمريكية كانت تتوقع مثل هذه التغييرات قريبا. ولذا، جاء النفي المصري بأن لا عِـلم للخارجية الأمريكية بهذه التغييرات، التي هي مصرية خالصة.

ومن غير المُـستبعَـد أن تكون المناقشات بين الرئيس مرسي والوزيرة الأمريكية قد تناولت ضرورة تغيير القيادات العسكرية المصرية التي تعاونت طويلا مع واشنطن في الماضي، مع عدم الإساءة لهذه القيادات وتكليف قيادات أكثر حيوية. ومن غير المستبعد أن يكون الرئيس مرسي قد استوعب الرسالة المتضمنة في تأييد التغيير، على أن يُترك له طريقة ووقت التنفيذ، وهو ما كان بالفعل، وبالتالي، فقد استراح المحارب العجوز، وجاء محارب جديد تعلّـم بعض مهاراته العسكرية في الولايات المتحدة نفسها.

وأيا كان التفسير، فالطريقة التي تعاملت بها القوات المسلحة مع التغييرات، كشفت عن مهنية عالية والتزام بالقيادة العليا للوطن، وغياب فكرة الانقلاب على الشرعية الدستورية. 

معادلة سياسية جديدة

لقد أعادت قرارات الرئيس مرسي صياغة معادلة السياسة الكلية وصنع القرار في قمة النظام. فبدلا من ازدواجية السلطة التي أنكرها مؤيّـدو الرئيس مرسي وطالبوا بتغييرها عبْـر إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الصادر في 17 يونيو الماضي والذي أعطى للمجلس العسكري سلطة التشريع مؤقتا حتى الانتهاء من الدستور الجديد وانتخاب مجلس شعب جديد، إذا بمصر أمام معادلة جديدة تتركّـز فيها السلطتيْن، التنفيذية والتشريعية بيد الرئيس، دون أن تكون هناك أي مؤسسة تمارس الرقابة الشعبية.

التحول من الازدواجية إلى تركيز السلطة تمثل الجانب السلبي للقرارات الرئاسية، وتثير لدى الكثيرين المخاوف التي تعرف بـ “أخونة الدولة” والهيمنة على مفاصلها الرئيسية. فوضع الرئيس الحالي يتيح له إصدار قوانين بمراسيم رئاسية حتى ينتخب مجلس شعب جديد، ربما بعد ستة أشهر أو عام إن تعذرت بعض الأمور. والمخاوف تمتد إلى احتمال إصدار قرارات رئاسية تغيّـر من طبيعة بعض المؤسسات، خاصة القضاء والمحكمة الدستورية العليا، والتي ينظر إليها كمؤسسة حامية للحريات وركيزة للتوازن بين السلطات.

مخاوف من الأخونة

ومما يدعم هذه المخاوف، التغييرات التي تمت بالفعل في المؤسسات الصحفية القومية، والتي يُـنظر إليها باعتبارها بداية لأخونة الإعلام والصحافة، فضلا عن بعض الاعتداءات على إعلاميين ومنع بعض مقالات في ظل رئاسات التحرير الجديدة للصحف القومية، كانت تنتقد أداء جماعة الإخوان.

هذه المخاوف من أخونة الدولة، هي حديث القوى السياسية المدنية وجوهر تحركاتها، وتدور الأفكار المطروحة للحد من قدرة الرئيس مرسي على التشريع غير المحمود، وِفق اختيارين كبيرين؛ الأول، أن يتم إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية المناط إليها صياغة الدستور الجديد على أن يعهد للجمعية الجديدة مهام تشريعية مؤقتة لحين انتخاب برلمان جديد. والثاني، أن يدعو الرئيس مرسي إلى مؤتمر وطني جامع يحدد فيه ضوابط التشريع الرئاسي في المرحلة المقبلة، على أن يكون مرتبطا بالضرورة القصوى التي يمليها تسيير شؤون الحكومة، وأن يستبعد تماما تشريع رئاسي يؤدي إلى التأثير على دور القضاء تحديدا.

الرئاسة بدورها أعلنت عن حوار بين الرئيس ورموز وطنية سيتم قريبا، والمرجّح أن يركز على تبديد مخاوف القوى السياسية من الأخونة المحتملة والتي باتت تؤرق الكثيرين. لكن هل يكفي حوار مع بعض الرّموز لبث الاطمئنان في نفوس القوى السياسية المنزعجة؟

(رويترز) – فيما يلي نظرة على الأحداث التي انتهت بقرارات الرئيس المصري محمد مرسي التي أنهت الدور السياسي للجيش:

11 فبراير 2011: تخلي الرئيس حسني مبارك عن منصبه في ذروة انتفاضة شعبية اندلعت يوم 25 يناير واستمرت 18 يوما.

وتولى إدارة شؤون البلاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي رأسه المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع.

وأُدين مبارك في يونيو بالامتناع عن إصدار أوامر بوقف استخدام القوة ضد المتظاهرين خلال الانتفاضة وعوقب بالسجن المؤبد.

19 مارس 2011: المصريون يقرون في استفتاء عام تعديلات دستورية بعد أن علق المجلس الأعلى للقوات المسلحة العمل بالدستور.

21 نوفمبر: استقالة الحكومة المؤقتة بعد مظاهرات في ميدان التحرير احتجاجا على بطء إجراءات الفترة الانتقالية. وبعد أربعة أيام كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري بتشكيل حكومة إنقاذ وطني. وفي يوم 28 نوفمبر بدأت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب.

3 و4 يناير 2012: انتهت انتخابات مجلس الشعب التي حصل فيها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين على نحو 43% من المقاعد تلاه حزب النور السلفي الذي شغل أكثر من خمس المقاعد.

14 يونيو: المحكمة الدستورية العليا تقضي بعدم دستورية مواد في قانون انتخاب مجلس الشعب وتقول إن المجلس لم يعد قائما بقوة القانون. وحدث ذلك قبل أيام من جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة.

وانتقد بعض الإسلاميين والليبراليين الحكم وقرار المجلس العسكري التالي له بحل مجلس الشعب قائلين إن ذلك “انقلاب” على الانتقال للحكم المدني.

وفي نفس اليوم قضت المحكمة بعدم دستورية قانون أصدره مجلس الشعب لمنع العسكري السابق أحمد شفيق – آخر رئيس وزراء في عهد مبارك – من خوض انتخابات الرئاسة.

24 يونيو: إعلان فوز مرسي بالرئاسة وأدى اليمين القانونية يوم 30 يونيو  وتسلم السلطة.

8 يوليو: مرسي يصدر قرارا بعودة مجلس الشعب إلى عمله لحين انتخاب مجلس جديد وكان ذلك محاولة لإبطال قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن المجلس.

وعقد المجلس جلسة واحدة. ولاحقا قضت المحكمة الدستورية العليا بوقف تنفيذ قرار الرئيس مرسي بشأن مجلس الشعب وقالت إن حكمها بشأن المجلس ملزم للكافة.

8 أغسطس: عُين مرسي رئيسا جديدا للمخابرات العامة وأقال محافظ شمال سيناء بعد انفجار غضب شعبي لمقتل 16 من قوات حرس الحدود في هجوم مباغت شنه من يبدو أنهم متشددون إسلاميون قبل أيام في مدينة رفح الحدودية.

12 أغسطس: مرسي يعزل طنطاوي ورئيس هيئة الأركان الفريق سامي عنان ويلغي إعلانا دستوريا مُكملا كان العسكريون أصدروه قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية قيد سلطات رئيس الدولة وأبعده تماما عن شؤون الجيش.

14 أغسطس: أُقيمت دعوى أمام القضاء الإداري بالقاهرة تطالب بإلغاء قرارات مرسي الأخيرة التي ألغت الإعلان الدستوري المكمل. وأقام الدعوى المحامي محمد سالم.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 أغسطس 2012).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية