مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“اتفاق مهني جدا.. بعيد عن كل غوغائية”

بعد إبرام هذا الإتفاق، آن الأوان لكي يتفرغ المصرف لتحقيق أرباح Keystone

الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الفدرالية السويسرية أبرمتا اتفاقا "مناسبا ومقبولا" لا يحدث شرخا في جدار السر المصرفي، كما كان يخشى الكثيرون. هذه هي قناعة سيدريك تيّ، الأستاذ بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية والمتعاون السابق مع وزارة الخزانة الأمريكية.

الإتفاق الذي وُقع يوم الاربعاء 19 اغسطس 2009، يدخل مباشرة حيز النفاذ، ويلزم الولايات المتحدة بسحب الالتماس الذي تقدمت به إلى المحكمة الفدرالية بميامي ضد اتحاد المصارف السويسرية والهادف في النهاية إلى الكشف عن هوية 52.000 أمريكيا يمتلكون حسابات في المصرف السويسري.

الاتفاق الأخير ينص كذلك على التعاون الإداري بين البلديْن لتسوية وضعية 4450 حسابا مصرفيا يمتلكها عملاء أمريكيون في يو بي إس.

swissinfo.ch: ما هو رد فعلكم على هذا الإتفاق؟

سيدريك تيّ: إنه اتفاق يضع حدا لنزاع بين سويسرا والولايات المتحدة. وأجد هذا الاتفاق مناسبا ومقبولا. إنه أمر إيجابي جدا أن يتوصل البلدان إلى تسوية خلافهما بالتراضي من دون اللجوء إلى المحاكم.

الإتفاق مناسب بالنسبة لسويسرا لأنه سيسمح بتطبيق القواعد والقوانين السويسرية. واتفاقية منع الإزدواج الضريبي القائمة أصلا بين البلديْن، لن يكون هناك حاجة لتعديلها في مجملها. الالتماسات الممكنة في المستقبل ستتم في إطار التعاون الإداري الذي يحتفظ فيه المعني بالأمر بحق الاعتراض أمام المحكمة الإدارية. بمعنى آخر، سويسرا لن تكون مجبرة على الخضوع للقوانين الأمريكية ومخالفة قوانينها الوطنية.

التراجع عن الغرامة ضد مصرف يو بي إس ايضا أمر إيجابي، خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الوضع المالي الصعب الذي يمر به المصرف. أما فيما يتعلق بعدد العملاء الذين سيكشف عن هويتهم، فهي مسالة حيوية. معنى هذا أن العملية التي اتفق عليها، لابد من توفّر أدلة ملموسة تبرر الكشف عن هذه الأسماء وتمنع تحوّل الأمر إلى “مجرد اصطياد في الأعماق” (تصيّد على نطاق واسع للهاربين المحتملين من دفع الضرائب).

هل ترى بنودا في هذا الاتفاق تدعو للغضب والاستياء؟

سيدريك تيّ: لا أرى ذلك، المفاوضات التي تواصلت خلال الأشهر الأخيرة، تخللتها فترات من التوتّر، لكننا رأينا أيضا أن الأمريكيين لم يسعوا لإلحاق الضرر بمصرف يو بي إس هكذا بدون أي مبرر. والنتيجة: الاتفاق يتميّز بمهنية عالية ويتجنب الغوغائية.

طالبت الولايات المتحدة بعدم الكشف عن المعايير المعتمدة في تحديد الغش الضريبي والمخالفات ذات العلاقة بالنسبة للحالات 4450 المتفق عليها قبل 90 يوما، لماذا؟

سيدريك تيّ: الفترة الممنوحة (للمتهربين من دفع الضرائب في الولايات المتحدة) لكي يبلغوا عن أنفسهم لازالت جارية، والإدارة الأمريكية تفضّل الإبقاء على هذا الغموض لدفع البعض إلى الإعلان عن أنفسهم، حتى ولو كانوا لا ينتمون إلى الفئة التي يشملها الاتفاق. إنها طريقة لتشجيع المكلفين لتسوية وضعياتهم مع إدارة الضرائب. إنها حرب عادلة.

هل يمكن أن نجزم الآن بان مصاعب يو بي إس في الولايات المتحدة قد أصبحت جزءً من الماضي؟

سيدريك تيّ: آمل ذلك. الدرس كان مؤلما، وقد استفيد منه. أضف إلى ذلك أنه لم يكن هناك ضرورة أصلا لحصول ما حصل. لقد ذهب مصرف يو بي إس في هذه القضية بعيدا. لم يكن من حقه القبول بعملاء أمريكيين في معاملات خارجية من هذا النوع.

التوصل إلى حل بالتراضي لهذا الملف، من شأنه أن يزيح عراقيل قد تعيق عمليات يو بي إس المستقبلية في الولايات المتحدة. علينا أن نتذكّر أنه قبل بضعة أسابيع فقط، كانت الولايات المتحدة تهدد بإمكانية وضع أيديها على الأعمال التجارية للمصرف بالولايات المتحدة.

والملفت للنظر كذلك، هو أن عددا من المصارف بصدد الانسحاب من إدارة الحسابات الأمريكية في الخارج، نظرا للإجراءات الإدارية التي تفرضها إدارة الضرائب الأمريكية. (…) وهذا دليل على أن نشاطات (مصرف يو بي إس في الولايات المتحدة) لم تكن أمرا ضروريا.

هل يـــُحافظ هذا الاتفاق على السر المصرفي؟

سيدريك تيّ: نعم، الميزة الأساسية هو أن العملية ستخضع لقواعد القانون السويسري، ويحتفظ المعني بالأمر بالحق في الاستئناف. لقد تم تسريع العملية، وأنا أرى أن هذا المطلب الامريكي معقول، لكنه لا يفرض علينا بالمرة مخالفة الإتفاقية السابقة بشان منع الإزدواج الضريبي.

ليس هناك إذن إمكانية لكي تستفيد بلدان مثل فرنسا وألمانيا من هذه الوضعية؟

سيدريك تيّ: لم تتسبب الولايات المتحدة في إحداث شرخ في جدار السر المصرفي، ولو حصلت هذه الاخيرة على تعليق العمل بالقانون السويسري أو إلغاء الحق في الاستئناف أمام المحكمة الإدارية، عندئذ من المؤكد أن بلدان أخرى ستحاول الإستفادة من ذلك الشرخ.

الأمر هنا لا يتعلق إلا بطريقة عمل المؤسسات القضائية السويسرية. لا توجد في هذا المستوى أي إمكانية للمناورة. من دون شك، الضغوط ستستمر، لكن، هذه البلدان لن يكون بإماكانها المطالبة بمعاملات إستثنائية وتمييزية بدعوى المعاملة بالمثل، مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية. والضغوط ستبقى في مستوى يمكن الصمود أمامه.

بشان المصاعب التي واجهها يو بي إس في الولايات المتحدة، هل كانت الحكومة السويسرية مجبرة على الإنخراط في العملية إلى هذا الحد؟

سيدريك تيّ: مجبرة! نعم، إذا إخذنا بعين الإعتبار حجم وأهمية اتحاد المصارف السويسرية، وهو ما منع الحكومة من المخاطرة والتضحية بالمصرف. فهو يقوم بدور كبير جدا في السوق المحلية. هذا ما يبرر ويفسِّـر لماذا كان هذا الإتفاق بين حكومتيْن. وسيكون على اتحاد المصارف السويسرية فعل ما يطلب منه لأن المفاوضات كانت بين دولتيْن.

حجم المصرفين العملاقين في سويسرا (يو بي إس وكريدي سويس) واللذين يمثلان تقريبا ثلث السوق الداخلية، سيكون المشكلة التي يجب أن تواجهها سويسرا في السنوات المقبلة على المستوى الهيكلي. حتى لو لم ينتهكا القوانين، يمكن أن يكون مردود هذيْن المصرفيْن ضعيفا أو أن يسجلان خسائر على مستوى الأسهم، وسيظلان خطرا محدقا. ما حدث ينذّر مرة أخرى بالاخطار الممكنة بالنسبة لنظام مالي تهيمن عليه جهتان فقط.

هل هناك دروسا ما يمكن استفادتها من قضية يو بي إس في الولايات المتحدة؟

سيدريك تيّ: علينا أن لا ننسى أبدا القاعدة الذهبية: إفعل ما شئت، لكن لا تستفز العم سام. فمهما حصل للولايات المتحدة، تستطيع في الأخير النهوض وإلحاق الأذى بمخالفها.

المسألة الأخرى أيضا: كيف حصل ما حصل في أحد أكبر المصارف السويسرية من دون أن تتخذ إدارته أي إجراء رادع؟ لا يتطلب الأمر أن نكون قضاة متمكنين حتى نعرف أن اللجوء إلى استخدام أرقام بدل الأسماء، يشير إلى أن هناك شيء غير طبيعي.

تقدم الحزب الإشتراكي السويسري بدعوى قضائية ضد مارسيل أوسبيل وبيتر كورر، المسؤولان السابقان بمصرف يو بي إس، هل تجد هذه الخطوة مبررة؟

سيدريك تيّ: قد يغيض البعض ما سأقوله، لكنني أجد هذه المبادرة إيجابية إلى حد ما. لست اشتراكي المنزع، لكن لابد من أن تقوم دولة القانون بدورها.

هل كانت إدارة يو بي إس على علم بالممارسات الخاطئة؟ رسميا، المحاكم هي الوحيدة التي يمكن أن تكشف ذلك، لكنني أشك في عكس ذلك، نظرا لحجم تلك المعاملات. وحتى في الحالة المقابلة، لن يكون الوضع أقل حرجا. ما حصل يبيّن أن أكبر مصرف سويسري كان كالسفينة التي انحرفت لتغرق، في وقت لا يعرف قائدها ما يفعله جزء من ربانها.

من الضروري إذن تسليط الضوء على ما جرى، بغض النظر عن الشكل الذي سيتبع، دعوى قضائية أو لجنة برلمانية… لا يجب أن نغفل كل ذلك، بمجرد مرور العاصفة، فنعود إلى مجال “الأعمال كالعادة”، كأن شيئا لم يكن. لابد من استخلاص الدروس.

بيار – فرانسوا بيسون – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

شكوى: في شهر فبراير الماضي، أودعت إدارة الضرائب الأمريكية دعوى قضائية لدى المحكمة الفدرالية الأمريكية بميامي في مسعى منها لإجبار اتحاد المصارف السويسرية يو بي إس على تسليمها قائمة بأسماء 52.000 من حرفائه الأمريكيين الذين يشتبه بأنهم يتهربون من دفع الضرائب.

الدفاع: بالنسبة لسويسرا، رفع هذه الدعوى مخالف لبنود اتفاقية منع الإزدواج الضريبي الثنائية السارية بين البلديْن. في نفس الوقت، هددت برن بمتابعة يو بي إس قضائيا إذا ما أقدم على كشف الأسماء 52.000 التي تطالب بها إدارة الضرائب الفدرالية الامريكية.

حصيلة النزاع: الجمعة 7 أغسطس، وعقب مكالمة هاتفية جديدة بين الأطراف المتنازعة، منح ألان غولد، القاضي بالمحكمة الفدرالية بميامي فرصة أخرى تنتهي يوم 12 أغسطس، لتمكين الأطراف المتحاورة من التوصل إلى اتفاق، وفعلا وُقّع الاتفاق أسبوعا فقط بعد ذلك.

الأشد عرضة للأزمة: يو بي إس، من أكثر المصارف التي تأثرت بالأزمة العالمية التي اندلعت في عام 2008. وجاءت أكبر المخاطر التي تعرض لها المصرف من السوق الأمريكية.

عجز: حقق المصرف سنة 2008 عجزا تاريخيا بلغ 20 مليارا مقابل خسارة قيمتها 5.2 مليار في السنة التي سبقتها. وخلال النصف الأول من السنة الجارية، وصلت خسائره إلى 1.4 مليار فرنك.

نزيف: بلغت الودائع التي سحبت من المصرف 39.4 مليار فرنك خلال السداسية الاولى من سنة 2009 (14.9 مليارا خلال الأشهر الثلاثة الأولى، و85.8 مليار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2008).

عملية الإنقاذ: تدخلت الحكومة الفدرلية لإنقاذ يو بي إس من الإفلاس. وقد أودعت في حسابات المصرف أصول مالية تبلغ 6 مليارات فرنك (قرض ملزم التحويل)، وكلفت البنك الوطني السويسري بإيجاد إطار وصيغة لتصريف وإدارة “الأصول الفاسدة” التي توجد بحوزة يو بي إس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية