مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الإنتفاضة البيضاء”.. فلسطينيون يقاطعون منتجات المستوطنات اليهودية

عامل بناء فلسطيني يقف أمام المستوطنة اليهودية الكبيرة "حار حوما" جنوبي مدينة القدس Keystone

في مؤتمرٍ عُـقد في بداية شهر مايو في العاصمة السويسرية برن حول إيجاد سُـبل جديدة للخروج من مأزق الصِّـراع القائم في الشرق الأوسط، تحدّث القِـسّ الفلسطيني ميتري الرّاهب عن "الإنتفاضة البيضاء" أو المقاومة اللاعنفية للاحتلال الإسرائيلي. وتُشكل "وثيقة كايروس" للتّـوافق الفلسطيني، الأساس المسيحي لهذه الانتفاضة.

ويتحاور الفلسطينيون المسيحيون ومعهم اللاّهوتي والقسّ الدكتور ميتري الراهب، راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية ورئيس مجموعة دِيار في مدينة بيت لحم منذ عِـدة سنوات، مع المسيحيين السويسريين.

وقد قام هؤلاء، وبمساعدة من وكالات الإغاثة السويسرية، بعقد مؤتمرٍ في العاصمة برن جرت خِلاله مناقشة تقويض سياسة الاحتلال الإسرائيلي من خلال العقوبات والمقاطعة وسَحب الإستثمارات. وفي هذه المقابلة، يوضح القسّ ميتري الراهب موقِـفه من كل هذه المسائل.

swissinfo.ch: بدأ السكان الفلسطينيون بمقاطعة البضائع الإسرائيلية المُـنتجة في المستوطنات اليهودية، ألا يُـؤْذي الفلسطينيون أنفسهم بذلك؟

ميتري الراهب: كلاّ. فمن المُـهم التفكير بنوعية المنتجات التي يتِـم شراؤها، وهذا لا يتعلّـق بِمُنتَجات المستوطنات اليهودية فقط. ولابد للمرء أن يتساءل أيضاً عن نوعِـية المُنتجات التي تضُـر البيئة وما الذي يُهدّد السلام ويَنتَهِك حقوق الإنسان.

يجب على كل مُستهلك أن يتحمّـل مسؤولية أعماله. ومن هذا المُنطلق، فإنَّ مقاطعة البضائع المُنتجة في المستوطنات، هو أمر منطقي. يقف وراء هذا النشاط رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض من جهة، والفلسطينيون المسيحيون الذين وقّـعوا على “وثيقة كايروس” من جهة أُخرى. ما هو مدى التنسيق بين الطرفين في هذه العملية؟

ميتري الراهب: لا يوجد هناك تنسيق على الإطلاق، ولكن الموضوع مطروح. فبعد مرور سنوات عِدة، لم تَتَقَدّم فيها مفاوضات السلام، كما لم يكن العُنف هو الطريق الأصحّ، صار الجميع يبحث عن البدائِل، وإحدى هذه البدائل هي المقاومة غير العنيفة مع المقاطعة والعقوبات.

في شهر ديسمبر 2009، تمّ التوقيع على “وثيقة كايروس للتوافق الفلسطيني”. كيف تم تحقيق ذلك؟

ميتري الراهب: لقد سَعَتْ مجموعة من القساوِسة ومن علماء الدِّين الفلسطينيين مع عامة الناس في بيت لحم، لإيجاد وسيلة للخروج من الطريق المَسدود في هذا الصراع، وكان ذلك عن طريق الإيمان. إنه يمثل اعتراف مسيحي بالعقيدة كما يُمثل في ذات الوقت قائِمة مطالب سياسية تُناشد جميع الأديان.

إلى أي مدى تُـشارك الكنائس السويسرية في تطوير هذه الوثيقة؟

ميتري الراهب: إنه مشروع فلسطيني بَحْتْ من دون أية مشاركة أجنبية، لكننا نَتَحاور مع الكنائِس السويسرية منذ سنوات طويلة. لقد عقدنا قبل سنتين مؤتمراً لاهوتياً في العاصمة السويسرية برن، وكان المؤتمر يهدِف إلى تطوير عِـلم اللاهوت بطريقة تجعَـل العَدل في الشرق الأوسط نُصْـب عَينه، وهذا هو ذات الشيء الذي نصبو إليه في وثيقة كايروس ((اشتقت كلمة كايروس من اللغة اليونانية القديمة، وهي تعني هذه اللحظة من الوقت. وفي سياق الوثيقة، يُقصد بها بِأنَّ الوقت قد حان للعمل من أجل السلام العادل وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المُسبِب الأساسي لمُعاناة شعوب المنطقة، وهي تحاكي وثيقة الكايروس الجنوب إفريقية الشهيرة، التي تم الإعلان عنها سنة 1985 وشكّـلت حينها انعِطافة هامة في النِّـضال ضد نظام الميز العنصري). نحن نسعى لإيجاد حلٍّ للصراع القائم من خلال عِـلم اللاهوت والإيمان.

في “وثيقة كايروس”، تُـشيرون إلى صراع الكنائس ضدّ نظام الميز العنصري (أبارتايد) في جنوب إفريقيا. إلى أيّ مدى تُمثِّل إسرائيل دولة ميز عنصري؟

ميتري الراهب: إن وضعنا اليوم في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المُحتلة، هو أسوأ من نظام الميز العنصري السابق في جنوب إفريقيا، حيث يجري التمييز بشكل منهجي ضدّ الفلسطينيين، وهناك أنظمة قانونية مُختلفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يوجد هناك فصل من النوع الذي يُسمح فيه للإسرائيليين فقط بقيادة العربات في شوارع مُعيّـنة في الضفة الغربية.

منذ 22 عاماً وأنتم تعملون كقسّ في مدينة بيت لحم، كما قمتم في عام 1995 بتأسيس مركز دار الندوة الدولية، (وهي صرح ثقافي، استوحى اسمه من دار الندوة، التي كانت تعقد في مكة المكرمة قبل الإسلام، في إشارة إلى التواصل مع الجذور العربية والإنفتاح على الآخر)، الذي تَعرَّض إلى إطلاق الرصاص من قِـبل الجيش الإسرائيلي. ما هو شكل حياتكم اليومية في الضفة الغربية المحتلة بالضبط؟

ميتري الراهب: إن حياتنا اليومية مُقيّـدة من قِـبَل كل شيء فرضه علينا الاحتلال، وهذا يمسّ بالخصوص حرية التنقل. فلا يُمكن الوصول من بيت لحم إلى رام الله، إلا عبْـر طُـرق التفافية، كما يجب عبور نقطتَـيْ تفتيش إسرائيلية، ممّـا يَتطلّـب وقتاً طويلا جداً، ومع ذلك، فنحن نحاول “تشكيل” عملنا في المركز بطريقة تجعل الإزدهار مُمكناً في كل شيء. نحن لا نريد أن نضع أنفسنا كثيراً في دور الضحية وأن نُرتب لنا حياتاً مريحة من هذا المُنطلق.

كيف يمكنكم، بالرغم من كل هذا البؤس والنكسات والعُنف، أن لا تستقيلوا؟

ميتري الراهب: بالنسبة لي شخصياً، فإن لذلك علاقة بإيماني ولا يتناسب الإيمان مع الإستقالة. وعلى العكس، يمكن للإيمان أن يُطلق العِـنان للكثير من الإبداع. والأمل، يعني بالنسبة لي ما نقوم به وليس ما نراه. ما أراه ليس أمراً جيدا، إنه نظام ميز عنصري مُكْـتمل التطور، وأنا لسْـت متفائلاً.

منذ تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، شهدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تغيّـراً في مسارها. ما هو شعورك حِـيال ذلك؟

ميتري الراهب: أنا لا أرى أي تغيير في المَسار. وبالنسبة للسياسة الأمريكية، فإنها لا تتعلّق أبداً بالرئيس فقط، وإنما بالكونغرس. وهؤلاء الأشخاص مُهتمّـون بإعادة انتخابهم أكثر من اهتمامهم بالدفاع عن القِيم والمَصالح الأمريكية. والسؤال في هذه اللحظة هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قد وصلت إلى النقطة التي تجعلها تُدرك بأن إسرائيل لم تَعُد شريكاً استراتيجياً، بل إنها أصبحت عِـبئاً إستراتيجيا ينبغي الإنفصال عنه، ولكن هذا سوف يستغرق سنوات عديدة.

هل هناك أدِلّـة على ذلك؟

ميتري الراهب: نعم، كأن يقول مسؤولون عسكريون أمريكيون، إن سياسة الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل تُعيق عملها في العراق وأفغانستان، وما كان بالإمكان قول شيء كهذا منذ خمسِ سنوات.

سوزان شاندا -swissinfo.ch (بالتعاون مع وكالة Infosud السويسرية)

في رام الله بالضفة الغربية، وزع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض يوم الخميس 27 مايو 2010 منشورات تحث الفلسطينيين على مقاطعة منتجات المستوطنات اليهودية في الاراضي المحتلة بالضفة الغربية.

وكان فياض يختتم حملة استمرت اسبوعا “لتنظيف” السوق الفلسطينية من بضائع المستوطنين التي يقول إنها تقوض الاقتصاد الفلسطيني.

ووزع فياض منشورات تحمل اسماء وصور 500 سلعة على القائمة السوداء للسلطة الفلسطينية تراوحت بين الفول السوداني وإطارات الأبواب.

وزار حوالي ثلاثة الاف متطوع أكثر من 255 ألف منزل فلسطيني في كل أنحاء الضفة الغربية لمساعدة العائلات على التمييز بين منتجات المستوطنات والمنتجات المصنعة في اسرائيل التي لا تستهدفها الحملة.

ويقدر المسؤولون الفلسطينيون قيمة بضائع المستوطنين التي تباع في السوق الفلسطينية بحوالي 500 مليون دولار.

وقال فياض ان الهدف من المقاطعة هو التخلص من منتجات المستوطنات بحلول نهاية هذا العام واستبدالها ببضائع فلسطينية مما يخلق فرص عمل تشتد حاجة الفلسطينيين اليها.

وقال فياض ان الفلسطينيين يمارسون حقهم في عدم شراء بضائع المستوطنات وان ما يقوم به الفلسطينيون لا يتعارض مع القانون الدولي.

(المصدر: نقلا عن وكالة رويترز بتاريخ 27 مايو 2010 بتصرف)

يعود أصل هذه الكلمة إلى الأساطير اليونانية، حيث كان “كايروس” يُمثل إلاه الفُرص واللحظات المُناسبة.

في عام 1985، توجهت الكنائس في مبادرة أطلقت عليها تسمية “كايروس”، مستهدفة وقف سياسة الميز العنصري في جنوب إفريقيا.

وفي عام 1989 نشأت “عملية كايروس الأوروبية”، كنتيجة لأول تجمّـع سكني أوروبي للكنائس، والذي تلتزم من خلاله بنظامٍ عالمي عادل.

ولِـد ميتري الراهب، الفلسطيني المسيحي، في عام 1962 في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، وهو متزوج و له ابنتين.

قام بدراسة اللاهوت البروتستانتي في “هيرمانسبورغ” (شمال شرق ألمانيا) و”ماربورغ” (في ولاية هَسَن في الوسط الغربي من ألمانيا).

ومنذ عام 1988، يعمل ميتري الراهب كَـراعٍ للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم في عيد الميلاد المجيد.

في عام 1995، أنشَـأ ميتري الراهب مركز “دار الندوة الدولية” في بيت لحم، وقد دُمِّـر جُزئياً من قِـبَل الجيش الإسرائيلي في عام 2002.

وفي عام 1998، أنشأ مدرسة “دار الكلمة النموذجية” في مدينة بيت لحم أيضاً، أعقبه تأسيسه لمركزٍ صحّـي أسماه “دار الكلمة للصحة المُجتمعية” في عام 2003.

وفي عام 2006، قام بتأسيس “كُـلية دار الكلمة”. وقد حصل القسّ ميتري الراهب على جائزة “آخن” للسلام في عام 2008 بجانب الألماني أندرياس بورو، أحد أهم مؤسسي المظاهرات السِّـلمية وحركات السلام، التي تدعو إلى طرح بدائل سِـلمية، بالإضافة إلى مؤسسه مراقبة الحواجز Machsom watch، التي تراقب سلوك الجنود الإسرائيليين على الحواجز والمعابر.

وتُمنح هذه الجائزة سنوياً منذ عام 1988 لشخصيات ومنظمات تتميّـز بالدعوة إلى الحوار والابتكار والعمل المُجتمعي وحلّ النزاعات.

وفي يوم 11 ديسمبر 2009، نُشرت وثيقة كايروس – فلسطين من مدينة بيت لحم، التي أعَـدَّها الفلسطينيون المسيحيون وقام المجلس المسكوني للكنائس بالتوقيع عليها، بالإضافة إلى المُجتمع العالمي المُكوّن من 349 كنيسة وعَدَد كبير من المُنظمات الإسلامية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية