مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الحرب القادمة مع حزب الله لن تبدو مثل سابقتها”

جنود إسرائيليين يعبرون خط الحدود مع لبنان مع بدء انسحاب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي يوم 15 أغسطس 2006. Keystone

أكد تساحي هنغبي، رئيس لجنة الخارجية والأمن، التابعة للكنيست الإسرائيلي والمقرب من رئيس الوزراء إيهود اولمرت أن ما يحدث في لبنان هي "مواجهة داخلية لبنانية ذات خلفيات، اجتماعية وسياسية حزبية لبنانية، لا دخل لإسرائيل فيها من قريب أو بعيد"..

في المقابل، تجمع الأوساط العسكرية الإسرائيلية على أن مواجهة مسلحة جديدة مع حزب الله، هي مسالة حتمية ومحسومة”..

الأحوال الجوية في إسرائيل هذا الأسبوع كانت لطيفة نسبيا لهذا الفصل من السنة، وتحديدا في شمالها، كانت درجات الحرارة “فوق معدلها السنوي”، على حدّ تعبير الراصد الجوي في الإذاعة الإسرائيلية.

حرارة بعض المتواجدين في حفل تبديل قائد عصبة الجليل في الجيش الإسرائيلي في مقر قيادة المنطقة الشمالية، كانت هي أيضا “فوق معدلها العام”.

هيرش، قائد الوحدة المغادر منصبه بمرارة، وربما التارك الجيش نهائيا بعد أدائه وأداء وحدته المثير للجدل، وبعد تقرير داخلي للجيش الإسرائيلي حمّـله جزءا أساسيا من المسؤولية عما جرى في الحرب الأخيرة مع لبنان قال إن “الفجوة بين ما حققناه على الأرض خلال المعارك في لبنان وبين الانطباع السائد بين الجمهور في إسرائيل، كبيرة جدا” على حد تعبيره، مدافعا عن نفسه.

هذا الرجل وقف في بداية المعارك الأرضية في الجنوب، ليعلن سقوط مارون الرأس وعيتا الشعب في قبضة وحدته. لكن القرى اللبنانية قاتلت لأيام طويلة بعد تصريح هيرش وكبّـدت قواته عشرات القتلى والجرحى بعد أن خسِـر في بداية الحرب أربعة جنود قتلى واثنين مخطوفين في يد حزب الله، بدأت الأخبار تتضارب حول مصيرهما في الأيام الأخيرة، إن كانا على قيد الحياة أم أنهما أصبحا منذ زمن جثثا هامدة في ثلاجات لبنانية.

مواجهة حتمية ومحسومة

قائد الوحدة الجديد، يوسي بخار، كان حادا في معرض حديثه عن المهام الموكّـلة إليه خلال الفترة القادمة، حيث قال “سنقوم ببناء العصبة من جديد وتجهيزها للحرب مع حزب الله. الحرب القادمة لن تبدو مثل سابقتها”.

فمن خلال تصريحاته هذه، عبر يوسي بخار عن الأجواء في الأوساط العسكرية الإسرائيلية المجمِـعة على أن مواجهة عسكرية جديدة مع حزب الله، هي مسالة حتمية ومحسومة، وبحسب بعض المصادر العسكرية الإسرائيلية، فان الصيف القادم قد يكون الوقت المناسب لهذه المواجهة.

فحزب الله الذي يبدو مشغولا في الفترة الأخيرة في إنزال مناصريه ومناصري حلفائه إلى شوارع العاصمة بيروت وساحاتها لإسقاط حكومة الأغلبية النيابية برئاسة فؤاد السنيورة، لا زال يعمل بأقصى طاقاته لتعزيز قواته العسكرية في الجنوب اللبناني وفرض معادلة جديدة أمام الجيش اللبناني والقوات الدولية في المكان.

وتفيد التقديرات في إسرائيل، بأن حزب الله استطاع، ومنذ نهاية الحرب، ترميم قدراته العسكرية التي تعرّضت إلى ضربة إسرائيلية قوية، وتمكن من مـلء مخازنه بصواريخ جديدة وصلته من سوريا وإيران، على الرغم من الجهد الدولي المبذول لفرض حظر على إدخال الأسلحة إلى لبنان.

تصريحات رسمية وغير رسمية

“المشاهد القادمة من لبنان، يجب ألا تخدعنا، حزب الله يقود معركة داخلية بالتوازي مع الاستعدادات للمواجهة القادمة معنا، إنه لا يرد على نشاطاتنا هناك، لأنه غير معني في دخول المواجهة قريبا، لقد تلقى ضربة قاصمة منا خلال الحرب، وهو بحاجة لبناء ذاته عسكريا من جديد”، حسب تصريح أحد المصادر الإسرائيلية الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته.

ويواصل نفس المصدر في تصريح لسويس إنفو “..لكن انتصار الحزب في المواجهة السياسية الداخلية في لبنان، سيشكل استمرارا لنظام “آيـات الله” في إيران على حدودنا الشمالية، وسيكون قلبا لموازين الاستقرار في المنطقة”، على حد قوله.

التصريحات الرسمية الإسرائيلية بدت أكثر تحفظا، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني قالت في باريس خلال زيارة رسمية لها، إن “إسرائيل ستعمل كل ما هو مطلوب للحفاظ على قرار الأمم المتحدة 1701، لوقف إطلاق النار”، التصريح وجِّـه إلى الفرنسيين لطمأنتهم بعد الاحتكاكات بين البلدين، الناجمة عن إصرار إسرائيل على استمرار طلعاتها الجوية في الأجواء اللبنانية.

نفس المصدر السابق، أكّـد أن الوجه الثاني لهذه التصريحات، المتعلِّـق بذكر القرار 1701 هو الأهم حيث أن “تطبيق هذا القرار، يعني القضاء على جبهة عسكرية ساخنة وقابلة للاشتعال في كل لحظة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار موازين الرِّبح والخسارة في الحرب الأخيرة مع حزب الله، فتطبيق القرار الأممي سيخفِّـف عنا الكثير”.

حــذر إسرائيلي

إسرائيل تبدو حذرة في الفترة الأخيرة بألا تبدو متورِّطة في السِّـجال اللبناني الداخلي، صحيح أنها تفضِّـل انتصار التيار المعادي لحزب الله بالضربة القاضية، التي يمكن أن تجر وراءها إمكانية نزع سلاح الحزب، ولكنها لا تريد ذلك من مُـنطلق المحبة التي تكِـنّـها لهذه الأطراف، التي لم تتردد في مواجهتها عسكريا في السابق من جهة، ومن جهة أخرى، فإسرائيل تدرك أن أي تلميح لتأييد هذا الطرف أو ذاك، قد يأتي بنتائج عكسية وقد يضرّ بمصالح حلفاء استراتيجيين لإسرائيل، وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان تبدوان حاليا مؤيِّـدتان لحزب الأغلبية البرلمانية اللبنانية، ومناهضتان لعودة أي دور سوري على الساحة اللبنانية، كل لحساباته ولمصالحهما المشتركة، التي قد تتغير مع مغادرة الرئيس شيراك لقصر الاليزيه، وإن كانت إسرائيل “لا تمانع في بيع لبنان لسوريا، إذا ما تطلّـبت مصالحها ذلك مستقبلا”.

رئيس لجنة الخارجية والأمن، التابعة للكنيست تساحي هنغبي، أحد الأشخاص الأقوياء المحيطين برئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت، قال بأن ما يحدث في لبنان هي “مواجهة داخلية لبنانية ذات خلفيات، اجتماعية وسياسية حزبية لبنانية، لا دخل لإسرائيل فيها من قريب أو بعيد، وأن إسرائيل ترفض أن تُـجَـر إلى هذه النزاعات الداخلية”.

تصريحات هنغبي بدت دبلوماسية صرفة، غير أن المتتبّـع لتاريخ العلاقات اللبنانية الإسرائيلية يرى أن إسرائيل في أكثر من محطة في الماضي لم تُـجر فقط إلى الساحة الحزبية اللبنانية الداخلية، بل هرولت جاهدة للتورّط في هذا “المستنقع”، واتفاق السلام اللبناني الإسرائيلي، الذي وقع من قِـبل حكومة اسحق شامير عام 1983 مع الرئيس اللبناني حينها أمين الجميل، ومعه من كانوا يسموا “اليمين اللبناني”، لتعزيز مواقعهم أمام اليسار اللبناني، وما يعرف اليوم بفصائل المقاومة، هذا الاتفاق لم يدم طويلا.

ويؤكد العارفون ببواطن الأمور، وجود اتصالات إسرائيلية مع أكثر من فريق لبناني، حتى في الأيام الأخيرة، إن كان من خلال طرف ثالث كالولايات المتحدة وفرنسا، وإن كان من خلال شبكة علاقات مع رجال أعمال لبنانيين مقربين لأوساط عديدة في الساحة اللبنانية، استطاعت إسرائيل أن تطور معهم خلال فترة احتلالها للجنوب اللبناني، وحتى في فترات سابقة، علاقات تجارية قوية ومصالح مشتركة، وإن كان أيضا من خلال اتّـصال مباشر مع بعض الساسة اللبنانيين.

معركة جديدة قادمة.. لا محالة

بتقدير العديد من المراقبين الإسرائيليين، فإسرائيل لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن التدخّـل في لبنان، إن كان بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، فقبل أن يتحوّل الجنوب اللبناني إلى “جبهة إيرانية مشتعلة على الحدود الشمالية لإسرائيل”، على حد تعبيرهم، كانت لبنان مرتعا خصبا لنشاط الفلسطينيين ومصطلح “فتح لاند” لا زال يتردّد على ألسِـنة العديد من الإسرائيليين، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، لم يعنِ خروجا نهائيا للفلسطينيين من هناك.

المخيمات بقيت مكانها والسلاح أيضا، بل إن الوضع أصبح أكثر خطورة بعد أن تعزّزت مكانة حركات فلسطينية، تُـعتبر متطرفّـة بالنسبة لإسرائيل، كحماس والجهاد الإسلامي، وبعد أن أصبحت المخيمات حسب المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية حاضنة “لقوى الإرهاب الدولي”، كالقاعدة والمنظمات المقربة منها، التي ترى في إسرائيل هدفا رئيسيا لها.

وإذا كانت نتيجة تحرّكات المعارضة في لبنان ستعني انقلابا عسكريا يقود تحالف حزب الله إلى الحكم بالقوة، فإسرائيل لن تبقى مكتوفة الأيدي، خصوصا وإن عنى ذلك أنها ستكون عُـرضة من جديد للصواريخ القادمة من الشمال.

فالمعركة العسكرية الحتمية والقادمة، التي تحدّث عنها بخار، تبدو أسرع من المتوقع، وإن لم يفرغ سريعا من إعداد قواته لها، فقد يكون مصيره مشابها لمصير هيرش، الذي اعتبر في إسرائيل حتى الحرب أحد الشخصيات العسكرية الإسرائيلية الواعدة، التي لن تُـنهي حياتها المِـهنية قبل أن تمرّ على منصب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية في طريقها إلى التقاعد، غير أن قواعد اللعبة الداخلية اللبنانية وتفرعاتها الإقليمية والدولية اضطرته مجبرا على تغيير خططه وخطط مرؤوسيه.

قاسم الخطيب – إسرائيل

طالما أن الظروف، من وجهة نظر إسرائيلية، غير ناضجة للمفاوضات والسلام مع سوريا وطالما أن الثنائي بوش وأولمرت يفضلان استمرار السيطرة الإسرائيلية على الجولان، وطالما أن من أهم تداعيات الهزيمة الإسرائيلية في المواجهة الأخيرة أمام حزب الله، سقوط أهم الأساطير الإسرائيلية المتعلقة بسلاح الجو والردع والجيش الذي لا يقهر، وأن “إسرائيل” بالتالي تبحث عن حروب جديدة تستعيد عبرها ما فقدته أمام حزب الله، فإن همهمات الحرب الإسرائيلية أخذت تستعر وتتصاعد عمليا في الاتجاهات الأربعة الإيرانية والسورية والفلسطينية واللبنانية (المصدر. صحيفة معاريف 1 أكتوبر2006).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية