مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الختيار” وصراع البقاء

نهاية حصار عرفات لا تعني نهاية معاناة الفلسطينيين او انفراج افق التسوية Keystone

انسحبت القوات الاسرائيلية من مدينة رام الله ورفعت بذلك الحصار الذي فرضته على رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات الذي خرج من مقره، المقاطعة، وسط استقبال شعبي حاشد. ومرة اخرى ينجو عرفات من قبضة ارييل شارون.

على مدى اربعة وثلاثين يوما ظل الرئيس الفلسطيني ومرافقوه محاصرين في المقاطعة بلا ماء وفي معظم الاحيان بلا كهرباء. استقبل عرفات طوال فترة حصاره ضيوفا ووسطاء كثيرين، لعل ابرزهم كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة، الذي فشل في اقناع ارييل شارون بتخفيف القيود الحديدية التي فرضها على الزعيم الفلسطيني.

لكن عرفات متمرس في كسر القيود وفك الحصار. في بيروت عام 82 ظل صامدا تحت وابل من القصف، وفي رام الله بعد عشرين عاما ظل تحت رحمة قذيفة اسرائيلية واحدة كانت كافية لفك العقدة المزمنة بينه وبين خصمه اللدود ارييل شارون، الذي لم يخف منذ اجتياح بيروت انه لم يتخلى عن فكرة قتل عرفات او تحييده نهائيا، لكن ذلك لم يحصل.

الاوساط الفلسطينية والعربية تتساءل عن مضمون الصفقة التي رفعت بموجبها اسرائيل الحصار عن عرفات. والاكيد ان هنالك صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة لاعادة الرئيس الفلسطيني الى مواطنيه. لكن هذا قد لا يكون مهما اليوم. فالاهم ان الرجل الذي جسد معاناة ونضال الشعب الفلسطيني وتناقضاته على مدى اكثر من اربعين عاما، يعود من العدم.

حياة قاسية وزاخرة

ولد ياسر عرفات عام 1929 في القاهرة. لكن سيرته الذاتية المسجلة في موقعه على الانترنت تقول انه ولد في القدس، في فلسطين. انضم وهو في السابع عشرة من العمر الى التنظيمات الفلسطينية المسلحة، التي كانت تناضل ضد قيام دولة يهودية في فلسطين. شارك عام 1947 في القتال بين اليهود والعرب ثم في حرب 1948 التي اندلعت بعد قيام الدولة اليهودية.

بعد الهزيمة المريرة للفلسطينيين والعرب في تلك الحرب، عاد عرفات الى الدراسة في الجامعة، حيث درس الهندسة المدنية في جامعة القاهرة وانخرط في النشاط السياسي على الساحة المصرية. لكن ذلك لم يرق لسلطات القاهرة وللرئيس عبد الناصر، مما دفع بعرفات الى الهجرة عام 1957 الى الكويت، حيث انشأ عام 1959 حركة التحرير الفلسطينية فتح لمقاومة اسرائيل.

من عمان الى بيروت الى تونس…

وفي عام 1969 انتخب ياسر عرفات رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية خلفا لاحمد الشقيري وبدأ نجمه يسطع على الساحة الدولية، واصبحت القضية الفلسطينية تستقطب الاهتمام العالمي. وفي عام 1970 اتهم العاهل الاردني الراحل الملك حسين الفلسطينيين بمحاولة الاطاحة بعرشه، مما ادى الى حدوث مواجهات دامية خلال ما عرف بايلول الاسود. ووجد الفلسطينيون انفسهم مرة اخرى على طريق المنفى… طريق بيروت.

عام 1982 اجتاحت القوات الاسرائيلية بقيادة الجنرال ارييل شارون لبنان في خضم الحرب الاهلية، ويضطر عرفات ومقاتلوه الى المغادرة… هذه المرة الى تونس التي بقي فيها حتى عام 1994. في الاثناء، ندد عرفات بالارهاب عام 1988بعد ان اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق اسرائيل في الوجود.

وفي عام 1993، ابرم في ساحة البيت الابيض معاهدة سلام مع رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اسحاق رابين، مكنته في عام 1994 من تحقيق حلم حياته بالعودة الى فلسطين، حيث اتخذ من غزة مقرا له. لكن حلمه بتحرير القدس والضفة الغربية كاملة لم يتحقق ولم يبسط الرئيس الفلسطيني سلطته الوطنية الا على بعض المدن في الضفة على مرأى ومسمع قوات الاحتلال الاسرائيلية.

وعلى الرغم من كل الانتقادات الفلسطينية والدولية لاسلوب ادارته مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، حتى من بعض المقربين منه، فان عرفات حافظ على ثقة معظم الفصائل الفلسطينية والشارع الفلسطيني. وقد زادت الاهانات الاخيرة التي حاول شارون من خلالها اذلاله وتركيعه من شعبيته التي تجسدت يوم الخميس عند خروجه من المقاطعة الى شوارع رام الله، في انتظار ما سيأتي لاحقا.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية