مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الرجل الوحيد” في الحكومة الفدرالية يُـقرِّر المغادرة

سامويل شميد يمارس رياضة الرماية في لقطة نادرة من حياته الخاصة. Keystone

كانت الأوساط السياسية السويسرية تطالب باستقالة سامويل شميد منذ عدة أشهر. وصبيحة الأربعاء 12 نوفمبر 2008، أعلن وزير الدفاع، الذي خضع مؤخرا لعملية استئصال المرارة عن استقالته يوم 31 ديسمبر. قراءة في سيرة هذا الرجل، الذي سيترُك انطباعا متناقضا عن الفترة التي قضّـاها في الحكومة الفدرالية.

عندما تحين ساعة جرد الحساب، من الصعب استعراض مسيرة وزير مغادِر. ويُـمكن القول أن سامويل شميد، يخلّـف وراءه، سواء على المستوى السياسي أو الشخصي، حصيلة يتداخل فيها الإيجابي بما هو أقل إيجابية.

أحد وجهاء القرية

يعرف وزير الدفاع بشخصيته الباهتة وبتحفظه وبتلكؤه في الكلام، كما انه يفتقد للحيوية والحماسة التي كانت تميز سلفه أدولف أوغي.

ويفضّل سامويل شميد الانزواء بعيدا عن الأضواء. فهو لا يشارك بطواعية منه في المهاترات والمجادلات السياسية، ولا يتدخل في ملفات زملائه في الحكومة. الكثيرون يعتبرونه شخصية تفتقد للكاريزما، ويذهب البعض إلى حد اعتباره “أحد أعيان القرية”، الذي وصل إلى قمة السلطة.

لكن سامويل شميد من ناحية ثانية، يمثل نموذج الشخصية الجذّابة. والذين عايشوه عن قرب يتحدثون عن رجل كثير الكلام، الحوار معه سلس وسهل. ويشتهر، على سبيل الفكاهة، بكثرة توقفه في ممرات مقر الحكومة الفدرالية وتخصيص وقت لتحية النساء المشتغلات في قسم الخدمات في المقر.

غير أن وزير الدفاع أثبت انه قادر على لفت الأنظار إليه أيضا. لقد خصص أول زيارة له كرئيس دوري للكنفدرالية إلى فرقة من فرق حرس الحدود، وعبّرت تلك الزيارة التي تمت في فاتح يناير 2005، عن دلالات رمزية أثارت الإعجاب. ويتذكّر الجميع أيضا “تصريحاته المثيرة”، خلال قمة المعلوماتية التي عقدت بتونس سنة 2005، والتي عبّر خلالها علانية عن رفضه لتضييق الحكومة التونسية لمجالات حرية التعبير.

المعارض لبلوخر

مثّل سامويل شميد رسميا القوة الموازية لهيمنة الجناح المتشدد داخل حزب الشعب (يمين متشدد)، وكان هذا واضحا وضوحا كاملا منذ أن انتخبه البرلمان عضوا بالحكومة في 6 ديسمبر 2000، مفضّلا إياه على المرشحة الرسمية لنفس الحزب ريتا فوهرر.

هذا الموقف غير المنسجم مع الحزب، الذي يفترض أنه ينتمي إليه، عرّض سامويل شميد للعديد من التهجمات. ومما يذكر في هذا السياق، الوصف الذي أطلقه عليه منظّـر حزب الشعب كريستوف مورغلي، حين وصفه بـ “نصف مستشار فدرالي”، (نظرا لعدم اتفاقه بالكامل مع مواقف القيادة المركزية لحزب الشعب).

خلال سنوات طويلة، عانى سامويل شميد من هذا النوع من الإنتقادات ويجب الإقرار أنه أمكنه تحمل ذلك بفضل الدعم الذي كان يتمتع به من أحزاب معادية للجناح المتشدد داخل حزب الشعب، هذا الوضع الشاذ نوعا ما، منح هذا الوزير صورة الشخص القادر على مواجهة المصاعب السياسية.

إنه الشخص القادر على تحمل الضربات، لكنه القادر أيضا عند الضرورة على توجيه الضربات، وهذا ما حصل أخيرا، عندما اعتزل حزب الشعب والتحق بالحزب البورجوازي الديمقراطي، حديث النشأة.

حصيلة لا تحظى بإجماع

ظلّ سامويل شميد كامل الفترة التي قضاها في الحكومة على رأس وزارة الدفاع، ولم يعبر خلال تلك الثمان سنوات عن رغبة في تغيير مهمته أو تنويع تجاربه داخل الحكومة، على الرغم من أن مغادرة خمسة مستشارين لمهامهم في تلك الفترة كان سيفسح له المجال للقيام بذلك.

الكثيرون رأوا في ذلك فقدانا للطموح. في الواقع، كان يمكن لأي سياسي طموح في وضع مماثل أن يرغب في الفوز بحقيبة الشؤون الداخلية أو المالية أو الاقتصاد، لكن سامويل شميد كان يعبّر باستمرار عن رغبته في الاحتفاظ بحقيبة الداخلية إلى حين الانتهاء من إدخال الإصلاحات اللازمة على مؤسسة الجيش.

لكن حصيلة الوزير على رأس الدفاع، خلال ثمان سنوات، اقل ما يقال أنها لا تحظى بالإجماع. صحيح، أنه حقق بعض النجاحات، كقبول الشعب لمشروع الإصلاحات من اجل جيش القرن الحادي والعشرين وإرساله لجنود سويسريين للخارج في بعثات خاصة بحفظ الأمن.

في الوقت نفسه، لا يبدو حاليا أن الأهداف المستقبلية للجيش السويسرية واضحة بما فيه الكفاية، وليس الرفض الأخير الذي عبّرت عنه الغرفة السفلى من البرلمان (مجلس النواب) للميزانية العسكرية التي اقترحها الوزير، سوى دليل آخر على العُـزلة التي يعاني منها الوزير.

الكلمة الأخيرة للمؤرخين

نظرة سريعة على تجربة سامويل شميد تتكشّف عن شخصية سياسية مثيرة للجدل، حققت نجاحات، لكن الحظ لم يسعفها باستمرار.

وتعد سنة 2008، سنة كارثية بالنسبة للوزير، حيث تصدر واجهة الأحداث، الغموض الذي أحاط باستقالة رولاند نيف، قائد الجيش، ولعلها كانت النقطة التي أفاضت الكأس.

ظل سامويل شميد، هدفا لانتقادات زملائه في حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) لزمن طويل، ولو لم يستفد من الهدنة التي منحته إياها الأحزاب الأخرى، لوجد نفسه مدفوعا دفعا إلى مغادرة منصبه الحكومي.

سويس إنفو – أولفيي بوشار

ولد سامويل شميد، وزير الدفاع وحماية السكان والرياضة السويسرية سنة 1947. وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.

درس القانون في جامعة برن، ومارس المحاماة وكان ضابط عدلية أيضا.

بدأ مشواره السياسي من جماعته المحلية (البلدية) بمنطقة روتي بي برن، أولا كعضوا بمجلسها التشريعي ثم إلتحق بدائرتها التنفيذية.

شغل على المستوى الكانتوني مقعدا في برلمان كانتون برن بين سنتيْ 1982 و1993.

إبتداء من 1994، اصبح له حضورا على الساحة الوطنية، أولا كنائب بمجلس النواب (1994، 1999)،ولاحقا كعضوا بمجلس الشيوخ (1999-2000) وكان يترأس حينها المجموعة البرلمانية التابعة لحزب الشعب السويسري.

انتخب عضوا بالحكومة الفدرالية في 6 ديسمبر 2000، وبدأ مهامه كوزير للدفاع وحماية السكان والرياضة في غرة يناير 2001. كما شغل منصب رئاسة الكنفدرالية في عام 2005.

يوم 21 يونيو 2008، انسحب نهائيا من حزب الشعب السويسري وأسس، رفقة منشقين ينتمون إلى الجناح المعتدل في الحزب، فرع الحزب البورجوازي الديمقراطي في برن.

يوم 1 نوفمبر 2008، شارك في تأسيس الحزب البورجوازي الديمقراطي، على المستوى الوطني.

يوم 12 نوفمبر 2008، أعلن بشكل مفاجئ عن استقالته من منصبه كوزير للدفاع في الحكومة الفدرالية يوم 31 ديسمبر 2008.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية